صفحة الكاتب : حيدر الحد راوي

تأملات في القران الكريم ح409 سورة  الجمعة الشريفة
حيدر الحد راوي

بسم الله الرحمن الرحيم

 

يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ الْمَلِكِ الْقُدُّوسِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ{1}

تستهل السورة الشريفة (  يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ ) , كل ما في السموات والارض ناقص عاجز , يطلب الكمال من الكمال المطلق بالتنزيه والتعظيم , (  الْمَلِكِ ) , المطلق , (  الْقُدُّوسِ ) , الطاهر , (  الْعَزِيزِ ) , المنيع الذي لا يغلب , (  الْحَكِيمِ ) , في صنعه وتدبيره وقضاءه . 

 

هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ{2}

تستمر الآية الكريمة (  هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ ) , العرب , والامي الذي لا يقرأ ولا يكتب , او ان الاميين الذين لا كتاب لهم على بعض الآراء , (  رَسُولاً مِّنْهُمْ ) , محمد "ص واله" , ثم تذكر الآية الكريمة ثلاثة مهام للرسول الكريم محمد "ص واله" :

  1. (  يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ ) : القرآن الكريم .
  2. (  وَيُزَكِّيهِمْ ) : يطهرهم من العقائد والعادات الفاسدة .
  3. (  وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ ) : القرآن واحكامه او الشريعة .  

(  وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ ) , بعثته "ص واله" , (  لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ ) , كالشرك وسائر العادات السيئة في الجاهلية .   

(عن الصادق عليه السلام في الاميين قال كانوا يكتبون ولكن لم يكن معهم كتاب من عند الله ولا بعث إليهم رسول فنسبهم الله إلى الاميين ) . "تفسير القمي " .

(  عن الجواد عليه السلام إنه سئل لم سمي النبي الامي فقال ما يقول الناس قيل يزعمون أنه إنما سمي الامي لأنه لم يحسن أن يكتب فقال كذبوا عليهم لعنة الله انى ذلك والله يقول هو الذي بعث في الامين رسولا منهم يتلوا عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة فكيف كان يعلمهم ما لا يحسن والله لقد كان رسول الله صلى الله عليه وآله يقرأ ويكتب باثنين وسبعين أو قال بثلاث وسبعين لسانا وإنما سمي الامي لأنه كان من أهل مكة ومكة من امهات القرى وذلك قول الله عز وجل لتنذر ام القرى ومن حولها ) . "تفسير الصافي ج5 للفيض الكاشاني" .

 

وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ{3}

تستمر الآية الكريمة (  وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ ) , معطوف على الاميين , ويختلف في معناه المفسرين , فمنهم من يرى :  

  1. سائر المسلمين من بعد الصحابة الى يوم القيامة .
  2. وعلى رأي اخر هم الاعاجم , مستدلين بما روي في ذلك :
  • روي ان النبي صلى الله عليه وآله قرأ هذه الآية فقيل له من هؤلاء فوضع يده على كتف سلمان وقال لو كان الايمان في الثريا لنالته رجال من هؤلاء . "تفسير الصافي ج5 للفيض الكاشاني" .
  • عن الباقر عليه السلام : هم الاعاجم ومن لا يتكلم بلغة العرب . "تفسير الصافي ج5 للفيض الكاشاني" .

(  وَهُوَ الْعَزِيزِ ) , المنيع الذي لا يغلب , (  الْحَكِيمِ ) , في صنعه وتدبيره وقضاءه . 

 

ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ{4}

تضيف الآية الكريمة (  ذَلِكَ ) , بعث الرسول الكريم محمد "ص واله" في امة العرب وتعميم رسالته الى كافة الامم , (  فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ ) , من فضله جل وعلا , يؤتيه من يشاء من عباده , (  وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ ) , ذو العطاء الجزيل , ازاء عطاءه جل وعلا تستحقر نعم الدنيا ونعيم الاخرة , ففضله جل وعلا يستحقر دونه كل شيء .   

 

مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَاراً بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ{5}

تستمر الآية الكريمة مضيفة (  مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ) , علموها وكلفوا بالعمل بها , (  ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا ) , ثم لم يعملوا بها وينتفعوا بأحكامها , (  كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَاراً ) , مثلهم مثل الحمار يحمل كتبا , يتعبه حملها , لكنه لا ينتفع بها , (  بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ ) , قبح مثلهم , (  وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ) , لا يهتدون ابدا , لأنه جل وعلا سلب منهم التوفيق الى الهداية .    

 

قُلْ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ هَادُوا إِن زَعَمْتُمْ أَنَّكُمْ أَوْلِيَاء لِلَّهِ مِن دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ{6}

تخاطب الآية الكريمة النبي الكريم محمد "ص واله" ان يقول لليهود (  قُلْ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ هَادُوا إِن زَعَمْتُمْ أَنَّكُمْ أَوْلِيَاء لِلَّهِ مِن دُونِ النَّاسِ ) , حيث زعموا انهم اولياء الله تعالى واحباءه دون سائر الخلق , (  فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ ) , فتمنوا الموت , حيث الانتقال من دار البلاء "الدنيا" الى دار الكرامة "الاخرة" , عن القمي قال : "إن في التوراة مكتوب أن أولياء الله يتمنون الموت" , (  إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ ) , صادقين في زعمكم .

 

وَلَا يَتَمَنَّوْنَهُ أَبَداً بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ{7}

تستمر الآية الكريمة (  وَلَا يَتَمَنَّوْنَهُ أَبَداً ) , لا يتمنون الموت ابدا , فهم اشد الناس حرصا على الحياة , (  بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ ) , وسبب عدم تمنيهم الموت كفرهم ومعاصيهم , فان التكذيب بالرسول الكريم محمد "ص واله" يستلزم الكفر بالله جل جلاله , (  وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ ) , الكافرين . 

 

قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلَاقِيكُمْ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ{8}

تخاطب الآية الكريمة النبي الكريم محمد "ص واله" ان يقول لليهود (  قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ ) , تخافونه وتحذرون منه , (  فَإِنَّهُ مُلَاقِيكُمْ ) , لا مفر منه , نزول الموت بالساحة امر حتمي , { كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ثُمَّ إِلَيْنَا تُرْجَعُونَ } العنكبوت57 , (  ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ ) , ترجعون الى عالم السر والعلن , (  فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ) , فيجازيكم بأعمالكم .   

 

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِي لِلصَّلَاةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ{9}

تضمنت الآية الكريمة خطابا عاما مباشرا للمؤمنين (  يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِي لِلصَّلَاةِ ) , أذن لها , (  مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ ) , سميت الجمعة لاجتماع الناس فيه للصلاة , (  فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ) , فامضوا او اسرعوا الى الصلاة , (  وَذَرُوا الْبَيْعَ ) , اتركوا البيع او معاملاته , (  ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ ) , أي السعي الى الصلاة افضل من البيع والتجارة , فأن فيه تحقق المطالب الاخروية , (  إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ ) , الخير والشر , او ان كنتم تعلمون ان الخير في السعي الى ذكر الله تعالى , فاسرعوا الى الذكر وانبذوا المبايعات .   

 

فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِن فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيراً لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ{10}

تستمر الآية الكريمة مضيفة (  فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ ) , فرغتم منها , (  فَانتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ ) , كلا الى قضاء حاجاته , (  وَابْتَغُوا مِن فَضْلِ اللَّهِ ) , يختلف المفسرون في معنى النص المبارك , فمنهم من يرى :   

  1. بمعنى اطلبوا الرزق .
  2. رواية أنس عن النبي صلى الله عليه وآله ( وابتغوا من فضل الله ) ليس بطلب دنيا ولكن عيادة مريض وحضور جنازة وزيارة اخ في الله . "تفسير الصافي ج5 للفيض الكاشاني" .

(  وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيراً ) , ذكر الله تعالى في جميع الاحوال , ولا يقتصر ذكره جل وعلا في الصلاة فقط , (  لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ) , بخير الدارين . 

( عن النبي صلى الله عليه وآله قال من ذكر الله مخلصا في السوق عند غفلة الناس وشغلهم بما هم فيه كتب الله له ألف حسنة ويغفر الله له يوم القيامة مغفرة لم تخطر على قلب بشر ) . "تفسير الصافي ج5 للفيض الكاشاني" .

 

وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْواً انفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِماً قُلْ مَا عِندَ اللَّهِ خَيْرٌ مِّنَ اللَّهْوِ وَمِنَ التِّجَارَةِ وَاللَّهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ{11}

تختتم الآية الكريمة (  وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْواً انفَضُّوا إِلَيْهَا ) , انصرفوا اليها , (  وَتَرَكُوكَ قَائِماً ) , تخطب على المنبر , (  قُلْ مَا عِندَ اللَّهِ خَيْرٌ مِّنَ اللَّهْوِ وَمِنَ التِّجَارَةِ ) , قل لهم يا محمد "ص واله" ان ما عند الله جل وعلا من الثواب خير وابقى , (  وَاللَّهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ ) , فاطلبوا الرزق منه جل وعلا .  

مما يروى في سبب نزول الآية الكريمة عن جابر بن عبد الله قال أقبلت عير ونحن نصلي مع رسول الله صلى الله عليه وآله فانفض الناس إليها فما بقى غير اثنى عشر رجلا أنا فيهم فنزلت الآية . "تفسير الصافي ج5 للفيض الكاشاني" .

ومما يروى في هذا الخصوص عنه صلى الله عليه وآله : والذي نفسي بيده لو تتابعتم حتى لا يبقى أحد منكم لسال بكم الوادي نارا . "تفسير الصافي ج5 للفيض الكاشاني" .


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


حيدر الحد راوي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2018/10/14



كتابة تعليق لموضوع : تأملات في القران الكريم ح409 سورة  الجمعة الشريفة
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net