صفحة الكاتب : وليد سلام جميل

أسباب ودوافع الصراع بين أذربيجان وأرمينيا : قراءة عامة
وليد سلام جميل

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

منذ فجر التاريخ ووجود الإنسان على كوكب الأرض لم يخلو التاريخ يوماً من الصراعات والحروب المجنونة لدوافع عديدة تفسرها نظريات الصراع. يغلب على الصراعات الجانب الديني والقومي ، فبمراجعة بسيطة لتاريخ الحروب نجد أن الدوافع الدينية والقومية أسهمت في نشوبها بشكل كبير وكان القادة دائما ما يستخدمون الدين والقومية كدافع يشعل الحماس في قلوب المقاتلين لمواصلة القتال حتى الموت أو الإنتصار. 
هكذا يدخل الصراع بين دولة أذربيجان وأرمينيا ضمن هذا الإطار المعقّد الذي يتداخل فيه العامل القومي بالعامل الديني والتاريخي والثقافي. تقع الدولتان في أكثر المناطق تعقيداً من حيث التركيبة السكانية والطبيعة الجغرافية ، في منطقة عاشت فيها ديانات وقوميات عديدة كانت ديدنها الحروب المستمرة ، مثل الشركس والترك والفرس والكرد وقوميات متصارعة عديدة. كانت هذه المنطقة في زمن ما تحت سيطرة الدولة الصفوية حتى استحوذ عليها الإتحاد السوفيتي في بدايات القرن الثامن عشر ، فانتقلت المنطقة من حضارة إسلامية شيعية إلى مسيحية  أرثوذكسية مشرقية ، زادت على الصراعات الموجودة بالفعل أبعاداً أخرى للصراع. 
رغم أنّ أسباب الخلاف عديدة إلّا أن الصراع القائم والتوتر العسكري الذي اشتعل صباح هذا اليوم هو صراع متعلق بمنطقة معينة يُطلق عليها اسم (إقليم ناغورني قره باغ) ، فما قصة هذا الإقليم وما هي أسباب الصراع المحتدم عليه؟
إقليم ناغورني قره باغ (Nagorna Karabakh) :
يعدّ هذا الإقليم من المناطق الساخنة رغم صغر مساحته وقلة عدد سكانه ، ويمثل أكبر مشكلة ما بين الدولتين المتنازعتين من جهة ولمنطقة القوقاز ذات الصراع الدولي المحتدم -خاصة ما بين روسيا وإيران وتركيا لفرض الهيمنة عليها- من جهة أخرى. حسب موقع ويكيبيديا ؛ يقطن الإقليم حوالي 145 ألفا يمثل الأرمن (الأغلبيّة الساحقة منهم تتبع كنيسة الأرمن الأرثوذكس) فيهم حوالي 95 % من السكان وقد كان الإقليم نقطة التقاء عدة إمبراطوريات كالامبراطورية الروسية والعثمانية والفارسية نشبت بينها العديد من الحروب التي كان مسرحها الإقليم. مما جعل الإقليم مسرحا لعدة تغيرات في تركيبته السكانية. وقبل النزاع على الإقليم في عام 1992 كان الأرمن يقطنون مدينة ستيباناكيرت ويقطن الأذريون مدينة شوشا عاصمة الإقليم قبل العهد السوفيتي.
اندلعت الحرب بين الدولتين ما بين سنة 1992 و 1994 ، كبّدت البلدين خسائر كبيرة بالأرواح والمنشآت إضافة للترحيل القسري لأعداد كبيرة من السكان المحليين. انفصل الإقليم عن أذربيجان في الثاني من أيلول سنة 1992 بعد تفكك الإتحاد السوفيتي ، ولم يلقَ قبولاً دولياً ثمّ أعلن انضمامه لدولة أرمينيا مما أحدث إعتراضات وإحتجاجات واسعة عند الشعب الأذربيجاني انتهت بالتدخل الروسي الذي لعب دوراً بارزاً في إخفاتها. منذ ذلك الحين تدخّلت إيران أيضاً كطرف وسيط لحلّ الأزمة لما تمثله من خطر على المصالح الإيرانية بسبب الحدود المشتركة ، ووجود أقليات من الشعبين ضمن الدولة الإيرانية قد يسبب زعزعة للأمن الداخلي إضافة لإحتمالية ظهور الدعوات الإنفصالية وخاصة للإقليم الأذربيجاني داخل الدولة الإيرانية ، خصوصاً وإن الأذريين في إيران يشكلون نسبة عالية جداً تصل لحدود ثلاثين مليون نسمة ، أي أنهم يشكلون ضعفي السكان الموجودين في دولة أذربيجان نفسها ؛ ناهيك عن الدّور الإقليمي والدّولي الذي تحاول أن تقوم به إيران في منطقة القوقاز والصراع المحتدم بينها وبين روسيا وتركيا لفرض النفوذ والسيطرة على المنطقة. وأودّ هنا الإشارة إلى أن العلاقات الدولية لا تقوم على العاطفة وحسن النوايا بل تقوم على المصالح ، كلّ دولة تبحث عن مصالحها الذاتية في علاقتها مع الآخر ولا مكان للدين أو المذهب إذا كان يتعارض مع المصلحة العليا للدولة ؛ يتضح هذا جلياً بالعلاقات ما بين أذربيجان وإيران وأرمينيا وإيران ، فرغم أن إيران دولة إسلامية شيعية وأذربيجان شعبها مسلم شيعي فإن إيران تدعم دولة أرمينيا المسيحية المتشددة في صراعها هذا ؛ خوفاً من ظهور دعوات إنفصالية في داخل بلدها. 
في سنة 1994 ، توقفت الحرب التي اندلعت سنة 1992  بين البلدين ، بعد وساطات دولية ، على رأسها الوساطات الروسية والإيرانية ، دون وصول لحلّ نهائي للأزمة بينهما ، وهذا يعني أن الحرب بقيت قائمة منذ ذلك الحين وفق شروط الهدنة المتفق عليها رغم حدوث مناوشات بين فترة وأخرى بين الطرفين. 
حسب د. جواد كاظم البيضاني ، مدير المعهد العراقي للدراسات الكردية ، تختلف وجهات نظر المؤرخين والمهتمين بالصراع بين أرمينيا وأذربيجان  في تحديد طبيعة الصراع . فبعضهم يرى انه صراع وجود بين الأرمن وبين الاذر، وآخرون يعتقدون انه صراع عرقي ، ويرى فريق آخر من الباحثين ان هذا الصراع هو  تنافس جيوبوليتيكي لا يشمل الأرمينيين والأذربيجانيين وحدهم بل يتعداهم إلى الأتراك والروس والولايات المتحدة وإيران والاتحاد الأوربي. ويذهب بعض المؤرخين في رسم صورة جديدة عن الصراع فهو استمرار لعداء تاريخي محمل بإرث كبير من الكراهية الدفينة بين الأرمن وكل من الأذر والأتراك. 
ولعلّ كلّ الأسباب أعلاه تشكّل أسباباً موضوعية لهذا الصراع المستمر ، ولكننا نعتقد أن (التفسيرات النفسية) التي تدرس الصراعات قد تُنتج مقاربة موضوعية ، يمكن من خلالها تفكيك مسألة النزاع تلك. إنّ التفسيرات النظرية لظاهرة الصراع الدولي عديدة ؛ وإنّ الإتجاه الذي نميل إليه في فهم هذا الصراع وتفكيكه هو الإتجاه الذي يركز على التباين الأيدلوجي ؛ وتبعا لهذا الاتجاه فإن حدوث الصراع يجعل من الصعب تسويته من خلال المساومة ، حيث يمنح البعد الأيديولوجي طابع خاص للصراع ويزيد من تعقيده. وكذلك الإتجاه الذي يركّز على الشخصية القومية ؛ ووفقاً لهذا الاتجاه فإن القوة الرئيسية الدافعة للصراعات الدولية تتمثل بالطابع العدواني القومي أو ما يسمى " السيكولوجية القومية العدوانية". فكلا الإتجاهين يجد له موضعاً راسخاً عند شعوب هاتين الدّولتين مما يجعل حلّ الأزمة سلمياً أشبه بالمستحيل.
اليوم الأحد 27.09.2020 و بعد حدوث المناوشات بين الدولتين ، خاطب رئيس وزراء أرمينيا نيكول باشينيان شعبه قائلا "استعدوا للدفاع عن أرضنا المقدسة". فهو في خطابه هذا ، يخاطب الوجدان الديني للشعب الأرمني ، حيث يستعمل الدين والقداسة كدافع للشعب للدخول إلى المعركة بعزيمة وبسالة ؛ فيما قال الرئيس الأذربيجاني إلهام علييف ، اليوم الأحد ، إن بلاده تدافع عن أراضيها ، وإن إقليم "قره باغ" تابع لها. في خطاب وجههه علييف إلى شعبه قال : "لن تذهب دماء شهدائنا هدراً . دمّرنا معدات عسكرية للجيش الأرميني".  فهو هنا يستخدم نفس الإسلوب الذي يحاكي المشاعر الوجدانية الدينية والقومية للشعب الأذربيجاني ويذكرهم بالشهادة. وحينما نرجع إلى الجانب التركي نجد التصريحات على أعلى المستويات داعمة للدولة الأذربيجانية وذلك بسبب دوافع تاريخية وإرتباطات قومية ودينية والأهم من ذلك كله أن المصلحة العليا للدولة التركية تجد موضعها عند أذربيجان وليس أرمينيا.
إنّ هذه الحرب القائمة بين الدولتين قد تتسبب بتغييرات كبيرة في منطقة القوقاز إذا ما اشتعلت بشكل أكبر وخاصة بعد تفويض البرلمان الأذربيجاني اليوم سلطته التنفيذية للدخول للحرب. ولا تنتهي الحرب بين الدولتين فقط بل ستدخل روسيا وتركيا وإيران بشكل قوي وفاعل على الأرض كما حدث في سوريا وهذا بالطبع فيه إضعاف للدولة التركية والإيرانية بسبب تعدد الجبهات الخارجية لهاتين الدولتين في ظلّ الفورة العالمية وسياسة فرض الأمر الواقع بدل الحوار الذي أصبح النهج السائد للدول ؛ إنه صِدام الحضارات.


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


وليد سلام جميل
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2020/09/28



كتابة تعليق لموضوع : أسباب ودوافع الصراع بين أذربيجان وأرمينيا : قراءة عامة
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net