صفحة الكاتب : صدى النجف

نقد مذهب جون لوك في نظرية المعرفة ( انحصار المعرفة في ادراك التوافق والتنافر بين افكارنا ) : تقرير بحث اية الله السيد مرتضى الشيرازي (النجف الاشرف) 1436 هـ *
صدى النجف

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.


لوك** : المعرفة تنحصر في إدراك التوافق والتنافر بين أفكارنا

يذهب لوك في فلسفته المعرفية إلى تحجيم المعرفة وضغط حدودها بشكل غير طبيعي. فقد ذهب إلى ("المعرفة فيما يبدو ليست إلا إدراك الارتباط والتوافق أو الاختلاف والتنافر بين أفكارنا، وفي هذا وحده تقوم المعرفة، وحيث يكون هذا الإدراك، تكون المعرفة وحيث لا يكون الإدراك... لا تكون المعرفة. فحين نعرف أن الأسود ليس أبيض لا ندرك شيئاً أكثر من أن هاتين الفكرتين (فكرتي الأسود والأبيض) لا تتوافقان. وحين نعرف... أن الزوايا الثلاث لمثلث تساوي زاويتين قائمتين، لا ندرك شيئاً أكثر من أن المساواة لزاويتين قائمتين تتفق بالضرورة مع ولا تنفصل عن الزوايا الثلاث للمثلث (1) (2) .
المناقشات : ولكن هذا الرأي يعاني من الثغرات والإشكالات التالية:
إدراك نوع الارتباط إضافة إلى إدراك أصله
1- ان العقل يدرك إضافة إلى أصل الارتباط والتوافق أو الاختلاف والتنافر بين أفكارنا، يدرك أيضاً نوع الارتباط أو الاختلاف؛ لذا نجده يدرك ان ارتباط زيد بعمرو في نوعيته هو ارتباط صداقة أو ارتباط قرابة أو ارتباط زمالة عمل كما يدرك مثلاً ارتباط هذه المرأة أو تلك به برباط الزوجية أو برباط الأمومة أو رباط الصداقة فقط، كما يدرك ان ارتباط زيد بهذا الشيء هو ارتباط (الملكية) أو هو ارتباط (حق الاختصاص) أو غير ذلك، كما يدرك ان الارتباط هو مجرد ارتباط التعاقب أو ارتباط العِلّية أو يرفض ذلك.
إدراك وجود الله، وليس علاقة بين فكرتين
2- اننا ندرك وجود الله تعالى، وقد اعترف لوك بانه ليس إدراكاً لعلاقة بين فكرتين قال ( "د" الوجود الحقيقي Real Existence والنوع الأخير من التوافق أو عدم التوافق بين الأفكار هو "الوجود الحقيقي" مثل "الله موجود" وهذا يختلف عن الأنواع الثلاثة المتقدمة في أنه لا يعبر عن علاقة بين فكرتين. فإذا قلنا "الله موجود" فإن القضية لا تعبر عن علاقة بين فكرة الله وفكرة الوجود، ذلك لأن الوجود ليس صفة يمكن أن تحمل على موضوع) (3) .
وعلى أية حال فيبدو انه استثناء من قاعدته العامة، وعليه: فكان عليه ان يستثني إدراكنا لوجود أنفسنا بل وإدراكنا لوجود أي شيء آخر؛ لنفس دليله الذي استدل به (فإذا قلنا الله موجود...) فنقول: وكذلك (إذا قلنا الجدار موجود فان القضية لا تعبر عن علاقة بين فكرة الجدار وفكرة الوجود ذلك لأن الوجود ليس صفة يمكن ان تحمل على موضوع).
على انه يرد عليه النقض فيما لو قلنا (الله خالق) والخالقية من صفات الفعل بل و(الله عالم) والعلم من صفات الذات فانهما فكرتان. نعم الحق ان صفاته تعالى عين ذاته.
إدراك أفكار الاحساس، وليست علاقة بين فكرتين
3- بل وينقض كلامه هذا، بأفكار الاحساس البسيطة التي اعترف بها (فأما الافكار البسيطة فهي الأفكار التي تدخل العقل عن طريق الحواس بصورة "بسيطة وغير ممتزجة مع غيرها، فهي الأفكار التي تقدمها إلينا الحواس. والتي لا يمكن تحليلها إلى أفكار مختلفة"(4). مثل البرودة والصلابة في قطعة الجليد والبياض في الزئبقة، ورائحة زهرة وطعم السكر. والأفكار البسيطة هي المواد الأولية للمعرفة كلها وتأتي إلى العقل عن طريق الإحساس والتأمل)(5)
ولذا نجد انه يعود فيثلِّث الأقسام بعد ان وحّدها فيقسمها إلى المعرفة الحدسية والمعرفية البرهانية والمعرفة الحسية، قال: (وتنقسم المعرفة من هذه الناحية إلى أنواع ثلاثة:
أ- المعرفة الحدسية Intutitive Knowledge وهي المعرفة التي يحصل عليها العقل نتيجة إدراكه ما بين الأفكار من توافق أو عدم توافق مباشرة وبدون تدخل أية فكرة(6). وفي هذه الحالة يدرك العقل صدق المعرفة مباشرة كما يدرك البصر الضوء. وعلى هذا النحو يعرف العقل أن الأبيض ليس أسود، وأن الدائرة ليست مثلثاً وثلاثة أكثر من اثنين، وتساوي واحداً واثنين)(7)
وقال : (ب – المعرفة البرهانية Demonstrative Knowledge وهي المعرفة التي يحصل عليها العقل حين يدرك ما بين فكرتين من توافق أو عدم توافق لا بصورة مباشرة بل بتوسط أفكار أخرى. فحين يتعسر على العقل مقارنة فكرتين بسبب تباعدهما فإنه يستعين بأفكار أخرى تساعده على اكتشاف ما بينهما من توافق أو عدم توافق وهذا ما ندعوه بالاستدلال(8) Reasoning. فمثلاً إذا أراد العقل أن يعرف المساواة أو عدم المساواة بين زوايا مثلث وبين زاويتين قائمتين فإنه لا يستطيع مقارنة هاتين الفكرتين مباشرة، فلا يستطيع أن يحصل على معرفة حسية عن العلاقة بينهما... ولذلك يستعين بزوايا أخرى مساوية لزوايتين قائمتين من جهة ولزوايا المثلث من جهة أخرى، وبذلك يعرف أن زوايا المثلث تساوي زاويتين قائمتين)(9)
وقال : (ج – المعرفة الحسية Sensitive Knowledge وهي المعرفة التي يحصل عليها العقل عن الأشياء الجزئية في الخارج. يقول لوك "إن الفكرة التي تأتينا من جسم خارجي موجودة في عقولنا بصورة أكيدة وتؤلف معرفة حدسية(10). أما إن كان هناك شيء أكثر من تلك الفكرة في عقولنا، أو إن كان في مستطاعنا أن نستنتج وجود أي شيء خارجنا يناظر تلك الفكرة، فموضع تساؤل عند بعض الناس، لأنه قد يحصل الناس على مثل هذه الأفكار في عقولهم دون أن يكون هناك شيء ودون أن يؤثر شيء كهذا في حواسهم"(11)
وبعبارة أخرى ان كلامه هذا (المعرفة فيما يبدو ليست إلا ادراك الارتباط والتوافق أو الاختلاف والتنافر بين أفكارنا) يناقض موقفه الآخر ("إننا نجد اختلافاً بيناً بين الفكرة التي تنبعث في عقولنا بواسطة الذاكرة والفكرة التي تأتي إلى عقولنا بالفعل بواسطة الحواس، على نحو ما نجد اختلافاً بين فكرتين متميزتين.."(12) وإن زعم امرؤ أن كل الأفكار تنشأ في العقل بدون الأجسام الخارجية فلا اختلاف بين الأفكار التي تأتي – فيما يرى البعض – إلى العقل بواسطة الحواس والأفكار التي تتولد في العقل بواسطة الذاكرة، فإنه ينبغي أن لا يعتقد بوجود اختلاف بين أن يكون في النار بالفعل وبين أن يكون في النار في الحلم. عليه يضيف لوك هذا النوع من المعرفة عن وجود الأجسام الخارجية إلى النوعين الآخرين. فهناك إذن درجات ثلاث من المعرفة: الحدسية والبرهانية والحسية، ولكل منها درجات مختلفة من اليقين والوضوح(13))
والتناقض بين الكلامين واضح فان الإذعان بحقانية الفكرة التي تأتي إلى عقولنا بواسطة الحواس ليس من مفردات (إدراك الارتباط والتوافق أو الاختلاف والتنافر بين أفكارنا) بوضوح بل انها إدراك التوافق بين فكرتنا وبين ما جاءت به الحواس إلينا وبين الواقع الخارجي. فتدبر جيداً
إدراك التنافر والتوافق أو صانعية العقل
4- ان مدعاة هذا(14) ينقضه – كما أوضحناه سابقاً - ما ذهب إليه من صنع العقل لبعض الأفكار قال (ثانياً: ان أفكارنا المركبة – ما عدا أفكارنا عن الجواهر – أي الأحوال والعلاقات تطابق موضوعاتها، لأنها نماذج من صنع العقل ذاته ولم يكن القصد منها أن تكون نسخاً لأشياء، ولا أن تشير إلى أشياء تعتبر أصولها، ولذلك فلا تفتقر إلى المطابقة الضرورية للمعرفة الحقيقية، فإن ما لم يقصد به أن يمثل شيئاً عدا ذاته، لا يمكن أن يطابق شيئاً آخر، بل ولا يمكن أن يضللنا إلى فهم حقيقي لأي شيء بسبب ما بينهما من اختلاف(15). ولذلك فهي حقيقية.
وكل أفكارنا عن الحقائق الرياضية والأخلاقية هي من هذا النوع. ففكرتنا عن الحقيقة الرياضية أن زوايا المثلث الداخلية تساوي قائمتين حقيقية تطابق النموذج الموجود عن المثلث في العقل رغم أنها قد لا تشير إلى أي مثلث في الواقع)(16).
التنافر أو التوافق بين فكرتين أو فكرة وواقع أو واقعين
5- ان الاختلاف والتنافر أو التوافق يكون تارة بين الأفكار – وهو الذي اعتبر المعرفة منحصرة به – لكنها تارة تكون بين الحقائق المفّكر فيها لا الأفكار أي بين الحقائق نفسها، وأخرى تكون بين الفكرة والواقع فالأقسام ثلاثة إذاً.
وبعبارة أخرى: للفكرة بما هي فكرة ذهنية أحكام، وللفكرة بما هي مشيرة إلى مداليلها أي بما هي منسوبة للواقع أحكام أخرى، وللمداليل بما هي حقائق واقعية أحكام مغايرة تماماً.
فمثلاً: النار كفكرة ذهنية أي كصورة أو كلمة منطبعة في الذهن لا تحرق(17)، لكنها بما هي ترمز إلى النار الخارجية مرآة للشيء المحرق، ولا تزال حتى بهذا اللحاظ غير محرقة – واما النار الخارجية – وهي المدلول المشار إليه بذاته – فهي المحرقة.
وبعبارة أخرى: النار بالحمل الذاتي الأولي أمر وبالحمل الشائع الصناعي أمر آخر ثم انها بالحمل الشائع على قسمين: بالحمل الشائع بلحاظ الوجود الذهني وبالحمل الشائع بلحاظ الوجود العيني 
ولنتدبر الأفكار التالية: فان فكرة الوجود والعدم والنور والظلام والعلم والجهل:
أ- من حيث هي بالحمل الشائع الصناعي موجودة في الذهن أي ذات وجود ذهني فانها متساوية الأحكام والاقدام، إذ حتى (العدم) كمفهوم فانه موجود بوجود ذهني كما ان الوجود موجود بوجود ذهني.
ب – ومن حيث هي هي بالحمل الذاتي الأولي فان كل واحد منها هو هو، ولا مجال حتى لنسبة فكرة إلى فكرة أخرى في هذا العالم أي عالم الحمل الذاتي الأولي، فانه لا مجال للاغيار في عالم الذوات، ولذا لا يجري حتى التناقض وأحكامه في عالم الذوات، بل إنما يجري في عالم الوجودات.
ج – ومن حيث هي مرائي لما في الخارج أي لحاظها بما هي مقيسه ومنسوبه للخارج أو لحاظها بالقياس إلى الخارج ليشمل مثل العدم، أي من حيث ان هذه الألفاظ مجرد مرائي وجسور انتقلنا منها إلى عالم الخارج وأردنا ان نبحث عن صفاتها وأحكامها وتحققها فيه وعدمه، فانها ههنا متنافرة متناقضة. لكن آليا لا استقلالياً. فتفكر جيداً
د- هذا كله إضافة إلى ان للوجود والعلم وما أشبه وجوداً خارجياً، عكس العدم والجهل وما أشبه فيناقض الوجود الخارجي عدمه ويضاد أو يماثل هذا الوجود ذلك الوجود الآخر، وهكذا فتدبر جيداً.
ولا يتوهم اتحاد النار كفكرة ذهنية مجردة وكفكرة مرآتية للخارج، من حيث الأحكام وذلك لأن كلتا هاتين النارين وإن لم تحرقا لكنها مختلفتان في بعض الأحكام الأخرى فمثلاً (النار شبّت في المنزل) كصورة ذهنية مجردة ولنفترضها في تمرين اللغة أو النحو أو القراءة والكتابة، فانها لا تبعث أحداً على الفرار أو على المسارعة لأجهزة اطفاء الحريق لاطفائها عكس: (النار شبت في المنزل) كمرآة لحدث خارجي فانها تدفع السامع للفرار أو المواجهة المتسارعة(18).
ومن ذلك نعرف ان المعرفة على ثلاثة أقسام:
أ- إدراك التوافق أو الاختلاف بين أفكارنا(19) – وهو ما ذكره.
ب- إدراك التوافق أو الاختلاف بين المفكر فيها – وهو ما لم يذكره.
ج- إدراك التوافق أو الاختلاف بين الفكرة والواقع وهو المعبر عنه بالمطابقة واللامطابقة والصدق والكذب أو الخطأ والصواب باعتبارات عديدة، ولم يذكره أيضاً.
وعن هذا القسم قال تعالى: (وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ) ومختلف الآيات المصدّرة بـ(اعلموا) أو (لتعلموا) أو نظائرها.
وعن القسم السابق قال تعالى: (بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ)(20)
وعن القسم الأول قال تعالى: (نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ) إذ المعرفة هذه متضادة بعد الإيمان بمبدأ الجميع، كما قال عن هذا القسم (وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً)(21).
فهذه أقسام ثلاثة، والآن:
لنتدبر في النماذج التالية، وهي من أنواع مختلفة فتدبر جيداً:
1- محبة زيد لعمرو وبالعكس، فان هاتين الفكرتين ليستا من حيث هما مفهومان متنافران أو متعاندان، لكن: بما هما مرآتان للواقع فانهما قد تكونان متصادقتين أو متعاندتين لكن آلياً لا استقلالياً كما انهما في الواقع الخارجي قد تكونان متعاندتين كما لو كان كلما أحب زيدٌ عمرواً أكثر نفر منه عمرو وأبغضه أكثر! عكس محبة زيد لعمرو وبغضه له في الوقت نفسه فان الفكرتين هما بما هما هما متضادتان.
2- التفكير في أمر وعدم التفكير فيه، فانهما متناقضان مع اجتماع شرائط التناقض.
3- التفكير في أمر والتفكير في ضده كالتفكير في الحلاوة والحموضة أو السواد والبياض، فان المفكر فيهما متضادان أما التفكيران أي الفكرتان بما هما فمختلفتان وليستا متضادتين، بل قد يقال ان الحرارة والبرودة مثلاً بما هما أمران خارجيان مفكر فيهما متنافران لكنهما بما هما فكرتان لا تنافر بينهما بل يجتمعان ويتصاحبان مع قطع النظر عن مدلولهما، فحالهما كحال البرودة والجدار أو حتى البرودة والبرودة من حيث هما مجرد فكرتين مع قطع النظر عن مدلولهما الخارجي نعم بما هما مرآتان متنافران آلياً كما سبق.
4- التفكير في ان الأربعة زائداً أربعة تساوي ثمانية مع التفكير في انها تساوي تسعة فان الفكرة الأولى غلط لا تطابق الواقع والمفكر فيهما متضادان والفكرتان بما هما مرآتان للواقع أيضاً متضادتان بل بما هما فكرتان أيضاً. فتأمل
وهذه الدوائر الأربعة من الشواهد تختلف من حيث ان بعضها من دائرة التصورات وبعضها من دائرة التصديقات، كما تختلف من حيث ان بعضها صرف تصور مجرد وبعضها تصور مضاف (مما يشكل شبه جملة) فلاحظ الفوارق على ضوء ذلك.
مغالطة لوك: مبدأ الذاتية والتناقض معلول لفكرة توافق الأفكار واختلافها
وقع لوك في مغالطة غريبة في هذا المبحث (مبحث التوافق والتخالف بين الأفكار) حيث قلب المعادلة الواقعية فحوّل السبب إلى مسبب والمعلول إلى علة.
فحسب رأي لوك فانه: (ويقع التوافق أو عدم التوافق بين الأفكار في أنواع أربعة هي:
أ‌- الذاتية أو الاختلاف Identity of Diversity إن أول فعل يقوم به العقل حين يحصل على أحاسيسه أو أفكاره، هو أنه يدرك أفكاره... فيدرك أن كل فكرة هي ذاتها وأنها تختلف عن غيرها من الأفكار مثل "الأزرق ليس أصفر". هذا النوع من الإدراك ضروري بصورة مطلقة ولولاه لامتنعت المعرفة والاستدلال والتفكير وسائر العمليات العقلية الأخرى. بكلمة أخرى، لو لم تكن الأفكار ثابتة ومتميزة إلى حد ما، لأصبحت المعرفة مستحيلة. فالعقل يدرك بوضوح وصدق بأن كل فكرة تتفق مع ذاتها وأنها تختلف عن أية فكرة أخرى. وهكذا يحصل العقل على معرفة قضايا مثل مبدأ الذاتية "كل ما هو هو"، ومبدأ التناقض "من المحال أن يكون شيء واحد بذاته وأن لا يكون". وهذه المعرفة يقينية ولكنها تكرارية أو فيما يقول لوك تافهة)(22).
المناقشات : أقول: يعاني كلامه هذا من الثغرات والإشكالات التالية:
1- فان العقل لأنه أدرك مبدأ التناقض ومبدأ الذاتية أدرك ان كل فكرة تتفق مع ذاتها وانها تختلف عن أية فكرة أخرى، لا العكس كما زعمه، وذلك لوضوح ان (كل فكرة تتفق مع ذاتها وتختلف عن أية فكرة أخرى) هي من نتائج القاعدة الكلية: (من المحال ان يكون شيء واحد بذاته وان لا يكون) و(كل ما هو هو) فانه إذا لم نؤمن بهذين المبدأين لما أمكننا القول بـ(كل فكرة تتفق مع ذاتها وتختلف عن أية فكرة أخرى) ولما أضحت المعرفة ممكنة أبداً. فتأمل؛ فان الأصح ان (كل فكرة تتفق...) هي من صغريات القاعدة الكلية لا من نتائجها ولا العكس ولذا لا يصح قوله (وهكذا يحصل العقل...) هذا في عالم الثبوت واما في عالم الإثبات فكما يمكن الانتقال من الجزئي إلى الكلي يمكن الانتقال من الكلي إلى الجزئي، والظاهر – بالنظر إلى الارتكاز – هو الثاني.
لا يمكن ان يكون ما هو أساس المعارف كلها، تافها
2- قوله (وهذه المعرفة يقينية ولكنها تكرارية أو تافهة) غير صحيح لأن هذه المعرفة هي أساس كل المعارف وقد اعترف بذلك هو (هذا النوع من الإدراك ضروري بصورة مطلقة ولولاه لامتنعت المعرفة والاستدلال والتفكير وسائر العمليات العقلية الأخرى) فكيف تكون تافهة؟ نعم هي تكرارية لكنها كتكرار طلوع الشمس كل يوم والذي لولاه لاختلت الحياة كلها جميعاً!
هذه المعرفة هي المعرفة الفطرية التي انكرها!
3- ان هذه المعرفة هي المعرفة الفطرية التي أنكرها، لكنه ها هو يعود ليعترف بها لكن تحت مسمى آخر هو إدراك التوافق أو اللاتوافق بين الأفكار!
وقد أسماها شارحه نقلاً عنه بالمعرفة الحدسية (23) ((أولاً: ان المعرفة الحدسية التي تقوم على إدراك ما بين الأفكار من علاقة ذاتية أو اختلاف تمتد إلى الأفكار ذاتها، والعقل يدرك بالحدس أن كل فكرة عنده هي ما هي وأنها تختلف عن كل فكرة أخرى) فقد ابدل (والعقل يدرك بالفطرة ان كل فكرة عنده...) إلى (والعقل يدرك بالحدس...)!
وللبحث تتمة .
الهوامش 
____________

* هذه تقريرات درس السيد الشيرازي في العقائد (بحث خارج) في النجف الاشرف ليومي السبت والاحد 6 – 7 ذو القعدة 1436هـ
** جون لوك : (29 أغسطس 1632 - 28 أكتوبر 1704) فيلسوف تجريبي ومفكر سياسي إنجليزي وتعد نظريته المعرفية مُدخلا فلسفيا .
(1) Essay, IV, 1, 2, p. 225.
(2) الفلسفة الحديثة ص171.
(3) الفلسفة الحديثة ص172.
(4) Ibid. P. 116.
(5) الفلسفة الحديثة ص158.
(6) Essay, IV,2,1,P,228.
(7) الفلسفة الحديثة ص172.
(8) Essay, IV, 2, 1, p. 230.
(9) الفلسفة الحديثة ص173.
(10) الظاهر انها خطأ مطبعي، والصحيح هو (حسية).
(11) Ibid. p. 231.
(12) Ibid. p. 232.
(13) الفلسفة الحديثة ص174-175.
(14) إذ قال (المعرفة فيما يبدو ليست إلا إدراك الارتباط والتوافق...)
(15) Ibid.IV. 4. 4.,p.254.
(16) الفلسفة الحديثة: ص179.
(17) كما لو فكرنا في النار بالحمل الذاتي الأولي.
(18) اما واقع اشتعال النار في المنزل فانه لا يبعث أحداً على الفرار أو على التصدي لاطفائها، مادام لم يعلم به! فالباعث هو العلم بالحدث لا وجوده الواقعي!
(19) وهذا على قسمين: أفكارنا بما هي، وأفكارنا بما هي مرآئي وعواكس للواقع. فتدبر
(20) الأنبياء: 18.
(21) النساء: 82.
(22) الفلسفة الحديثة ص171.
(23) الفلسفة الحديثة: ص176.
مدونة صدى النجف
 


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


صدى النجف
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2017/10/05



كتابة تعليق لموضوع : نقد مذهب جون لوك في نظرية المعرفة ( انحصار المعرفة في ادراك التوافق والتنافر بين افكارنا ) : تقرير بحث اية الله السيد مرتضى الشيرازي (النجف الاشرف) 1436 هـ *
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net