صفحة الكاتب : حاتم عباس بصيلة

الراقصة والفيلسوف
حاتم عباس بصيلة

الراقصة:
كل شيء في هذا العالم يرقص ويتحرك وفق الإيقاع فلماذا تنهاني عن تحرير الجسد في رقصة مع الجمال الأخاذ؟! إن لي روحا راقصة
الفيلسوف:
لا ينبغي أن يكون الرقص بينما الأبرياء يذبحون في العالم!!
الراقصة:
كنت أول من ذبح في أوساط المجتمع فلم يشعر بي احد بل احتقروا مشاعري ورموني بتهمة الجنون والعبث!!
وكل ما هناك إني لم أجد ظلا من احد لم أجد إلا عالم الظلام والسير في دروب الأزقة الخالية حيث الضحكات التي اسمعها من الشرفات. أين كان العالم عندما ذبحت مشاعري؟!
الفيلسوف:
انك أنت العالم لا تريدين إلا الخير في داخل هذه النفس ولكن العالم ذاته لا يدري متى تنتهي رقصته ولا يدري أهذه هي الحياة المطلوبة أم أن هناك شيئا فوق لغز الحياة؟
الراقصة:
إذن العالم يرقص مثلي ولا فرق بين إيقاع جسدي اللاهب بالعاطفة وبين رقصة عالم مليء بالحروب غير أني أراهن على إنني أجمل وأروع من هذا العالم الذي تدافع عنه ببراءة الا ترى هذا الجسد المنساب مثل قطعة من الغيم الشفاف؟(تدور حول ذاتها دورة مثيرة) ألا ترى ذلك الجسد النابض برموز الخصب والجمال؟ أتبقى أسير الأوراق بحجة انك فيلسوف هذا العصر وماذا بهذا العصر غير السرقة وخلط الأوراق والعيش على جماجم الموتى ماذا بهذا العالم غير اللهاث وراء الأموال واحتواء كل شيء والغريب كل الغرابة إن العالم يأكل من ذاته فهو منتحر لا محال!! إما أنا فعالمي هو عالم الانطلاق أنت لا تعرف كم هي سعادتي عظيمة وأنا ارتجف وفق ضربات الموسيقى لا تعرف كيف أذوب روحي على خشبة المسرح فتنساب النفوس العاشقة وفق هذه الروح الرقص هو بلاغة أخرى لا ينبغي أن تهمل أو تهان في هذا المجتمع
الفيلسوف:
عجيب أمرك أنت أكثر فلسفة مني لماذا كل هذا الكلام
الراقصة:
الكلام هو ما تقوله أنت أما أنا فبلاغتي هي جسدي فهو الذي ينطق بمعجزات المعنى الذي أريد ولكن و اخيبة ما أقول!!
الفيلسوف:
لماذا الخيبة؟
الراقصة:
لأنك حتى أنت ضدي وربما تعمل على اهانتي!!
الفيلسوف:
لقد جئت لإراحة أعصابي فإذا هي تنثار أمامك ما جدوى فلسفتي إزاء هذا الجمال؟ولماذا تتهميني اتهاما يجعلني غريبا؟حتى في هذا المكان
الراقصة:
لا اعرف لماذا أحس وكأني أريد الانتقام من شيء مجهول أتعرف إني لمحت تقاسيم هذا الوجه ولكن اين لا ادري؟ ولماذا كل هذا الحوار معك؟
الفيلسوف:
أنت كراقصة تعرفين الكثير من الرجال!! وأنا واحد مكرر من الرجال المكررين ماذا لو تبادلنا الأدوار أنا ارقص وأنت تكتبين!!على هذه الورقة فوق طاولتي كل ما يخطر في بالك
الراقصة:
اكتب أنا اكتب ؟ لا أظن الحكمة سوف تقتحم راقصة مثلي
الفيلسوف:
بل سوف تأتيك طوعا يا سيدتي هلمي واكتبي-يعطيها قلما وورقة ثم يهم بالرقص بعد صعوده على خشبة المسرح- يبدأ الجمهور بالضحك يرقص رقصة كوميدية لكنها معبرة تتدرج من الأسلوب الكوميدي إلى الأسلوب التراجيدي بحيث تنتهي بالصرخات المتأوهة!!-
الراقصة:
-تصفق له بينما الجمهور يظل ضاحكا-
الفيلسوف :
هل شاهدت رقصة الفلسفة الحمقاء؟ أرأيت كيف أجيد الرقص؟
الراقصة :
وهل رأيت ما كتبت منذ لحظات؟!-تعطيه الورقة يحدق فيها ضاحكا
الفيلسوف:
إني لألمح شيئا!! انه الفراغ في كل شيء
الراقصة:
أنها حياتي!!
الفيلسوف:
ماذا حياتك؟ أفلا يوجد رجل واحد يملأ هذا الفراغ؟
الراقصة:
إنني لا أرى أحدا أنهم كالدمى يتحركون بخيوط واهية
الفيلسوف:
ولكن أنت السبب!!
الراقصة:
بل هو أنت
الفيلسوف:
أنت امرأة وعلى النساء سحب الرجال
الراقصة:
بل إنسانة ضائعة منذ الصبا وأنت واحد ممن أضاعوها
الفيلسوف: أنا؟
الراقصة:
نعم أنت!! لماذا لم تكتب عنا؟! لماذا تحتقر أجسادنا المنهوكة بالعوز المادي!!
الفيلسوف:
مالي وهذه المواضيع السخيفة إنني اكتب عن السمو والرقي أنني أكتب عما هو رائع أما أنت أيتها الساق.....عفوا أيتها الراقصة فشيء آخر إنني جئت لقضاء الوقت في لذة من لذائذ الحياة مالي وهذا الكلام!!
الراقصة:
ما فائدة الكتابة وأنت لا تختلف عني في اللهاث وراء العيش ولكن من خلال الكلمات أنت راقصة مثلي!!وأنا فيلسوف مثلك لا فرق إذن إلا إنني عارية الجسد وأنت عار عن الروح وما تقوله عن ذبح الأبرياء مجرد ديكور
الفيلسوف:
أتهينين أعظم فيلسوف في التاريخ؟ أتعرفين من أنا؟
الراقصة:
لا يهم من أنت؟ ولكني لا اعترف برجال كالفقاعات تنفجر أما أنا فكالعطر المسافر في الحقول من يشعر بي وأنا اذبح أنوثتي أمام الرجال ممن يشربون لذائذ الحياة أتضمن لي حياة راقية
الفيلسوف:
لا حول ولا قوة إلا بالله حتى في هذا المكان تحاصرني المواضيع؟ -ألا يكفيك ما كتبه نجيب محفوظ ؟ألا يكفيك دستويفسكي؟
الراقصة:
من هؤلاء؟ طبالون أم راقصون؟
الفيلسوف:
نحن لا نعرف الكتابة يا سيدتي لا نعرف غير الرقص!! ما هذا؟ لقد أصبحت راقصا بالفعل!!
الراقصة :أنت راقص بالفعل!!
الفيلسوف:
يبدو إنني كذلك!!
المشهد الثاني
(في جانب من المسرح يبدو الجمهور راقصا رقصا عبثيا بينما الفيلسوف يهم بأكلة فاخرة والراقصة تلبس نظارة سوداء وهي تطالع في كتاب ضخم)
الفيلسوف:
ما ألذ الطعام! يبدو لي أن العالم في احتفال عظيم
الراقصة:
بل هو عالم مليء بالحروب! ماذا فعل لعقل البشري بذاته؟
الفيلسوف :
عندما التذ بطعامي لا تذكريني بأشياء قبيحة!!
الراقصة:
كان هذا كلامي!!
الفيلسوف(مع ذاته ) :
إني اعرف هذا الوجه وهذا الصوت أين يا ترى ومن صاحبته؟
الراقصة:
أراك ساهما؟
الفيلسوف:
منذ عشرين عاما وأنا اسمع نفس السؤال أراك ساهما؟ ترى من أنت؟
الراقصة:
أنا راقصة كباقي الراقصات!!
الفيلسوف:
أين ولدت بنت من؟ ولماذا الرقص في هذا المكان؟
الراقصة:
ألا تعرف أن الراقصات حريصات على الكتمان!!
الفيلسوف:
من أنت؟
الراقصة:
لماذا الإصرار على ذلك؟
الفيلسوف:
أنت تشبهين ...لا لا....لا يمكن لقد تركتها منذ زمن بعيد لقد كان نفس السؤال لماذا أنت ساهم ؟ هل من المعقول؟
الراقصة:
يبدو انك قلق ماذا يقلق فيلسوفا مثلك؟ نحن الراقصات لا مكان لنا في كتاباتك!!
الفيلسوف:
من أنت لقد تركت كل شيء كل شيء حتى ذلك الأثر في زوجتي بسبب الفقر.....لكن الراقصة تشبه زوجتي أتكون !؟ اللعنة على الأوراق والكتابة اللعنة على الجحيم إن كانت هي؟
الراقصة:
لقد تغيرت كثيرا ...أنت تذكرني بشيء ما أنت تذكرني برسم قريب من هذا الوجه....من أنت؟
الفيلسوف:
فيلسوف رفضته الأوراق..... فيلسوف رفضته زوجته بسبب الفقر...... ولكن ما اسمك؟
الراقصة:
دعني اقرأ هذا العالم المقلوب!!
(يرتفع صوت الرقص للجمهور على المسرح بشكل متدرج حتى يصل إلى ذروته بانفعال وحركات عبثية تشتد شيئا فشيئا)
المشهد الثالث
المسرح شبه مظلم إلا من بقعة ضوء مسلطة على الفيلسوف
الفيلسوف:
إن مفهوم الحياة أعظم من مفهوم اللذة فيها جئت طالبا اللذة في الرقص والغناء فإذا بي اشعر بأبوتي تنساب كالسيل تجاه هذه الفتاة...لماذا هذا الشعور الإنساني ترى من تكون هذه الفتاة أتمثل لي شيئا ..... لقد استيقظت أبوتي!....أتراها ابنتي؟
الراقصة :
انه يشبه أبي برسمه قبل عشرين عاما !!
يسدل الستار
 


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


حاتم عباس بصيلة
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2012/02/08



كتابة تعليق لموضوع : الراقصة والفيلسوف
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net