صفحة الكاتب : د . علي عبدالفتاح الحاج فرهود

العالمُ الكافرُ ما مصيرُه في الآخرةِ ؟
د . علي عبدالفتاح الحاج فرهود

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

تفضَّل عليَّ كريمٌ من طلابي في الماجستير في إحدى السنواتِ الخاليةِ بهذا السؤالِ بالماسنجر:

((السلام عليكم دكتورنا الفاضل رمضان كريم عليكم وعلى العائلة الكريمة. احد الأشخاص قد نشر منشور على الفيس واختلف المتابعين به وهو أيضا محط اختلاف الناس إذ لو فرضنا أن مخترع علاج الأنسولين أو الأدوية الأخرى أو الكهرباء ومشتقات الطاقة وغيرها من الاختراعات التي انقذت العالم ليس مسلم هل يدخل النار؟ وخلاصة هذا المنشور أدناه (في الجنة مكان يسع الجميع....

وهم احتكار الخلاص في الاديان)

من عمل صالحا مصيره الخلاص والجنة ايا كان دينه ) لو تفضلتم علينا وعلى القراء الكرام بتوضح هذا الرأي للفائدة)) ؛ فكان جوابي:

 

عليكمُ السلامُ ورحمةُ اللٰهِ وبركاتُه.

قال تعالى: ﴿إِنّا أَرسَلناكَ بِالحَقِّ بَشيرًا وَنَذيرًا وَإِن مِن أُمَّةٍ إِلّا خَلا فيها نَذيرٌ﴾ [فاطر/٢٤] ؛ فلا يوجَدُ مكانٌ على الأَرضِ قديمًا أَو حديثًا إِلَّا ومَنَّ اللٰهُ تعالى على أَهلِه بوجودِ المبلِّغِ والناصحِ والمُرشدِ والآمِرِ بالمعروفِ والناهي عنِ المنكَرِ يأخُذُ بأّيديهم إِلى الصوابِ وفِعلِ الخيرِ ، وتجنُّبِ فِعلِ الشرِّ بمستوياتٍ متباينةٍ بحسبِ النظامِ الاجتماعيِّ ، والقِوامِ المعيشيِّ ، والطرائقِ المتعارَفِ عليها. هذا ما يتجلَّى من هذه الآيةِ الكريمةِ الصريحةِ.

وفي توجيهٍ قرآنيٍّ آخرَ نجدُ أَنَّ أَهلَ الكتابِ من اليهودِ والنصارَى قد بُلِّغوا بأَنَّهم ماداموا يَعملون بتوجيهِ التوراةِ والإِنجيلِ(الإِلهيَّيْن) بحسبِ استحقاقِ العملِ بهما وجوبًا لكلِّ مِلَّةٍ ؛ فإِنهم سيجدون الهدايةَ (الإِلهيةَ) للعملِ بما أَنزل اللٰهُ بعدهما وهو القرآنُ عندها سينالون الخيرَ والنصرَ كلَّه ، ويستحقون الرحمةَ الإِلهيةَ في ضوءِ قولِه تعالى: ﴿وَلَو أَنَّهُم أَقامُوا التَّوراةَ وَالإِنجيلَ وَما أُنزِلَ إِلَيهِم مِن رَبِّهِم لَأَكَلوا مِن فَوقِهِم وَمِن تَحتِ أَرجُلِهِم مِنهُم أُمَّةٌ مُقتَصِدَةٌ وَكَثيرٌ مِنهُم ساءَ ما يَعمَلونَ﴾ [المائدة/٦٦].

فالعلماءُ ، والأَطباءُ ، والمخترعون ، لهم فضلُ (خدمةِ الناسِ ، وإِنقاذِ حياتِهم ، وتطويرِ الحياةِ) بمشيئةِ اللٰهِ تعالى ، ولكنهم قد يكونون مقصِّرين بحقِّ أَنفسِهم لا يخدمونها بالاستقرارِ على جادةِ الدِّينِ الحقِّ فهم مع علمِهم بوجودِه لا يُعيرونه اهتمامَهم ، وبحثَهم ، وتحرِّيهم حتى يصلوا إِلى قناعةٍ للإِيمانِ به ؛ فيتحصَّلون على الخُسرانِ في النهايةِ ﴿وَمَن يَبتَغِ غَيرَ الإِسلامِ دينًا فَلَن يُقبَلَ مِنهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الخاسِرينَ﴾ [آل عمران/٨٥] ؛ فكلُّ دِينٍ مرفوضٌ سوى الإِسلامِ. والدياناتُ السماويةُ (التي كان رسلُها ، وأَنبياؤُها مسلمين بامتيازٍ) كلُّها مهَّدت للإِسلامِ المحمديِّ الخاتِمِ للرسالاتِ السماويةِ ، الشاملِ للمنظومةِ البشريةِ ، والخَلْقيةِ كلِّها.

وتَجدُرُ الإِشارةُ إِلى أّنَّ كبارَ القومِ من الكتابيين (ومنهم هؤلاءِ العلماءُ ، والأَطباءُ) يعرفون الدِّينَ الحقَّ ، ولكنَّ الهوى يجنَحُ بهم إِلى خلافِه ، ومعاداتِه ﴿إِنَّ الدّينَ عِندَ اللٰهِ الإِسلامُ وَمَا اختَلَفَ الَّذينَ أوتُوا الكِتابَ إِلّا مِن بَعدِ ما جاءَهُمُ العِلمُ بَغيًا بَينَهُم وَمَن يَكفُر بِآياتِ اللٰهِ فَإِنَّ اللَّهَ سَريعُ الحِسابِ﴾ [آل عمران/١٩].

فكلُّ عارفٍ بالإِسلامِ المحمديِّ الواجبِ طَوعًا ، لا كَرهًا وقد قضى حياتَه بعيدًا عنِ (الاعتقادِ به ، والالتزامِ بتعاليمِه) يَستحقُّ الرحمةَ الإِلهيةَ في الدنيا والآخرةِ إِذا تحققت توبتُه ، وعَودتُه إِلى ساحةِ اللٰهِ الخالصةِ ﴿إِنَّمَا التَّوبَةُ عَلَى اللٰهِ لِلَّذينَ يَعمَلونَ السّوءَ بِجَهالَةٍ ثُمَّ يَتوبونَ مِن قَريبٍ فَأُولئِكَ يَتوبُ اللٰهُ عَلَيهِم وَكانَ اللٰهُ عَليمًا حَكيمًا﴾ [النساء/١٧]. أَما الذين يُعاندون ، ويُكذِّبون ، ويَبقَون في غَيِّهم ولَهوِهم ، وفي كُفرِهم وإِلحادِهم ؛ فإنَّهم في رمضاءِ الهَوانِ والعذابِ ماداموا ممتنعِين عنِ التوبةِ ﴿ولَيسَتِ التَّوبَةُ لِلَّذينَ يَعمَلونَ السَّيِّئَاتِ حَتّى إِذا حَضَرَ أَحَدَهُمُ المَوتُ قالَ إِنّي تُبتُ الآنَ وَلَا الَّذينَ يَموتونَ وَهُم كُفّارٌ أُولئِكَ أَعتَدنا لَهُم عَذابًا أَليمًا﴾ [النساء/١٨].

وهذا ما يَضِحُ في تقسيمِ المقاماتِ الأُخرَويةِ بين الجنةِ والنارِ بتوجيهٍ إِلهيٍّ قاطعٍ ﴿فَأَمَّا إِن كانَ مِنَ المُقَرَّبينَ ؛ فَرَوحٌ وَرَيحانٌ وَجَنَّتُ نَعيمٍ ، وَأَمَّا إِن كانَ مِن أَصحابِ اليَمينِ ؛ فَسَلامٌ لَكَ مِن أَصحابِ اليَمينِ ، وأَمَّا إِن كانَ مِنَ المُكَذِّبينَ الضّالّينَ ؛ فَنُزُلٌ مِن حَميمٍ ، وتَصلِيَةُ جَحيمٍ ، إِنَّ هذا لَهُوَ حَقُّ اليَقينِ﴾ [الواقعة/٨٨-٩٥] فضلًا عنِ الآياتِ الواضحةِ ، والرواياتِ الحديثةِ القاطعةِ توجيهًا لهذا الإِشكالِ كما يراه القائلون به. وقد اقتصرتُ على النصوصِ القرآنيةِ المُحكَمةِ التي لا مَعْدَى لِمُنكِرٍ أَن يَفهمَها بيِسرٍ وسلامٍ.

ثمة أَداءٌ إِيجابيٌّ للإِنسانِ ؛ فهذا له أَجرُه ومُقابلُه الإِيجابيُّ من اللٰهِ تعالى ، ولكنه يبقى مرهونًا بتوجُّهِ الإِنسانِ نفسِه ؛ فإِن كان مؤمنًا ملتزِمًا بأَمرِ اللٰهِ النافذِ في عصرِه نال الأَجرَ الإِلهيَّ موفقًا به في الدنيا والآخرةِ ، وإِن كان كافرًا نال الأَجرَ الإِلهيَّ في الدنيا ، وتمتع به فيها من مالٍ ، وشُهرةٍ ، وجاهٍ ، وحُكمٍ ، ولا حظَّ له من هذا الأَجرِ في الآخرةِ بحسبِ قولِه تعالى: ﴿مَن كانَ يُريدُ حَرثَ الآخِرَةِ نَزِد لَهُ في حَرثِهِ وَمَن كانَ يُريدُ حَرثَ الدُّنيا نُؤتِهِ مِنها وَما لَهُ فِي الآخِرَةِ مِن نَصيبٍ﴾ [الشورى/٢٠] ، وقولِه تعالى: ﴿وَما كانَ لِنَفسٍ أَن تَموتَ إِلّا بِإِذنِ اللٰهِ كِتابًا مُؤَجَّلًا وَمَن يُرِد ثَوابَ الدُّنيا نُؤتِهِ مِنها وَمَن يُرِد ثَوابَ الآخِرَةِ نُؤتِهِ مِنها وَسَنَجزِي الشّاكِرينَ﴾ [آل عمران/١٤٥].

المبدعُ يُسعِدُ الآخرين ، وليتَه يُسعِدُ نفسَه بالإِيمانِ الصادقِ مع إِبداعِه. والكافرُ الضالُّ لا سعادةَ له يومَ الحسابِ ، ولن ينفعَه إِبداعُه ، وعندها - فقط - يقعُ الصراعُ بينه وبين نفسِه ﴿وَجِيءَ يَومَئِذٍ بِجَهَنَّمَ يَومَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الإِنسانُ وَأَنّى لَهُ الذِّكرى ، يَقولُ يا لَيتَني قَدَّمتُ لِحَياتي﴾ [الفجر/٢٣-٢٤].

هذا ما نؤمنُ به ، ونعملُ بموجبِه. ويبقى الزِّمامُ بيدِ مَالكِ يومِ الدِّينِ هو الآمرُ ، وهو أَرحمُ الراحمين.


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


د . علي عبدالفتاح الحاج فرهود
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2020/05/19



كتابة تعليق لموضوع : العالمُ الكافرُ ما مصيرُه في الآخرةِ ؟
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net