صفحة الكاتب : مصطفى الهادي

هل تؤيد الأناجيل الحالية ما ذهب إليه القرآن من عدم صلب المسيح ؟؟
مصطفى الهادي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
تأملات في قوله تعالى : (( بل شبّه لهم))
 
 توطئة مهمة . ملاحظات لم يلتفت إليها أحد من قبل .  
 
قبل البدء بأي حديث حول ما يُقال عنه أنه ((الإنجيل أو الأناجيل)) درست وتأملت الحالة النفسية لمن كتب الأناجيل فوجدت الأعاجيب التي لربما لم يلتفت إليها أحد قبلي . فوجدت بأن من دوّن هذه الأناجيل هم ممن تأثر بوظيفته أو عمله فترك ذلك اثرا على ما دونه أو أن بعضهم من العاميين الجهلة الأغبياء العديمي العلم بشهادة تلك الكتب . فتقول : ((فلما رأوا مجاهرة بطرس ويوحنا، ووجدوا أنهما إنسانان عديما العلم وعاميّان، تعجبوا ))  4 : 13 أعمال
 
وكاتب الرسائل الشهير بولص كان يصف نفسه بأنه غبي وعامي كما جاء في كورنثوس حيث يصف نفسه : ((ليتكم تحتملون غباوتي قليلا وان كنت عاميا في الكلام)) رسالة بولص إلى كورنثوس ا لثانية الإصحاح 11 : 1 ـ 8 .
 
وبقية كتبة الأناجيل انعكست شخصيتهم ومهنهم وأعمالهم على ما كتبوه من مذكرات. فأحدهم كان طبيبا فجاء انجيله مشحون بمعجزات شفاء المرضى وابراء الابرص والاعمى والمجنون والمصروع والعرج والمقعدين . فانعكست مهنته في ما دونه من مذكرات . 
 
واحد كتبة الاناجيل كان جابيا للضرائب فنرى إنجيله امتلأ بمسائل الاقتصاد والمال حيث أمر الناس فيه ان يعطوا الجزية لقيصر وأن يؤدوا ما عليهم من ضرائب للدولة ، ووضع ذلك على لسان السيد المسيح.
 
وكاتب آخر كان صيادا للسمك ، فامتلأ إنجيله بمسائل الجوعى ومعجزات اطعام آلاف الجائعين من ((سمكتين)) حيث اعتبر ذلك معجزة للمسيح ، فصائد الأسماك هذا لم يتخلى عن عقليته حتى في تدوينه لمذكراته فرغب أن يُخلّد مهنته فجعل الاسماك من معاجز المسيح الكبرى.
 
والكاتب الآخر كان خمّارا يبيع الخمر في أحد الحانات ، فنرى تاثير ذلك على إنجيله حيث نرى معجزة صنع عيسى لسبع أجران من الخمر الصافي المعتق الذي أعجب القائد الروماني فقال : لماذا تقدمون الخمر الردئ في بداية ا لحفل وتتركون الخمر الجيدة إلى آخر الحفل . وهذا الخمار حاول أن يُخلّد مهنته فجعل معجزة السيد المسيح الكبرى صنعه لسبع أجران من الخمر وأنه في ليلة الوداع سقى تلاميذه الخمر ضاربا مثلا بدمه .
 
 
ويوحنا كان معبرا للأحلام . فجاء كتابه قطعة واحدة على شكل رؤيا رآها في المنام ودونها بعشرات الأوراق فأعتمدها الجماعة على أنها كتاب مقدس موحى به من قبل الروح القدس عن طريق المنامات . 
 
وبولص شاول صاحب أكبر الأناجيل إنما كان يكتب رسائل إلى اصدقائه في المدن البعيدة فجاء القوم وجمعوها على أنها إنجيلا خامسا مقدسا ، ولا أدري أين يذهبون بقول بولس الذي يوصي به صديقه بأن يجلب معه ملابسه التي نساها فيقول : وسلام يا صديقي وأن لا تنسى أن تمر على اخي وتجلب معك ملابسي التي نسيتها عنده القميص والازار والثوب والحذاء. فجعلوا ذلك إنجيلا موحى به من قبل الله !   
 
زه زه لهذه الأناجيل المقدسة .  
 
وهكذا كانت هذه الكتب انعكاسا لنفسية كتّابها وتركت تأثيرا بينا فاضحا عليها وكل ذلك نتيجة الغباء والأمية والعامية والمهن والوظائف .
 
 
 
أفمن هذا الحديث تعجبون وتضحكون ولا تبكون وانتم سامدون. سورة النجم آية 59 
 
البحث 
لا لم يُصلب السيد المسيح هذا رأي لم أذهب إليه أنا وحدي بل الكثير ممن سبق وقال بذلك من لدن اختفاء السيد المسيح وإلى هذا اليوم . ولنا تساءل في ذلك إذا نقول فيه : إذا كانت حادثة صلب المسيح - كما يعتبرها النصارى - أحد أهم أعمد التخطيط الإلهي وأن مصير غفران خطايا البشرية والمصالحة مع  الله يتوقف عليها لتتم فصول الرواية التي كتبها الله تعالى منذ ان خلق مسيحه من أجل ذلك ، حادثة بهذه الأهمية كان ولابد وأن يتحدث عنها الأنبياء في أسفارهم،أو على الأقل أتفاق من كتب عن هذه الحادثة المهمة وأعني بهم كتبة الكتب الأربعة في مذكراتهم فحتى هؤلاء لم يتفقوا فيما بينهم على شكل واحد للرواية فمنهم من ذكرها بصورة مضطربة ومنهم من بتر منها اجزاءا ومنهم من انكرها كليا (1). هامش 1- لم يتفق من كتب مذكرات المسيح فيما يُسمونه الأناجيل الأربعة عل كيفية ظهور المسيح بعد صلبه ودفنه وقيامته . فقد اختلفوا في مسألة لمن ظهر السيد المسيح ؟ فقد اتفق مرقص ومتى على أن الظهور كان للتلاميذ في الجليل .ولكن لوقا ويوحنا جعلا أن الظهور كان في أورشليم. مرقص ويوحنا جعلوا الظهور لإثنين من عابري السبيل المسافرين إلى قرية عمواس التي تبعد عن أورشليم (60 غلوة)!والغلوة الواحدة طبقا للمسافات التي قدرها كوجلر ) Kugler(  تساوي 124 كيلو متر. اختلافات عملية الظهور راجع إنجيل متى الإصحاح 28 : 9 ، 17.  و مرقص الاصحاح 16 : 9 ، 14 . و يوحنا 20 : 13 ولوقا 24 : 13 ، 43 . اقرأ واعجب هل اتفق هؤلاء على رأي واحد ؟   
 
هذا التباين المريع والاختلاف الفاضح دفع النصارى إلى البحث عن بديل آخر فلجأوا إلى التوارة بما فيها من هنات وزلات فزعموا أن داود تنبأ في مزاميره بعملية الصلب ثم اخذوا يجولون في انحاء التوراة باحثين ومنقبين يلوون النصوص ليا عجيبا لكي تتلائم مع ما يذهبون إليه وطيلة قرون متمادية اخفوا كتبهم عن متناول يد الناس لكي لا تتضح الحقيقة حتى أحكموا ما يُريدونه ثم ابرزوا تلك الكتب إلى العيان وإذا فيها من التخبط ما يُذهل لب كل عاقل فزعموا أن للأسفار التوراتية دور عظيم في مسألة كشف معميات قضية صلب المسيح، فقد أكثر كتبة الأناجيل في هذه القصة من الإحالة إلى أسفار التوراة؛ التي يرونها تتنبأ بالمسيح المصلوب، ولكننا بعد الكشف على النصوص التي يزعمون أنها تذكر قضية الصلب رأيناها تؤكد شيء آخر إلا وهو نجاة المسيح من الصلب ـ هذا إذا كان المسيح هو المقصود ـ  وليس صلبه كما سترى. فمن خلال جميع النصوص التي ذكروها نرى أن السيد المسيح عندما علم بالمؤامرة وأنهم قادمون لألقاء القبض عليه  تألم لذلك الخبر وارتاع وخاف ، فقام يطلب من الله ويدعوه أن يصرف هذه المؤامرة عنه، حيث دعا الله بلجاجة وحرارة أن ينجيه منها بحيث يؤكد لنا المشهد عدم علم المسيح بعملية صلبه ، ويصور لنا (متى) حال المسيح وشدة ضراعته لله ، فيقول: ((جاء معهم يسوع إلى ضيعة يقال لها جثسيماني، فقال للتلاميذ: اجلسوا ههنا حتى أمضي وأصلّي هناك، ثم أخذ معه بطرس وابني زبدي، وابتدأ يحزن ويكتئب، فقال لهم: نفسي حزينة جداً حتى الموت، امكثوا ههنا واسهروا معي، ثم تقدم قليلاً وخرّ على وجهه، وكان يصلّي قائلاً: يا أبتاه إن أمكن فلتعبر عني هذه الكأس، ولكن ليس كما أريد أنا، بل كما تريد أنت، ثم جاء إلى التلاميذ فوجدهم نياماً.. فمضى أيضاً ثانية، وصلّى قائلاً: يا أبتاه إن لم يمكن أن تعبر عني هذه الكأس، إلا إن أشربها، فلتكن مشيئتك، ثم جاء فوجدهم أيضاً نياماً، إذ كانت أعينهم ثقيلة، فتركهم، ومضى أيضاً، وصلّى ثالثة قائلاً ذلك الكلام بعينه)). ( متى 26/36 -40)
ويصف (لوقا) المشهد ولكنه يختلف في الوصف، فيقول: ((وإذ كان في جهاد؛ كان يصلي بأشد لجاجة، وصار عرقه كقطرات دم نازلة على الأرض )) .لوقا 22/44 
 
فالمسلمون مصدقون بهذا الدعاء الطويل والأدعية من مختصاتهم وهي وسيلتهم لجلب الدعم والتأييد الإلهي، وهذا هو حال الصالحين جميعاً حين يتعرضون للأهوال والشدائد، فلا يجدون ناصراً يلجؤون إليه إلا الله تعالى  وقد ضرب لنا ا لقرآن أمثلة لذلك في كل الأنبياء حين تنزل بهم الشدائد وتحيط بهم الأهوال كقول أيوب : رب مسني الضر  وأدعية إبراهيم . ودعاء موسى ولعل أشهرها عندنا هو دعاء أم داود وتضرع عيسى وأدعية محمد صلوات الله عليهم أجمعين. ومن هنا نرى بولص وهو من المتأخرين عن زمن المسيح يؤكد مسألة نجاة السيد المسيح من الموت فيقول : وقد أجاب الله دعاء عبده المسيح فصرف عنه كأس ((الموت الذي في أيام جسده، إذ قدّم بصراخ شديد ودموع طلباتٍ وتضرعات للقادر أن يخلصه من الموت، وسُمع له من أجل تقواه))(عبرانيين 5/7). 
 
 
فقد استجاب الله تعالى لعبده عندما طلب منه أن تعبر عنه هذه الكأس فأنقذه الله منهم . 
 
 ولكن وعلى ما يبدو أنه لم تنفع حتى النصوص المزعومة من التوراة التي زعموا أنها تؤيد صلب السيد المسيح ، ولكن تبين أنها تؤكد مسألة نجاة المسيح وإليك نصين منها.
 
جاء في مزامير داود : ((الآن عرفت أن الرب مخلص مسيحه، يستجيبه من سماء قدسه، بجبروت خلاص يمينه، هؤلاء بالمركبات وهؤلاء بالخيل، أما نحن: فاسم الرب إلهنا نذكره هم جثوا وسقطوا، أما نحن: فقمنا وانتصبنا، يارب: خلص، ليستجيب لنا الملك في يوم دعائنا )). المزمور 20/1 - 9 
 
وفي المزمور الواحد والتسعين ((أرفعه لأنه عرف اسمي، يدعوني فأستجيب له، معه أنا في الضيق، أنقذه وأمجده )) .المزمور 91/14  
 
 فهل يوجد أوضح من هذه النصوص الدالة على نجاة السيد المسيح وليس هلاكه ؟
 
لم يكن القرآن بعيدا عن الفهم الحقيقي لقضية السيد المسيح عليه وعلى أمه افضل التحية والسلام وخصوصا فيما يتعلق بأهم قضية فيها وهي مسألة هل صلب السيد المسيح شخصيا ، أو حل شخص مكانه ، فالإنجيل والقرآن يتفقان على أن الذي صلب ليس السيد المسيح بل شخص تطوع بطلب من السيد المسيح نفسه ومن هنا وصف إنجيل متى هذه العملية بأن الذين جاؤوا لاعتقال السيد المسيح استعانوا بدليل ليدلهم عليهم ، وهذا يعني أنهم اصابتهم الشبهة فيمن اعدموا وانهم عندما علموا فيما بعد أن السيد المسيح نجا بمعجزة إليهة  عمدوا إلى سرقة الجثة من القبر ثم اختلقوا قضية قيامته من الموت ومن ثم الزعم بأنه أرتفع إلى السماء من بين تلاميذه وذلك لانتشار معجزة أرتفاعه إلى السماء في حين أنهم اشاعوا مسألة اعدامه للناس فما كان منهم إلا سرقة الجثة كما اسلفنا ومن ثم إعلان قيامته لتبرير عملية طيرانه للسماء . كل ذلك لكي يضعوا أولى ملامح التحريف في الديانة المسيحية والتشويش عليها لأن الدين الجديد اخذ بالانتشار يضاف إلى ذلك أن العهد القديم لا يعطي رؤية واضحة كما يزعمون لكل ما يتعلق بالسيد المسيح وإنما وجدوا نصوصا سحبوا معناها لتؤيد ما يزعمونه وإلا لم يرد إسم يحدد لنا معالم تلك الشخصية كما فعل القرآن مثلا. 
 
القرآن لم يذهب بعيدا عن الكتب الأربعة للنصارى المتداولة الآن ولو كان الإنجيل الصحيح موجودا لما رأينا القرآن يختلف في قضية السيد المسيح . 
 
الشبهة او الشك الحاصل في شخصية السيد المسيح لم ينفرد بها القرآن ، بل أن كتب مذكرات التلاميذ الأربعة اكدت وجود هذه الشبهة وان الذين ارادوا قتل المسيح لم يعرفوه وإنما استعانوا بدليل من أقرب الناس للمسيح ذلك هو تلميذه يهوذا الاسخريوطي . طبعا وهذا يعكس عظيم الظلم الذي لاقاه وعانا منه السيد المسيح على ايدي اليهود ، فإذا كان المسيح حتى ذلك الوقت مجهولا ولا يعرفه أحد بالشكل فتلك طامة كبرى ومصيبة ما بعدها مصيبة ، فأين ذهبت تلك السنوات الثلاث في التبليغ خصوصا وإننا نرى النصوص تؤكد لنا بأن السيد المسيح كان يشن الغارات على الهيكل ليقلب طاولات ا لصيارفة ويحارب الربا ويُبلغ الناس برسالته وأن الناس استقبلوه بأن يفرشوا ملابسهم تحت حوافر حمارته أو اتانه أو جحشه ـ طبعا اختلفوا في هذه أيضا ـ وكذلك النصوص تذكر عمليات شفائه ومعجزاته التي بهرت كل الناس وكذلك إيمان الألوف به واطعامه الآلاف من كسرة خبز واحد . كل ذلك يذكرونه ويكتبونه،  وإذا بنص إنجيل متى يفاجأنا بأن لا أحد يعرف السيد المسيح وإنما يستعينون بدليل ليدل عليه كما سترى ستقرا. 
 
فماذا يقول النص تعال معي وانظر بعينيك وليس بعيني غيرك كما يفعل النصارى حيث ينسخون ما يكتبه الغير ويلصقونه في ردودهم عليك . 
 
يقول متى في إنجيله :
((وفيما هو يتكلم اذا يهوذا واحد من الاثني عشر قد جاء ومعه جمع كثير بسيوف وعصي من عند رؤساء الكهنة وشيوخ الشعب. والذي اسلمه اعطاهم علامة قائلا الذي اقبله هو هو.امسكوه. فللوقت تقدم الى يسوع وقال السلام يا سيدي.وقبله .حينئذ تقدموا والقوا الايادي على يسوع وامسكوه)) أنظر متى الإصحاح 26 : 47 
 
فإذا كان اليهود وهذا الجمع الكثير وشيوخ الشعب والكنهة كلهم لا يعرفون يسوع حتى استعانوا بدليل يعرفه جيدا ومن أخص تلاميذه والصقهم به فلماذا نلوم القرآن عندما يقول : 
 
وما قتلوه وما صلبوه ولكن شبه لهم وان الذين اختلفوا فيه لفي شك منه ما لهم به من علم الا اتباع الظن . سورة النساء آية:157
 
هل رأيت عزيزي القارئ المحترم كيف أن القرآن يقول ان هؤلاء لم يكونوا يعرفون المسيح وليس لهم به علم إلا اتباع الظن بل شبه لهم. وهذا القول لا يخرج عن قول متى في أن كل هذه الحشود مع رؤساء الكهنة وشيوخ الشعب والجنود الرومان لم يعرفوه حتى استعانوا بدليل.
 
عدم معرفة الناس للمسيح جاء بناءا على وصية السيد المسيح نفسه التي يذكرها الإنجيل حيث أن السيد المسيح عندما يسمع أحد تلاميذه يقول له انه المسيح كان ينتهره ويأمره بعدم قول ذلك واشاعته ومن هنا فلم يكن أحد يعرف السيد الميسح وهذا القول جاء على لسان السيد المسيح : (( فقال لهم وأنتم من تقولون أني أنا فأجاب بطرس وقال له أنت المسيح . فانتهرهم كي لا يقولوا لأحد عنه ))  إنجيل مرقص الإصحاح 8 : 29. 
 
ولا ندري أين نذهب بالنص القائل بأن عشرات  الألوف استقبلوه عند دخوله إلى أورشليم راكبا على حمارته حيث فرشوا له أرديتهم وأقبيتهم وسعف النخيل ويلوحون له بأغصان الزيتون وهم يهتفون له . كيف نجمع بين هذا النص وبين النص الذي نرى فيه السيد المسيح يأمر خلص اتباعه بعدم اذاعة امره واشاعة سره ؟! 
 
وهناك رأي لي في هذه المسألة وهو أن النص يوحي لنا بأنه لربما أن يهوذا كذب عليهم وحاول تضليلهم عندما اعطاهم علامة قائلا لهم الذي اقبّله القوا الأيادي عليه . فما يدرينا أن يكون يهوذا قد ضحى من أجل انقاذ سيده فوضع يده على شخص آخر فيه شبه من السيد الميسح خصوصا وأن النص يخبرنا بأنهم لا يعرفون المسيح، فألقوا القبض عليه بدلا من المسيح واعدم . هذا الاحتمال وارد أولا تحت قول متى في أن كل تلك الحشود لم تكن تعرف السيد المسيح هذا أولا . 
 
والثاني الحركة الغريبة التي قام بها يهوذا الاسخريوطي وهي أنه ذهب برجله إلى اليهود طالبا منهن التعاون معهم مقابل ثمن ليدلهم على السيد المسيح مع أن يهوذا لم يكن على خلاف مع المسيح فهو من تلاميذه المخلصين وصاحب أمانة وكان المسيح يثق به ، فإننا لا نجد تفسيرا لتصرفه هذا إلا أن تكون المسألة مبيّتة بينه وبين السيد المسيح وهذا ما سوف تراه . فإن لم يكن الأمر هكذا ، فهذا يعني أن يهوذا الاسخريوطي غير مشمول بغفران الخطايا لأنه تسبب في قتل انسان برئ ولازال المسيحيون إلى يوم الناس هذه يتمسكون بأن يهوذا كان مجرما نال جزاءه وانه غير مغفور له ولايزال النص الذي أورده متى  يلاحق يهوذا ويحكم عليه بالهلاك وعدم غفران الخطايا : ((فقد قال عنه الرب ويل لذلك الرجل الذي به يسلم ابن الإنسان , كان خيراً لذلك الرجل لو لم يولد)) متى 26 : 24
 
فإذا كان كذلك فهذا لا يستقيم مع فدائية يسوع المسيح للتكفير عن خطايا البشر حيث انه جاء ليكفر الخطايا عن الجميع فلماذا استثني يهوذا من ذلك ؟ مع أن يهوذا كان أداة التخطيط الإلهي التي استخدمها تعالى لقتل ابنه الوحيد فلولا يهوذا لما كان للتخطيط الإلهي أن ينجح ولا لعقيدة غفران الخطايا أن تكون.   وأنا أميل إلى الرأي الأول بقوة ، من أن يهوذا وبتدبير من السيد المسيح اتفقا على ذلك وصور يهوذا نفسه خائنا من أجل انقاذ سيده ، وأن الذي أعدم مكان السيد المسيح نال الشهادة والجنة كما تنقل لنا رواية سنذكرها فيما يأتي . 
 
وما هو الغريب في هذه المسألة أن يضحي أحد خلص تلاميذ المسيح من أجل سيده لينال الشهادة بذلك خصوصا إذا عرفنا أن مبدأ الشهادة وارد عند النصارى فهذا استفانوس الذي نال الشهادة على يد بولص رجما ورضخا بالحجارة ولم يتنازل عن مبادئ السيد المسيح ولازالوا إلى هذا اليوم يطلقون عليه الشهيد استفانوس.  
 
مع الطبري في روايته .
 
جاء في تفسير الطبري طبعا الراوي وهب ابن منبه وكان من كبار علماء النصارى الذين أسلموا حاله حال كعب الأحبار كبير أحبار اليهود ولذلك فإن الرواية التي يرويها وهب بن منبه تعتبر رواية مهمة جدا إذا عرفنا موقع الرجل في الديانة المسيحية وتضلعه بأمور كتابه المقدس. 
 
نقل لنا الطبري قال :حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا يعقوب القميّ, عن هارون بن عنترة, عن وهب بن منبه, قال: أتـى عيسى ومعه سبعة عشر من الـحواريـين فـي بـيت, وأحاطوا بهم, فلـما دخـلوا علـيهم قال عيسى لأصحابه: من يشتري نفسه منكم الـيوم بـالـجنة؟ فقال رجل منهم: أنا. فخرج إلـيهم فقال: أنا عيسى , فأخذوه فقتلوه وصلبوه. فمن ثمّ شُبّه لهم وظنوا أنهم قد قتلوا عيسى, وظنت النصارى مثل ذلك أنه عيسى, ورفع الله عيسى من يومه ذلك.. 
 
طبعا الرواية طويلة ولكننا اختصرناها وكما قلنا فإن الراوي هو من علماء النصارى الذين اسلموا وهو وهب ابن منبه يضاف إلى ذلك فإن وهب يقول بأن الله القى على جميع التلاميذ شبه عيسى . وهذا يعني أن جميع تلاميذه حاولوا فداءه بأنفسهم فأدعوا بأنهم المسيح فضاعت على اليهود حقيقة عيسى ولما تقدم يهوذا الشهيد وقال بأنه هو السيد المسيح اعتقلوه وقتلوه . هذا ما ذكره وهب في روايته . ومن هنا نرى عدم حضور يهوذا مع التلاميذ على الجبل لما ارتفع السيد المسيح ، فكان اختفاءه علامة على صدق هذا الاحتمال أما القول بأنه خان سيده فهذا يكذبه الاختلاف المريع في كيفية خيانته وكيفية موته . 
 
تصرف السيد المسيح بعد اعدام شبيهه يدلنا على أن القضية مدبرة بين المسيح وتلاميذه حيث أن المسيح بعد أن رحل يهوذا جمع تلاميذه الأحد عشر وقال أنه لا ينبغي أن يكون احد عشر حواريا بل لابد أن يتم العدد إثنا عشر ولذلك نرى سفر أعمال الرسل يذكر حادثة انتخاب حواري جديد بدلا من يهوذا الشهيد فماذا يقول لنا سفر أعمل الرسل ؟
 
يقول سفر أعمال الرسل وقد انتخب الحواريون بدلاً من يهوذا تنفيذاً لهذا الأمر يوسف ومتياس، وأقرعوا بينهما، فوقعت القرعة علي متياس، فحسبوه مكملاً للأحد عشر رسولاً. انظر أعمال 1/23 - 26  إذن من رواية وهب هذه ، ورواية متى المذكورة آنفا ورواية سفر أعمال الرسل ورواية القرآن يتأكد لنا القول ((بالشبهة)) التي وقعت في مسالة قتل السيد المسيح ويتأكد لنا بأن من جاؤوا لقتل السيد المسيح لم يكونوا يعرفونه على الرغم من عددهم الكبير وشخصياتهم الدينية والعشائرية والعسكرية إلا أنهم شبه لهم في أمره ولذلك استعانوا بدليل ليدلهم عليه.
 
ولو سألنا  النصارى عن أقوى دليل لديهم من الإنجيل عن أن السيد الميسح هو الذي صُلب . لرأيناهم يقولون بأنه قد أنبأ بموته وأخبر عن ذلك . فتسألهم أين فيقولون في إنجيل متى حيث أخبر اليهود الفريسيين والكتبة بما ينوون أن يقوموا به وأنبأهم بذلك كما في النص : ((حينئذ اجاب قوم من الكتبة والفريسيين قائلين يا معلم نريد ان نرى منك اية.فاجاب وقال لهم جيل شرير وفاسق يطلب اية ولا تعطى له اية الا اية يونان النبي. لانه كما كان يونان في بطن الحوت ثلاثة ايام وثلاث ليال هكذا يكون ابن الانسان في قلب الارض ثلاثة ايام وثلاث ليال))  إنجيل متى الإصحاح 12 :38
 
طبعا أن طلب الكتبة والفريسيين هنا طلب مشروع جدا حيث أنهم يُريدون أن يتثبتوا من أن هذا الشخص هو مرسل من قبل الله تعالى وليس مدعيا .إذن عليه أن يقدم لهم آية أو دليل تثبت ذلك . ولكننا نرى السيد المسيح يقابلهم بأقذع الشتائم فيصفهم بأنهم : جيل شرير وفاسق .
 
ولكن مع ذلك فإن السيد المسيح هنا يعطيهم هذه الآية وهي أنه قال لهم بأنه سوف يكون مثل يونان النبي (يونس) الذي مكث في بطن الحوت ثلاث ثم خرج حيا ، فإنه سوف يكون مثله ثلاث أيام وثلاث ليال !! في بطن الأرض ثم يخرج حيا .
 
ولكن مصيبة هذه الأناجيل أنها تناقض نفسها بشكل مريع ، حيث نرى في نص مرقص ينفي كون المسيح أوعدهم بآية وأن المسيح قال بأن هذا الجيل لا يرى آية !! فانظر إلى النص واحكم أنت ايها القارئ : ((فخرج الفريسيون وابتداوا يحاورونه طالبين منه اية من السماء لكي يجربوه.فتنهد بروحه وقال لماذا يطلب هذا الجيل اية.الحق اقول لكم لن يعطى هذا الجيل اية)) . إنجيل مرقص الإصحاح 8 : 11.
 
فأي النصين أولى بالتصديق أيها المسيحيون ؟ نص يصف  السائلين بأنهم جيل شرير وفاسق ومع ذلك سوف يعطيهم النبي آية . ونص يرفع كلمة جيل شرير وفاسق وينفي أن يكون المسيح قد أوعدهم بآية وينفي على لسان السيد المسيح نفسه بأن هذا الجيل لا يرى آية . 
 
فأين قولكم بأن السيد المسيح اخبر الناس بموته وانه مثل النبي يونس سوف يمكث في بطن الأرض ثلاث أيام وثلاث ليال ويخرج ، ومع ذلك لو سلمنا جدلا بصحة النص ، فإن عيسى بقى في بطن الأرض يوم وليلة لأنه دفن ليلة السبت وقام يوم الأحد صباحا. خلاصة الكلام . أن السيد المسيح عليه وعلى امه السلام لم يُصلب لأنه جاء برسالة وقد أكملها على أتم وجه ثم ذهب إلى ربه وهذا القول ليس من عندنا بل قول السيد المسيح نفسه كما في إنجيل يوحنا حيث يقول : (( أنا مجدتك على الأرض، العمل الذي أعطيتني لأعمل قد أكملته والآن مجدني أيها الآب))إنجيل يوحنا الإصحاح 4:17-6
 
فماذا بعد الحق إلا الضلال . 

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


مصطفى الهادي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2011/10/05



كتابة تعليق لموضوع : هل تؤيد الأناجيل الحالية ما ذهب إليه القرآن من عدم صلب المسيح ؟؟
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net