صفحة الكاتب : صلاح عبد المهدي الحلو

المبيتُ مع الميت!
صلاح عبد المهدي الحلو

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

في الكتاب الكريم قوله تعالى ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا آَمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ) قال بعضهم مامضمونه :معناها,يا أيها الذين آمنوا بالله ورسوله بالعقل,آمنوا بهما بإيمان القلب.
يفرق السيد الخميني - قُدِّس سره - بين إيمان العقل وإيمان القلب,وضرب في ذلك مثلاً بالميت ,قال مامضمونه :إنكم تعتقدون جزماً بأن الميت جثةً هامدةً لا تتحرك,ولن تدبَّ فيها الحركة,هذا تعتقدونه بعقولكم,فهو إيمان العقل,ولكن لو جئتم لتبيتوا مع هذا الميت فستتخيلون أنه سيرجع من الموت,ويتحرك ويتكلم معكم؛لذا تخافون من المبيت معه,ذلك أن القلب لم يؤمن بهذه الحقيقة العقلية.
توفيَّ لمعارفنا قريبٌ لصيقٌ ثالثٌ خلال أسبوع,وكان المقربون منه تعبوا من مراسم الفاتحة للميتين السابقين التي كانت في وقتها للفاتحة الواحدة- في تسعينيات القرن المنصرم - ثلاثة أيام,وكنا في باب داره,فقال - وهو ينظر إلي - :- من يبيت مع الجنازة؟
فعلمتُ أنَّه يعنيني,فقلتُ له أنا.
ثم نظر إلى شخصٍ آخر من السادة المحانية وسأل:- ومن يبيت مع صلاح (يقصدني) فقال ذلك السيدُ أنا.
كان ذلك في شهر رمضان من تلك السنين وكان يأتي في الشتاء,وبعد الإفطار ذهبنا أنا والسيد المذكور إلى جامع (أبو جبك) في شارع السكة لنبيت مع الجنازة.
بعد ساعة قال السيد المحناوي عندي (شغلة) سأذهب وآتي بعد ساعة,فأذنتُ له بالذهاب,وبمجرد أن ذهب استوحشتُ المكان فخرجت إلى باب الجامع اتفرج على الحراس الليليين وهم يشعلون النار إتقاء البرد,ولكن بعد فترة جاءني خادم الجامع وأخبرني أنه سيغلق باب الجامع ولن يفتحها إلاَّ عند السحور,وخيرني بين البقاء مع الجنازة ,أو الذهاب للبيت,فقلتُ له إنني لم آتِ إلى هنا إلاَّ لأبيت معها فكيف أتركها وأذهب؟
وفعلاً دخلتُ الجامع وأغلق الحارسُ الباب عليَّ من الخارج,ويالسوء حظي فقد انطفأت الكهرباء مباشرةً,وهنا اكتملت دائرة الخوف,كنتُ مدمناً على مشاهدة أفلام الرعب في تلك الفترة,وكان فلم الرعب (المرآة) الذي كان من أول أفلام الرعب التي عرضها تلفزيون الشباب بعد توسيع بثه للمحافظات لايزالُ ماثلاً في ذهني وفيه تخرج روح الفتاة المقتولة من التابوت بعينيها المحمرتين ووجها المدمى,ومسلسل الفضاء عام 1999 الذي شاهدته صغيراً في الثمانينيات والذي يتحدث في كل حلقة عن مخلوقٍ فضائيٍّ مخيف هو الآخر حاضراً في عقلي,صور هذا الفلم,ومخلوقات ذلك المسلسل كلها جاءت إلى الذهن دفعةً واحدة,برعبها وقتامتها وما تخلقه في النفس من مشاعر مخيفة.
أضف إلى ذلك ما قرأته في موروثنا الروائي المقدس من النهي عن جعل الميت لوحده وإلاَّ عبث بجوفه الشيطان,فهنا مخلوقٌ آخر معي في الجامع وهو الشيطان,وإذا كانت الأفلام والمسلسلات خيالات فإن قصة الشيطان حقيقةٌ لامراء فيها.
علم الله كانت دقات عقرب الساعة في تلك الليلة المهيبة كأنما تمزق قلبي برتابتها, حاولتُ أن اسيطر على أعصابي لأني ايقنتُ أنني اذا استمريتُ على هذا الوضع سأجن؛لذا حاولت جاهداً أن اسيطر على تخيلاتي.
قبل الآذان بنحو ساعة تقريباً فُتحت الباب,وإذا بخادم الجامع وصاحبي السيد المحناوي,ورغم انه يكبرني بنحو عشر سنوات ولكنني (رزلته رزالة) بقدر ساعات الرعب التي عشتها تلك الليلة,ولكني تحججتُ بأنه كيف تركني إلى هذا الوقت وأنا أريد أن أتسحر؟
الخلاصة:- ليس هناك أوضح من حقيقة الموت,ولكن قلوبنا عند المحك الصعب لا تؤمن بها,فتتخيل أن الميت يعود لو بتنا معه لوحدنا,فكيف بالحقائق الكبرى؟ التوحيد,العدل,النبوة ,الامامة,المعاد,وغيرها,هل عقدنا القلب عليها حقاً لتكون عقيدة؟ أم أنها تتزلزل عندنا من أول شبهة تبدأ بغربلة التراث,وتنقية الموروث ولن تقف عند حد عصمة الإمام وبخس مقام المعصوم واعطائه لمن هو دونه ولو كان فقيهاً عادلا,وتجيير حقه كالصلاة على النبيِّ صلى الله عليه وآله بالصلاة على غيره بدعوى أن غيره ذاك يمثله ونحو ذلك؟
أترانا مصاديق لقوله تعالى (قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا ۖ قُل لَّمْ تُؤْمِنُوا وَلَٰكِن قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ) لو صحَّ تفسير الآية بذلك المعنى المذكور,لأن ايماننا عقلي ولم يوقر في القلب بعد؟


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


صلاح عبد المهدي الحلو
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2018/04/20



كتابة تعليق لموضوع : المبيتُ مع الميت!
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net