صفحة الكاتب : جمعة عبد الله

رواية ( مقتل بائع الكتب ) تتحدث عن ازمة المثقف المحبط
جمعة عبد الله

دخلت الرواية العراقية في مرحلة جديدة , فتحت فيها افاق ومجالات , لم تكن مطروقة سابقاً في المتن الروائي . وهذا المدخل جديد , دخل مع دخول الغزاة المحتلين الامريكان , الذين عصفوا بالاوضاع العامة بهزات عنيفة بالفوضى والخراب , قلبت الاوضاع جذرياً نحو الاسوأ , نحو محطات الحطام العراقي والتفتت , الذي لم يشهد له مثيل من قبل . فقد احدثت هذه الاحداث , رجة عنيفة في الرواية العراقية , في الوضع الجديد , فأصبح المادة الانتاجية الاولى في الاعمال الروائية , في اكتشاف تشخصاته ورؤيته ومضامينه وتأثيره في تحطيم العراق , والتطرق لها من عدة اوجه وميادين , فكان انعكاس وقع الصدى في المعالجة والتعاطي والانعكاساته المدمرة , في الانفلات الامني والسياسي , وغياب دور الدولة كلياً . والتحكم في الشارع , القتلة والارهابيين والمجرمين , من الجماعات الدينية المتطرفة والطائفية والمليشيات والعصابات الجريمة الارهاب . مما جعلوا مصير المواطن , على كف عفريت مجنون , هذه مسارات الخراب والضياع , فقد برزت الرواية العراقية بالكم الهائل , صدى لهذه الاوضاع المأساوية , التي يتحكم بها القتل العشوائي , والسطو والاختطاف , والسرقات التي تحدث في وضح النهار , في غياب القوى الامنية , هذا الخراب الجديد الذي عصف في الوضع العراقي , تناولته بالاسهاب والتحليل , رواية ( مقتل بائع الكتب ) للكاتب الروائي ( سعد محمد رحيم ) . وتحدثت بعمق خرابه على الاوضاع العامة . في الخوف والفزع من الاقتناص بالقتل العشوائي , اضافة ان الرواية , في استرجاعاتها ( فلاش باك ) تناولت استقراء المراحل السياسية المتعاقبة في تاريخ العراق المعاصر . الذي حددته بالضبط بالاحداث الدامية في انقلاب البعث في شباط عام 1963 ,فقد فتحوا ابواب جهنم بحمامات الدماء والاعدامات بالجملة , وفتحوا السجون والمعتقلات لعشرات الالاف من المواطنين , وتحمل العبء الاكبر والاثقل والاصعب , اليسار العراقي الذي كان هدف لهذه التصفية الكلية , هدف الموت والسجن والتشرد . اضافة ان العراق منذ ذلك حين , وحتى الاحتلال الامريكي وما بعده , تتصاعد نسبة الهزات العنيفة والدموية , ومن الارهاب والمحاصرة السياسية الخانقة بالمحاصرة . هذه التحولات العاصفة , قادت الى تدمير البنية التحتية , الاجتماعية والسياسية . وتعمقت اكثر في الانقلاب الثاني للبعث عام 1968 , وختمها بالخراب الكلي , مجيء الغزو والاحتلال الامريكي , والاحداث العاصفة التي حدثت بعد الاحتلال , ولحد الآن , ولم يتوقف جريان الدم العراقي . هذه الاوضاع المعقدة , ثبطت عزيمة اليسار المثقف العراقي , بالاستلاب والانكسار , والانهيار الاحلام والاماني , في تحقيق غدٍ مشرقة للعراق , وزادت جراح اليسار بالتحطم المحبط . هو انهيار المعسكر الاشتراكي . وهذه الرواية ( مقتل بائع الكتب ) وبطلها ( محمود المرزوق ) . عاشر وعاصر هذه المراحل الدموية المتعاقبة , التي مرت في تاريخ العراق المعاصر . اي ما يناهز اكثر من الاربعين عاماً . منذ انقلاب البعث عام 1963 . فقد عاش الاحباط السياسي والعنف السياسي , والمطاردة والملاحقة والحصار . حتى اغتياله في شارع عام مزدحم بالناس في مدينة بعقوبة , وفي زمن الاحتلال الامريكي . اي اننا امام رواية فيها العنف السياسي , والحب , والاحداث العاصفة بالفوضى . ان الكاتب ( سعد محمد رحيم ) حشد كل الامكانيات والتقنيات في مسار المتن الروائي ومسار الحدث الروائي , بما فيها الاسلوب البوليسي , في التحري والتقصي , في عملية اغتيال بائع الكتب ( محمود المرزوق ) في ظروف غامضة وللاسباب المجهولة . كما وظف اسلوب اكثر من مدونة في المتن الروائي , من الرسائل والمراسلات المتبادلة , من المذكرات , فقد عثر على المذكرات القتيل , بعنوان مدونة ( يوميات الخراب العراقي ) , وهو يكتب مشاهداته اليومية من الخراب العاصف في ظل الاحتلال الامريكي , وكذلك الصور الفوتوغرافية , والى وسائل الاتصالات الهاتفية , الى شهادة النساء اللائي ارتبطن بعلاقة مع ( محمود المرزوق ) , الى الاستعانة بالشخصيات التي عاصرته في علاقتها عن قرب مع الضحية القتيل . لذلك كلف في المهمة , الصحفي ( ماجد بغدادي ) تحت اغراء الدفع المالي من شخصية ثرية . ان يقوم في تأليف كتاب عن السيرة الحياتية للقتيل ( محمود المرزوق ) وكذلك التحري والتقصي عن ظروف اغتياله الغامض , وهو رجل سبعيني يعاني من مشاكل صحية ويعيش في سرداب بناية عتيقة , عفن ومظلم في اكداس الكتب المبعثرة بالفوضى , وهذا المشروع الكتابي يكون تحت اشراف ومعاونة ( مصطفى كريم ) الذي يحضر ويهيء المستلزمات الضرورية للصحفي ( ماجد بغدادي ) حتى ينجز مشروعه الكتابي , بكتاب يطبع في ورق مصقول مدفوع الثمن من هذه الشخصية الثرية , كتاب السيرة الحياتية للقتل ( محمود المرزوق ) المثقف اليساري الماركسي , مهنته الرسم التشكيلي , وعشقه الولع للكتب والنساء والخمر

×× سيرة حياة محمود المرزوق بائع الكتب :

شباب في مقتبل العمر مغعم بالعنفوان والحيوية والاحلام اليسارية البراقة , لكنه غير ملتزم حزبياً . يتعرف على فتاة زميلته في الكلية ( غادة ) ويوعدها بالزواج , وتتم الخطوبة بموافقة عائلتها , وفي حمى تجهيزات ليوم الزواج الموعود , يحدث انقلاب شباط عام 1963 , ويسج في سجن قصر النهاية , كيساري خطير , ثم يرحل مع مئات السجناء العسكريين والسياسيين , يحشرون في قطار الموت , الكارثة المروعة , التي لولا فطنة وانسانية سائق قطار الموت ,لحدثت جريمة ومجزرة العصر بالموت والاختناق المئات من السجناء السياسيين . ثم انتهى بهم المطاف في ( نقرة السلمان ) . فقد دخلها وهو في عمر الخامس والعشرون , وخرخ منها وهو في الثلاثين من العمر . لكن لم يتوقف عهد الاضطهاد والارهاب والعنف السياسي , بعد مجيء سلطة البعث مجدداً في عام 1968 . في الملاحقات الامنية , حتى اضطر الى الاغتراب والخروج من العراق الى براغ ( جيكوسلوفاكيا سابقاً ) وتعرف هناك على فتاة روسية ( ناتاشا ) ولكن لسوء الحظ , كان يلاحقها الامن وزجها في السجن . وتتعرض الى معاملة قاسية بما فيها الاغتصاب الجنسي ثم الاعدام بعد ذلك , بسبب جريرة والدها المعدوم بتهمة المعاداة الاشتراكية , ولكن بعد سقوط النظام الاشتراكي , بحث عن ( ناتاشا ) وعرف بأنها حكم عليها بالاعدام . هذه العلاقة سببت له مضايقة من سلطات الامن , ونصحه بعض الاصدقاء بالهرب من براغ , قبل ان يقع في قبضة السلطات الامنية , ويزج في السجن والمصير المجهول , لذلك هرب الى باريس ( فرنسا ) وهناك من خلال مهنته بالرسم , تعرف على الموديل ( جانيت ) وارتبط بعلاقة حب معها . لكنه كان يشعر في داخل نفسه محطم ومكسور , وان احلامه اليسارية ذهبت ادراج الرياح . فكان يلوك الخيبة والقلق , حتى رجع الى العراق الى مدينته بعقوبة , وفتح مشروع مكتبة لبيع وشراء الكتب , لكن هذا المشروع فشل , في زمن الحصار والعزوف عن القراءة , وشراء الكتب . فأنتقل الى سرداب في بناية عتيقة , منحه عمه له , فكان السرداب يعج بفوضى الكتب المكدسة والرائحة العفنة وهو شبه مظلم , اتخذه مقراً لسكناه , واعتزل الحياة , حتى يوم اغتياله في شارع عام ووسط الناس , بمسدس كاتم الصوت , ومن تحريات الصحفي ( ماجد بغدادي ) ومن مصدر أمني , اخبره بأنه تم القبض على القاتل واعترف بجريمة قتل بائع الكتف , وهو لم يعرفه سابقاً , بل قام بعملية القتل , مقابل 300 دولار , ولكن المصيبة حسب المصدر الامني المذكور , بأن ( محمود المرزوق ) لم يكن مطلوباً وغير مدرج اسمه ضمن قائمة المستهدفين بالقتل , من المجموعات الارهابية والاجرامية , وانه قتل بالخطأ , لانه كان المستهدف شخص آخر , بالاغتيال المستهدف


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


جمعة عبد الله
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2017/08/24



كتابة تعليق لموضوع : رواية ( مقتل بائع الكتب ) تتحدث عن ازمة المثقف المحبط
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net