صفحة الكاتب : علي حسين الخباز

قراءة انطباعية في كتاب (شمس خلف السحاب) للكاتبة: منتهى محسن محمد
علي حسين الخباز

 يستثمر الكاتب الناجح الأسلوب لاجتياز مفهوم تأويل المتلقي الى خلق منطقة تأثيرية واسعة عبر الأساليب، وهي من خصائص الكاتب المدرك، ومجموعة الأساليب الفاعلة التي ارتكزت عليها الكاتبة منتهى محسن في كتابها (شمس خلف السحاب) الذي هو عبارة عن مجموعة مقالات متخصصة في قضية المنقذ الموعود صاحب الزمان الحجة المنتظر (عج) ساعية الى ربط تلك الأساليب لنيل مستويات بناء فاعلة اختارتها الكاتبة لتكشف عن رؤيتها الإبداعية، وهي تعتقد أن ترجمة الحب والانتماء لابد أن تتجسد على واقع الحال، وهذا الكتاب حسب رؤيتها تمعن جاد في حب أعمق، وتأسيس لمشروع عالمي أدق وأنفع.

أهمية التحليل الاسلوبي تكمن في متابعة رؤية الكاتبة، فهي ترى أن الأسلوب الذي كتبت به المقالات ليس صعباً، ولا يحتاج الى تفكيك يمكن أنها في السعي القصدي لم تتخذ أسلوباً عميقاً في الطرح، بينما شخصت الكاتبة اللبنانية رجاء محمد بيطار في مقدمتها، بأنه خلاصة فكر تنموي، ولوحات تترجم الصلة اللامتناهية بين آل البيت وكلمتهم الناطقة عبر الأزمنة، بينما نجد هناك ظواهر اسلوبية عديدة ارتكزت عليها الكاتبة منتهى محسن ونتأمل في تلك الأساليب، عسانا نصل بقدر المستطاع الى قراءة شاملة في المنجز.
ـــــــــــــــــــــــــــــــ
1- الأسلوب الاستفهامي:
منذ المستهل الأول للولوج الى الكتاب عبر الموضوع الأول (هدية السماء) نقرأ:
«أي لحظات مقدسة؟ وأية حفاوة إلهية شملتها بقدوم النساء الأربعة؟ أي بسمة...؟ وأي نور... ؟» وهكذا استخدمت جميع أدوات الاستفهام:
«أبمولد ريحانة الرسول وهي المهجة والبضعة؟ أم لأنها السبب في توالي أهل بيت النبي (ص)، وخاتمهم المنشود الذي ترتقبه قلوب الموالين كل يوم جمعة؟» وتتوالى الأسئلة بكل الأدوات الاستفهامية، فكيف علينا احياء هذه الليالي؟ هل تكفي صلاتنا وتبتلنا آناء الليل...؟ حضور ابداعي خلف علامات الاستفهام، لترسخ لنا المعلومة عبر السؤال ويزيدها وضوحاً معنوياً.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
2- الاقتباس:
هو الأسلوب الذي ارتكزت عليه والذي ساعدها لتنهل من أقوال النبي (ص)، والأئمة (عليهم السلام)، والاحالة الى النصوص من أجل اثراء الموضوع، فمثلاً استطاعت استحضار تشابه بين الامام المهدي (عج) وجدته السيدة الزهراء من حيث الولادة، فهي أكثرت من الشواهد: «عن جابر بن عبد الله الانصاري عن رسول الله (ص), عندما سأله: هل ينتفع الشيعة بالقائم في غيبته؟ قال: كما ينتفعون بالشمس إذا سترها السحاب». ومن هذا المحور كان عنوان الكتاب، والاستعانة بأقوال النبي (ص) وأقوال الأئمة(عليهم السلام)، وبعض الشواهد النصية التي تخدم مواضيع الكتاب.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
3- السردية:
في المرتكز الثالث الذي هو مرتكز السردية، اختارت الكاتبة الأحداث والأمثال، وتظهر أفكارها من خلال سردها لقصص القرآن أو الأحداث التاريخية، لتبني من خلالها معاني كتابها، السرد لا يحتاج الى شرح الأفكار أو تلخيص المواد، سرد الحدث فيه المحفز القصدي، فهي سردت ولادة الزهراء (عليها السلام)، وسردت معها حدث ولادة المهدي (عج) لتقارب جوهر القداسة، وسردت أحداث خيبر وحرب الأحزاب.
كذلك سردت في إحدى مقارباتها بين أحداث حرق دار الزهراء (عليها السلام)، وحرب أمير المؤمنين في الجمل وصفين والنهروان، ودس السم للحسن، وقتل الحسين (عليهما السلام)، وتفجير المراقد الشريفة، والأضرحة المقدسة لأهل البيت (عليهم السلام).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
4- الإحالة:
الأسلوب الرابع الذي استخدمته هو الإحالة الى المصادر التي استقت منها المعلومة؛ لتمكن الآخرين من التأكد من صحة المعلومة، وهذا الأسلوب يساعد القارئ على البحث عن معلومات إضافية، تضاف الى الموضوع, ولا توجد محددات شكلية على طريقة كتابة المصادر، فنجدها استشهدت بعشرات المصادر، وهذا أسلوب تعتمد عليه البحوث المنهجية الراسخة.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
5- المخاطبة المباشرة:
هو التخاطب المباشر مع الرمز الأول المقدس، ويعد مخاطبة الرمز مباشرة من الأمور النفسية العامة، وهذا الأسلوب نافع في مجمل النصوص الحداثية والسعي لإعطاء انطباع جمالي عام.
في موضوع مناجاة مهدوية الى مخاطبة شعورية مع الامام المنتظر ومخاطبته المباشرة تحت عبارات تحببية مثلاً: مولاي, أيها الهادي المنتظر, المهدي المظفر, أو تراها تخاطبه: يا حبيب القلوب, أيها الحبيب, يا بقية الله.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
6- البحث في مسالك المعنى:
يعد البحث عن معنى القوة المطلقة النصية لتنطلق منها الى حقائق تفصيلية، فالكاتبة في معنى الغيبة ومزايا الغيبة ومعنى الانتظار مثل موضوعها (هبات زمن الغيبة)، فنرى أن الغيبة تحفز المؤمن للنهوض بمسؤوليته، والبحث عن سبل اللحاق بالركب الشريف، وفي جوهر وراثة الأرض، وعن جوهر النصرة المهدوية ذكرت مستشهدة بقول الامام الباقر (عليه السلام): «طوبى لمن ادركه وكان من أنصاره».
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
7- الاستنتاج:
وهو عملية عقلية استعرافية للبحث عن منطق الحوادث، يهدف الى الفهم أو دعم المعتقدات أو استخراج عِبَر أو مفاهيم، وهذا الأمر يحتاج الى عمليات استقرائية واستنباطية، وأجمل ما في هذا الأسلوب انه يثير المشاعر بطرق عقلية، فهي تبحث عن العديد من المواضيع, وعن النتائج الفكرية التي تتضمنها الآيات القرآنية أو الأقوال او الأحداث، ففي موضوع (العمل من أجل بزوغ الأمل) استنتجت الأفكار والرؤى التي تبين جانباً من أهمية الظهور المبارك، ناقدة أمل المستضعفين، ووصلت الى هذه الرؤى من خلال تأملها في آية: « وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ» {القصص/5}.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
8- التحليل:
لم تعد الكاتبة تهتم بتنظير المعنى الأحادي؛ لكونها تبحث عن فضاء لأبعاد متعددة، وقد يرى المتلقي أني فرقت بين الاستنتاج والتحليل في قراءتي لمنجز الكاتبة، فهي ركزت في الاستنتاج على تنظير المدون، أما في التحليل ارتكزت على التطبيق التحليلي، ففي موضوع (اغلقوا عيونكم) عبارة أطلقها احد المدربين، ومنحهم دقيقتين ليتصوروا أفياء الجنة الموعودة، وبعدها منحهم مهلة أخرى ليتخيلوا زمن الظهور والإمام المقدس بينهم, هذه هي ثقافة المقال ووعي الكاتبة وتنشيط المتلقي، ومن المؤكد أن أغلب القراء سيغمض عينيه ليتخيل ما طلبه المدرب، وتلك وسامة الكتابة ورشاقتها.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
9- بساطة اللغة:
البساطة في اللغة قوة ادراكية تعمل على تبسيط الرسالة بفن تلقائي، يبتعد عن خشونة اللفظ والمعاني، ويعتبر الكثير من النقاد أن البساطة فن عصي الحضور، وفي تفسيرنا للبساطة لا نعني سذاجة التدوين، وإنما جعل اللغة وجداناً، وتميزت الكاتبة ببساطة أبعدت عن المباشرة المبتذلة، وانما سعت الى البساطة لتسهيل المعاني المعقدة والفلسفية الحادة، وخاصة أن موضع الغيبة والانتظار وفلسفة الظهور من الأمور الفلسفية المعقدة والسعي الى تحويلها من عالم النخبوية الى الشمولية المتزنة وذلك هو الفن.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
10– عصرنة التاريخ:
تعتبر عصرنة التاريخ من أهم مفاهيم الحداثة والرقي والحضارة، معناها مواكبة الغيبة وآليات الانتظار والظهور عبر دراسة الواقع المعاش، ونجد أن مثل هذه المواضيع هي الأكثر احتواء لفلسفة الغياب ومفاهيم الحضور وقيم الانتظار لأبعاد مثل هذه المواضيع عن شبهة التخريف، والسعي ليقظة المشاعر، فمثلاً دراستها لمفهوم التغيير المطلوب لظهور الموعود (عج) تعمل على مفهوم التغيير المادي واقرانه بالتغيير السلوكي والأخلاقي والتي هي سبب نزول الفيوضات الإلهية.
الانتظار يعني ترميم العيوب ومعالجة النواقص وتمحيص مواقع الخلل وفحصها، وهي تنظر الى ما تحتويه قلوب الأمهات الانتظار والأمل في مسيرة البذل والعطاء بانتظار مستقبل مزهر لأولادهن، وفلذات أكبادهن، فالحديث عن مكابدات العصر ثم يربط بمكابدات الغيبة ولوعة الانتظار، وترى اننا بأمس الحاجة اليوم بحدوث التغيير المنتظر الذي يمهد لبناء صرح الدولة المهدوية.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
11- الإحاطة بجميع جوانب المهدوية:
هذه الإحاطة تثري العمق الإبداعي، وهي أساساً بحاجة الى وعي فنان وثقافة مدركة ومتابعة بسيطة لعناوين المجموعة تعرفنا على ماهية الاحتواء الشمولي، فهي كتبت عن: (الارتباط المهدوي، دولة الحق وليلة القدر المهدوية، ترجمة فرحة الميلاد، المناجاة المهدوية، وهبات زمن الغيبة، وسبل اللحاق بالركب الشريف، النصرة المهدوية والحراك المطلوب).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
12- التخصص النسوي:
التخصص في الحضور النسوي يعتمد على تصور النصرة ليس بمعناها الصدامي وانما في قيمة احياء الدور الإصلاحي, حضور السيدة زينب في الطف المبارك منح القدوة لكل مقدرة نسوية، فكان حضورها الدائم يحمل المرأة مسؤولية الاعداد النهضوي، والكاتبة ركزت على هذا الحضور في دور النساء في عصر الانتظار، والعديد من المواضيع المحورية الأخرى.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
13- التخييل العالي:
صور تخيلية عالية، تمثل دور الأفلاك في زمن الغيبة، فالخيال يخلق عوالم جمالية عالية تفتح الآفاق أمام النفس، وتبعد عنه الملل، فهي تبث الحياة في الأفلاك، وهذا ما يسمى في الدراسات الحداثية بـ(الأنسنة)، واتسمت محاورة النجوم الرياح، فبثت حوار الافلاك في زمن الغيبة بصيغة تحاورية كأنها نص مسرحي.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
14- انتقاءات حكمية:
سعت الكاتبة الى انتقاءات حكمية اسمتها بـ(الدرر السجادية)، الامام السجاد (عليه السلام) يطلق نبوءة بحث السلطات عن الامام المهدي (عجل الله تعالى فرجه) بتحريض من جعفر الكذاب.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وهناك الكثير من المحاور الأسلوبية التي يطول الحديث عنها؛ لكون المبدعة تعاملت مع شخصية المهدي (عج) تعليلاً محورياً يتلاحم مع جميع الرموز المقدسة، ومن ضمنها المحور الشعري الذي يعد من الأساليب المستخدمة.
اعتقد اننا قرأنا المنجز بما نمتلك من قدرة، والله المستعان.


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


علي حسين الخباز
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2020/06/11



كتابة تعليق لموضوع : قراءة انطباعية في كتاب (شمس خلف السحاب) للكاتبة: منتهى محسن محمد
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net