صفحة الكاتب : مجتبى الساده

لماذا يحارب الغرب المهدوية 
مجتبى الساده

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

إن الأحداث السياسية المهمة التي شهدها دول العالم الإسلامي في القرن الأخير ، قد أدت إلى إثارة اهتمام مؤسسات الهيمنة في الغرب ، فسلطت الاضواء على عقائد الشيعة ، فزاد اهتمام مراكز الدراسات الغربية والمستشرقين إلى التركيز على العقيدة المهدوية بشكل خاص .. وسبب اقدامهم على دراسة المهدوية بهذه الكثافة الكمية والنوعية في الفترة الأخيرة يرجع إلى أنهم وجدوا فيها: حركة متجددة فكرياً وحضارياً ، وفاعلية إيجابية مؤثرة على المجتمعات الإسلامية ، وبالخصوص أتباع مدرسة أهل البيت (ع).
إن المؤسسات السياسية للاستعمار الجديد بشتى أشكاله ، قد توجست من التحولات السياسية الكبرى في العالم الإسلامي ، فدفعت بعدد من المستشرقين إلى بحث ودراسة الجوانب الفقهية والفلسفية والفكرية (للمدرسة الإمامية) ، وبعد التمعن والتدقيق في دراسة المجتمع الإسلامي ، وجدوا أن هناك نشاطاً ثقافياً تجديديا في الاوساط الشيعية ، وانتعاشاً فكرياً في القضية المهدوية ، وتأكدت هذه التحولات الفكرية بعد انتصار الثورة الإسلامية في إيران ، حيث ارتبطت الثقافة المهدوية بالواقع (المرتبط بالحياة السياسية والفكرية) وبشكل حيوي وفعال ، ومن موقع التأثير عليه ، مما أدى إلى انتشار المعارف المهدوية في المجتمعات الإسلامية كماً وكيفاً بشكل لم يسبق له مثيل .. وفي الواقع فإن هذه الخصوصية للثقافة المهدوية قد أكد عليها بعض المستشرقين وافترضوا أن هذه التحولات الفكرية هو عامل مساعد على التطور والتغيير السياسي ، وأن العقيدة المهدوية المتجذرة في نفوس وعقول الشيعة تلبي احتياجات العصر حاضراً ومستقبلاً ، وتعطي المجتمع الشيعي الدافعية للتغيير والنهوض .. يقول الهولندي فان فلوتن: "أما نحن معشر الغربيين فقد استرعت عقيدة المهدي (والمهدي المنتظر بوجه خاص) أنظار المستشرقين منا ، لما كان لها من الأثر في سياسة الشرق حتى اليوم"( ). 
إن هذه التحولات التي حدثت في العالم الإسلامي (الشيعي) كثير منها مرتبط برجال دين (نواب للإمام الغائب) ، مما دفع الكثير من المستشرقين إلى القول بأن تاريخ الحركة الشيعية قد مر بمرحلتين( ):
المرحلة الأولى: منذ استشهاد الإمام الحسين (ع) وامتدت إلى بعد عصر الغيبة الكبرى للإمام المهدي .. وشخصوا الحركة الشيعية فيها بالمسالمة والمهادنة او السلبية في موقفها - وهو تشخيص غير دقيق ، ولا يقترب من الواقع-.
المرحلة الثانية: يشير المستشرقون فيها إلى ما حققته الثورة الإسلامية في إيران من رسم خط فاصل في الحركة الشيعية بين حال الهدوء واللافعالية والمعارضة السلمية إلى حال الثورة المسلحة والاطاحة بالسلطة المستبدة.


نستطيع القول: إن المؤسسات السياسية في الغرب ومن خلال مراقبة المجتمعات الإسلامية والتحولات والتطورات الفكرية فيها تحفزت إلى ضرورة التعرف على العقيدة التي هزت وسببت هذه التغيرات السياسية في المنطقة .. عندئذ نهضت همم المستشرقين إلى إجراء دراسات حول العقائد الشيعية كافة ، والتركيز بشكل خاص على العقيدة المهدوية ، ورافق نشاط الباحثين جهود مساندة كبيرة هدفها مواصلة هذا النشاط والابقاء عليه فاعلاً ، طالما ظلت المؤسسة السياسية محتاجة إليه وإلى ما تتوصل إليه من نتائج.
في المرحلة التاريخية الحالية ، تولدت حاجة ملحة لدراسة المهدوية ، والتي هي انعكاس مباشر للقلق والخوف لديهم ، والتي زادت حدتها في الأونة الأخيرة من التطورات المفصلية التي فرضتها التغيرات السياسية وعلى ضوء التحولات الفكرية والثقافية الجديدة .. وهذه الأسباب وغيرها تفسر منحى التصاعد الحاصل في الدراسات الاستشراقية حول المهدوية وقضاياها ، فازدياد الاهتمام بدراستها على مستوى الكم والنوع تعبير عن مدى الحيز التي أخذت تشغله في مجال الدراسات الاستراتيجية أو العلوم الاجتماعية السياسية ، ونتيجة للتحولات الفكرية والسياسية في العالم الإسلامي وبواعث هذه التغيرات.
لقد أخذ المستشرقون المواجهة مع المهدوية إلى ساحة جديدة (الحرب الثقافية والفكرية) ، وهي من أخطر الميادين التي ولجوها قديماً وحديثاً ، والتي عملت على تزييف الحقائق وتشويهها .. وبدأت كتابات المستشرقين تتآزر لتكون في مجموعها سداً أمام انتشار المعارف المهدوية الحقيقية ، فدراسات كثيرة كتبت ومقالات عديدة انتشرت جلها يركز على تشويه وتقويض المهدوية بمختلف الأساليب ، وقد حاول المستشرقون ضرب العقيدة المهدوية وبث الشكوك حولها ، والزعم بأنها ليست إسلامية اصيلة بل مقتبسة من ديانات سابقة وغيرها من الافتراءات ، وتكمن خطورة هذه الدراسات في أنها أضحت المرجع لكثير من وسائل الاعلام ومراكز البحوث والطلبة في الجامعات الغربية ، مما يشكل رأي عام في الغرب كاره ومبغض للمهدوية ، نتيجة للصورة المشوهة والمستفزة.
الدوافع الرئيسية : لاشك ان هناك اسباب حقيقية ورئيسية وراء هذا الاهتمام المتزايد بالقضية المهدوية في العصر الحديث من قبل مؤسسات الهيمنة الغربية تتمثل في:-
1.    المزايا العديدة التي تتحلى به العقيدة المهدوية وخاصة من الجانب الفكري والحركي (الديناميكية) ، وهذه المزايا فاعلة ومؤثرة على الواقع الانساني .. ولهدف القضاء على هذه الايجابية والفاعلية عند المؤمنين بالمهدوية ، وقتل نفسية الأمل وروحية الانتظار ، تتوسل مؤسسات الهيمنة الغربية بحروب ناعمة (فكرية وثقافية) لتقويض أمر المهدوية ودحض ثقافتها ، وتغليف دوافعها وأهدافها التبشيرية والاستعمارية بدراسات وبحوث على أساس أنها علمية.
2.    احتواء الشعوب الغربية وتنفيرها من التأثر بالمهدوية - من وجهة نظرهم تحصين المجتمع الغربي - ، وخوفاً على الانسان الغربي عندما تعرض عليه حقيقة مهدوية أهل البيت (ع) عرضاً موضوعياً ومنطقياً وحضارياً ، فأنه سوف يتقبلها ويؤمن بها وسيفتح لها عقله وقلبه ، ويجد أنها تحقق آماله وأمنياته الكبرى .. وما تزايد انتشار الكتابات الموجهة للمجتمع الغربي والمشوهة لصورة المهدوية إلا دليلاً على ذلك.
3.    خوفهم من المهدوية مستقبلاً ، وإدراكهم للمصير الأسود الذي ينتظرهم ، حيث أن مصالحهم تتضارب مع مبادئ العدل والقسط الإلهي الذي سيطبقها الإمام (عج) .. هذا العامل والسبب يثير كافة الإشكالات ويمثل أهم التحديات ، فمؤسسات الهيمنة الغربية تمارس دور صراع الحضارات ومعارضة الثقافات ، وهذه مشكلة قديمة أزلية حيث الصراع بين الحق والباطل أو الخير والشر. 
 
إن المسألة الحقيقية وراء محاربتهم وتشويههم للمهدوية أوسع بكثير ، أنه صراع ضد العقيدة الإسلامية ، وأنه أحدى جبهات المستعمر المفتوحة ، وهو مجابهة وتحدي فكري وثقافي وأيديولوجي في كثير من جوانبه ، وهو أكثر خطراً من التحدي السياسي والعسكري .. وللأسف قد تأثر بدراساتهم وآراءهم بعض الباحثين المسلمين ، لذلك يحق لنا التساؤل عن اسباب اهتمامهم المتزايد لدراسة العقيدة المهدوية؟ ، وهل دراساتهم قصدوا بها العلم والمعرفة ؟ أم كانت لهم أهداف واغراض أخرى؟!!.    


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


مجتبى الساده
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2020/09/09



كتابة تعليق لموضوع : لماذا يحارب الغرب المهدوية 
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net