صفحة الكاتب : مصطفى الهادي

محرم على الأبواب . (أفرأيتم الماء الذي تشربون).(1) 
مصطفى الهادي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

 # ونحن على أعتاب شهر المصائب والاحزان شهر محرم الحرام لابد ان نستذكر أهم حدث حصل في واقعة كربلاء وهو (العطش) الجماعي لآل البيت عليهم السلام. فعلى الرغم من الجوع الذي اصاب آل البيت أيضا إلا أن جميع الروايات توقفت عند العطش واسهبت في ذلك لابل ان جميع قصائد شعراء الطف وغيرهم طرزت اشعارها بقضية عطش آل البيت في كربلاء.

# الماء واهب الحياة وهو اصل الأشياء ولا تدوم حياة من دون الماء وقد أكد تعالى ذلك بقوله : (وجعلنا من الماء كل شيءٍ حي). (2) وبلغ من ألم العطش حدا أن أهل النار ينسون كل شيء إلا الماء فيستغيثون بأهل الجنة كما حكى الله عنهم قائلا : (ونادى أصحابُ النارِ أصحابَ الجنةِ أن أفيضوا علينا من الماء).(3) فأوجع استغاثة يطلقها أهل النار هي الغوث من العطش فذكر تعالى ذلك عنهم قائلا : (وإن يستغيثوا يغاثوا بماء كالمهل يشوي الوجوه بئس الشراب).(4)

# هذا الماء بلغ من شدة مرارته وغليانه أنه كالرصاص المصهور : (فيسقيهم الله شرابا قطّع امعائهم). وقد قرأت في الكتب السماوية أن المدن التي يُحاصرها الأعداء يتمنى أهلها الموت بالسيف بدلا من الموت عطشا كما يقول في سفر يهوديت : (ونستحلفكم اليوم بالسماء والأرض وبإله آبائنا أن تسلموا المدينة إلى أيدي الجيش فيقضي علينا سريعا بحد السيف ولا نموت في أوار العطش).(5) ومن هنا جاءت الأحادث النبوية لتؤكد على عظيم ثواب سقي الماء وهو افضل صدقة يتصدق بها الإنسان في الدنيا لتبقى آثارها في الآخرة فقد روي أن سعد بن عبادة قال للنبي (ص) : (إن أمي توفيت أفأتصدق عنها ؟ قال : نعم ، قال : فأي الصدقة أفضل ؟ قال : سقي الماء).(6) وأمّا في آثار العرب والامثال فقد قيل : (رحمَ الله من سقى الماء ولو كان في الماء).

# سكّان الحجاز وما حولها في الجزيرة يعرفون قيمة الماء وعانوا كثيرا من شحة الماء ،ولذلك لجأوا إلى بول الابل للتعويض عن نقص الماء ، وهم يشربون اي شيء من اجل قتل العطش الذي يُصيبهم وقد عرفت الصديقة فاطمة الزهراء عليها السلام ذلك عنهم فعيرتهم بقولها في خطبة لها قالت فيها: (وكنتم على شفا حفرة من النار مذقة الشارب، ونهزة الطامع وقبسة العجلان وموطئ الأقدام.تشربون الطرق، وتقتاتون القِدَّ والورق أذلّةً خاسئين.تخافون أن يتخطفكم الناس من حولكم. فأنقذكم الله تعالى بمحمد (صلى الله عليه وآله).

# فقد ذكّرتهم بأوجع شيء كانوا يفعلونه وهو شربهم (للطرق) وهو الماء الذي خاضته الإبل وداسته بأقدامها والقت فضلاتها وبالت فيه. ومن هنا فهم يعرفون كضّة العطش وأثره في إركاع الأقوياء، فكانوا يستخدمون العطش وسيلة لإضعاف من يخشون سطوته وعندما ينهكهُ العطش وتخور قواه يُجهزون عليه. وهذا ما فعلوه في واقعة صفين حيث أراد معاوية استخدام هذه الوسيلة للقضاء على جيش علي او دفعه للاستسلام ولكن سيوف جيش علي كانت حدادا ففتحت الطريق نحو الفرات ، ولكن عليا عليه السلام لم يمنع عنهم الماء بل امر بإباحة الماء لهم ايضا.

# وفي كربلاء تكرر الحال من جيش آل أبي سفيان، حيث سقى الحسين عليه السلام طلائعهم بعد أن كاد العطش ان يقضي عليهم ، ولكنهم تنكروا لهذا الجميل بسبب جبنهم وخوفهم من القوى المعنوية العالية للامام الحسين واصحابه فقد كانوا يخشون مواجهة الحسين عليه السلام واصحابه وهم بكامل قوتهم فحاصروهم ومنعوا عنهم الماء فأضعفوهم جسديا، وهذا ما نراه يلوح في ما حصل لعلي الأكبر عليه السلام الذي انقضّ كالصاعقة على الجيش الأموي فقتل منهم حسب الروايات (120) رجلا ثم رجع إلى والده قائلا له : (يا أبه! العطش قد قتلني، وثقل الحديد قد أجهدني، فهل إلى شربة من الماء سبيل اتقوى بها على الأعداء؟).

# وكذلك صراخ عمر بن سعد لعنه الله بجيشه امنعوا العباس من إيصال الماء لمخيم الحسين فلو وصلهم الماء لما قدرتم عليهم . وهكذا استخدم الأمويون اقذر سلاح في سبيل تحقيق النصر على الجيش الحسيني فحاصروهم ومنعوا عنهم الماء حتى النساء والاطفال فقضوا عطاشا في صحراء كربلاء.

لو أن بالصخر ما قاساهُ من عطشٍ ــ كادت لهُ الصخرةُ الصماء تنفلقُ 
نفسي الفداء لشاكٍ حرَ غلته ـــ والماء يلمعُ منهُ البارد الغدقُ

#المصادر:
1- سورة الواقعة آية : 68.
2- سورة الأنبياء آية : 30. وفي قواميس اللغة فإن (جعلَ) هي : جعَل اللهُ الشَّيءَ : خلقه وأنشأه.
3- سورة الأعراف آية : 50.
4- سورة الكهف آية : 29.
5- سفر يهوديت 7: 17.
6- الحديث رواه الألباني ، وهو في صحيح النسائي ، عن سعد بن عبادة ، الرقم: 3666.


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


مصطفى الهادي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2019/08/11



كتابة تعليق لموضوع : محرم على الأبواب . (أفرأيتم الماء الذي تشربون).(1) 
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net