صفحة الكاتب : علي حسين الخباز

البعد الروحي
علي حسين الخباز

 هل يحق للمتلقي أن يأخذ من الكتاب ما يريد؟ والجواب في حومة الدكتور صالح الطائي، نطلب منه السماح لما نفعل في كتابه الموسوم (اليك فقط).

قوافل الأحلام لابد ان تسير مهما جابت من صعاب؛ لأن الأمل دونها سيضيع، لذلك نسعى الى تحقيقه بكل ما أوتينا من قوة، بشرط أن تتوقف الأماني في اللحظة التي علينا أن نقرر.

الأماني مرحلة تخطيط والتقرير مرحلة انجاز. إن فرصة التعبير عن الذات متاحة امامنا وما علينا سوى معرفة الآليات الصحيحة وبعض الإصرار والاعتداد بالنفس والكثير من الايمان، فالذين نجحوا قبلنا في التعبير عن ذواتهم عبر التأريخ ليسوا افضل منا بل قد تكون فرصتنا اكثر منهم، وعلى يقين ان الطموح المشروع من بين جميع الاحلام كلها وحده له قوة دفع عالية تجعلنا نتخطى غيرنا.

هناك عوامل ونظم وأطر سلوك وترتيبات وطقوس يجب ان يقوم بها المرء كي يبرز وبدونها لا يمكن أن نحقق الحلم. أهم العوامل هي معرفة الانسان لنفسه وقدراته، وامتلاكه ملكة التمييز بين الصحيح والخطأ، واتباع الصحيح واجتناب الخطأ.

ان مصالحة الانسان لنفسه قبل ان يتصالح مع الآخرين مهمة، وان المستقبل هو الصفحة البيضاء التي يمكننا ان نرسم عليها حاضرنا ونكتب عليها ما نشاء اثناء مسيرنا، يمكننا ان نكتب حكمة او جنونا، يقينا ما نكتبه اما ان يزيد رقعة الظلمة حولنا والحسرة في القلب واما ان يوسع رقعة النور والسرور والفرح.

ولابد أن يحمل هدفا يسعى الى تحقيقه، وأماني واحلاما وخططا ومشاريع وتجارب ونجاحا وكبوات، اذ لايمكن للإنسان بناء ذاته وتحقيق أهدافه والوصول الى التكامل الإنساني وعيش المستقبل من اجل البناء الابدي دون ان يعرف ذاته على حقيقتها ليفيد من طاقاتها الداخلية وامكاناتها الخارجية.

إن الرحلة في البعد الروحي تحتاج الى تفعيل وتطوير لاستيضاح الفكرة، بالرغم من استقلالية الذات لكنها لا تكتمل الا بالتربية والتعليم والتقويم والتهذيب والتشذيب؛ لكي تصل الى مرحلة الكمال الجزئي الذي يميز الانسان العاقل عن غيره، والتي هي بدورها مرحلة الادراك والشعور النوعي.

ان غمط الفضل وتثبيط همة الفرد يؤديان الى تطرق الشك اليه وسوء ظنه بنفسه. ولكي نتحرر من القيود، علينا ان نبقي لنا اكثر من موطيء قدم، جميع السبل والجسور، سوف نحتاج يوما الى العودة، ولا نجد لذلك سبيلا فنشعر بغربة قاتلة.

ان ما بيننا وبين القراءة اليوم من جفاء له أسبابه القاهرة، لننجح بتجاوزها، ولكن مجرد اعتكافنا في صومعة اليأس وترك القراءة وعدم محاولة تجاوز هذه الازمنة يعني أن الظروف هزمتنا، وانتصرت علينا، وانا تنازلنا عن بعض حريتنا، يمثل نقطة تباين كبير بين من يقرأ وبين من لا يقرأ، هي الميزان المعياري الذي يحجب التطابق بيني كانسان مثقف وبين الامي الذي لا يحسن القراءة، ويمنحنا إمكانية إقامة علاقة متينة مع الكتاب تتطور لتتحول الى قدرة استنباطية تحولنا الى حكم له قدرة التميز بين هذا الكتاب وذاك.

الصعود على القمة سوف نحتاج في بعض المحطات ان نحي الطفل في داخلنا ليقوم بعض الاعمال التي ترفه عن خواطرنا، علينا ان لا نخشى لحظات المرح، المعقول والمقنن او التصرف الذي لا يخالف الاخلاق، نحن بحاجة الى التحرر أحياناً من بعض تزمتنا لنعيش لحظات مغامرة بسيطة، تستنهض الطفل القابع في اعماقنا هذا الطفل هو الملاذ الحقيقي ومنقذنا من حالات التشنج الفكري التي نمر بها.

يدعونا الله تعالى الى الصبر لتحقيق مكاسب لا يمكن نيلها الا من خلال هذه الطريق الصعبة، الانسان مثلما يجد السعادة متاحة امامه، تعترضه الكثير من البلوى والوجع والكمد والحزن والفشل، والصعوبات غير المتوقعة، هذه سنة الحياة، نحن لسنا افضل من الأنبياء والاولياء ومع ذلك كان الأنبياء والاولياء اشد الناس بلاء، اما نوع تعاملنا معها هو المعيار الحقيقي الذي يكشف التمايز بين البشر، يقول الامام علي (عليه السلام): (ان صبرت جرى عليك القضاء وانت مأجور وان جزعت جرى عليك القضاء وانت مأزور).

ولذا، لا نتخلى عن التقوى في كل الأحوال، والله تعالى جعل للمتقين مخارج تنجيهم, ما كان الانسان ليتطور ويتحضر لو لم يستفد من تجارب الذين سبقوه. إن الانسان المعاصر الذي يدعو الى قطع الصلة بالماضي بحجة ان الماضي ليس اكثر من مجموعة خرافات واكاذيب وقصص مصطنعة وكذب وغير ذلك واهم جدا، هناك احداث غيرت مسار العالم.

يروى في قصص التاريخ ان الحروب قد فككت اوصال الإمبراطورية اليونانية القديمة فطلب ملك (ايلي) من مستشاريه المساعدة في درء خطر يتهددها، فاخبروه ان النجاة في احياء العادات الشعبية القديمة التي هجرها الناس، فطلب احياء ذكرى تلك الأعياد والعابها الرياضية كل أربعة أعوام في بلدة اولمبيا، فشاركهم اهل اسبارطة، وكانوا يعلنون الهدنة ليس اثناء انعقاد المهرجان فحسب بل في مدة اعداد الفرق التي تستمر أحيانا لعشرة اشهر فانصب اهتمامهم على الألعاب والفرح بدل الحروب والاحزان لإبراز نواحي الجمال الإنساني، وبقيت اليونان تشهد تلك الاحتفالات كل اربع سنوات على مدى اثني عشر قرنا.

إن الحديث عن الحفظة الكاتبين لا يمكن ان يكون خرافة باعتبار أن النصوص الدينية اخبرتنا عن وجودهما فمن بديهيات الأمور ان مراكزنا في هذا الكون هي المهام المسؤوليات الملقاة على عاتقنا لا تتيح لنا ان نكون كيانا مطلقا حرا من كل الالتزامات فتلك هي العبثية بعينها، وهذا يكون ضرورة شعورنا ثم تصديقنا بوجود هذين الملكين؛ لأن مجرد التصديق بوجودهما يوحي الينا ان هناك من يرصد كل حركة نقوم بها تسقط مواطن الخير مواطن الشر ولا يحسب الا خالص صافينا المتبقي.

محاسبة النفس تمنحنا ثقة زائدة بأننا بحاجة اليها؛ لأنها تشبه الحسابات التي يقوم بها التاجر ليعرف الخطوط العامة لتجارته، فالشيطان ليس خرافة بل انه شخصية خبيثة منحها الله خلودا دنيويا حتى قيام الساعة هكذا تحدثت جميع الرسالات السماوية التي تتمتع بقوى غيبية مهولة ومجهولة هي التي يستمد منها السحرة والمشعوذون قدراتهم المزعومة, علينا ان لا ندخل بحوار مع الشيطان ابدا؛ لأن وسائله مرعبة ولا يمتلك الانسان شيئا منها ونحن لا نخاف الشياطين والابالسة فحسب فهناك بين البشر شياطين وابالسة اشد مكرا من الشياطين..!

ومن هنا كان دين الإسلام دين التكامل النهائي؛ لأنه جاء في مرحلة متقدمة من مراحل الوعي الإنساني، ولأنه يجب ان يبقى محافظا على حيويته طالما استمرت الحياة؛ لأنه خاتم الأديان فقد استوعبت اغلب الأديان حضارات عصرها وهناك بعض الحضارات تحسست من الدين وشعرت انه يريد تقييد حرياتها او سلبها بعض مقومات وجودها فنشأت الصراعات بين الأديان والحضارات، وسيبقى هذا الصراع ازليا طالما ان الدين يرى في الانسان خليفة الله في الأرض، وترى الحضارات انه مجرد رقم وحزمة من الوظائف الحيوية والنفسية والاجتماعية فيؤمن العقلاء والعلماء ان الدين ليس مرحلة عابرة في حياة الأمم يمكن تجاوزها او الاستغناء عنها ولا مجرد اعتقاد بأن البشرية ممكن ان تستغني عن الدين ولا تعد بحاجة اليه في أي مرحلة من مراحل تطورها ووجودها، فالدين هو جوهر الوجود لذا اجد ان كل مشروع فكري مهما كان نوعه يعمل على الفصل بين الدين والإنسانية فانه سوف يتسبب في فوضى عارمة، تؤدي الى توحش المجتمعات بعد فقدانها الوازع الروحي..!

دخل الفكر العلماني الى شرقنا بداية القرن التاسع عشر مبتدئا بمصر التي جاءها مستعينا بحملة نابليون بونابرت فتركيا على يد مصطفى كمال اتتورك والجزائر وتونس والمغرب على يد الاحتلال الفرنسي ولكن هذا لا يعني رغبة جمعية للتخلي عن الدين ولذا اختيرت كلمة علمانية لتطلق على الفكر الرافض للدين؛ لأنها اقل اثارة من كلمة لا دينية التي ستجد بالتأكيد الكثير من الرفض..!

ان الايمان بالله تعالى اعتقاد فكري تكويني عابر للدين والمذهب والقومية والعشيرة والمنطقة وهو احد الأصول المزروعة في الانسان فطريا.


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


علي حسين الخباز
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2020/11/14



كتابة تعليق لموضوع : البعد الروحي
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net