صفحة الكاتب : الشيخ محمد مصطفى مصري العاملي

الجُمُعة.. (براءةٌ) بعد الولاية!
الشيخ محمد مصطفى مصري العاملي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

 بسم الله الرحمن الرحيم
 
(قَدْ كانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ في‏ إِبْراهيمَ وَالَّذينَ مَعَهُ إِذْ قالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآؤُا مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ) (الممتحنة4)
 
هو كتابُ الله الذي يُتلى آناء الليل وأطراف النهار، يدعو المسلمين إلى التأسِّي بإبراهيم عليه السلام ومن معه، وقد (تبرّأوا) من قومهم ومما يعبدون، فالولاية لله تعالى لا تجتمع مع الولاية لأعدائه.
 
وها هي سورة التوبة تُفتتح بالبراءة من الله ورسوله للمشركين، ثم يأتي الأمر الإلهي صريحاً بالأذان منه تعالى ومن رسوله إلى الناس في يوم الحج الأكبر:
(أَنَّ اللَّهَ بَري‏ءٌ مِنَ الْمُشْرِكينَ وَرَسُولُهُ) (التوبة3)
 
الله ورسوله يبرءان من أعدائهم، والمؤمنون يتأسون بالنبي (ص) وبإبراهيم عليه السلام، لأنهم يعتقدون أن (معرفة الله) تتضمن:
1. تَصْدِيق اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ.
2. وَتَصْدِيق رَسُولِهِ ص.
3. وَمُوَالاة عَلِيٍّ ع، وَالِائْتِمَام بِهِ وَبِأَئِمَّةِ الْهُدَى ع.
4. وَالْبَرَاءَة إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ عَدُوِّهِمْ.
 
ف(هَكَذَا يُعْرَفُ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ)، كما قال أبو جعفر الباقر عليه السلام (الكافي ج1 ص180).
 
وقد روي عَنِ الرِّضَا ع أَنَّهُ قَالَ: كَمَالُ الدِّينِ:
1. وَلَايَتُنَا.
2. وَالْبَرَاءَةُ مِنْ عَدُوِّنَا (مستطرفات السرائر ص266)
 
لقد خفي على كثيرٍ من هذه الأمة أن كمال الدين وتمام الولاية وخلوص المحبة وثبات المودة موقوفٌ على البراءة من أعداء آل محمد، أعداء الله تعالى.
وهذا المعنى ثابتٌ بالوجدان وبالعقل القطعي وبالنصوص القرآنية المتقدمة وسواها..
 
ولمّا كان يوم الجمعة هو سيِّدُ الأيام، وهو عيدٌ من أعياد الولاية، حيث جمع الله خلقه لولاية محمد (ص) ووصيه في الميثاق، ولمّا كان أفضل من الفطر والأضحى، وحيث كانت الصلاة على محمد وآله أفضل الأعمال فيه، وهي رمزٌ من رموز الولاية، كانت علائم الولاية والمودة واضحةً جليّة في هذا اليوم.
 
لكن أين علائم البراءة فيه؟
وهي التي يفترض أن تكمّل المودة وتقترن بها..
 
نبحث في أعمال يوم الجمعة، سوى الصلاة على محمدٍ وآله، فتشدُّنا وتلفتنا أمورٌ ثلاثة:
 
أولاً: الاهتمام الخاص ب(صلاة الجمعة)
 
فقد قال تعالى:
(يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنُوا إِذا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلى‏ ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ) (الجمعة9)
هي الآية التاسعة من سورة الجمعة، أوجب الله تعالى فيها على المسلمين الإجتماع لصلاة (الجمعة) بدلاً من (صلاة الظهر) في يوم الجمعة، وذلك في زمن حضور النبي (ص) أو الإمام المعصوم عليه السلام.
 
وقد روي عن المعصومين عليهم السلام في هذه الآية:
أن الله جل‏ جلاله فرض على عباده من الجمعة إلى الجمعة خمساً وثلاثين صلاة، لم يفرض فيها الاجتماع إلا في صلاة الجمعة خاصة (المقنعة ص163).
 
لقد ارتبطت صلاة الجمعة بمفهومي (الإيمان والنفاق)، ودلّت الأحاديث فضلاً عن وجوبها مع الإمام أن التارك لها ثلاث مرات من غير عذرٍ وعلةٍ منافقٌ!
وأنّ: مَنْ تَرَكَ الْجُمُعَةَ ثَلَاثاً مُتَوَالِيَةً بِغَيْرِ عِلَّةٍ طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قَلْبِه‏ (المحاسن ج‏1 ص85)
 
ثانياً: الاهتمام الخاص ب(سورة الجمعة)
 
حيث ورد استحبابُ قراءة (سورة الجمعة) في الصلاة (ليلة الجمعة وفجر الجمعة)، وفي (صلاة الجمعة)، حتى ورد أن التارك لها في صلاة الجمعة بمثابة التارك للصلاة، ففي الحديث: لَا يَنْبَغِي تَرْكُهَا، فَمَنْ تَرَكَهَا مُتَعَمِّداً فَلَا صَلَاةَ لَه‏ (الكافي ج‏3 ص425)
 
ههنا تنقدح في البال جملةٌ من التساؤلات:
 
لماذا هذا الحثُّ والتركيز على صلاة الجمعة وإيجابها؟
ثم التأكيد على تلاوة سورة الجمعة فيها وفي صلوات ليلة الجمعة وصبيحته؟!
 
ما السرُّ في سورة الجمعة؟
هل السرُّ هو ذكرُ المنافقين فيها؟!
 
لماذا ينبغي أن نقرأ قوله تعالى مراتٍ ومراتٍ في صلواتنا:
(وَإِذا رَأَوْا تِجارَةً أَوْ لَهْواً انْفَضُّوا إِلَيْها وَتَرَكُوكَ قائِماً قُلْ ما عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ مِنَ اللَّهْوِ وَمِنَ التِّجارَةِ وَاللَّهُ خَيْرُ الرَّازِقينَ) (الجمعة11)
 
هل يلزم علينا أن نتدبر هذه الآية فيما نتدبر من آيات القرآن؟ أم يجب إغماض الأعين عنها؟!
ألا تدلُّ على أن من (المصلين مع النبي ص) من كان يترك النبيّ قائماً للصلاة ويذهب للتجارة أو اللهو؟!
 
وإذا كان هؤلاء قد تخلوا عن النبي (ص) في حياته وتركوا الصلاة الواجبة التي لا يجوز التخلف عنها، فما حالهم بعد وفاته؟!
هل يُستبعد في حقهم حينها أن يتخلوا عن دين الله تعالى بعد رحلته (ص)؟
وهل يستوي هؤلاء مع أصحاب الصلاة حقاً؟!
 
ثم هل المراد من التجارة واللهو ما يظهر من معناهما؟ أم يراد منهما صاحبا الشقاق والنفاق؟ وعليٌّ خير منهما؟!
أم يراد كلا المعنيان؟!
 
أسئلة تراود البال حتى يلفتنا الأمر الثالث.
 
ثالثاً: استحباب قراءة سورة (المنافقين) ليلة الجمعة ويومها مقرونة بسورة (الجمعة)
 
فعن أَبِي جَعْفَرٍ ع قَالَ: إِذَا كَانَ لَيْلَةُ الْجُمُعَةِ يُسْتَحَبُّ أَنْ يُقْرَأَ فِي الْعَتَمَةِ (سُورَةُ الْجُمُعَةِ) وَ (إِذا جاءَكَ الْمُنافِقُونَ‏)، وَفِي صَلَاةِ الصُّبْحِ مِثْلُ ذَلِكَ، وَفِي صَلَاةِ الْجُمُعَةِ مِثْلُ ذَلِكَ، وَفِي صَلَاةِ الْعَصْرِ مِثْلُ ذَلِكَ (تهذيب الأحكام ج‏3 ص7)
 
خمسُ صلوات تُقرَأ فيها (الجمعة والمنافقون) كلّ أسبوع..
وعن الصادق عليه السلام: مَنْ لَمْ يَقْرَأْ فِي الْجُمُعَةِ (بِالْجُمُعَةِ) وَ(الْمُنَافِقِينَ) فَلَا جُمُعَةَ لَهُ (تهذيب الأحكام ج‏3 ص7).
 
التارك لسورة المنافقين في صلاة الجمعة كمن لا جمعة له أيضاً.
اتّضح الأمر جلياً ههنا.. فمطلع سورة المنافقين:
(إِذا جاءَكَ الْمُنافِقُونَ قالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنافِقينَ لَكاذِبُونَ) (المنافقون1)
 
الحكمة في الأمور الثلاثة:
 
ههنا يوضح لنا إمامنا الباقر عليه السلام، فيما روينا عنه من الأخبار المعتبرة، وجه الاقتران بين سورتي (الجمعة والمنافقين) في يوم الجمعة، وتكرارها والتأكيد عليها، فيقول:
إِنَّ اللَّهَ أَكْرَمَ (بِالْجُمُعَةِ) الْمُؤْمِنِينَ، فَسَنَّهَا رَسُولُ اللَّهِ ص بِشَارَةً لَهُمْ، (وَالْمُنَافِقِينَ) تَوْبِيخاً لِلْمُنَافِقِين‏ (الكافي ج‏3 ص425)
 
المؤمن الموالي يبشِّره الله تعالى في هذا اليوم وفي هذه السورة، والمنافق يوبّخه الله تعالى ويبين حاله للناس ويشهد بكذبه..
أفلا يتضح بهذا ركنية البراءة كما الولاية في الدين؟!
 
في واحدةٍ من آكد السنن وأهمها ليلة الجمعة ويومها، يظهر التأكيد والتنصيص على وجود المنافقين في أيام النبي (ص)، فتصبح هذه القناعة جزءاً لا يتجزأ من عقيدة المسلمين، يتفرع عنها ويترتب عليها لزوم البراءة من هؤلاء، وليس أعداء آل محمد إلا منهم بل رموزهم وأئمتهم..
 
فثبَّتَ يومُ الجمعة وسورةُ الجمعة وصلاةُ الجمعة (ركنيّة البراءة) بعدما ثبّت (ركنيّة الولاية).
 
وفي هذا (كمالٌ الدين) وتمامُه..
فلم يكمل الدين عند أحدٍ إلا بموالاة آل محمدٍ والبراءة منهم..
وخيرُ مَظهَرٍ لهذين الأمرين معاً هو يوم الجمعة..
 
فهو فرصةٌ لكلّ مؤمن لتثبيت هذه الأركان..
ولكلِّ مخالفٍ للتدبُّر في القرآن، وإعمال فكره، والنظر في حقيقة هؤلاء الذين يزعمون أنهم مؤمنون بالنبي (ص)، ويشهد الله ورسوله بكذبهم، ويبرأ الله ورسوله والمؤمنون منهم، فيهتدي إلى النبع الصافي الزلال، ويبرأ من المياه الآسنة، فينال الحسنيين.
 
صِرتَ يا يوم الجمعة رمزاً للولاية والبراءة، لكمال الدين وتمامه، كما صرتَ اليوم الذي ينتظر فيك المهدي الموعود.. عجل الله فرجه، وسهل مخرج، وثبتنا على ولايته والبراءة من أعدائه.
 
والحمد لله رب العالمين.
 


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


الشيخ محمد مصطفى مصري العاملي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2020/12/18



كتابة تعليق لموضوع : الجُمُعة.. (براءةٌ) بعد الولاية!
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net