"وعين الرضى عن كل عيبٍ كليلة....وعين السوء تبدي المساويا"
علينا أن نقرأ التأريخ بعينين رغم أنه مكتوب بعين واحدة , فالتأريخ العربي خصوصا يبدو أن الذين أسهموا بكتابته قد أغمضوا عينا وفتحوا أخرى , وما إستطاعوا أن يكتبونه بعينين مفتوختين , وذلك لأن الحالة العربية كانت كالثورة البركانية , التي ألقت بحممها الفكرية والإدراكية الجديدة على جميع الجهات , فتسببت بحرائق شاسعة اللهب , إلتهمت قوى وحضارات وضمتها إلى موقدها المتأجج , وبعد أن هدأت نيرانها وتفحم مَن تفحم , وتحول إلى رماد مَن تحول , بدأت الكتابة والقراءة والتقديرات والتقيمات , حتى وجدتنا أمام أرشيف هائل من الكتابات المتقاتلة التي ينفي بعضها بعضا , وكأننا في معارك على السطور لا يهدأ أوارها.
وبعد أن دارت القرون وتقلبت الأحوال وإستدارت الأرض ما لا يحصى ولا يُعد من الدورات , وجدتنا نقرأ ولكن القراءة أيضا بدأت في معظم الأحيان بعين واحدة وعدم القدرة على القراءة بعينين , أو النظر إلى ما كتبته هذه العين أو تلك العين , مما تسبب بتعقيدات وتشويهات وتخريبات وإنشاءات جديدة , لصورة قد لا تكون موجودة أو قائمة في الواقع المنصرم والقائم , وكأننا أمام إعادة تصنيع التأريخ في مصانع الأهواء والرغبات والتطلعات المطمورة في النفوس.
ولهذا تجد عين الرضى تكتب بلغة وأسلوب وعين الكراهية بلغة أخرى , فتتجسد الإنتقائية التبريرية والتشويهية لطبيعة العين الناظرة , فكل عين تريد تعزيز ما تراه وتبني عليه وتسعى لإظهاره ونشره وتأييده.
وعليه فأن قراءة التأريخ لا تنتهي إلى نتيجة قطعية ذات قيمة سلوكية نافعة , وإنما تساهم بتنمية التشويه والتشويش ودفع الناس إلى الحيرة والإستغراب وعدم الإستفادة من الماضي.
وهكذا فأن التعامل مع التأريخ يتسبب بأضرار حضارية , ويعوق التفاعل المعاصر مع الأيام , ويستنزف الطاقات , ويكون من الصالح العام عدم رؤية الحاضر والمستقبل بعيون تأريخية , وإنما لا بد من التحرر من قبضة التأريخ والإنطلاق بقدرات تفاعلية إنسانية رائدة , للوصول إلى الأهداف المرجوة وبناء الواقع الإجتماعي والوطني الأقوى والأقدر!!
فهل أن منفعة التأريخ أقل من ضرره؟
وهل من الأفضل أن نتحرر من أصفاده ونعيش عصرنا , ونعبّر عن طاقاتنا وقدراتنا الأصيلة المتوافقة مع إيقاعات زماننا الخلاّق؟!!
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat