صفحة الكاتب : الشيخ محمد قانصو

رادار للمسير .. وأيضاً للضمير !...
الشيخ محمد قانصو

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
.. حسناً فعلت حكومتنا مؤخّراً عندما استقدمت نظام المراقبة عبر الرادار, علّها بذلك تلجم جموح المواطنين المستهترين بحياتهم وحياة الآخرين, وتضع حدّاً لحوادث السير المميتة والتي بلغت رقماً قياسياً في الآونة الأخيرة, ولأنّ البعض من الذين يعيشون حالة استعداء للنظام وإدمان للفوضى لا سبيل للتفاهم معهم إلا بالضغط على جيوبهم, كان لا بدّ من فرض غرامات مرتفعة يُحسب لها الحساب وتسترعي التأمّل والتفكير, وربما يُتوصل معها لالتزام نظام السير ولو إكراها ..
لفتني أثناء توجّهي للعاصمة مشهدٌ غير معتاد ولا مألوف, فقد رأيت السيارات وهي تسير بشكلٍ رومانسيٍّ هادئٍ متجاهلةً الخطّ السريع الفارغ  دونما تجاوزٍ أو إطلاق العنان لأبواق الزمامير الغريبة الأصوات, حتى ظننت لوهلة أنّني في بلد من البلدان التي يعيش أهلها حالةً نظاميةً عامةً رغبةً منهم وطواعية, وإيماناً بضرورة النظام لاستقامة الحياة .
ألزمني المشهد هذا بواجب الامتنان والشكر ضمناً لمن اخترع الرادار صاحب الهيبة والسلطان, والذي أصبح رابضاً على الشوارع والمفترقات كاسدٍ يزأر بعينٍ حمراء, متخفّياً يتربّص الدوائر بفريسةٍ متفلّتةٍ لينزل بها العقاب والهوان ..
لكنني لا أخفي عليكم الشعور بالخيبة أيضا لانَّ حاكمية الرادار المستقدمة لم تكن إلّا بديلاً عن حاكمية الوجدان, ذلك لأننا لم نتعلم بعد كيف نعيش الرقابة الذاتية على أنفسنا ولم نأخذ بالنظام التزاماً وسلوكاً عملياً نستحضره في كلّ تفاصيل حياتنا اليومية. إنّنا لعميق الأسف نحتاج الرادار لجاماً لتهوّرنا وطيشنا في الوقت الذي ينبغي فيه أن يكون الضمير راداراً ورقيباً ذاتياً على كلِّ تصرفاتنا ..
اليوم بتنا نعيش في ظلّ سلطة رادار الطرقات لنتعلم القيادة الواعية والمسؤولة, وربما نحتاج غداً لرادار يلزمنا الاعتناء بالبيئة, وبعد غدٍ لرادار يقونن استخدامنا للطاقة, وبعده لرادارٍ يرصد سلوكنا في بيوتنا مع زوجاتنا وأولادنا وو..
وهكذا يتحوّل المجتمع إلى مرصد يلتزم النظام بهيبة الرادار, ويضبط الإيقاع بسطوة العقاب, ولكنّ المصيبة إن غفت عين الرادار يوماً لخلل تقنيّ أو تكتيك احتيالي, عندها يعود العبثيون إلى الفوضى المألوفة عودة النّهر إلى مجراه ..
.. من هنا فالحاجة إلى رادار الضمير أكثر ضرورةً وإلحاحا .. فعندما يكون الضمير حيّاً وحاضراً في  المواطن والمسؤول, وفي دوائر السلطة والإدارة, يتحوّل النظام إلى ثقافة ثابتة راسخة, ويصبح الالتزام به تربيةً تنشأ عليها الأجيال وتعتادها وتؤمن بها, وبهذا يتحوّل السلوك الفوضوي المعاكس إلى حالة شاذة وغريبة تستنكرها الطبيعة وينفر منها الطباع العام ..
وعلى هذا الأساس فإنَّ المهمة الأولى تكمن في كيفية تكوين الضمير الرقيب, وهي مهمةٌ ليست سهلةً ولكنّها ليست بالمستحيلة أيضا, وينبغي لتحقيقها تضافر الجهود وتعاون الجميع سيما المعنيين بالشأن التربوي, والذين لا بدَّ وأن يضعوا في أولوياتهم أصول التنشئة وركائز الإعداد الإنسانيّ السليم القائم على بناء النواة الأولى لأنسان سويّ مشبع بالمبادئ التي تؤهّله للعيش والشراكة في المجمع البشريّ الكبير ..
 
 

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


الشيخ محمد قانصو
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2010/11/22



كتابة تعليق لموضوع : رادار للمسير .. وأيضاً للضمير !...
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net