صفحة الكاتب : علي حسين الخباز

قراءة في كتاب.. (أدب الدعاء/ قراءات في صحائف آل محمد للدكتور علي مجيد البديري)
علي حسين الخباز

مجموعة من القراءات في النموذج السردي لأدب الدعاء، والذي يتوافر على فضاءات قابلة لتعدد المقاربة، والسعي للغوص والتغلغل داخل عوالم هذا الوجود الابداع، وما يمتلكه من شمولية التلقي، ولإضاءة جنبات هذا الدعاء لابد من احتواء فضاءات الروح، وما حوته من فكر ورؤى وإبداع متألق في أدب الدعاء - قراءات في صحائف آل محمد للكاتب أ.م.د علي مجيد البديري، تناول فيها مجموعة من ادعية الأئمة المعصومين (عليهم السلام) ذات الأساليب المتشابهة من حيث اشتراكها في استيعاب التجربة الايمانية والتصاقهم روحياً بالتوجه الى العالم الروحي والاحتفاء بالقضايا الإنسانية في منجزهم. في اسلوبية دعاء الصديقة الزهراء (عليها السلام) لشيعتها، متناولاً الابعاد المعرفية، متابعاً المنجز الدعائي لخلق مناخ تواصلي يضيء كافة جوانبه الموضوعية والفنية؛ لكون هذا التواصل يحقق المعصوم من خلالها عدة ابعاد معرفية من شأنها أن ترسخ قيماً أخلاقية وعقائدية وثقافية في نفس المدعو له، فهو يرى أن ادب الدعاء يشكل مفردة مهمة من مفردات حياة المعصوم ومواقفه. وأرى أن الأدب الدعائي يمكن ان يعد من أدب السير الذاتية المتوارية، أي بإمكان المتلقي ان يستشف معاناة المرسل ومضامين حياته، أي هناك واقعية سحرية تكشف عن مفردات حياتها (وبكاء ولدي في مفارقتي) وخصوصيات الأدب الدعائي لسيدة نساء العالمين انها شمولية الرعاية لجميع الموالين. ويرى الدكتور البديري أن الارتباط العميق بين الموالي وأهل البيت (عليهم السلام) تحيطه رعاية الله سبحانه تعالى من الزوال، هناك بعد روحي يصل بهذه التجليات التي تصل لحد الانتماء الحقيقي، وهناك نظم اسلوبية مثلت البعد العقدي مثل: مفاهيم التوحيد والنبوة والإمامة والعدل والمعاذ والشفاعة.. في تلك السطور سطوة الطلب الذي يحيل الموضوع الى معنى شمولي أوسع، شفاعة امة محمد، صداق فاطمة عليها السلام، صورة اختزلت الكثير من التفاصيل، ومثلت جميع أطياف الإسلام، فهذا البعد يتصل بمفهوم الشفاعة. طرق الدكتور علي مجيد البديري مسألة في غاية الأهمية، فتابع نقطة اللام المضافة الى ياء المتكلم؛ ليؤكد عدم تعارض واقع الشفاعة مع مقولة التوحيد، واتسع جوهر النص للبعد الأخلاقي؛ لتأكيد البعد الأخلاقي للانتماء الحقيقي للولاية منطقة جذب تأثيرية عالية القيمة، تنعكس على موحيات الفكر المؤمن، وهناك ابعاد وحقائق أخرى مثل: البعد الثقافي، ركزت القراءة على أهمية الوعي بمضامين الادعية الشريفة الواردة عن الزهراء (عليها السلام)، وفي دعاء عرفة قدرات إبداعية تجلت بخصوصة التفكر والتأمل، وقراءة الدكتور البديري سعت الى تفعيل البعد التأملي، والذي اسماه بالمكون التواصلي، وعمل على احتواء المادة النقدية بالتأمل في دواخل النص، فتابع دقة البناء الذي يربط عناصره وفق معطيات النص بقدرات تحليلية تابعة لمكوناته لعدم احتياج دراسة الدعاء الى مرجعيات مستوردة بما امتلك الدعاء من قدرة على الارتقاء بنفسه في سلم المدارك عبر ومعرفة بضرورة النجاة من مزالق الانجراف الى نهم المتطلبات المادية. نجد السيد الباحث تارة يدخل الى عوالم النص الداخلية، وتارة أخرى الى عوالم النص الخارجية، فهو يستهدف في رأي العلامة السيد محمد حسين الطباطبائي بأن السعي يتساوى في اتباع ما يريده الله الخالق منه مع ما يهديه اليه نظام الوجود، فما يريده الله تعالى من الدين للإنسان هو نفسه ما تريده الفطرة ويقود اليه نظام الوجود. وسعى السيد الباحث الى بعث أسئلة ترصد العلاقة الشخصية مع الله تعالى، وتبحث في العوالم الغيبية بوسائل فلسفية كثيرة عن الجزاء والموت والإدراك وفي فضاءات الاستدلال وتماثل طرقها الاستدلالية على وجود الخالق، ثم تقوم القراءة النقدية باختيار الصحيفة السجادية بعنوان الثقافة بوصفها دعاء، فالمعروف أن للدعاء أثراً عظيماً على طمأنينة القلب وانشراح الصدر والشعور بالسعادة. وعن النبي(ص) أقوال كثيرة بينت خصوصية الدعاء في حياة المؤمن، وأهميته في السلوك اليومي مثل قوله: (الدعاء منح العبادة، ولا يهلك مع الدعاء احد) والإمام الصادق(عليه السلام) يقول: ان الدعاء هو العبادة. ويرى الدكتور المؤلف أن الشروع في سلوكها لا يتحقق بغير التوفيق الإلهي، ويرى أن الامام السجاد (عليه السلام) كان يعد الدعاء ممارسة حياتية فعلية اكثر مما يصوغه، فالثقافة تتوسل الدعاء طريقاً لبناء الانسان، وخاصة عندما تغيرت بالعمل؛ كون الثقافة تحت هذا المفهوم لها معنى تربوي وتنموي مضمن لقدرات الانسان وتوسيع العالم الاجتماعي، والحصن الإلهي مشروط بضرورة استظهار العبد بالله تعالى واستعانته على الشيطان اثر المسعى السلوكي. الثقافة الإلهية تمتلك عمقاً إنسانياً في تثبيت ركيزة الولاء لله تبارك وتعالى، يجعله عماداً لوعي المؤمن وعلامة فارقة لشخصيته، ويكون مرهوناً بسعيه واخلاصه الذي يمثل استعداده الروحي لتقبل الفيض الإلهي، ويدعو خطاب الصحيفة الى الثقافة المثالية التي تقوي صلة الانسان بالله وبالمجتمع؛ لكونه سيستشعر معنى الانتماء لثقافة ربانية يعي بها حقوق الآخرين؛ لتكون افضل أنواع العلاقات؛ لانها تكون بين يدي الله تعالى، يحفظ كرامة الانسان ويحترمه، ونضمن أيضاً رؤية كونية من خلال الادعية الواردة في رؤية الهلال والسحاب والبرق وسمع صوت الرعد وتعكس جمالية التأمل. فالقراءة الواعية للدكتور علي البديري منحتنا رؤى انفتاحية لوجوه الدعاء المعنوية، فهو يراها ساحة تمتحن القدرات على التأمل والتفكر، ويراها تجليات روحية في يقظتها من جوهر العبادة ومن ثم الحكم بعدم استطاعة التأمل في الدعاء عن ذات المعصوم، ويعني ان دعاء المعصوم معبر عن ذات المعصوم، استحضار حياة المعصوم وخصوصية مواقفه أي بمعنى أن الدعاء يشكل الواقع بجميع محاوره النفسية والفكرية والمعاشة رغم ان الاستدلال البحثي ذهب الى ابعد من هذا الحد، وتلك يقظة باحث بأن الصحيفة السجادية لا يمكن حصرها في الظروف السياسية والواقع المعاش، وانما يعد ممارسة عبادية مهمة من حياة المعصوم، لكننا نرى ان تغيير الفضاءات المعاشة تترك الامر لمناقشة ومحاورة أمور نفسية واجتماعية ادق. وتسمح للبحث في أمور اكثر دقة في التكوين تفسح المجال له في رؤى اكثر تخصصا في المعارف الإلهية، فالخطاب الدعائي يحرص على بناء علاقة روحية بشكل فائق مع الموجودات، ورؤية الله تعالى بالقلب في تجليات قول أمير المؤمنين (عليه السلام): ((ويلك ما كنت اعبد ربا لم أره)). ويرى السيد المؤلف في أدبية التصوير العرفاني، إن المناجاة تجسيد أحد أنماط فن القول فضاء عبادي انسي من فضاءات العرفان، خطاب سري يتوجه به المناجي الى الله سبحانه تعالى تجعل من نص المناجاة نصاً ابداعياً ذا خصائص ومزايا جمالية، تعمل في استثمار الامكانيات اللغوية والاسلوبية والبلاغية، ينظر الى التصوير العرفاني على انه نمط من أنماط التصوير الفني الذي يزاوج بين التصوير الذهني والتصوير اللغوي، وهو تصوير للحياة الروحية للصوفي.. لنصل الى نتيجة اعتماد التصوير في المناجاة أداة وسيلة لا غاية في حد ذاتها وهذا رأي مهم. والرأي الثاني الذي استوقفنا حقيقة هو البحث عن تحقيق استجابة نفسية بعيدة عن اعمال الفكر، وامعان النظر وطول التدبر والروية، وانما استجابة صادمة لميل قلبي بخصائص البعد الروحي تأكيد وجود الله بمعرفة حدسية جوانية روحية والتسليم بوجود مبدأ روحي، وقيم روحية وأخلاقية هي الهدف والغاية وإبراز قيمة العبادة وطرق تفاعل الانسان المؤمن روحيا، ففي عرفانية الامام الكاظم (عليه السلام) وحياته القاسية ومعاناته في السجن استطاع ان يحول القيد والحبس الى حركة عبادية دائمة. وكلما كانت الدوافع اقرب الى نور الفطرة واكثر تحررا من الحجب حتى حجب النور تكون اكثر ارتباطا بمبدأ أنور، فكانت له (عليه السلام) كلمات عن جوهر الحقائق وتنسجم مع حقيقة الانسان وهو من يمثل السمة المشتركة عند اهل البيت بأجمعهم (صلوات الله عليهم)، فالحقيقة الغيبية للذات الإلهية المقدسة. تؤخذ مساحة واسعة عن فضاء المناجاة، وتصوير الذات بكل حالاتها، وتبقى اللغة وعاء ضيقاً لا يمكن ان يستوعب تجربة عرفانية خاصة، فهناك تصدر الحقيقة الغيبية للذات الإلهية وتصوير الذات بكل حالاتها، فهناك تصور الحقيقة الغيبية للذات الإلهية وتصوير الذات المقرة دائما بالذنب والمحتاجة للطف المولى وعنايته، ومن ثم تصوير الآخر الإيجابي بملامح سمة الصالحين من العباد والآخر السلبي ببعده عنه طريق الحق وهو كل شر، ومحنة الائمة مع هذا النمط من الآخر الذي كان السبب وراء تكرار المناجاة ويذهب الباحث لجماليات الإحالة في المناجاة، وهي أحد مظاهر الترابط الداخلي لمكونات النص، فهناك إحالة نصية واحالة مقامية وما يرتبط بمفهوم التغريض، وهي كلمة التوحيد ان تمارس فعلها التوجيهي في تأويل النص ثقافة التوحيد التي تقابل ثقافة الكفر ونسقه السائد في المجتمع متمثلة بالغرض والعقائد المنحرفة تستطيع من خلالها رؤية ملامح البعد . قراءة أي نص يعني إعادة فتح النص على مرجعياته الواقعية والتخيلية والكشف بما يمتلك من مستويات التميز والارتقاء، فالتفويض الإلهي عنده يرتبط بحياة الانسان المؤمن ارتباطا وثيقا: البعد الأول تفويض الخالق (جل علاه) لأهل البيت، عقيدة تؤسس للوعي الإنساني وهو لا يتقاطع مع معنى العبودية لله بل هو تجسيد لمعناها الحقيقي، فقد اعد الامام الكاظم (عليه السلام)، الولاية متمة ومكملة للأعمال الصالحة والزاكية، وهي سبب ثوابها وهي سعي الانسان لتحقيق القرب من الله تعالى والبلوغ اليه الى استنفاد كل القدرة الممكنة. ان اغلب تجليات الدعاء المعرفية يتوصف بنصوص ذات ابعاد فكرية واخلاقية كبيرة، تتوجه الى الداعي وتثري وعيه وثقافته، وتزيد من فاعلية حضوره الإيجابي في الحياة، وينفرد الدعاء والمناجاة عن بقية أنواع النثر الفني بخصوصية كونها موجهة الى الخالق تبارك وتعالى ومعاينة النص برؤى مغايرة تجعل القراءة اكثر تأملاً فيرى الدكتور البديري ان الجزء الافتتاحي لمتن الدعاء من اهم مكونات التأثير (خارج ـ داخل) النص اقبال الداعي مرهون بمعدل قوة الاستهلال وتأثيره. يرى الباحث أن لابد للاستهلال من ان يكون توليديا فاعل الكلمة مشحونا بالمعرفة والاحالة والتأويل.. اما الباحث يرى ان صلة الاستهلال تتنوع لمتطلبات حياتية هامة: (للاستخارة، السفر في طلب الرزق، طلب التوبة، المناجاة تكشف الظلم، طلب الحوائج) المرحلة التي عاشها الجواد (عليه السلام) اتسم بالتضييق عليه مراقبته: (اللهم ان ظلم عبادك قد تمكن في بلادك حتى امات العدل). تعمد البنية الداخلية لأي الاستهلال على ثراء الخارج، وهناك ظواهر سلبية ساعدت على اثراء صلته ببنية النص: 1/ السجع، 2/ الازدواج: (افقرني بجودك اليك واغنني عمن يطلب ما لديك)، 3/ التكرار وينطوي مفهوم الصلاة على محمد وأهل بيته الاطهار يوصف بالرفقة والرحمة والدرجة العالية وطبيعة السياق التاريخي والثقافي الذي عاش فيه الامام العسكري (عليه السلام) دورا في توجيه الامام نحو رسم هذه الكيفية المقدسة للصلاة. ويرى ان العبادة الرسمية وحدها غير كافية بلى يجب ان تقترن بالطاعة وهذه الطاعة تكون لمن نصبه الله فطاعته تكون طاعة لله ومعصيته تكون معصية الله وطاعة من لم ينصبه الله هي شرك فليس لأحد حق الطاعة إلا من خلال أمر الله (جل علاه)، وفي البحث دراسة عن معنى دراسة عن معنى القراءة في دعاء الافتتاح لما وراء الغيبي وجود فاعل وكبير في عملية القراءة فدخول الفيض الغيبي في عملية قراءة النص الدعائي مرهون بثقافة وعي المرسل اليه قدرته على استنطاق النص، استطاع الدكتور علي مجيد البديري رصد آفاق التأملات الفاعلة في أدب الدعاء.. ندعو له بالتوفيق.


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


علي حسين الخباز
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2018/10/05



كتابة تعليق لموضوع : قراءة في كتاب.. (أدب الدعاء/ قراءات في صحائف آل محمد للدكتور علي مجيد البديري)
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net