صفحة الكاتب : الشيخ علي عيسى الزواد

الاحاديث الضعيفة سندا
الشيخ علي عيسى الزواد

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله الواحد الأحد الفرد الصمد الذي علّم الإنسان ما لم يعلم، والصلاة والسلام على المبعوث للعالمين المصطفى الأمجد المحمود الأحمد، وعلى آله الطيبين الطاهرين المعصومين... وبعد:

لقد شاع في هذه الأزمنة المتأخرة ردّ الخبر والاستهانة به لمجرد وقوع بعض المجهولين أو الضعفاء في سند الرواية،حتى انجر البعض إلى التفكير بما يسمى بتنقيح كتب الأحاديث واستخراج الأحاديث المعتبرة سنداً وترك تدوين غيرها، ووصل هذا النوع من التداول إلى ألسنة العوام فاستهوته نفوسهم ومالت عقولهم الضعيفة إليه.

فأرادوا أن يكون لشيعة أهل البيت (عليهم السلام) كما للمخالفين من صحيح بخاري وغيره، وكأنّ المخالفين فعلوا خيراً لم يفعله شيعة الحق، وبقيت عند المرضى أو الجهّال حسرة وأمنية الإقتداء بمن خالف الحق واتبع الباطل، وهم يعلمون أنّ أعلام الطائفة بذلوا الغالي والنفيس في سبيل حفظ تلك الأحاديث عن أهل بيت العصمة والطهارة، متقربين بذلك إلى الله تعالى مع علمهم التام بأنّ ما جمعوه من أحاديث فيه الصحيح وغيره، فلم يكن حفّاظ الحق وناصروه في غفلة أو عدم دين أو جهل حتّى يأتي المتطفلون على أحاديث أهل البيت (عليهم السلام) ويرفعون رايةً كأنّهم أصحاب الفتح الذي لم يسبقهم إليه أحد، ووجدوا أنّ هذا يستهوي ضعاف العقول والجهّال من أبناء الطائفة.

مع العلم بأنّ ما يُسمّى بالصحاح عند مخالفينا لو راجعت أسانيدهم، لوجدت بعض الذين رووا عنهم لا يمكن أن يسلموا من الجرح حتّى على مبانيهم وأصولهم.

ثُمّ مَن هم هؤلاء حتّى يخوضوا في تصحيح أو تضعيف الأخبار؟! وهم ليسوا مِن أهل هذه الصنعة وليسوا من أعلام هذه الأمة، وهم لا يعرفون القواعد الصحيحة والمناهج العلمية والطرق السليمة لتصحيح الأخبار والتمييز بين أسنادها. ورحم الله من عرف قدر نفسه فوقف عندها. 

والبعض الداعي له إلى اتخاذ هذا المنهج، وسلوك هذه الطريقة هو أنه غير قادر على مواجهة المخالفين ببعض الروايات، كما أنّ بعضهم الداعي له هو وجود مرض في قلبه يدعوه إلى إنكار أمر، فتشبّث بضعف سند ما دلّ على ذلك الأمر، كما أنّ المبرر لبعضهم هو جهله بما عليه الطائفة الحقة المحقة. فكان لزاماً علينا أن نوضح هذا الجانب الخطير - كما سيأتي - للذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه. فأقول وعلى الله تعالى أتّكل وبه أستعين.

السُنّة: هي قول المعصوم أو فعله أو تقريره.

والخبر يطلق على كلام غير المعصوم الحاكي عن السنة الصادرة عن المعصوم ويرادفه الحديث. 

ومما لا شك فيه أن السنة المطهرة المشتملة على الأحاديث المروية عن النبي (صلى الله عليه وآله) والأئمة الأطهار (عليهم السلام)، تعتبر المصدر الرئيسي من بين مصادر التشريع الإسلامي بعد القرآن الكريم ، إذ أن أكثر الأحكام الشرعية تستفاد من الأخبار النبوية والروايات عن الأئمة الهداة (عليهم السلام)، ومن هنا عكف علماؤنا الأعلام على تصنيف تلك الأخبار، وتحديد موارد أصنافها التي يُتمسّك بها، ويُعمل على طبقها.

واختلف العلماء في ما هو الحجّة من الخبر اختلافاً كثيراً، وبسبب ذلك الإختلاف قد يكون خبر عند فقيه غير معتبر، وعند آخر يكون نفس ذلك الحديث معتبراً ومقبولاً والعكس صحيح.

ولقد نشأ علما الدراية والرجال اللذان يبحثان عن سند الروايات، ويتم من خلالهما تحديد الضوابط التي يُقبل فيها الخبر.

ومن تلك الأصناف الخبر الضعيف، الذي قد يكون في سنده إرسال أو قطع، أو يكون بعض رجاله مجهولين أو ضُعفاء، وغير ذلك من الإعتبارات التي لا تجعله في مصافّ الخبر الصحيح والحسن والموثّق.

والخبر الضعيف سندا ليس عديم الفائدة بل فله فوائد جمة منها:

الأول: في المستحبات:

اشتهر بين فقهائنا العمل بالأخبار الضعيفة سندا في المستحبات، وهذا ما يُسمى بالتسامح في أدلة السنن.

الثاني: الشهرة:

هناك روايات ضعيفة السند ولكن مشهور المتقدمين تلقاها بالقبول وعمل بها، بل في بعض الموارد في مقابل تلك الروايات روايات صحيحة السند أعرض عنها مشهور المتقدمين مع قربهم من زمان الأئمة (عليهم السلام)، ولذا ذهب مشهور المتأخرين إلى أنّ تلك الشهرة جابرة للخبر الضعيف وموهنة للخبر الصحيح.

الثالث: في المستفيض والمتواتر:

إنّ تحقق الاستفاضة والتواتر لا يُشترط فيهما صحة السند، بل يمكن تحقق كل من الاستفاضة والتواتر بالأخبار الضعيفة السند إذا تضافرت الروايات ووصلت لحد التواتر أو الاستفاضة.

الرابع: المحفوف بالقرينة:

الخبر الضعيف سنداً إذا احتف بالقرينة، فإنّ تلك القرينة توجب الاطمئنان بصدور الخبر، بل قد تفيدنا القطع بصدوره.

والقرينة منها ما هو قرينة داخلية ومنها ما هو خارجية:

القرينة الخارجية:

من القرائن الخارجية وجود ما يؤيد الذي عندنا في مرويات العامة، مع أن مضمون الخبر يُخالف ما هم عليه من الضلال والانحراف، كبعض ما روي عندهم في ما أصاب الزهراء عليها السلام، فإنّه لو فرضنا أنّ الرواية الواردة عندنا ضعيفة السند، إلاّ أنّ وجودها عندهم قرينة على صدور ما عندنا من الرواية المفروضة الضعف، لأنّ نقلهم لها مع كونها مخالفة لاعتقادهم وحجة عليهم قرينة قويّة على الصدور.

القرينة الداخلية: 

من القرائن الداخلية علو المضمون الذي لا يصدر إلا عن أهل بيت العصمة والطهارة صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين.

قال السيد الخوئي في مصباح الفقاهة ج 1 ص 268:

>ولا إشكال في جواز ارتزاق القاضي من بيت المال في الجملة كما هو المشهور. لأنّ بيت المال معد لمصالح المسلمين والقضاء من مهماتها. ولما كتبه علي أمير المؤمنين (عليه السلام) إلى مالك الاشتر في عهد طويل فقد ذكر (عليه السلام) فيه صفات القاضي ثم قال: (وأفسح له في البذل ما يزيل علته، وتقل معه حاجته إلى الناس ). والعهد وإن نقل مرسلا إلا أن آثار الصدق منه لائحة، كما لا يخفى للناظر إليه<.

الخامس: مضمون الخبر:

بعض الأخبار الضعيفة السند مشتملة على مضمون صحيح كالإستدلال على أمر، وقد يخفى علينا هذا الدليل لولا وجوده في مثل هذه الرواية وإن كانت ضعيفة السند.

عن محمد بن حماد عن أخيه احمد بن حماد عن إبراهيم عن أبيه عن أبي الحسن الأول (عليه السلام) قال: - في حديث – >إن الله تعالى يقول في كتابه: وَلَوْ أَنَّ قُرْآناً سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الأرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتَى بَلْ لِلَّهِ الأمْرُ جَمِيعاً}، وقد ورثنا هذا القرآن، ففيه ما يقطع به الجبال ويقطع المداين به ويحيى به الموتى ونحن نعرف الماء تحت الهواء وان في كتاب الله لآيات ما يراد بها أمر إلى أن يأذن الله به، مع ما فيه إذن الله، فما كتبه للماضين جعله الله في أم الكتاب، إن الله يقول في كتابه: وَمَا مِنْ غَائِبَةٍ فِي السَّمَاءِ وَالأرْضِ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ ثم قال: ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فنحن الذين اصطفانا الله فورثنا هذا الذي فيه تبيان كل شيء<.

فإنّ هذا الخبر لو فرضنا أنّه ضعيف السند إلاّ أنَّه يشتمل على استدلال قرآني واضح المعنى قوي الحجة ولولا أمثال هذه الروايات لما اهتدينا إلى مثل هذه الاستدلالات ولما حصلنا على مثل هذه المعارف.

السادس: الأحاديث يفسّر بعضها بعضاً:

بعض الأخبار تفسر بعض الأخبار، فعند وجود رواية وإن كانت صحيحة قد لا يظهر لنا معناها بصورة واضحة فتأتي الرواية الأخرى -وإن كانت ضعيفة السند- توضّح لنا المراد من الرواية الأولى.

فورد عنهم (عليهم السلام) شيعتنا هم العرب، وجاءت رواية أخرى فسّرت ذلك بالمعربين والمظهرين لولاية أهل البيت.

وكذلك ما ورد أنّه لو كان العلم في الثّريا لناله رجال من فارس، فوردت الرواية الأخرى التي تفسر هذه الرواية بالمتفرِّس، لقولهم (عليهم السلام): اتقوا فراسة المؤمن فإنّه ينظر بنور الله.

السابع: في المواعظ والسيرة:

إنّ من الفوائد الجليلة للخبر الضعيف أنّه يُثري الخطيب بالمواعظ والسِّيَر التاريخيّة، كما ينتفع به المؤمن عبرة وموعظة، ولو حذفنا كلّ الروايات الضعيفة لفقدت الموعظة مكانتها وتأثيرها في أغلب الأحيان، كما نفقد الكثير من العِبَر من سيرة السابقين التي لم تصلنا إلاّ بطريق ضعيف.

والمواعظ والعِبَر يُراد منها إيجاد التأثُر في قلب قارئها ومستمعها، كي ينعكس ذلك سلوكاً صالحاً وإيماناً راسخاً.

ولا يُقصد منها تحريم أو وجوب ولذا مهما كانت من الضعف بمكان فإنّها تُستعمل لتلك الآثار الجليلة، ما دامت تُحكى على أنّها رواية مروية عن أهل بيت العصمة (عليهم السلام).

نعم لا يصحّ أن ننقل ما عُلم أنّه موضوع ومُختلق، فما دامت الرواية لم تخرج من دائرة إمكان صدورها من المعصوم (عليه السلام) جاز نقلها والاستشهاد بها، واسستغلالها في التأثير والتأثُّر.

ومن هنا تجد تصريح العلماء الأعلام بتشييد مآتم العزاء على أبي عبد الله الحسين (عليه السلام)، سواء كان ما يُلقيه الخطيب من الروايات الضعيفة أم كانت تلك الروايات صحيحة السند، وممن انبرى لتوضيح هذا الأمر المرحوم المبرور المدافع عن الحق الذي لا تأخذه في الله لومة لائم آية الله العظمى الميرزا جواد التبريزي رحمه الله حيث وُجّه إليه السؤال:

>ما يذكره الخطباء على المنابر من وقائع الطف ويوم عاشوراء مما جرى على الإمام الحسين وأصحابه (عليهم السلام) . على أيِّ شيء يعتمدون في نقل الأحداث والقضايا التي جرت على سيد الشهداء وأهل بيته وأصحابه (عليهم السلام)؟<.

فأجاب قدّس سرّه:

>جملةٌ معتدٌّ بها مما جرى على سيد الشهداء وأصحابه (عليهم السلام) واردةٌ في أخبارنا عن أهل البيت (عليهم السلام). كيف؟ وأنَّ الإمامَ عليَّ بن الحسين (عليهما السلام) وزينبَ عقيلة بني هاشم (عليها السلام) وبعضَ العلويات الموجودات كانوا جميعاً شاهدين على تلك الوقايع، ووصلت إلينا أخبارُهم بطريق النقل عن أهل البيت (عليهم السلام).

وهذه الروايات إذا ضُمَّ بعضُها إلى بعض يُعلم منها مصائبٌ أخرى، كما روي أنَّ الحسينَ (عليه السلام) طلب من القوم الماءَ لولده الصغير، فيُعلم منه أنه لم يكن في الخيم ماءٌ ولا لأُمه لبن، فإنَّ لبنَ الأم للرضيع يُغنيه عن الماء، ولذا يُقال أنَّ أمَّه بعدما شربت الماء درَّ لبنُها، وكانت تنادي: يا ولدي، كما هو عادة الأم بالنسبة لولدها بعد فقدها إياه إذا درَّ لبنُها بثديها. ونظير هذه المصائب مما لا يُحصى ولا يُطيقها البشر المتعارف. فيُعلم من صبره (عليه السلام) وصبر أهل بيته (عليهم السلام) مقامُ سيد الشهداء ومقامُ أهل بيته وأصحابه (سلام الله عليهم أجمعين)<.

راجع البحث كاملا في رسالة في الخبر الضعيف:

http://alfeker.net/library.php?id=1748

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد واله الطاهرين.

علي زواد


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


الشيخ علي عيسى الزواد
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2017/09/25



كتابة تعليق لموضوع : الاحاديث الضعيفة سندا
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 

أحدث التعليقات إضافة (عدد : 1)


• (1) - كتب : عبدالله عبدالهادي ، في 2018/04/25 .

السلام عليكم، احسن الله اليك شيخنا العزيز وبارك الله في جهودك ، انا قرئت كتابك هذا منذوا اوائل صدروه وقد اعطيته لبعض المهتمين.. فلك حزيل الشكر على جهودك.. قبل سنة قد قرئت الكتاب بشكل كتاب صوتي ، ليس بافضل الامكانات، لكن بشكل لا بأس به، واريد ان انشره على اليوتيوب فاريد ان ااخذ الأذن منك، فهل يمكنكم اصحاب الموقع انباء الشيخ؟ والتواصل معي لاخذ الموافقة... عنواني في تويتر اذا دعت الحاجة @almerqal




حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net