صفحة الكاتب : حيدر الحد راوي

تأملات في القران الكريم ح14
حيدر الحد راوي

سورة البقرة

وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلاَ تَمُوتُنَّ إَلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ{132} أَمْ كُنتُمْ شُهَدَاء إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِن بَعْدِي قَالُواْ نَعْبُدُ إِلَـهَكَ وَإِلَـهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَـهاً وَاحِداً وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ{133} تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُم مَّا كَسَبْتُمْ وَلاَ تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ{134} وَقَالُواْ كُونُواْ هُوداً أَوْ نَصَارَى تَهْتَدُواْ قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ{135} قُولُواْ آمَنَّا بِاللّهِ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمْ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ{136} فَإِنْ آمَنُواْ بِمِثْلِ مَا آمَنتُم بِهِ فَقَدِ اهْتَدَواْ وَّإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ{137} صِبْغَةَ اللّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللّهِ صِبْغَةً وَنَحْنُ لَهُ عَابِدونَ{138} قُلْ أَتُحَآجُّونَنَا فِي اللّهِ وَهُوَ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ وَلَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُخْلِصُونَ{139} أَمْ تَقُولُونَ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأسْبَاطَ كَانُواْ هُوداً أَوْ نَصَارَى قُلْ أَأَنتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللّهُ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن كَتَمَ شَهَادَةً عِندَهُ مِنَ اللّهِ وَمَا اللّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ{140}
ابراهيم (ع) اوصى بنيه كافة ان يكونوا مسلمين , وان يتمسكوا بالاسلام , وينبذوا كل ما سواه , فتمسك بعضا من اولاده (ع) بتلك الوصية وتوارثوها ابا عن جد , حتى وصلت الى بني هاشم , في ذلك دلالة على ان بنو هاشم لم يكونوا يعبدون الاصنام , بل كانوا على ملة ابيهم ابراهيم (ع) , لو بحث المؤرخون المنصفون لوجدوا الكثير من الادلة على ذلك , ومنها ان لكل قبيلة من قبائل العرب آلها ( صنم ) , يعبدونه ويتضرعون اليه , ويقدمون القرابين له , يضعونه في الكعبة , حتى بلغت الاصنام حوالي 360 صنما , بعدد قبائل العرب انذاك , ولم يكن لبني هاشم أي صنم منها , وكذلك قبيلة بني عامر كما يروى , ويعتقد ان قبيلة بني عامر كانت على ملة ابراهيم الخليل (ع) , وكانوا يكنون احتراما منقطع النظير لبني هاشم  . 
هذا من جهة , ومن جهة اخرى , ان في كل بيت من بيوت الاعراب ايام الجاهلية صنما , يضعونه في البيت للبركة ! , وكانت بيوت بني هاشم خالية تماما من مثل هذه الاصنام ! . 
هذا الموضوع يجر المتأمل الى تساءل , هل ان النبي محمدا (ص) كان مؤمنا بوجود الله قبل الوحي , ام انه (ص) قد آمن بالله بعد الوحي ؟ , لا ريب انه (ص) كان مسلما على ملة ابراهيم (ع) قبل الوحي , مؤمنا بالله عز وجل , وهذا كان واضحا في سيرته (ص) قبل البعثة , حيث كان يشمئز وينفر من الاوثان , ويتعبد في غار حراء , يتعبد لمن ؟ , يتعبد لله الواحد القهار . 
لكن المؤرخون لم ينصفوه (ص) , بل اجحفوا بحقه (ص) , حينما ذهبت بهم المذاهب الى ان النبي محمد (ص) لم يؤمن بالله تعالى الا بعد نزول الوحي , وقد اخبره ورقة بن نوفل بأنه (ص) اصبح ( نبي هذه الامة ) ! . 
والحقيقة هي انه (ص) كان مسلما على ملة جده ابراهيم (ع) , مع بنو هاشم , مؤمنا بالله تعالى , لكنه صار نبيا (ص) عند نزول الوحي عليه , لا بعد نزول الوحي , أي انه (ص) قد ادرك تماما ان هذا الوحي جاءه مرسلا من قبل جبار السموات والارض . 
كما ان ابا طالب (ع) كان مسلما على ملة ابراهيم (ع) , فلا معنى لاتهامة بعدم الايمان برسالة خاتم الانبياء والمرسلين (ص) . 
حقيقة اخرى , قد يصعب تقبلها لكثير من الناس , حول ايمان علي بن ابي طالب (ع) , ان عليا (ع) من بني هاشم , وكان (ع) وامه وابيه على ملة ابراهيم (ع) , ويروى عنه (ع) انه لم يسجد لصنم قط , فلقب بـ ( كرم الله وجهه ) , ان عدم سجوده (ع) للاصنام كان بسبب اسلامه , وايمانه بوجود الحق تعالى , فمنعه ذلك من السجود لاصنام القوم . 
الشيء بالشيء يذكر , يروى ان امه (ع) حين حانت ولادتها , قصدت الكعبة المشرفة , فتضرعت وتوسلت لرب الكعبة , رب الكعبة الحقيقي , وليس الاوثان , فأستجاب لها ربها , وانشق جدار الكعبة , فدخلت , ووضعت وليدها , ومكثت ثلاثة ايام , لينشق الجدار مرة اخرى فتخرج تحمل وليدها عائدة للبيت , هذه الحقيقة لا يمكن انكارها , فلو كانت وتعبد الاوثان لما حدث لها ذلك , ولو كان عليا (ع) ليس مسلم , لما كان له ان يولد ببطن الكعبة المشرفة ! . 
من ذلك يثبت بما لا يقبل الشك , ان عليا (ع) كان مسلما , على ملة جده ابراهيم (ع) , وقد صدق وآمن برسالة محمد (ص) حين اخبره (ص) بأمر الوحي . 
أَمْ كُنتُمْ شُهَدَاء إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِن بَعْدِي قَالُواْ نَعْبُدُ إِلَـهَكَ وَإِلَـهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَـهاً وَاحِداً وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ{133}
يعقوب (ع) فعل كما فعل ابراهيم (ع) , فجمع اولاده , سائلا اياهم عما سيعبدون من بعده , فأجابوه بما يرتضيه , بعضهم عن ايمان , والبعض الاخر , كان جوابه ارضاءا له ( كنوع من انواع المجاملة ) , واخبروه بأنهم مسلمون , ان سؤال يعقوب (ع) لبنيه كان بمثابة الوصية , بأسلوب اخر , وايضا لاتمام للحجة عليهم . 
تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُم مَّا كَسَبْتُمْ وَلاَ تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ{134}
فيوجه الله عز وجل كلامه لليهود , ويخبرهم ان تلك الامة , امة الاسلام قد سبقتكم , لها حسناتها و عليها سيئاتها , وانتم كذلك , ولا يسأل احد عن اعمال غيره او يتحمل احد ذنوب الاخرين , او تذهب حسناتهم لغيرهم , فلكل عمله , ان كان خيرا فخير , وان كان شرا فشر . 
الملفت للنظر , ان الله عز وجل يبين لليهود , ان محمد (ص) لم يأت بدين جديد , بل جاء احياءا لدين اجدادهم ابراهيم واسماعيل ويعقوب واسحاق (ع) , بعد ان طمسته وحرفته الايادي , وحفظه اولاد ابراهيم (ع) من العرب , وتوارثوه ابا عن جد , لذا فهم احق الناس بالنبوة من غيرهم . 
وَقَالُواْ كُونُواْ هُوداً أَوْ نَصَارَى تَهْتَدُواْ قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ{135}     
تمادى اليهود والنصارى , وازدادوا حنقا وغيضا , كون النبي الذي وجدوه مكتوبا عندهم قد ظهر في امة العرب , خلافا لما توقعوا , ان يكون من بينهم , فهاجوا وماجوا , وابتدعوا , وادعى اليهود ان الهدى لا يكون الا لمن كان يهوديا , وادعى النصارى ان الهدى لا يكون الا لمن كان نصرانيا , فيوحي الله عز وجل لنبيه الكريم محمد (ص) ليذكرهم بملة ابراهيم (ع) , فيدعم بها موقف الاسلام , الذي يمثل الهدى الحقيقي , لمن اراد ان يهتدي . 
قُولُواْ آمَنَّا بِاللّهِ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمْ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ{136}
يخاطبهم عز وجل , بل قولوا آمنا بالله وما انزل الى ابراهيم واسماعيل ويعقوب والاسباط وما اوتي موسى وعيسى وكافة النبيين , وهو الاسلام , فيجب عليهم اتباعه . 
كما ويؤكد الله عز وجل لليهود , ان الاسلام ليس مقتصرا على محمد (ص) فقط , بل كافة الانبياء الذين يؤمن بهم بني اسرائيل , وكافة الانبياء الذين يؤمن بهم النصارى , جميعهم كانوا مسلمين , على ملة ابراهيم (ع) .
فَإِنْ آمَنُواْ بِمِثْلِ مَا آمَنتُم بِهِ فَقَدِ اهْتَدَواْ وَّإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ{137} 
يخاطب الله عز وجل النبي محمد (ص) وكافة المسلمين , ان كان اليهود والنصارى قد آمنوا بما آمنتم به , فقد اهتدوا الى طريق الحق , وان كفروا , فهم في ضلال . 
يؤكد عز وجل على ان اليهود والنصارى سيضمرون شرا للاسلام والمسلمين , فيطمئن الله عز وجل النبي (ص) وكافة المسلمين , بأنه عز وجل سيكفي المسلمين شرهم , وسينصر الاسلام عليهم , وفي ذلك وعد آلهي ! .  
صِبْغَةَ اللّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللّهِ صِبْغَةً وَنَحْنُ لَهُ عَابِدونَ{138}
يصف الباري عز وجل الاسلام بأنه ( صبغة الله ) , فأي شيء افضل من تلك الصبغة ! , واحيانا يصفها عز وجل بـ ( فطرة الله ) , فألزموها يا مسلمين , وحافظوا واعكفوا عليها . 
قُلْ أَتُحَآجُّونَنَا فِي اللّهِ وَهُوَ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ وَلَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُخْلِصُونَ{139}    
يخاطب الباري عز وجل نبيه الكريم (ص) , ويبلغه قل لهم ( اهل الكتاب ) اتجادلوننا في عبادة الله , رب العالمين , ربنا وربكم , شئتم ام ابيتم , لنا اعمالنا ولكم اعمالكم , الا اننا قد اخلصنا له العبادة والاعمال . 
أَمْ تَقُولُونَ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأسْبَاطَ كَانُواْ هُوداً أَوْ نَصَارَى قُلْ أَأَنتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللّهُ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن كَتَمَ شَهَادَةً عِندَهُ مِنَ اللّهِ وَمَا اللّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ{140}
ويستمر الخطاب منه تعالى للنبي الكريم (ص) , ان يخبر اليهود , انكم تدعون ان ابراهيم واسماعيل واسحاق ويعقوب والاسباط كانوا يهودا , ويخبر النصارى انكم تدعون ان إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأسْبَاطَ  كانوا نصارى , فمن اعلم انتم اعلم ام الله ؟ ! . 
وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن كَتَمَ شَهَادَةً عِندَهُ مِنَ اللّهِ وَمَا اللّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ , وفي هذه الاية الكريمة دلالة واضحة على ان اليهود والنصارى كانوا يعلمون ان ابراهيم واسماعيل واسحاق ويعقوب والاسباط كانوا مسلمين , فكتموا ذلك , كي لا يكون دليلا للمسلمين ضدهم , وما الله بغافل عما يكتمون . 

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


حيدر الحد راوي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2011/10/23



كتابة تعليق لموضوع : تأملات في القران الكريم ح14
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net