تراتيل الزمن الجميل الزمكانية الفلكلورية في قصة "أنين الضفدعة" للقاص عبد الأمير المجر
عالية خليل ابراهيم
عالية خليل ابراهيم
في الزمكانية الفنية والادبية يتكثف الزمن شاخصا ،يكتسي لحما ،ويصبح من الناحية الفنية مرئيا وبالمثل فان المكان يصبح مشحونا ومستيجبا لحركات الزمن والحبكة والتاريخ ،هكذايؤصل باختين لمفهوم (الزمكانية ) واصفا اياه "بنى ادراكية ذهنية يستخدمها القارئ والمؤلف لاتخضع وحسب لمعرفتها التاريخية بل هي ذاكرةتحفظ الابعاد التاريخية والاجتماعية لحقبة ما وان وظائف الاشكال الزمكانية تتأسس في كونها اداة تحليل واسعة لفحص العلاقة بين الفن والحياة 1"بالاضافة الى ذلك يشير باختين الى ان الاجنا س الادبية محكومة بشبكة من المؤشرات الزما نية والمكانية التي تهيمن على صنف معين من النصوص0لو شئنا تطبيق ما جاء في الكشوفات الباختينية حول الزمان والمكان بانها ذاكرة واداة تحليل اجتماعية وتاريخية على انموذج من القصة العراقية المعاصرة واعني به نص(انين الضفدعة)الذي نشر مؤخرا في مجلة الاقلام2 للقاص عبد الامير المجرسوف نجد في القصة انموذجا للقص الريفي الفلكلوري وكيفية اشتغال هذا الصنف من القص على ثيمتي الزمان والمكان0تبدأ القصة بالشكل الاتي"قبل ان يحل الغروب ،تغيب امنا في جوف بيتنا القصب الرابض على الطرف الشرقي لنهر قريتنا وحين تخرج يكون الغروب قد حل،ودخان المبخرة التي اعدتها قد تعالى عند الباب ،تقريبا حيث الفسحة التي نجلس فيها على البسط المتقابلة حول الموقد الذي تعد عليه طعام العشاء "03يرتد القص الى زمن مضى (الماقبل)ليكون هذا الظرف بؤرة الحكي والذي ستتفرع عنه الدلالات المتشعبة للنص ،ان تأطير القصة بالماضي (القبل)يعد خاصية من خواص القص التراثي حيث تبدأ جميع القصص التراثية العربية بتمجيد الماضي وإضفاء القدسية عليه مثل صيغة(الكان يا ما كان)و(بلغني أنه كان) السرد في القصة يستعيد ويتماهى مع تلك البدايات حيث يمارس الماضي سلطته المهيمنة على الحاضر في الحدث والدلالة ،تسترجع الشخصية الرئيسة زمنا غضا وارف الظلال وهو زمن الطفولة بواسطة السرد الذاتي الذي يظهر فيه الراوي مشاركا في الاحداث ،من خلال موشور الذاكرة تبدو حياة الطفولة ناصعة الوضوح ومفعمة بالتفاصيل ،القصة تروى من خلال الاسترجاع الزمني المزدوج فالراوي /البطل يسترجع طفولته مدمجا زمنه بزمن المروي أي لاوجود لمسافة بين الراوي السيري/الراوي الطفل بعدها تسترجع (المرويات الطفولية) احداث القصة الاطارية،اما التفاصيل فاشبه ما تكون بالتراتيل الزمكانية (في جانبها الانشادي العاطفي وفي جانبها الدلالي أي البحث عن الماضي مع غياب الحاضر) فنلاحظ"قبل ان يحل الغروب" هنالك ثلاث اشارات للزمن في جملة واحدة"قبل،حلول،الغروب" ثم يستمر"حين تخرج ،الغروب قدحل" التفاصيل المكانية التي صيغت وفق اسلوبية السرد المشهدي هي الاخرى مغرقة بالتفاصيل متخذة من فضاء ريفي يمتلك طابع الخصوصية(الاهوار) اطارا لها حيث تكتسب جزئيات المكان وهجها الفلكلوري المميزمثل(البيت القصب،نهر القرية،الفسحة امام البيت،الجلوس امام الموقد) وتم تأكيد وهج الفضاء بلغة شعرية موسيقية هرمونية كالذي نتحسسه في تكرار الحروف كتكرار الراء في(الرابض على الطرف الشرقي لنهر قريتنا)او القاف في (البسط المتقابلة حول الموقد) 0ان احساس الانسان الريفي بالزمن اكثر كثافة لان طابع الحياة الروتيني وعدم وجود فسحة للتفكير بالتجديد والاستغراق بالتفاصيل اليومية يجعل الزمن بطيئا ومحسوسا على نحو كبير واحتفاليا ايضا0 بعد رصد جزئيات الفضاء الزمكاني الفلكلوري يدخل الراوي الى الحبكة ،العائلة الريفية المتكونة من الام والاب وطفلين تعيش كارثة الفقد للابنة الوحيدة التي توفيت جراء المرض ،الراوي (الابن) بعد تدوينه لطقوس الحياة اليومية المبهجة لهذه العائلة التي كانت ما قبل سعيدة بعد فقد الابنة تتغير الاحوال وتبدأ العائلة تمارس طقوس الحزن"حيث يتعالى نقيق الضفادع الذي يتوقف بعد حلول الظلام الا ضفدعة واحدة ،يأتينا صوتها كالانين ،فتغرق امنا بنوبة من بكاء تحرص ان يكون صامتا ،لكن نشيجها يفضحه فنغرق معها بالبكاء ،فيما يظل ابونا حانيا رأسه ومصغيا لانين الضفدعة الذي يتناغم مع نشيج امنا بشكل غريب"4 0عند العراقيين وبالارياف خاصة لا كارثة تحل بالانسان مثل كارثة الموت ولهذا الاخير ممارسات وطقوس تبدأ منذ لحظة الموت ولاتنتهي الابمرور سنوات ، تذكى طقوس الحزن مع انفلات خيوط الضوء اثناء الغروب وبعد حلول الظلام ، المرأة هي البطلة والمهيأة لطقوس الحزن يؤهلها لذلك الادوار الطبيعية المناطة بها بوصفها الام الحنون بالاضافة الى النظرة النمطية التي تحيط بها المجتمعات الذكورية المراة بوصفها رمزا للضعف وقلة القدرة على التحمل على العكس من الرجل الذي يبدو متماسكا قويا يعبر عن حزنه بالايماء ويحجم عن اظهار الاسى والتفجع(ويجب ان يكون هكذا في المجتمعات الريفية الابوية) ،اما الاطفال في سيناريو الحزن الريفي فهم يعيشون مشاعر الحزن باحاسيسهم الغضة غير انهم غالبا لايفهمون طقوسية الحزن التي يمارسها الكبار وتفرض عليهم فرضا فيكتفون بالتقليد او التقمص لادوار هؤلاء0اللوحة التي رسمت لطقوس الحزن الفلكلوري من اكثر اللوحات دقة وتفصيلا وتعبيرا،أدمجت طقوس الحزن بانين الضفدعة ،بعد تراتيل الممارسات اليومية وتراتيل الموت هنالك تراتيل الضفدعة ،هنا تطرح موضوعة علاقة الانسان الريفي بالموجودات ومنها الحيوان ،علاقة الريفي بالحيوان اكثر خصوصية وحميمة عن نظيره المدني ،فالانسان والحيوان في الريف شريكان في البيئة والعمل والاعباء وهما تبعالذلك شريكان في الحزن والسرور0حضور الضفدعة بالذات في هذه القصة تبررة البنية الزمكانية لفضاء السرد ،فزمن القصة في موسم الربيع حيث تختنق الاهوار بالماء وتكثر الضفادع في المصطح المائي، وكما هو معروف ان الضفادع تبدأ بالنقيق منذ الغروب وحتى الليل أي بالتزامن مع طقوس الحزن اليومية المعتادة،هذا بالاضافة الى اذكاء صوت الضفادع لمشاعر الالم والكابة 0 طرح الراوي علاقة انسان الاهواربالموجودات المحيطة به منها الضفادع من خلال نظرية "الحلول"الفلسفية حيث تسكن روح الطفلة الراحلة في الضفدعة الصغيرة التي كانت تلهو معها وبها في اوقات اللعب الطفولي ،وهنا تبرز ثيمة اللعب بوصفها وسيلة للتعرف واكتشاف العالم والوجود وطبيعة العلاقة بين الانسان وبقية المخلوقات وكنه هذه العلاقة الفلسفية لايدركها الا ابن الريف الذي تؤهله بيئته ورهافة احساسه لتلمس ابعادها "لما عاد الربيع،لم نذهب انا واخي الى المسطح المائي الذي عاد،ونرى ضفدعة صغيرة تشبه تلك التي سقطت من يد اخي ،تأتي عصرا عند الساقية المحاذية لبيتنا، تنظر بوجوهنا بصمت تقفز مبتعدة قليلا وبصعوبة ثم تنزوي بين طيات الطين اللازب،تغمض عينيها وتفتحها بين حين واخرفتبدوان ذابلتين ،فنتراص انا واخي على بعضنا ،ثم نعودالى البيت يغلفنا الصمت ويشيعنا الخوف الذي لم نبح به لامنا وابينا"0
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat