صفحة الكاتب : جيلان زيدان

بحلمه الذاهل .. "المجنون" سعيد دياب ,
جيلان زيدان
شساعة النفوذ في التمكين , والشاعرية لا تُحتكر لجاذبية , والصورة على مرمى جناحي السماء .. تتسع لبؤر الكواكب , تسرّبها لمدارات الدهشة , تحتكم للمدى الخارجيّ والنفسيّ .. للخاطرات الآدمية , لتحليق الروحانية داخل اسطوانة قلم .... أو كما تغدق ..,,
 
في تلك الفسحات  ... يقطر النجومَ أسرابَ قصيد , ويضرم جمار الحب والوطن والإنسان بفرحه وترحه , بتكبده , بإزاحاته في لفافات الورق .
من المدهش أن يستسيغ القارئ لونًا يرسمه , لغة يتقنها , حرفا في قلمه .. لكنه الأكثر إدهاشًا أن يسبح في بحيرات زجاجية , لم يصطنعها من قبل , لم يرتكب غزارتها عن لسانه .. دون أن يكشف التملل عن ساقيه ,, 
كانت الحال بي في عاميته , في حرفه الزاجل , في حرفنته المتقدمة.
 
قرأته أسطورة النيل باللوتس , يدفق عرائس الحرف والمعنى , يسمو بطرائق تدفق الشعرية والشاعرية , يبتدع منافذ أسرار الروح ... يجتذب مجاري الشارع ألسنةَ اقتداره..
ولم أكد أفلت من غزوةٍ وقصيدة , حتى سقطتُ في دهش الجذب , فراودت القصيد عن سؤالي فطرحتُ : 
اكتبلي اسمه والتاريخ
رقم البطاقة لو سمحت
 
فأجابت " النهاية " :
 
سعيد دياب
,,,
أنا مرة شفتك فوق كتاب
مش برده شاعر
أستوب
وبينقطع حبل اللقا بنا بجد
مبقاش مهم مين فينا رخا ومين اللي شد
عقد السنين بينفرط قدام عيوني
30 سنة ماشي بكم
وألقى الجميع ماشيّن بدوني
دانا كنت فاتح قلبي للي جاي ورايح
دلوقت مين هيهده بعدي
ومين هتحنيه النوايح
 
سعيد دياب , شاعر مصري , أسرف الخطوات فكان الطريق , وشحذ المقامات فكان البوح , ونزف الفضاءات فكان الخيال , واستجمع الأزقة فكانت الحكاية  , واحتكم للطبيعة  فكان النيل :
" أنا النيل " :
 
أنا النيل مفرود على صدرك ونايم 
وسط أشجار النخيل
لافف دراعينى على أكتافك 
وبحلم 
بالبسيط والمستحيل
تتصورى 
مليون سنه وأنا لسه ثابت مطرحى 
لا قبلت غير حضنك دفا 
ولا يوم قبلتى تروحى
 
,,
سعيد , وتواطؤ مع المرئية العالية , والشيفرة المحمودة , ومجازية العبارة , ومزاجية العطف بين الحال والأخرى , وبين القصيدة ورديفتها , يكتب أقرب ما يكون بالتجديف في عطش النهك والاحتياج إلى أرواح البسطاء المدشنة , كما يرتقى بذات الحرف إلى وميض الأذكياء الشعراء ..,,
 فما بين التعمّق والتسطّح , أغرقنا بالفكر , بالتفكّر بقوة العبارة والسيطرة على الموضوعية والوحدوية من .. وإلى آخر الهمس .
وهذا ما حكته " الهموش " , وحاكته الضمائر سبيلًا للانفجار , للتمرد على قهرٍ راهن , فقالت بتجربة بسيطة متناولة مسلات الرؤى بخرق نافذ :
 
 
الهموش بيدنسوا عني الحكاوي
الهموش بيخطوا فوق نفس الخطاوي
الهموش ميعرفوش
إن كروان الغلابة
سكن القلوب قبل العشوش
قايمين ينطحوا في السحاب
والعِزم واطي
بيقولوا ماهوش للصحاب
رغم انفراطي
وبيبنوا في قصور المهانة والانحطاط
والسوس بينخر في العروش
الهموش
 
,,
 
ومن عبور حافل في مرتع الفصائل الشعرية بين استدعاءات الحب والجرح , وجدته ينفرط وجدانا دفيئا , وشعورًا دفينًا يرتكز على المفردة الزخرة بالمعنى , بالرمزية , بالانفعال المفرط , المفردة العادية في لفظها , الهائلة في التعريف , وجدتُ : اتفرفطي ..
تحمل تارة عنوانا لبوح خاص , وتارة تشغر فراغًا بعدد حروفها في أسطر ما بين الـ هنا والـ هناك , كما في " الحلّ " , و " النهاية " , والهموش " ,  ومن خلال هذا التسجيل أشرنا برأس الصولجان إلى موقف الشاعر النفسي , بأبعاد في المعاناة واللا استقرار , بانعكاس التأثير الكينوني على القصيد لفظًا وتوقيعًا .
وقد حملت هذه اللفظة على ندرة إدراجها حالات وفيرة من التأثيرية لدى الشاعر  وتفكك خطوات المدى في قاع نفسه : 
" اتفرفطي "
 
مانتش قوية اتفرفطي
اتفرفطي زي الشجر م بيرمي ورقه في الخريف
اتفرفطي زي المطر لما بيفلت م السحاب
ومدّي جدرك في الزمن مش في التراب
علشان محدش يقلعك
لساكي أصغر م المسافة اللي فضلتي تقربيها لحد ما صغرت قوي
وأنا قلبي مهر جموح قوي
ولا يمتطيه غير اللي كفنه فوق دراعه
غير اللي قلبه مهوش بتاعة
       فا
          تفر
        فطي
اتفرفطي زي الندى
زي الكلام ع القهوة زي الفضفضة
            خليها سهلة
وابقي اسألي النخل اللي طالع في السما وواخدها جد
طالع لوشّك ولا وشّي 
ولا مش طالع لحد
 
,,
 
وبصورة من التأطيرية وعلى وجه الاختصاص في " المجنون " , نجد أن هذا الديوان بما يحمله من رسائل ذاتية ونفسية وانفعالات قومية  وطفرات تخليقية على مستوي الجملة الشعرية , 
ماز كل ذلك في هيكلة هوية للـ "مجنون " , ولشاعر الـ " مجنون " أيضًا , على كلا المستويين الشعري والذاتي .
 
ومن بين انعطافات بمحركات الذات التلقائية , الآلية , يلج الشاعر من ثقافته البيئية البسيطة , المبرزة لطبيعة الموروث بصدق التعبير ورسوخ الصور .. محفورة تنضح بديناميكية الفن أثرًا في القصيد , تعكس خبايا المصري العادي , ويومه العفوي , وروحه الجلية بالنقاء .
و .. " الساعة وخري " :
 
الساعة وخري 
وعم فخري على باب حارتنا في دكانه
الليلة سهران صباحي
وعم محروس غطا بضايعه فوق عرابيته
وقال يا فخري خد بالك
قاله إجري روح لعيالك
تصبح على خير
وحسين مراد رابط كلبه على باب بيته
من شهر فات واخد مني جنيه وفكّرني نسيته
بكره أما أشوفه هقوله عليه
حارتنا زنقة وعتماية 
وبتنا مش دا اللي ورايه
دا بيت حماده العجلاتي
على الله قارفنا يوماتي
دايماً بيضرب في عياله
وصبيه قاله معدتش جاي
وبيتنا اهوه اصفر بدورين
أستاذ حسين باني فوق دورنا
ومراته دايماً بتزورنا 
على طول تقولّي ......
لكن دا بردك أستاذي
ابويا سك البوابة
لكن في جيبي مفتاح ليا 
من اسبوعين فيه حراميه
سرقوا المعلم زكريا
وخد اخوياوعملوا بلاغ
قطتنا ع السلم نامت 
رمضان كريم والناس صامت
والفجر لسه عليه ساعة
وبابنا على طول متوارب
في الصالة واقفه الترابيزه
والكرسي بخبط فيه تاني
وابويا بيشد وداني 
ويقولّي في موشح محفوظ
ينهيه بنام منتش فالح
على السرير حطيت راسي 
لفيت كتافي بلحافي وبدأت أنام
الشمس طلعت والفجر لساه مادنشي
وعم فخري في دكانه
حاطت صباعه في ودانه
وبيرج اديه
وأميره واقفه على الحارة
تستنى مني في أشارة
أجمل ما في الحب أنا وانتي
اسبوع ويوم وانتي ما بنتي
ليه مسألتش
دا الشمس أنا والسما لونك
والناس عيوني وعيونك
والحلم كبير
وانا لسه حلمي جوايا
تحلم ياسيد ويايا
هز الشجر في الهوا شوشه
لاسكن ولا قدرت احوشه
ياحبيبتي والشمس في كفي
ببدر لكن مش بتكفي 
وانشر هوايا لكل الناس
والاقيكي واقفه بتتخفي
وانا اللي طول عمري فارس
واقف على عيونك حارس
خضت الحروب عرضي وطولي
مشفتنيش بس حكولي
هز الشجر شواشيه تاني
وصبحت شاعر بجناني
مفرود لكن طولي وعرضي
والخطوة بره حدود أرضي
متهزنيش عيني في عينك
ولا فيش حدود بيني وبينك
متهزنيش والشتا نازل
متهزنيش والساعة وخري
متهزنيش أيوه بقولّك
متهزنيش
أصحى يا زفت الساعة 2
 
,,
ومن بين اللاذع والساخر , وترسيم الرهق بهزْء واستخفاف , حتى يمرَ اليوم تلو القصيدة ..
وكأنها أكوام تاريخ يطفو بها كوب الشاي المستطيلُ في همه , الأحمر بنزفنه ما استطاع ...
يدور كـ راح استئناس الهمّ ومجالسة المخاوف الأبدية , لا يركن الشاعر لهذا الخوض في درامية المشهد وحوارية البلد العزيز المكتئب بهمومه فحسب , بل يظل يراوده عن كل جانب .. 
من كل مسمى هو له .. في العتب والغزل , في اللوم والمشاجرة .... في المهادنة الآلية ,,
 
فلا يفتر ولهًا يخاطب مصر المتمنعة عن حاله الرخاء , بهمس الحبيب اللائم المنكب على إخلاصه .. وهي الحبيبة المطلقة .
" وتتجاهليني وأتجاهلك " :
وتتجاهليني واتجاهلك
وانا التايه مابين طينك          
مابين حلمي وسلاطينك
ولون عيني اللي يشبهلك       
وتتجاهليني واتجاهلك
ومين غـيري مسك فاسك          
وكـان قلمك وكـراسك
ويوم الصعب كان سهلك          
وتتجاهليني واتجاهلك
 
,,
 
والعجيب أن عناوين المجنون لم تحمل مدد الكمون والكوامن , ونَضَد العبارة على قضيب الإثارة والعمق , بل جاءت عادية لا تحمل إلا غرب إشراق ما يضعه الشعر من نبل الغرض وفواق التركيب , " بحبك ليه " أردفت عني الكثير :
 
وأنا اللي بسطلك أرضي
وخليتك نبات شب ف فداديني
جدوره فتلايات لسه في حصى طيني
فجاوبيني
بحبك ليه
وبفتكرك وتنسيني
وأنا اللي حفرت لك دجلة
وشيدت ف حصون برلين
وأنا اللي بنيت هرم خوفو
وسور الصين
بحبك وإنتي مش عبلة
وأنا عنتر
بحبك وإنتي مش يامه
وأنا أكتر
ولما أحدف عيني ف عينك
متنهزيش ؟!
وأنا أسكر ؟!!!
 
 
 
,,
 
الشاعر .. كان مربده الحلم الصاعق , والحلم .. مصفد بالشموس الغائبة ,
والشموس .. في الأفق الجريح تستغيث .. والغوث في العقل جمود ......
 لذا ,, أطلقوا عليه " المجنون " , بحلمه الذاهل , بخطوه البُراق , بممشاه الفارع , بفضائه الوازن ..... إنما .. في اللا معقول على بساط المعيشة !!
 
" المجنون " مجموعة شعرية , استحلت الهم برمزية أدبية متقبلة , وهدف نبيل حالم ,
وحلم جارم ..... وجريمة الحياة ,,,
 
عبرتها سريعًا , فاحتفظت بملمحها المصري المتزن الثاقب , وسياستها الجمة ,  وخيالاتها الملامسة , وطاقاتها المتجددة , ومفرداتها المبتكرة .. كوحدة لبناء النص قبل العبارة ,,
وتجلت فيها سيرورة الشاعر من زمجرات هادئة , وصيحات منغلقة بشجو رخيم , حملت ملمس التعب البائن , إزاء الحلم الغريق .
 
" المجنون " :
 
الوش كات محفوره فيه عدد السنين اللي نسيها ونسيته
الطول :مش طويل بس كان دايماً بيوصل للنجوم 
ويشبكها في ضفاير كل بنت يحبها
واللون زي لوني وزي لونك
والقلب كان له ضلفتين
مبيقفلوش صبح ومسا
كات تملي الشمس حاضنه ضحكته
مع إنه دايماً كان حزين
كان بيحلم بالمسافة تضيق مابينه وبين تلامذة مدرستنا
اللي دايماً يحدفوه بالطوب 
مع أنه كان بيحبهم
كان تملّي السيف في إيده
والحصان دايماً بيسرق خطوته لنفس الشوارع
كان في قلبه الحلم فارع
بس محتاج ينطلق
كنت اشوفه يخبي عصافير الكانرية بين هدومه
وتتني تحكيله حكايات
وهو يحكيلها في همومه
كات تملّي بتسمعه
وهو دايماً كان معافر
ياما حط وياما سافر
رغم إنها نفس الشوارع
واما كان يملاه التعب
يرمي همه وجتته فوق رصيف المدرسة وينام
ويبتدي يحلم بإنه خلاص سعيد
واما تطلع شمس بكره
يطلع معاها ويبتدي يومه الجديد
يركب حصانه وينطلق في الكون بقوة
تحضن الشمس ابتسامته 
والدموع تنزل لجوه
من سنين والحصان ويّاه ما كل
مع إن مشوره الطويل
عمره برده في يوم ما قل
ياما لف معاه وسوح
بس كات الساعة جريت والنهار قرب يروح
غرقت الشمس اللي ياما عفرت وشه بسمارها
بين غيامة
والمكان هو رصيف المدرسة
والزمان ساعة قيامة
ركن الحصان ع الحيط
وابتدا لحظة وداع للحاجات اللي تمللي حبها
واتغرغرت عينه بدموع
وابتدا بشويش يموت
واما مات
معرفش ليه قلبي انفرط
تبت على سيفه الخشب
لكن حصانه كان خلاص
هده التعب
دق الجرس في المدرسة 
والحوش ملاه كل التلامذة
بس ماحدش لعب

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


جيلان زيدان
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2012/02/29



كتابة تعليق لموضوع : بحلمه الذاهل .. "المجنون" سعيد دياب ,
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net