صفحة الكاتب : علي علي

أتعرفون "مفلح"؟
علي علي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

يحكى أن هناك طفلا في إحدى المدارس الابتدائية اسمه “مفلح” وكان غبيا ومشاكسا وثيابه متسخة دائما، لا احد من الطلاب او المدرسات يحبه، وكان مستوى علاماته متدنيا جدا، وكانت معلمته “حليمه” تصرخ في وجهه دائما قائلة: “راح تجيبلي جلطة يا مفلح”. وفي احد الايام حضرت امه الى المدرسة للسؤال عنه، فاخبرتها المعلمة أن حال ابنها ميؤوس منه، لكن الام لم تصغِ لكلامها، وقررت أن تترك البلدة وتغادر الى مدينة أخرى. بعد عشرين عاما، دخلت المعلمة حليمه المستشفى بسبب مشاكل في القلب، وبعد الفحص الدقيق قال الاطباء انها بحاجة الى عملية زراعة قلب مفتوح، وبالفعل دخلت المستشفى، وأجريت لها العملية, وقد كللت العملية بالنجاح.

عندما افاقت المعلمة شاهدت طبيبا وسيما يبتسم لها، ولأنها تحت تأثير المخدر لم تستطع الكلام، ولكنها حاولت أن تشكره بيدها، أو على الاقل هذا ما اعتقده الطبيب، إلا أنه ركز أكثر في وجه حليمه، فاذا به اكتسى لحظتها باللون الازرق الداكن (وهي علامة نقص الاوكسجين في الدم) والمعلمة تؤشر بيدها جاهدة، وشفتاها تحاولان النطق ولكن دون فائدة، الطبيب حاول ان يفهم ما تريده حليمه بكل السبل، لكن دون جدوى، فيما وجهها يزداد ازرقاقا، الى ان فارقت الحياة. الطبيب الذي وقف مشدوها من هول ما يحصل أمامه، لم يعرف ما الذي حصل للمعلمة بالضبط! لكن حين التفت الى الخلف، واذا بـ “مفلح” عامل التنظيفات في المستشفى، كان قد فصل الكهرباء عن جهاز الانعاش ليشغل المكنسة الكهربائية!.

  أسوق مقدمة مقالي هذا بالحكاية هذي، وانا أرى بين ظهرانينا “مفلحين” كثيرين، بفارق صغير -وفي الحقيقة كبير- عن “مفلح” بطل حكايتي، إذ مفلحنا الأول على ما بدا مصاب بداء الثول، وداء الثول مرض يصيب الماشية، يجعلها تهيم خارج قطيعها، وتتخذ سلوكا غريبا عن أقرانها، حيث تنقطع عن اهتماماتهم، وأولها الأكل والشرب، فتأخذ يومين أو ثلاثة دونهما، فيصيبها الهزال والجفاف حتى تنفق -أطال الله عمر مفلحينا-. أما مفلحونا الذين أقصدهم فإنهم كما قالت ست حليمة، سيتسببون بإصابتنا نحن العراقيين بالجلطة، بل بالسكتة! لا لغباء في عقولهم، ولا لثول أصابها، فهم على قدر عالٍ من سلامة العقول، ولديهم من الرقى مايشفيها من أي مرض، ومن الحمية ماينجيها من أي عرض أو سقم أو ثول، ولكن، لسوء حظوظنا وبؤس طوالعنا، أنهم استخدموا عقولهم في وادٍ غير وادي مصالحنا، وسخروا قدراتهم العقلية بمنأى عن المصلحة العامة، فأبدعوا فيما مضوا فيه من أنانية ومصلحة ذاتية، وحققوا لأنفسهم ريعا ماكنوا يحلمون به مناما او يقظة، وذلك برفعهم شعار (أنا وليكن الطوفان من بعدي)، أو لعلهم اقتدوا بأبي فراس الحمداني حين قال:

معللتي بالوصل والموت دونه

إذا مت ظمآنا فلا نزل القطر

المقصودون فيما تقدم من تشبيهات وتلميحات، هم حاكمونا وأولو أمرنا، وماسكو دفة التحكم بمصائرنا طيلة السنوات الستة عشر الماضية، فباستطلاع سريع لما صنعوه في البلاد، وما تركوه من أثر سيئ على ملايين العباد، يتضح أنهم عقلاء وليسوا “ثولان” ولكن، رغم اختلافهم عن “مفلح” في هذا، فقد جاءت معطياتهم بالنتائج ذاتها، بقي الفرق بالنية والقصد، فمفلح كان صافي النية، ولكن ماذا يعمل المسكين وقدراته العقلية محدودة، وكذلك قصده كان سليما بأداء عمله في غرفة معلمته حليمة، وأحب أن يتم ما منوط به من واجب بتنظيفها، ولضيق أفق تفكيره، فصل جهاز الإنعاش بنية تشغيل المكنسة، ومادامت الأعمال بالنيات، ولكل امرئ مانوى، فإن مفلح “الأثول” أصفى نية من حاكمينا العقلاء فيما ينوونه من أعمال، وما يقصدونه من أهداف ومرامٍ.

وليت شعري هل هم عقلاء فعلا؟ أم أن داء الثول درجات! ولهم منه نصيب بدرجة ما، وفي كلا الحالين، وسواء أأفلح مفلح أم أصلح حاكمونا! فإن ست حليمة ماتت، والبقاء في حياة المفلح والمصلح.

aliali6212g@gmail.com


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


علي علي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2019/02/24



كتابة تعليق لموضوع : أتعرفون "مفلح"؟
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net