صفحة الكاتب : حيدر الحد راوي

البحث عن الطاقة ح3 الاخيرة
حيدر الحد راوي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

2-2- التكامل: 

بعد ان جس مصادر الطاقة الايجابية والتعرف عليها من خلال الإله الحقيقي , أكتشف وجود نقص ما يحول بينه وبين ارتقاء السلم نحو المجد والخلود , وجده في ذاته , في نفسه , هناك كثير من العيوب تعرقل ارتقائه , لابد ان يعود اليها , يشخصها , ثم يعالجها بمراجعة من خبر هذا الطريق ومرن عليه .

منذ القدم سعى الانسان نحو التكامل , لكن الطريق لم يكن معبدا , او سلسا , بل وجده وعرا , مليء بالعراقيل , لمن أتسخت روحه وعلقت بها الادران , وسلسا لينا مرنا , لمن طهرت روحه وتجردت من الاوساخ والعوالق , لذا وصلت الاقلية , وهزمت الاكثرية , {وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ }"5" .

المسير نحو التكامل يتطلب العمل والتنسيق في خمسة محاور :

  1. الروح : مدار العمل وروحية التقدم نحو التكامل يكمن في الروح , لولاها لانتفى العروج وبقيت على حالها , لغرض رزم الحقائب والشروع بالسفر تطلب توفر عدة شروط اهمها :
    1. ان تتوق الروح الى عالمها الروحي , تستأنس به ولا تستوحش منه , ولا تخشاه .
    2. ان تدب فيها الارادة والتصميم والعزم والعزيمة , والا لا يمكنها السفر في هذا الطريق ان كانت مجبرة او مسيرة .
    3. ان تتطهر من ادران عوالم المادة وعوالق الحياة .     
    4. ان تتوافق مع الجسد , وتتغلب على رغباته وطموحاته في العالم المادي .
  2. الجسد : قد يكون الجسد هو المعوق الاكبر للروح في مشروعها وسعيها نحو الكمال , لذا لابد من توافق ومراعاة الحقوق بين الطرفين , كما ويجب ان يخف الجسد وزنه عليها , ولا يثقل عليها في تحليقها نحو عالم الروحانيات.
  3. العلم والمعرفة: كل شيء دون علم او معرفة لا تحمد عقباه , كذلك الانطلاق الى عوالم خفية لابد من التسلح والتحصن بالعلم والمعرفة الضروريين في هذا المسير , وهما زهاب المسافر العاشق نحو الهدف المنشود "المعشوق" .  
  4. الاستاذ: ان توفرت الشروط اعلاه , لا ينبغي للحافلة ان تسير بدون سائق محترف , الاستاذ الحاذق , العارف بكل الخفايا , الذي مرن الصنعة وأتقنها أيما اتقان , فيأخذ المريد ويسمو به في عالم الطاقات العليا , نحو الهدف المنشود , العلة من الخلق , {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ }"6" , فيقف على الحقيقة , عين الحقيقة , الحقيقة العليا , بعد ان تتساقط على جانبيه وتخترق عينيه الحجب والاستار , فيفيض عليه الكشف.
  5. الإله : بعد معرفة الإله الحق , ينبغي ان تكون هناك صلة معه , يتزلف اليه المريد بنواقصه وسلبياته , فتكتنفه الفيوضات الربوبية بطهرها وجمالها ولطفها وايجابياتها , تغمره بمقدار صلته وتزلفه , وقدر ما يحتمل , والا غاب عن الوعي.

التقرب من مصادر الطاقة السلبية من شأنه ان يعكر صفو الطالب , ولا يستزاد الا تعبا ورهقا , {وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِّنَ الْإِنسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِّنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقاً }"7" , {أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَن لَّا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ }"8" , حيث عُرفت انها ملتوية وغير مستقرة , وهي السبب الرئيس لكثير من المشاكل والعلل والامراض , بعكسها تماما الطاقة الايجابية , ذات المنفذ الواحد , حيث الاستقرار الروحي والنفسي , } وَأَنْ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ{ "9" , فمن شأن الطريق الواحد الوضوح , وسلاسة المسير , ما يوفر الراحة وتجنب المزيد من وعثاء السفر , ومن شأنه ايضا ان يضمن سرعة الوصول الى الغاية وما وراءها {وَاللّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلاَمِ وَيَهْدِي مَن يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ }"10" , كما وان الطاقة الايجابية تجذب اتباعها المخلصين جذبا وتمن عليهم بالتمكين , {شَاكِراً لِّأَنْعُمِهِ اجْتَبَاهُ وَهَدَاهُ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ }"11" , {وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّكَ فَيُؤْمِنُوا بِهِ فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ اللَّهَ لَهَادِ الَّذِينَ آمَنُوا إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ }"12" .

من هنا يكون الفرق واضحا بين طالبي الطاقة السلبية , ومريدي الطاقة الايجابية , {أَفَمَن يَمْشِي مُكِبّاً عَلَى وَجْهِهِ أَهْدَى أَمَّن يَمْشِي سَوِيّاً عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ }"13" .

2-3- المناجاة: عندما أدرك الإله وسعى نحو التكامل , سواء وصل اليه ام لم يزل في طريقه الطويل , لابد من المناجاة , مناجاة الإله , وهي من متطلبات التكامل ايضا , حيث يتوجه العبد اليه ايجابيا , بمعنى الانشراح والانفتاح والمصداقية والخلوص والتجرد من عوالق الدنيا , بالمقابل , الإله الحق لن يتركه او يتخلى عنه , بل يغمره بالطاقة الإيجابية , مقدارها يعتمد على همة العبد ونشاطه , كما جاء في الحديث القدسي ((إذا تقرب العبد إلي شبراً تقربت إليه ذراعاً، وإذا تقرب إلي ذراعاً تقربت منه باعاً، وإذا أتاني يمشي أتيته هرولة))"14" , عندئذ , العبد متوجه ايجابيا , والإله الحق يقبل عليه ايجابيا , تفيض فيوض الطاقات الايجابية وتغمر ذلك العبد والمكان , وربما أتسعت وامتدت .

تفرض المناجاة اهميتها من عدة اوجه :

2-3-1- اجتناب الرياء : و المراءآت , حيث غالبا ما تكون في جوف الليل , حين يكون العبد وحيدا , لا يطلع على احد , ولا احد يطلع عليه .

2-3-2- الخلوة : ضرورية للعبد ولو لقليل من الوقت في كل يوم , ولا ينبغي تركها او التكاسل عنها , لاكتساب الطاقة الايجابية تطلب من العبد ان يكون وحيدا في مكان خاص , كي يبعد عن نفسه أي مصدر أخر قد يؤدي الى تشويش واضطراب التلقي والاستقطاب.

2-3-3- صقل الشخصية : لابد للعبد ان يصقل شخصيته حتى تصفو روحه ويغمرها النقاء , من أجل ذلك , تطلب الامر ان يكون له باعا في الحالات والعلاقات الربانية كما ورد عن النبي الاكرم محمد صلى الله عليه واله وسلم انه قال (إن لي مع الله حالات، لا يحتملها ملك مقرب، ولا نبي مرسل) .              

المناجاة هي مظهر من مظاهر الانس في العالم الربوبي والملكوتي , حتى قال فيها احدهم ( لو يعلم أبناء الملوك ما في لذة مناجاة الله لحاربونا "جالدونا" عليها) .

 

خاتمة:

عندما يكتسب المرء طاقات سلبية لسبب ما سيشعر بحالة من عدم الارتياح , تصل في بعض الاحيان الى ضيق التنفس والسأم والملل , ما قد يدفعه الى التفكير في الانتحار , وربما يكون اكثر تعقلا , فيبحث عن مكان يفرغ فيه مكتسباته السلبية , التي لا يجد مكانا لها الا في الإله , فيمكث جاثما امام الصنم الذي اعتقد بإلوهيته , يشكو همه وطلب حاجته , مؤملا الاستجابة في أسرع وقت ممكن , فيشعر بالراحة النفسية , وربما بشيء من الخفة , سبب ذلك يعود الى انه قد افرغ شحناته السلبية في ذلك الصنم الذي وضعه نصب عينيه وأخذ كل تفكيره , وهفا إليه قلبه , شعور مؤقت بالراحة , لن يدوم طويلا , ذلك , لأن الصنم الذي تلقى منه الطاقة السلبية سيعيدها له او الى شخص اخر , حيث يكون عمله كالمرآة , تعكس الصور .

أحيان أخرى , يكون المرء أكثر تعقلا وأكثر حكمة من ذاك الذي قصد الصنم , يوافقه في التوجه الى الإله , ويخالفه في كيفية إيجاد الإله الحق , فيقبل عليه بكل سلبياته , التي سرعان ما ستتبخر وتتبدد في حضرته , كما قيل "أذا حضرت الملائكة .. هربت الشياطين" , لا تبق ولن تمكث طاقات سلبية في حضرة الحق , سيخلو المكان تماما منها , ولن يكون هناك سوى الطاقات الايجابية , تلك هي الراحة الحقيقة واللذة التي لا توازيها لذة .

 سعى ومنذ آماد بعيدة لسبر أغوار الطاقة , أستشعر بوجودها , بحث عنها , فكانت مشاريع بحثه في محورين :

  1. الطاقة السلبية : بعد الاستشعار والتحري , أيقن بوجودها , وأعتقد انها ايجابية نافعة , فأستمر في البحث والتقصي , وأنجز بعض التقدم , الا انه لاحظ انه يدور في حلقة مفرغة , لا قرار لها ولا استقرار , كلما تقدم خطوة , تشعبت به الخطى , وعاد الى حيث بدأ , لأنها متموجة لا تعرف الثبات , فهو لا زال يبحث عنها , وسيستمر بالبحث عنها الى ما لا نهاية , {وَتَرَكْنَا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ}"15" .
  2. الطاقة الايجابية: استشعر بوجودها , وتوصل اليها , واستمر في التقدم , وسار في الطريق الصحيح , بعد ان ركب السفينة , بكل سهولة ويسر.

يعزا الوصول السريع لأصحاب هذه الفئة الى عدة اسباب منها لا على سبيل الحصر :

2-1- ان طريقها واحد , غير متشعب , {قَالَ هَذَا صِرَاطٌ عَلَيَّ مُسْتَقِيمٌ }"16" .

2-2- كفاءة الدليل والمرشد من الرسل والانبياء "ع" والائمة والصالحين والاساتذة

       اصحاب البصيرة , {قُلْ كُلٌّ مُّتَرَبِّصٌ فَتَرَبَّصُوا فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ أَصْحَابُ الصِّرَاطِ السَّوِيِّ وَمَنِ اهْتَدَى } "17" . 

2-3- من أجمل ما في الطاقة الايجابية انها تقبل على طالبها ولا تتركه في حيرة من امره , او لا تتركه حائرا او تائها في معترك الافكار والتيارات , {فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُواْ بِاللّهِ وَاعْتَصَمُواْ بِهِ فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مِّنْهُ وَفَضْلٍ وَيَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ صِرَاطاً مُّسْتَقِيماً }"18" .       

 

 

 

         

 

الهامش:

  1. أخرجه ابن الجوزي في الموضوعات (2/289) .
  2. بغية الباحث عن زوائد مسند الحارث /كِتَابُ الْوَصَايَا / رقم الحديث 469 .
  3. سورة ص الشريفة الآيات 41-42 .
  4. سورة يوسف43 .
  5. سورة فصلت35 . 
  6. سورة الذاريات 56 .
  7. سورة الجن6 .
  8. سورة يس60 .
  9. سورة يس 61.
  10. سورة يونس25.
  11. سورة النحل121.
  12. سورة الحج54.
  13. سورة الملك22.
  14. رواه البخاري , رياض الصالحين.
  15. سورة الكهف 99 .
  16. سورة الحجر41 .
  17. سورة طه135.
  18. سورة النساء175.

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


حيدر الحد راوي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2017/10/23



كتابة تعليق لموضوع : البحث عن الطاقة ح3 الاخيرة
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net