صفحة الكاتب : علي حسين الخباز

قراءة في دعاء العشرات
علي حسين الخباز

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

 لو أردنا البحث عن أسباب ديمومة الأدب الدعائي لوجدنا ان زخم الكم الشعوري المكثف وجدانيا يتطلب توجها كاملا إلى الله بروح صافية، والأدب الدعائي استطاع ابعاد ما يشغل القارئ من هموم الدنيا الزائلة رغم أنه لا يحاول ابعاد المتلقي عن الحياة بل بالعكس يحاول تنظيم الحياة من خلال جعلها صالحة مباركة.
ويبدو لي أن الادعية وجدت لتحقيق التقارب النفسي بين الناس من خلال توحيد التوجه والأماني وتوحيد المطالب فبهذا يتم الاتصال بين الإنسان والإنسان وحتى بين الجيل والجيل، من هذا المنطلق ينبثق الوعي العالي للادراك لمعنى الانتماء الحقيقي.
والمظاهر الاسلوبية في الأدعية ترتبط بانواع مختلفة من الظروف الاجتماعية والتوجهات الثقافية فنلاحظ مثلا في دعاء العشرات الذي يبدأ بتكرار السبحانيات في (22) جملة وتكرار (اللهم ) في مقدمة الدعاء (14) جملة وتكرار (الحمد لله) في (54) جملة وتكرار أسم الجلالة (37) مرة و(رب) (7) مرات كما ارتكز الدعاء على ذكر الكثير من أسماء الله الحسنى مثل ( العلي - العظيم- الحق - المهيمن - القدوس - الحي - الدائم- القائم ) والتي تكررت في عدة جمل، وهناك تركيز على صفات الخالق جلا وعلا وهي عبارة عم الاقرار بوحدانية الله وفوته وجبروته وهي استجابة روحية واسلوب فني ومضمون إيماني يصبح انعكاسا لأنظمة مختلفة للواقع الاجتماعي الثقافي ، فيتطلب من كاتب الدعاء أن يتمتع برهافة الشعور وخاصة ان هناك توجهات سياسية خفية نحو التحرر من السلطوية، وتحتوي على فهم كامل للطبيعة البشرية امام المتغيرات مهما كانت تلك المتغيرات، وتنوع الأساليب مرتبط بتنوع تلك المتغيرات فنلاحظ الجمل السبحانية وجود اقرارات مبنية على التضادات (ليل×نهار - سموات×أرض- حي×ميت ) وبعض الاقرارات مبنية على التوافق (كبرياء - عظمة - قائم - دائم - الحي - القيوم) وبعضها يحتوي على (غير) التي تأتي احيانا بمعنى سوى وتستعمل في الاستثناء وتعامل معاملة الاسم الواقع بعد الا.. (سبحان الدائم غير الغافل) فنرى أن التكامل الأدراكي يسعى لتوجيه الذات بخلق صيغ لها الديمومة والاستمرار في حياة الناس فالله جل وعلا هو الله على مدى القرون ، والإنسان بضعفه بمخاوفه بقلقه يبقى على اختلاف الأزمنة بحاجة إلى الشعور بان له ربا يحميه ويلجأ إليه في وقت فاقته وخوفه لذلك نرى وجود الالتماسات في جمل الاقرار مثل (صل) أو طلب النجاة من النار وطلب الرزق ( واكتب لي) ثم نجد للتوكيدات نصيب كبير مثل (أني) و (أن) التي تكررت على حساب (أشهد ) ( أشهد أن الجنة حق - وأن النار حق - وأن النشور حق) (وَاَشْهَدُ اَنَّ عَلِيَّ بْنَ اَبي طالِب اَميرُ الْمُؤْمِنِينَ حَقّاً حَقّاً، وَاَنَّ الاْئِمَّةَ مِنْ وُلْدِهِ هُمُ الاْئمَّةُ الهُداةُ).

ونرى أن القوة الكامنة في الدعاء تحمل الكثير المهام الاخلاقية التي هي أصلا تعد قيمة اتصالية مبنية على وعي اجتماعي فلذلك نرى تكرار (اللهم ولك الحمد) لازمة توكيدية ولو دققنا في نوعية تلك التوكيدات لوجدنا أن بعضها لفظي والآخر معنوي يعرف من سياق النص وكما نلاحظ تشكيل التكرار الذي جاء بشكل رائع فيه الكثير من الجمالية (وَلَكَ الْحَمْدُ باعِثَ الْحَمْدِ وَلَكَ الْحَمْدِ وارِثَ الْحَمْدُ ولَكَ الْحَمْدُ بَديعَ الْحَمْدِ وَلَكَ الْحَمْدُ مُنْتَهَى الْحَمْدِ وَلَكَ الْحَمْدِ مُبتَدِعَ الْحَمْدِ وَلَكَ الْحَمْدُ مُشْتَرِيَ الْحَمْدِ وَلَكَ الْحَمْدُ وَلِيَّ الْحَمْدِ وَلَكَ الْحَمْدُ قَديمَ الْحَمْدِ) واسلوب التوكيدات يعتبر وسيلة للتأكيد العاطفي من خلال التمسك بالمنحى ايماني لتحقيق الانساق الاجتماعية والثقافية ومن ثم الأهم ان صيغة الادراك الحسي من أكثر الارتباطات قربا لوعي القارئ ونفسيته وجاءت بعض التشكيلات اللغوية المبنية على حروف الروي لخلق السجع الذي يمنحنا ايقاعات نغمية عند القراءة (درجات - دعوات - سموات- ظلمات- حسنات) كما توجد تناصات قرآنية تشكل استجابات نصية وينفتح على شعرية عالية من خلال بعض تكراراته المقصودة مثلا لو اخذنا تكرار (عدد) (وَلَكَ الْحَمْدُ عَدَدَ كُلِّ نَجْم وَمَلَك فِي السَّماءِ، وَلَكَ الْحَمْدُ عَدَدَ الثَّرى وَالْحَصى وَالنَّوى، وَلَكَ الْحَمْدُ عَدَدَ ما في جَوِّ الَّسماءِ، وَلَكَ الْحَمْدُ عَدَدَ ما فى جَوْفِ الارْضِ، وَلَكَ الْحَمْدُ عَدَدَ اَوْزانِ مِياهِ الْبِحارِ، وَلَكَ الْحَمْدُ عَدَدَ اَوْراقِ الْاَشْجارِ، وَلَكَ الْحَمْدُ عَدَدَ ما عَلى وَجْهِ الْاَرْضِ، وَلَكَ الْحَمْدُ عَدَدَ ما اَحْصى كِتابُكَ، وَلَك الْحَمْدُ عَدَدَ ما اَحاطَ بِهِ عِلْمُكَ، وَلَكَ الْحَمْدُ عَدَدَ الْاِنْسِ وَالْجِنِّ وَالْهَوامِّ وَالطَّيْرِوَالْبَهائِمِ والسِّباعِ) وأنا استشهدت بكامل المقطع لأبين شمولية الاشتغال ثم لنرى أن تلك الحواريات كشفت عن الكثير من المعاناة النفسية التي من خلال دقة تميز الخطاب بمثل هذه الخصائص الدلالالية والتعبيرية المتنوعة التي جعلت الدعاء مفعما بالحيوية أو الحياة وهذا ما يقود النص إلى احتمالات التلقي أي أن القائل متكلم حقيقي وأنا الآن أثناء القراءة متكلم حقيقي لكن لم أكن موجودا زمن كتابة النص حيث كنت قائلا محتملا والنص مستمر زمكانيا وكم من قائل محتمل سيأتي ليصبح حقيقة والمعنى المراد هنا أن رد الفعل الحواري للقراءة يضفي سمة شخصية على التعبير الذي اتفاعل معه وهذا وعي ومثل هذا الوعي هو الذي منح الدعاء مظهرا من مظاهر ادراك العالم ولذلك نراه يتعامل مع موضوعات جمعية ولو لاحظنا ثمة خصوصية لدعاء العشرات ولنا عدة ملاحظات:
أولا : حجم (قلل) دعاء العشرات عن استخدام (ياء النداء) كثيرا مثلا وردت في دعاء الجوشن (1000) مرة في حين لم يستخدم في العشرات سوى (15) مرة وبعد دخول العشرات .
ثانيا: رغم وجود مفردات الموت ورديفاتها لكننا نحس بعمق ارتباط الدعاء بالحياة وهذا يعني أن كاتبه (الإمام زين العابدين (عليه السلام) أراد بذلك أن يجسد مقولة جده أمير المؤمنين (عليه السلام) أعمل لدنياك كأنك تعيش ابدا، واعمل لآخرتك كأنك تموت غدا).
ثالثا: وجود تكثيف بقيمة فنية عالية حيث نجد أن كل هذه الاستشهادات والاشتغالات وتنوع الاساليب تمت من (793) كلمة.
رابعا: نجد أن اسم الدعاء العشرات جاء نتيجة طلب المؤلف تكرار (19) جملة لعشر مرات أثناء القراءة فيعتبر تكرارا فنيا غير مدون.
خامسا: يعتمد خطاب العشرات على لغة سلسة ومباشرة لتكثيف الزخم العاطفي أثناء الحواريات وسهولة فهمها واعتمد على رسم مسارات واضحة لبلورة الرؤيا ثم نقدر أن نستشف من وجود انطباعات أكثر دقة تتحرك بهدوء ولا نعتقد أننا نسيء التعبير حين نرى هذا الدعاء قصيدة شعر فهو يكشف عن لغة تسعى بأقصى طاقتها للشعرية


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


علي حسين الخباز
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2020/06/14



كتابة تعليق لموضوع : قراءة في دعاء العشرات
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net