صفحة الكاتب : جمعة عبد الله

قراءة في رواية ( الوجه الآخر للحب ) صرخة احتجاج ضد المجتمع القبلي
جمعة عبد الله
 تحاول الكاتبة ( منتهى البدران ) ان تسلط الضوء الكاشف على  الواقع المأساوي , الذي تعيشه المرأة في احضان المجتمع القبلي . الذي تتحكم به السلطة الذكورية , في التمسك بالقشور في الموروثات الاجتماعية والدينية . التي تحرث في خنق ومحاصرة المرأة في الانتهاكات الصارخة . في مجتمع لا يرى المرأة مستورة إلا تحت وصاية الرجل . وان تنظر من خلال ثقوب عباءة الرجل المسموح بها . والباقي الثقوب خطوط حمراء .  وبكل بساطة كأنها مظاهر روتينية , ان يضع المرأة في دوامة المرارة والحرمان . في السلب والاستلاب ابسط الحقوق الانسانية والاجتماعية . ان تكون ماكنة لتوليد الهموم والمعاناة , في واقع محافظ جاف بحجة التمسك بالشريعة الاسلامية . كأن هذه الشريعة لا تحترم ولا تحافظ على حرمة المرأة وانسانيتها  . شريعة تعطي كل شيء للرجل وتحرم كل شيء للمرأة , هذا الفهم الخاطئ للشريعة. ان تجعل الرجل متغطرس أزاء معاملة المرأة وكيانها النسوي .
هذه حثيثات المسار الحدث السردي . الذي تفاعل النص الروائي في الغور الى اعماق الواقع الاجتماعي في التفاصيل اليومية الدقيقة الى حد الاسراف . لكنه من جانب آخر يسلط كامل الصورة المأساوية للسيرة الذاتية لمحور شخصية الرواية ( هدى ) . فلم تغب عن الحبكة السردية كل شاردة وواردة بلغة السرد المشوق والمرهف الذي يشد القارئ شداً , في أسلوبية مزجت فيها الاسلوب الكلاسيكي القديم في السرد الروائي , او الاسلوب الحكائي في السرد , لكنه مطعماً بالاسلوب الحداثي في فن الروائي الحديث . في تطعيم مسار الاحداث الجارية والمتسارعة في الحبكة السردية ,  في توظيف ببراعة شبكات التواصل الاجتماعي النت . وهواتف النقال والمراسلات الايميلية . وكذلك المنولوج الداخلي والخارجي في سيرة حياة ( هدى ) منذ طفولتها ونشأتها في عائلة دينية محافظة . بسلطة الاب الشغوف والرحيم , في التفاني في تقديم العون والمساعدة للمحتاجين والفقراء , والذين تدور عليهم ماكنة نظام صدام حسين الارهابية والقمعية . فكان الاب ( زكي ) لا يبالي بالمخاطر رغم التحذيرات بالعواقب الوخيمة قد تصيبه , فكان يصر على هذا النهج الانساني ( أن السعادة تكمن في مد يد العون الى الاخرين , وأنها تثمر حين تغرسها في أرض غيرك , لا تغرسها بأرضك فقط , ولاينتفع منها غيرك ) ص18 . نشأت ( هدى ) في هذه البيئة الدينية , حتى اختارت بأرادتها علاقة الزواج من ( امير ) التي تفانت في الحب في صورته الجميلة والبراقة . فوجدت المبتغى والمرام في وجه ( امير ) الذي امتلك روحها ووجدت للحب وجهاً جميلاً ( رويدا رويدا بدأت أرى أن للحب وجهاً حلواً كالنغم  , كرجع صدى الحلم , وجهاً يحمل نقاوة الفجر حين يتنقب بالسحب البيضاء الشفيفة , أراه كالمحاريب المقدسة التي يتجلى في سفوحها الايمان , وجهاً يمثل رئات الحياة التي تتنفس به الصعداء ) ص188 . لكن انكشفت الحقيقة المرة بعد مخاض عسير , بأن شخصية زوجها ( أمير ) شخصية مهزوزة وضعيفة . مسلوب الارادة والقرار  يعتمد على سلطة ابيه ( الحاج سلطان ) المتسلط بالعقلية القبلية المتغطرسة والمتكابرة في التعالي  . وهو تاجر متكبر ومهادن بالاحتيال الماكر , لكي  يبني  ثروته المالية  بطرق شرعية ولاشرعية . اضافة ان زوجها ( أمير ) الذي يعتمد على حياته على سلطة الاب . فهو خاوي في العقلية الثقافية الفارغة  واليابسة . ومنذ الايام الاولى من زواجها رأت ( هدى ) انها غير مرغوب ومرحب بها في عائلة الاب ( الحاج سلطان )   , في النظرات والممارسات العدائية تجاهها  . وان المناخ العائلي لا يتلائم مع عقليتها وثقافتها . لذلك وجدت نفسها في واقع مأساوي كريه ومنبوذ لها  , ومهما تفانيت وقدمت من خدمات في العمل البيتي والمطبخ . فأنها تعزف في فراغ في  المعاملة القاسية والخشنة من الابوين , بأنهم يعتبرونها لقيطة وغريبة في مناخهم العائلي والقبلي  , ووجدت نفسها تتجرع الصعاب ,  وتكون ضحية تدفع الثمن دون مقابل , في الارهاق والتعب اليومي المضني . وزوجها ( أمير ) يكتفي بسماع الشكاوي والالم دون ان يفعل شيئاً في تخفيف وطئة المحنة التي وقعت فيها في قعر الجب . تيقنت بأن حبها يسير من سيء الى الاسوأ حتى بعد رحيلهم من كردستان الى سوريا ,  ولكن شق المعاناة يكبر اكثرفي التعاسة الحياتية في جدرها الصلب .
 ×  فكانت تنزاح في تعاملها اليومي في بيئة العائلة الى المنولوج الداخلي , الذي تعبر عن همومها ومعاناتها وتناجي نفسها في سايكولوجية نفسية  محبطة ويائسة ومخيبة  . لكنها تتمسك بالصبر والتجلد خشية من خسران الحب والحياة , تحاول ان تعالج جراحها بنفسها في مجابهة الصعاب الحياتية ومشاكلها وهي تعيش في بيت الاب ( الحاج سلطان ) . والمنولوج الخارجي , هي محاولة التكيف وتعايش مع الواقع دون اضرار جسيمة  , في بيئة صعبة التعامل , فكانت تماشي رغبات العائلة ,  ولا تلوح بالتذمر حتى لا تثير المشاكل . ولكن وجدت نفسها في تأزم مستمر , وخاصة بعد تأخر الحمل , رغم انقضاء شهور طويلة ولم تظهر بوادار الحمل عليها . وبعد مراجعة الاطباء تأكدت  انها سليمة وان عيب العقم في زوجها . لكن عائلة زوجها رفضت هذه النتيجة الطبية وحملتها مسؤولية العقم وعدم الانجاب , وان ابنهم ( أمير ) سالماً ومعافى من تهمة العقم , وانه تورط بها , ويجب ان يتخلص منها سريعاً ويرتبط بزوجة اخرى . وزوجها يسمع تذمر ابويه من هذا الزواج العاق  وعليه ان يرمية بأسرع وقت . ولكن في قرارة نفسه يعترف بأنه سبب العقم , لانه تعرض في طفولته الى مرض خطير , واهمل من قبل امه دون عناية ومتابعة طبية , ونجى من الموت , لكنه اتلف بالعقم . ومحاولة تجريب فحولته ارتبط بزواج سري مع أمرأة اخرى , فأذا حالفه الحظ بالحمل فأنه يعلن الزواج بشكل شرعي . لكن ( هدى ) اكتشفت هذه  اللعبة . وارادت وضع حد لمحنتها ومعاناتها الانسانية , وطلبت الانفصال والطلاق , وواجهت معارضة قوية  حتى من اخوانها بالرفض , بل بالتهديد اذا اقدمت على الطلاق , بأنه عار عليهم وعلى عائلتهم , وخاصة وانهم ذو ثقافة دينية منغلقة . لكن اصرت ( هدى )  على الطلاق رغم المخاطر الجمة على حياتها  , وبالفعل حصل الطلاق , وذهبت الى القاهرة / مصر ,  في سبيل الحصول على شهادة الدكتوراه ,  وتقديم رسالتها العلمية العالية . وفي القاهرة ارتبطت بعلاقة حب وزواج من استاذها المشرف على رسالتها الجامعية . حين توفرت الظروف المناسبة للزواج في الارتباط مع  ( عدنان ) الذي صرح برغبته بالزواج من اجل رفع النظارة السوداء المشؤومة حين ترى الاشياء السوداوية التي تحرث  في الاحباط النفسي ( - أسمحي لي سيدتي أن أقول لحضرتكِ , انتِ واهمة . غيري النظارة السوداء التي تنظرين بها الامور . نظارة تجربتكِ المريرة , أخلعي ثوب الحزن , واكسري قضبان زنزانة ما مضى , وانطلقي مع الريح , لتعيشي الحياة كما ينبغي ان تعاش ) ص318 . وحملت من زواجها من ( عدنان ) وجاءت ساعة مخاض الولادة في اجراء عملية قيصرية . وانجبت الطفلة ( أمل ) لكن القدر لم يمهلها بفرح الولادة فخطفها وفارقت الحياة , وهي تضع ثمرة عنائها الحياتي بالظلم والعسف والانتهاك . وان ولادة الطفلة ( أمل ) لتكون شاهد اثبات واحتجاج على ظلم المجتمع وعيوبه القاسية .
× زمن الرواية يفصل في زمنين . زمن قبل الحرب , حيث الحياة الرغيدة الآمنة , وزمن ما  بعد الحرب , حيث اعلنت بغداد الحرب ضد الجارة ايران , وتحولت الحياة الى حرب ضروس داخلية وخارجية , على جبهات القتال والموت , وعلى الحرب في الجبهة الداخلية , في ممارسة اسلوب الارهاب والبطش والتنكيل . حيث فتحت السجون والمعتقلات , وبدأت الاجراءات الفورية في الاعدامات والمشانق للابرياء , في حرب عشواء في اساليب التعذيب والبطش لم يعرف لها التاريخ مثيلاً , سوى العودة  الى عصر محاكم التفتيش التي كانت الكنيسة تمارسها لكل من يعارضها ويخالفها الرأي , وفي زمن البعث لكل من يشكك في ولائه لحزب البعث . فمثل ما كان قديماً تقطيع اوصال الجسم , في زمن البعث استخدم ماكنة الثرم لضحية . لذلك تحول العراق الى سجن كبير وزنزانات الموت , سواء على جبهات الحرب , او على حرب الضروس الداخلية . وتعود الى العراق  بعد سقوط النظام من قبل المحتل الامريكي , بأن يستبدل الطاغية بمجموعة من الحثالات الحقيرة ويسلمهم مقاليد ومصير العراق ( بمجموعة من اللصوص الذين كانوا معارضين للنظام , ومشردين في أزقة أوربا وامريكا يلعقون قصاع الغربيين , ويتسكعون هناك بجباههم التي تركت كثرة الصلوات آثاراً عليها , تسنموا كراسي الحكم بلحى الطويلة ومسبحات ترافقهم في أدارة البلاد , واحياناً يستشيرونها , تقلب خرزاتها أصابع زيتها خواتم من العقيق ) ص140 .
× الرواية : الوجه الآخر للحب
× المؤلف : منتهى البدران
× الناشر : الجنوب للطباعة والنشر والتوزيع . العراق / البصرة
× سنة النشر : نهاية عام 2019
× عدد الصفحات : 350 صفحة
 

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


جمعة عبد الله
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2020/08/21



كتابة تعليق لموضوع : قراءة في رواية ( الوجه الآخر للحب ) صرخة احتجاج ضد المجتمع القبلي
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net