صفحة الكاتب : نايف عبوش

عصرنة لا تتنكر للتراث 
نايف عبوش

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

 لا أدري لماذا تراني انجذب دائماً، وبشكل تلقائي ، إلى ثقافة، وتقاليد الريف ، بشكل قوي، يصل إلى حد التماهي المطلق، تاركا خلفي ،كل إغراءات التمدن، وهوس التحصيل العلمي، وبراغماتية العصرنة. فتجدني منذ كنت صبيا، آنس لحديث ختيارية القرية، الذين كانوا كأنهم عائلة واحدة ، واستمتع بمقابساتهم، وانجذب إلى مجالس سمرهم، وانبهر بعفويتهم، وصدق عواطفهم، ونبل مواقفهم. ولعل هذا هو ما يجعلني ، اتلمس فيهم أصالة روح الريف، وأجد فيهم مثال الانتماء الصادق للبيئة، في الزمان، والمكان، والإنسان. 

ولعل معاصرتي، ومعايشتي للرعيل الأول منهم ، منذ خمسينات القرن الماضي، والتصاقي العضوي في رحاب فضائهم ،وتفاعلي معهم ،بتماه مطلق، والتقاطي الكثير، من استلهاماتي الوجدانية ، من أعماق هذا الوسط، الطافح بالإيحاءات، من طبيعة نهر دجلة الساحرة،التي تتوسد قريتي ضفافه المتهدجة مع جنبات عبارة السفينة،والزاب المشاكس في مجراه، بانسيابه المتمرد في بطن أمه دجلة، إذ يمتزج برحابها الخلابة، في نقطة شمال القرية، حتى ان قريتي حملت اسم المخلط أيضاً، تيمنا بهذا المعلم الجغرافي المتميز، كانت كلها عوامل نشأة بيئية، تضاف إلى عوامل نشأتي الاجتماعية،وقد تكون هي التي رسخت في خيالي بتفاعلها معا،مجسمات ثقافة الموروث الشعبي، التي سكنت اعماق ذاتي، في وحدة متماسكة، لا انفصام لها،وذلك رغم كل ما واجه هذه الإلفة، من تحديات جدية، مع حركة التطور بمرور الوقت. 

وانطلاقاً من حقيقة خلفية تلك النشأة، فإنه يبدو أن اهتمامي، بموضوعة الحفاظ على التراث، نابع من قناعتي التامة، بضرورة التواصل الحي مع التراث، باعتباره، رغم كل  بساطته، منجزا تاريخيا تراكميا، من منجزات أي قوم ،وذاكرة حية له، باعتباره رافد أصالة متدفقة، وبذلك فإنه يشكل قاعدة الانطلاق إلى الحداثة، والتطور، حيث اعتبر التقاليد الموروثة، نقطة التوازن مع العصرنة،التي تهدد بوسائلها المتطورة هذا الموروث الشعبي بالانقراض،وبالتالي حرمان الأجيال اللاحقة من هذا الإرث النفيس، الذي يشكل امتيازا جماليا، وقيمة معنوية، وطاقة روحية، تجعل الماضي، ثروة من الحس المتواصل  مع الحاضر، المتطلع إلى المستقبل الحالم، الذي لا بأس من التكيف الواعي مع ايجابياته، والانخراط مع منافعه، دون خسارة الموروث الإيجابي من التراث ،وإلا فإن الحال سيكون  مستلبا لا محالة ، ويعاني عندئذ، من ضياع،واغتراب موحش، مهما بدا لنا الحال زاهيا،وهذا ما بدء الكثيرون يستشعروه اليوم ، ويحذروا من تداعياته السلبية.


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


نايف عبوش
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2018/06/01



كتابة تعليق لموضوع : عصرنة لا تتنكر للتراث 
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net