صفحة الكاتب : علي حسين الخباز

قراءة في دعاء الافتتاح
علي حسين الخباز

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

 تقارب مستوى الفن الدعائي مع باقي فنون الأدب من حيث المسعى لوحدة الموضوع وتنامي الفكرة وسلاسة الجملة الدعائية يمنحنا بالتأكيد التبرير الكافي لدراسة الدعاء كمنتوج ادبي صرف، لكون الشفرة الدعائية هي ذاتها شعرية عندما تمتلك خصائص وظيفة البناء الشعري من إيقاع وايجاز ومجاز وخاصة بعد أن كشفت تطورات الشعر بان القافية والوزن وحدهما لا يشكلان عناصر القصيدة الضرورية بل هناك عناصر أخرى أكثر أهمية كاختيار الموضوع والغنائية والتصوير ، ونرى أن دعاء الافتتاح قد امتلك حرية واسعة في التعامل الأدبي بما أمتلكه من عوامل فرضت حضوره ، فمنذ مفتتح العنونة والذي كان له الأهمية في توجيه البؤرة حيث تكشفت عندها مناحي القول فالافتتاح كعنوان شكل بنية دلالية على ماهية المحتوى وشكل ارتباطا وثيقا بينه وبين الموضوع، فقد ذهب معظم النقاد إلى تجديد نسقي التكرار والتوازي كإطارين للإيقاع فلو دقننا النظر في المدخل لوجدنا (اللّهُمَّ إِنِّي أَفْتَتِحُ الثَّناءَ بِحَمْدِكَ.. ) تكرار (افتتح ) في المتن شكل ثبوتا ورسوخا وموائمة تسعى إلى تقبل المتلقي الخطوة الأولى للمدخل (اللهم) التي تكررت (16) مرة في المتن كانت كبنية فنية لتمرير الخطاب وقد شدت مقاطع المتن المتفرقة بعضها إلى بعض حتى امتلكت اشتراطات الوحدة الموضوعية وتكرار الحمد لله في (18) جملة استطاعت أن تأخذ دورها الحقيقي في عملية الربط الجملي ووحدات تراكيب الكلام وبالتالي منح هذا التكرارا لنص زخما إيقاعيا، ونرى أيضا اعتماد النص على التوازيات الطباقية مثل (فَلَمْ أَرَ مَوْلىً كَرِيماً أَصْبَرَ عَلى عبْدٍ لَئِيمٍ مِنْكَ عَلَيَّ يارَبِّ..) أو (إِنَّكَ تَدْعُونِي فَأُوَلِّي عَنْكَ، وَتَتَحَبَّبُ إِلَيَّ فَأَتَبَغَّضُ إِلَيْكَ، وَتَتَوَدَّدُ إِلَيَّ فَلا أَقْبَلُ مِنْكَ..) أو (وَهُوَ عِنْدِي كَثِيرٌ وَهُوَ عَلَيْكَ سَهْلٌ يَسِيرٌ..) فمثل هكذا ملفوظ طباقي حمل الكثير من سمات الشعر وخاصة عندما حاول الداعي دفع كمية أكبر لشعرية الجملة نفسها فجاءت جملا شعرية عالية الإتقان متقنة التصوير مثل (مُدِلاً عَلَيْكَ فِيما قَصَدْتُ فِيهِ إِلَيْكَ ) أو (وَالحَمْدُ للهِ عَلى طُولِ أَناتِهِ فِي غَضَبِهِ) أو (حَلْقَةِ بَلاٍ قَدْ فَكَكْتَها)).
ومن الخواص الشعرية التي يحملها هذا المتن الدعائي هو امتلاك أعلب الجمل لعناصر البناء الشعري فنلاحظ كثرة استخدام افعال الالتماس وهي افعال موجهة من الداني إلى العالي (أسمع- أجب – أقل- ارحم- جد – صل – اجعل – مكن – بدل) ونرى بعضها جاء مسبقا بـ(أن) الساكنة المفتوحة الهمزة والتي تأتي بصيغة توكيد الالتماس (أن تكتب- أن تجعل – أن تطيل) ومنها تأتي بصيغة النواهي (لا تغلنا –لا تطعمنا- لا تكببنا –لا تبتلنا) ومثل هذه الالتماسات والتوكيد عليها تشعرنا بحاجة الداعي الملحة في التعمق الوجداني لتوصيل الرجاء إلى المنقذ، ومن خصائص هذا الفن اهتمامه بالدلائل الإيمانية ومثل هذه الدلالات قادرة على خلق الجمالية وتعمل على إيجاد توازنات إيقاعية ، والإيقاع الداخلي لدعاء الافتتاح يأتي من خلال لغة متجانسة ذات نمط سجعي غالبا ما تكون الجملة مقفاة بحرف روي متحركة (الحَمْدُ للهِ الَّذِي يُؤْمِنُ الخائِفِينَ، وَيُنَجِّي الصَّالِحِينَ، وَيَرْفَعُ المُسْتَضْعَفِينَ، وَيَضَعُ المُسْتَكْبِرِينَ، وَيُهْلِكُ مُلُوكا وَيَسْتَخْلِفُ آخَرِينَ..) فنلاحظ تلك التعرجات الصوتية المنبعثة من خلال طول وقصر الجملة التي ساعدت على إيجاد توازنات نغمية، وأهمية هذا الدعاء تكمن في الطبيعة الإدراكية عند المتلقي فبرغم دخول قنوات الاتصال طواعية الا أنه بحاجة إلى الابتعاد عن العادي والمكرر والمتوقع؛ ولأن إيمانية المغزى كانت تبحث عن الرضا الإلهي وحده، أيّ لم يكن في حساباتها إرضاء المتلقي، ولكن طراوة اللغة وإمكانياتها البلاغية وأغلب المُنشئين من الأئمة ( هذا الدعاء منسوب إلى الإمام الحجة عجل الله تعالى فرجه الشريف) أوجدت تلك الطواعية للتوافق المزاجي من أجل بعث يقظة واعية تملأ دواخل المتلقي بالأمان والسكينة (اللّهُمَّ إِنا نَرْغَبُ إِلَيْكَ فِي دَوْلَةٍ كَرِيمَةٍ، تُعِزُّ بِها الاِسْلامَ وَأَهْلَهُ، وَتُذِلُّ بِها النِّفاقَ وَأَهْلَهُ..) فالمعالجة الدعائية تمت عبر قنوات الثورة على عقم الحياة والتأكد على اغترابية الفرد والتركيز على الخضوع الدائم لله والشعر لإيقاد جذوة الإيمان بالانتظار


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


علي حسين الخباز
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2020/05/10



كتابة تعليق لموضوع : قراءة في دعاء الافتتاح
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net