صفحة الكاتب : امجد الدهامات

الطبقيةُ والعنصريةُ في المجتمعِ العراقي
امجد الدهامات

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

الطبقيةُ والعنصريةُ من أهمِ أمراضِ المجتمعِ العراقي، ومع أَنَّها واحدةٌ من المشكلاتِ المسكوتِ عنها، وما أكثرُها، إلا أنَّ اغلبُنا يشعرُ بها أو يمارسُها احياناً، وما يزيدُ من خطورتِها وترسخِها هو عدم معالجتِها، بل وانكارِها، فمن المعروفِ إنَّ المرضَ البسيطَ إذا لم يتمْ الاعترافُ به ومعالجتُه في بداياتِه فإنّه بمرورِ الزمنِ يتحولُ الى مرضٍ عضالٍ يصعبُ التعاملُ معهُ والتخلصُ منهُ، ومع عدمِ تدخلِ الجهاتِ المعنيةِ، وخاصةً الحكوميةَ منها، في معالجةِ هذهِ المشكلةِ (المرض) فإنَّ الوضعَ أصبحَ خطيراً ويمكن على المدى الطويلِ أنْ يؤديَ الى نتائجَ كارثيةٍ، فبالتأكيدِ الطبقيةَ تؤدي الى غيابِ العدالةِ الاجتماعيةِ وبالتالي ضعفَ التماسكِ الاجتماعي، بالإضافةِ الى تعارضِها الواضحِ مع ثوابتِ الدينِ: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ﴾.

طبعاً هذا الموضوعُ مهمٌ ويحتاجُ الى دراساتٍ كثيرةٍ ومعمقةٍ، لكن هذهِ المقالةَ عبارةٌ عن إشارةٍ للموضوعِ عسى أنْ يتمَ معالجتُهُ من قبلِ المختصينَ.

هل تريدونَ - أيها السيداتُ والسادةُ - أمثلةَ عما ذكرتُهُ؟

حسناً، لن أرجعَ بالتأريخِ طويلاً، بل سأبدأُ من العهدِ الملكي عندما كان البلدُ يعاني من ترسباتِ الفترةِ العثمانيةِ الطويلةِ، حيث تمثلتْ أبرز صورِ الطبقيةِ من خلالِ الألقابِ التي انتشرتْ للتمييزِ بين شرائحَ المجتمعِ، فتوجدُ ألقابٌ للحكامِ والوزراءِ وكبارِ الموظفينَ (الباشا، البيگ، الأفندي)، ولرجالِ الدينِ (السيد، الشيخ، الملا)، ولشيوخِ العشائرِ (الأمير، الشيخ، الآغا)، وللتجارِ (الچلبي) ولأصحابِ المهنِ (الأسطة، الصانع) ... ألخ.

ولما كان الطابعُ الزراعي هو السائدُ فقد كانتْ هناك تراتبيةٌ وطبقيةٌ خاصةَ بالمناطقِ الريفيةِ يتزعمُها شيخُ العشيرةِ الاقطاعي مالكُ الأرضِ، ويليهُ رجلُ الدينِ المحلي (الملا) ثم (الوكيل، الموامير – جمع مأمور- الحوشية والسركال)، في قبالةِ الفلاحِ الذي يقبعُ في أسفلِ سلّمِ الطبقاتِ، والمفارقةُ أنَّ الفلاحَ الذي يزرعُ الرزَ (الشلب) أو القمحَ أو الشعيرَ، هذا الفلاحُ المظلومُ والمغلوبُ على امرهِ، ينظرُ نظرةً دونيةً للفلاحِ الذي يزرعُ الخضرواتِ! ويطلقُ عليهِ، تحقيراً، لقبَ (الحَسَاوي) نسبةً الى منطقةِ الاحساءِ.

وفي المدنِ توجدُ طبقيةٌ يرافقُها نوعٌ من العنصريةِ، وقد تركزتْ على أصحابِ بعضِ المهنِ، فقد كانَ المجتمعُ يحتقرُهم ولا يزوجُهم أو يتزوج منهم، مثل حائكِ السجادِ (الحايچ)، وصاحبِ محلِ الموادِ الغذائيةِ (العطار)، والفنانِ (يسمونه الدمبگچي)، وصيادِ الأسماكِ (البربري)، ومربي الطيورِ (المطيرچي) الذي لم تُكنْ تُقبلُ شهادتُه أصلاً! ونسوا أنَّ: "النَّاسُ سَوَاسِيَةٌ كَأَسْنَانِ الْمِشْطِ".

ومع أنَّ هذا النوعَ من الطبقيةِ قد اختفى تقريباً إلا أنَّ اثارَهُ لا تزالُ موجودةً، وقد تمثَّلَ بشكلٍ جديدٍ بسببِ تطورِ المهنِ والاعمالِ ونشوءِ الطبقةِ الوسطى (Middle Class)، التي يتصدرُها الأطباءُ يَليهمُ المهندسونَ، الضباط، المحامونَ، المدرسونَ والمعلمونَ ... وهكذا، بل أنَّ بعضَ هذهِ الشرائحِ تحولتْ الى طبقةٍ خاصةٍ منعزلةٍ عن غيرِها، لها تقاليدُها الخاصةُ التي تميزُها عن الآخرينَ، وحتى يلتقونَ ويتزاوجونَ ويتشاركونَ الاعمالَ فيما بينهم، الا فيما ندرَ.  

والمفارقةُ أنَّه حتى ضمنَ المهنةِ الواحدةِ توجدُ تفرقةٌ وطبقيةٌ، فالأطباءُ أفضلُ من الصيادلةِ، بل أنَّ طبيبَ القلبِ تفوقُ مكانتهِ طبيبَ الباطنيةِ، اما المهندسُ المدني فهو أعلى رتبةً من مهندسِ الميكانيكِ مثلاً، وضباطُ الجيشِ أفضلُ من ضباطِ الشرطةِ الذينَ يحوزونَ الأفضليةَ على ضباطِ شرطةِ المرورِ، ولكن ضباطَ القوةِ الجويةِ يتربعونَ على قمةِ الهرمِ!

وفي السلكِ التعليمي يُعتبرُ الأستاذُ الجامعي أرقى من المدرسِ الذي بدورهِ أفضلُ من المعلمِ، اما معلمو رياضِ الأطفالِ فيحتلونَ ذيلَ القائمةِ!

وفي غيرِ المِهَن، هناكَ نظرةٌ دونيةٌ من قبلِ سكانِ وسطِ العراقِ الى أهالي شمالهِ وجنوبهِ، وأبرزُ معالمهِ تمثلتْ بالنكاتِ العنصريةِ ضدَهم، ولا ننسى الكلمةَ الشهيرةَ (محافظات)!

وهناك عنصريةٌ من نوع آخرَ، فقد كان المجتمعُ يحملُ نظرةَ ازدراءٍ واحتقارٍ الى بعضِ مكوناتهِ، مثل الاكرادِ وبالذاتِ الكردي الفيلي (العجمي) فالعربي، مثلاً، لا يُزوجُ ابنتهُ للكردي، مع معرفتهِ بقولِ الرسولِ الكريمِ: "لا فَضْلَ لِعَرَبِيٍّ عَلَى أَعْجَمِيٍّ إِلا بِالتَّقْوَى".

وكذلك ذوو البشرةِ السوداءِ الذينَ يُطلقُ عليهم لفظُ (العبدِ) للرجلِ ولفظُ (الوصيفةِ) للمرأة، ولا يُخففُ من ذلكَ الاحتقارُ قولهم (كلنا عبيد الله) عندَ ذكرِهم، فضلاً عن شريحةِ الغجرِ (يسمونَهم الكاولية)، والأقلياتِ الدينيةَ مثلَ الصابئةِ والازيديينَ واليهودِ، كما أنَّ بعضَ العشائرِ تعتبرُ نفسَها أفضلُ من عشائرَ أخرى وتتعاملُ معها على هذا الأساسِ في أمورٍ كثيرةٍ مثلَ الزواج.

اما المرأةُ فمكانتُها وقصتُها معروفةٌ في تفكيرِ وسلوكِ الرجلِ الشرقي البدوي، ذلك الرجلُ الذي يحرصُ على أنْ تسيرَ المرأةُ خلفهُ بمسافةٍ لا تقلُّ عن مترين! وعندما يذكرُها يقول: (تكرم مره)! 

هذه بعضُ الأمثلةِ، وبالتأكيدِ يمكنكُم ذكرَ الكثيرِ منها، فمجتمعُنا حافلٌ بها!

 

 


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


امجد الدهامات
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2019/03/25



كتابة تعليق لموضوع : الطبقيةُ والعنصريةُ في المجتمعِ العراقي
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net