صفحة الكاتب : اسعد عبدالله عبدعلي

رحيل الانسان الخلوق صباح رحيم السوداني
اسعد عبدالله عبدعلي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

 مازالت تلك الشجرة البهية تتساقط اوراقها, كانت اكثر جمالا باجتماع كل اوراقها, وها هي اليوم يبرز ضعفها بفقدان ورقة ناصعة, واحسبها الاشد نفعا لها, لكنها الاقدار التي لا تتغير بفقدان الاوراق المهمة, وبقاء الاوراق التي يعشعش فيها الدود.

في صيف عام 2017 انتقلت للعمل في كلية العلوم السياسية التابعة للجامعة المستنصرية, نعم كانت ايام صعبة جدا بسبب النفاق والمنافقين, وهناك وسط تلك الاجواء العجيبة, تعرفت على الانسان الخلوق ابو نور (صباح رحيم السوداني), الموظف النزيه والذي يعمل بجد في تنظيم سجلات الكلية, شاءت الاقدار ان اكون معه في نفس الشعبة لمدة شهرين, قبل ان انتقل للعمل في مكان اخر.

حدثني عن عشقه للمطالعة, وكيف انها امتزجت مع روحه مذ كان طفلا, حيث مجلات المزمار وكراسات الخط وكتب الكلمات المتقاطعة.

وبعدها مع تفتح الفكر كان الغوص في المجلات الاسبوعية والصحف اليومية, كزاد ثقافي معرفي يومي, وحدثني كيف كان لا يفوت يوم الاربعاء من دون الحصول على مجلة الف باء, مع ان الاعداد محدودة في المكتبة التي تقع قرب بيته, لكنه كان يصر على الحصول على العدد, فيبكر بالخروج كان لا يفوته العدد الاسبوعي, حتى تكون صداقة جميلة مع صاحب المكتبة الذي تنبه الى اهتمام "صباح" بالمجلات والكتب كباقي مثقفي تلك الفترة.

كان الليل عند "ابو نور" مناسبة يومية لقراءة الكتب, ولم يكن في نوع محدد بل هو يقرأ في الدين والعقيدة والسياسة, ويقرأ النتاج الروائي والادبي, حتى في السنوات الاخيرة وبسبب مرضه كان يصعب عليه النوم, فاتجه لمطالعة الكتب الالكترونية بشتى صنوف المعرفة, كنا في تلك الايام نتناقش طويلا حول ما نقرأ, وارسل له اهم ما وجدت من كتب, وكان يفرح كثيرا بهدية تمثل كتاب.

اعتبر "ابو نور" من اكثر الرجال صلابة وصاحب ارادة قوية, فمع عوق ساقه, لكنه كان مصمما على الاستمرار في الدراسة, حتى اخذ شهادة البكالوريوس من كلية الادارة والاقتصاد, كانت الحياة عنده عبارة عن كفاح لا ينتهي, فاستمر في ايام حكم نظام صدام يعاند ظروفه وظروف البلد العسيرة, لم يصبه اليأس, بل كافح وتحمل ما تحمل من ضغوطات نفسية حتى نجح اخيراً.

نعم كان مثل باقي الموظفين محدودي الدخل يعاني كثيرا, حيث يعيش في بيت للإيجار, ويحلم بان يحفظ كرامة عائلته في بيت ملك, ويحدثني طويلا عن ابنه نور الذي يخاف عليه كثيرا, ويتمنى ان يكبر بسرعة كي يكون سنده وعونه, بعد ان اشتد المرض عليه في السنوات الاخيرة.

ذات مرة كان يحدثني عن قصة اهتمامه بالحيوانات, من البلبل الذي اسماه (مروان) الى ذلك الديك العجيب الذي اهتم به ليصبح عظيم البنية يخيف كل من يراه, كانت طريقته بالسرد تشبه ما يكتبه الادباء, حتى ان من يستمع الى ابو نور فلن ينسى حلاوة حديثه.

اتصل بي (ابو نور) قبل شهرين وطلب مني ان اكتب كتابا حول الامام علي (ع), قال هنا قلمك يجب ان يبرز ويعطي كل قدرته, فوعدته ان احقق طلبه, ادعو الله عز وجل ان يوفقني لإنجاز هذا المشروع.

يوم الثلاثاء الماضي تفاجئت بخبر رحيل صديقي ابو نور, نتيجة تدهور حالته الصحية, رحم الله الانسان الرائع الذي كان يشع املاً اين ما حل, مع ما به من احزان, وادعو الله ذو الرحمة الواسعة ان يحفظ كرامة عائلة ابو نور.


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


اسعد عبدالله عبدعلي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2020/10/15



كتابة تعليق لموضوع : رحيل الانسان الخلوق صباح رحيم السوداني
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net