صفحة الكاتب : حميد آل جويبر

الماسة التي ضاع العراقُ حين اضاعها
حميد آل جويبر

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
قبل ان اُتهم بالتامرُكِ والعمالة للاستخبارات الدولية التي يرى البعض انها تاسست فقط للتآمر على العراق والعراقيين خشية من نهضتهم المرتقبة ، اقول انني لا اعتبر الولايات المتحدة شراً مطلقا ، ما يعني بالضبط انني لا انظر اليها كواحة للخير المطلق ، وكل فكرة ما عدا ذلك ،ضمن حدود قناعتي ، هو حديث خرافة لا يصمد امام المنطق والدليل . منذ الاطاحة بنظام صدام " احرص على عدم ذكر حسين بعده" ، والحوارات مشتعلة بين من يرى في امريكا ذلك الملاك الطائر الطاهر الذي جاء بجناحين ابيضين ليطهر العراق من الفساد والظلم ، لتنسلَّ بعد ذلك كما الشعرة من العجين ، وآخر يرى فيها شيطانا رجيما جاء ليلفط ويشفط آخر نقطة في آبار العراق ويقطع الحرث والنسل بدم بارد لا تاخذه في الله لومة لائم. ترى، كم من العراقيين يقف في وسط هذا الجدل العقيم بمسافة متساوية ؟ لا ادري بالضبط . ولا ادري ايضا ان كانوا اكثرية أم اقلية ، لكنني افترض وجود هذه الشريحة الوسطية ، لانه لا يعقل ان اتبنى وحدي رايا وسطا ، او ما يسميه المتفلسفون بالمنطقة الرمادية ويسميها القران الكريم "لا الى هؤلاء ولا الى هؤلاء" . شخصيا انظر اليها كصفقة تجارية كل منا يعقد امثالها عدة مرات في اليوم ليعيش . فانت تدفع ثمنا لشراء الخبز، ولا تهمك كثيرا هوية البائع . وتعمل مقابل اجر عند المسلم واليهودي والمسيحي والملحد، وافضلهم اليك من يعطيك اجرك قبل ان يجف عرق جبينك. مع دخول العام الميلادي الجديد اكون قد دخلت عامي الخامس عشر مقيما في الولايات المتحدة متنقلا بين ولايتين فقط هما نيوجرسي المحروسة وفرجينيا الخضراء وكلاهما ترقدان الى جانب اهم حاضرتين في الولايات المتحدة واعني نيويورك وواشنطن، وما ادراك ما نيويورك ، وما ادراك ما واشنطن . وقد سنح لي ان ازور العراق بعد سقوط صدام مرتين في زيارتين خاطفتين لمست فيهما البؤس بابشع صوره ، ومن يغادر اية ولاية اميركية مباشرة الى اي محافظة عراقية سيجد – مالم يكن مكابرا – الفارق بين الثرى والثريا ، فارقا في كل شيء ،بدءا من العمارة وانتهاء بالخدمات. وبالعكس فان من يزُر اي ولاية اميركية قادما من العراق ، سيجد انه انتقل خلال سويعات من انقاض حطام الى معزوفة نظام ، نظامٍ يضم تحت جناحيه كل شيء من بشر وشجر ومدر ، لا يميز بين متربع في البيت البيضاوي رئيسا ، وآخر يحرس في البرد ثكنته العسكرية بعيون مفتحة. منذ عقد ونصف ، لا اتذكر انني شاهدت خصومة في الشارع تمتد الى التطاول باللكمات والرفسات والبوكس الحديدي ، فالكل يشعر بسطوة القانون للاقتصاص منه اذا اعتدى، والكل يشعر بمظلة هذا القانون للاقتصاص له اذا اعتـُدي عليه ، حتى كأن هالة علي بن ابي طالب فوق رؤوسهم ، ولا يستثنى من ذلك الا المغفلون الذين لا يحميهم قانون. لا ازعم عدم وجود حوادث تشهدها يوميا جميع الولايات الاميركية بلا استثناء فهذا ضرب من الهراء، ومحطات التلفزة بمروحياتها المتأهبة تتنافس على تغطية الحدث مباشرة بل وتقدمه على اي خبر سياسي آخر حتى لو كان بمستوى مثول الهاشمي مختارا امام القضاء في بغداد واثبات براءته . لكن علينا الا ننسى ان الولايات المتحدة جغرافياً بلد بحجم قارة ،و ديموغرافياً هي بحجم البلدان العربية مجتمعة ، ومن خلال جردة حساب سريعة سنجد ان ما يقع من حوادث وترتكب من جرائم في البلدان العربية هو اضعاف نظيره في الولايات المتحدة . هذا اذا صرفنا النظر عن حق التسلح ومندوحة الحريات الفردية الممنوحة للاميركان . فهذا المتسع لو منح لنا نحن العرب نزر قليل منه في اوطاننا، الله وحده يعلم ماذا كان سيحل بالبلاد والعباد ، اذ يكفي ان تلقي بنظرة خاطفة على صفحة الحوادث في اي جريدة يومية عربية لتكتشف جزءا من حجم الجريمة ، اقول جزءا لان ما خفي عن الاعلام كان اعظم . ترى ، ما ومَنْ الذي منع العراق من ان ياخذ على الولايات المتحدة سبل التحديث والتكنلوجيا وابقاه في دوامة التخلف والعنف ليوضع الى جانب الصومال او ادنى مرتبة ؟ سؤال لا ازعم انني استطيع تقديم الاجابة الجامعة المانعة عليه . لكنني اجزم بان الولايات المتحدة كانت جادة في وضع العراق على جادة التحديث ليكون تجربة ناجحة في المنطقة تغري الشعوب الاخرى بالاحتذاء به ، مراهِنة على ذخائر طبيعية عملاقة قادرة على النهوض بالبلد من بين الانقاض. وقد هبت شركات اعمار اميركية عملاقة ومعها شركات اخرى لانجاز المهمة التي خالتها- بحسن ظن مفرط - سهلة يسيرة كتجربتها في المانيا واليابان. لكن الارهاب العربي المنظم الذي جوبهت به هذه الشركات منذ الاشهر الاولى لسقوط نظام عصابة تكريت ، جعلها تدوس على الكوابح وتلملم معداتها ورساميلها في جنح الظلام لتنفذ بجلدها عائدة الى حيث اتت منه . والنتيجة، هو هذا الخراب المبجل في كل قطاع بدءا من اللا اعمار وليس انتهاء باللا خدمات . ترى من سيعوض للعراق عن هذه السنوات التسع العجفاوات ؟ طبعا لا احد يمتلك الشجاعة الكافية ليتصدى للمسؤولية . فالمسؤول الاول والاخير عن ضياع هذه الفرصة الكبيرة للحاق بعجلة الشعوب الناهضة هو مصانع رعب عربية تنتج في الظلام ابطالا للدم بوزن الزرقاوي والبغدادي والمصري وسواهم حوّلهم الجنود الامريكان الى رماد بعد ان حولوا بفتاوى شيخ الاسلام ابن تيمية جثث آلاف العراقيين من لحم طري خلقه الله في احسن تقويم الى حفلات شواء بشري ما زالت روائحه تملأ الفضاء في الحلة والنجف وبغداد وكربلاء . اتمنى على من يقرأ هذا المقال ان يوفر على نفسه طرح سؤال تقليدي يمثل احد مصادر تخلفنا الازلي، واعني به السؤال عن الثمن الذي قبضه المحرر لقاء كتابته هذا المقال، فهذه المعلومة تندرج ضمن خصوصيتي التي لا اريد ان اشرك بها احدا من العالمين ، وقد خاب من افترى

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


حميد آل جويبر
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2012/01/03



كتابة تعليق لموضوع : الماسة التي ضاع العراقُ حين اضاعها
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 

أحدث التعليقات إضافة (عدد : 1)


• (1) - كتب : سهل الحمداني ، في 2012/01/03 .

تحية لك وكل ما قلته صيحيح ، والسبب في هذا البؤس للعراق يتحمله حكام العراق الذين حكموا العراق بعد 17 / 7 / 1967 والذين هم جلبوا الاحتلال والزرقاوي والارهاب ، والان يحاولوا عرقلة مشاريع بناء العراق .. ويصرون على ذلك ،،هنيئا لك




حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net