صفحة الكاتب : علي حسين الخباز

تهجدات علي بن جرين في ذكرى استشهاد الإمام الحسن العسكري (عليه السلام)
علي حسين الخباز

الشر صديق مؤتمن، ما خيب ظني يوماً، كان يصاحبني أينما أذهب، وساعدني لأتقدم كثيراً في عملي، وأكسب الكثير من المال، وها هو الخليفة المعتمد العباسي يبعث خلفي ((إحمل نفسك الينا)) فأقبلت اليه، وإذا به يصيح: خذ سجينك يا علي بن جرين وخلصنا، اريدك ان تضايقه شر مضايقة وتؤذية، الى حين تفكر في أمر الخلاص منه نهائياً. نظرت اليه وإذا به هيبة ووقار، خذلتني نفسي فما عدت أستطيع أن أقف مثل الناس، أنظر الى النور المشع في وجهه، فأدرك خور الشر الذي تركني وهرب، لأعرف لأول مرة معنى الخير والمحبة والرشاد، صرت أتقرب إليه، أتأمله وهو صائم نهاراً، وقائم يصلي الليل، وانظر في عرش المعتمد، وسلطته التي بهرت بها طوال وجوده. وبالرغم من الضعف الذي كان قد أحاط بالدولة العباسية في عصر الإمام (عليه السلام)، لكن ‏السلطة القائمة كانت تضاعف اجراءاتها التعسفيّة في مواجهة الإمام الحسن العسكري (عليه ‏السلام)، والجماعة الصالحة المنقادة لتعاليمه وارشاداته (عليه السلام)، فلم تضعف في مراقبته، ولم ‏تترك الشدة في التعامل معه بسجنه أو محاولة تسفيره إلى الكوفة؛ خشية منه، ومن حركته الفاعلة ‏في الأمة وتأثيره الكبير فيها. ‏وكانت مواقفه امتداداً لمواقف أبيه (عليه السلام) بوصفه المرجع الفكري والروحي لأصحابه ‏وقواعده وراعياً لمصالحهم العقائدية والاجتماعية، بالإضافة الى تخطيطه وتمهيده لغيبة ولده ‏الإمام المهدي المنتظر (عليه السلام).‏ سعى المعتمد جاهداً في التخلص من الإمام العسكري (عليه السلام) أي أنّه سارَ على ذات المنهج ‏الذي اتّبعه أسلافه من الخلفاء الأمويين والعباسيين مع الأئمة المعصومين (عليهم السلام)، حين سلّم الإمام ‏العسكري (عليه السلام) إلى يحيى بن قتيبة الذي كان يضيّق على الإمام (عليه السلام)، ويبدو أن يحيى بن قتيبة عاش نفس معاناتي، فتوسل ليعفيه لذلك كنت أنا الضحية. لقد استطاع الإمام أن يغيّر في أشياء كثيرة جعلني أتوجه الى الله تعالى، وأنظر صوب الإمام نظرة محبة ومودة وصرت أخاف عليه، وأنا أرى الطاغية المعتمد العباسي الذي أزعجه ما يسمع من إجماع الأمة على تعظيم الإمام وتبجيله وتقديمه بالفضل على جميع العلويين والعباسيين، فأجمع رأيه على الفتك بالإمام، واغتياله فدسّ له سماً قاتلاً، فلما تناوله الإمام تسمم بدنه الشريف، ولازم الفراش، وأخذ يعاني آلاماً مريرة وقاسية، وهو صابر محتسب قد ألجأ أمره إلى الله تعالى. ويبدو انهم تحرزوا من وجودي أيضا، وبعدها أضربت السلطة العباسية كأشد ما يكون الاضطراب من تردي الحالة الصحية لأبي محمد (عليه السلام)، فقد أوعز المعتمد إلى خمس من ثقاته ورجال دولته، وفيهم نحرير بملازمة دار الإمام، والتعرف على جميع شؤونه وإخباره بكل بادرة تحدث. كما أوعز إلى لجنة من الأطباء بإجراء الفحوص عليه صباحاً ومساء، ولما كان بعد يومين عهد إلى الأطباء أن لا يفارقوا داره كما عهد إلى الأطباء بملازمته، وذلك لثقل حاله. وثقل حال الإمام أبي محمد (عليه السلام) ويئس الأطباء منه، وأخذ يدنو إليه الموت سريعاً وكان في تلك المرحلة الأخيرة من حياته يلهج بذكر الله تعالى يمجده ويدعو ربه ضارعاً أن يقربه إليه زلفى، ولم تفارق شفتاه تلاوة كتاب الله العظيم، واتجه الإمام (عليه السلام) صوب القبلة المعظمة، وقد صعدت روحه الطاهرة إلى الله تعالى كأسمى روح صعدت إلى الله تعالى تحفها ملائكة الرحمن. وهكذا كان موته أعظم خسارة مني بها المسلمون في عصرنا، فقد فقدوا القائد والموجه والمصلح الذي كان يحنو على ضعفائهم وأيتامهم وفقرائهم، وارتفعت الصيحة من دار الإمام، وعلت أصوات العلويات والعلويين بالنحيب والبكاء.. ودفن في داره إلى جانب أبيه علي الهادي (عليه السلام)، وقد واروا معه صفحة مشرقة من صفحات الرسالة الإسلامية، وواروا فلذة من كبد رسول الله (ص). بقي الألم يعتصر القلب بفقده، ومن نوادر الأيام أن زار المرقدين العظيمين الخليفة العباسي الناصر لدين الله متبركاً ومتقرباً إلى الله تعالى. وقد أشار عليه بعض وزرائه بزيارة قبور آبائه من ملوك بني العباس، فأجابه إلى ذلك، ولما انتهى إليها وجدها مظلمة قد عششت فيها الغربان، وعادت مزبلة لما فيها من أوساخ وقمامة، وهي ببؤسها تحكي جور أولئك الملوك وظلمهم، فطلب منه الوزير العناية بها، وبذل الأموال لإصلاحها ولمن يزورها، فأجابه الناصر بالجواب الحاسم المركز على الواقع قائلاً: "هيهات لا ينفع ذلك ولا يجدي شيئاً". : "لماذا يا أمير المؤمنين؟" : "نظرت إلى ازدهار قبور الأئمة الطاهرين" : "نعم" : "أتعرف السر في ذلك؟" : "لا" : "إن آبائي اتصلوا بالشيطان، وهؤلاء السادة اتصلوا بالله، وما كان لله يبقى، وما كان للشيطان يفنى ويزول". إنها حقيقة لا ريب ولا شك فيها، وستبقى قبور الأئمة الطاهرين (عليهم السلام) على امتداد التاريخ تحمل شارات العظمة والخلود.


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


علي حسين الخباز
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2018/01/12



كتابة تعليق لموضوع : تهجدات علي بن جرين في ذكرى استشهاد الإمام الحسن العسكري (عليه السلام)
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net