تاملات في القرآن الكريم ح12
حيدر الحد راوي

سورة البقرة

وَقَالَ الَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ لَوْلاَ يُكَلِّمُنَا اللّهُ أَوْ تَأْتِينَا آيَةٌ كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِم مِّثْلَ قَوْلِهِمْ تَشَابَهَتْ قُلُوبُهُمْ قَدْ بَيَّنَّا الآيَاتِ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ{118} إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيراً وَنَذِيراً وَلاَ تُسْأَلُ عَنْ أَصْحَابِ الْجَحِيمِ{119} وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءهُم بَعْدَ الَّذِي جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللّهِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ{120} الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاَوَتِهِ أُوْلَـئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمن يَكْفُرْ بِهِ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ{121} يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُواْ نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ{122} وَاتَّقُواْ يَوْماً لاَّ تَجْزِي نَفْسٌ عَن نَّفْسٍ شَيْئاً وَلاَ يُقْبَلُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلاَ تَنفَعُهَا شَفَاعَةٌ وَلاَ هُمْ يُنصَرُونَ{123}

يقترح جهلة العرب على النبي محمد (ص) , ان يكلمهم الله عز وجل , ويخبرهم بأنه حقا ربهم , خالق السموات والارض , وان محمدا عبده ورسوله , و طلبوا آية , غير ما آتى به النبي (ص) .

العرب كانوا منغمسين في الجهل والوثنية , ولا دراية لهم بأمور الانبياء الا النزر اليسير , فمن المحتمل ان اليهود والنصارى كانت لهم اليد في تلك الطلبات , فقد طلب اجدادهم ذلك من انبياءهم . 

لكن قوله تعالى (تَشَابَهَتْ قُلُوبُهُمْ ) قد يبعد  اتهام اليهود , او قد يؤكد عليها ! . 

إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيراً وَنَذِيراً وَلاَ تُسْأَلُ عَنْ أَصْحَابِ الْجَحِيمِ{119}

ردا على طلبات اهل الجهل من العرب , يخاطب الحق تعالى نبيه (ص) , والكلام موجه اليهم , ان النبي محمد (ص) مرسل من قبله تعالى , مبشرا للمؤمنين , بما ينتظرهم من ثواب , و منذرا للكافرين , لما ينتظرهم من عقاب , (وَلاَ تُسْأَلُ عَنْ أَصْحَابِ الْجَحِيمِ ) 

َلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءهُم بَعْدَ الَّذِي جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللّهِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ{120}

كعادة القرآن الكريم , يخاطب النبي (ص) والكلام موجه لعامة المسلمين , ( اياك اعني واسمعي يا جارة ) , فمن غير المعقول ان يتبع النبي (ص) ملتهم بعد ما جاءه من العلم والوحي , ولا يمكن ان يفكر النبي (ص) في ذلك قطعا , انما الكلام موجه لبعض المسلمين الذين مالت قلوبهم نحو اليهود والنصارى , وتأثروا بأفكارهم . 

الجدير بالاشارة , ان اليهود لن ترضى بكافة الاديان لا النصرانية ولا الاسلام ولا غير ذلك من اديان , الا من يعتنق اليهودية , ويحمل افكارها , كذلك النصارى لا يقبلون الا من كان نصرانيا , ويرفضون من كان غير ذلك . 

نجد اليهود يضمرون اشد العداء للاسلام واهله خاصة , دون غيرهم من الاديان والشعوب , وذلك لاسباب عديدة , لسنا بصددها , اهمها , ان الاسلام يسير وفقا الى خطوط  تتقاطع مع خطوط مسار اليهود وافكارهم , في حين ان بعض الاديان الاخرى تسير وفقا الى خطوط تتوازي مع الخط اليهودي , فيكون الاسلام العدو الاول لليهود .

الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاَوَتِهِ أُوْلَـئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمن يَكْفُرْ بِهِ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ{121}

يروي القرآن الكريم , ان اليهود كانوا قسمين , الاول , يهود يتلون الكتاب حق تلاوته , ويؤمنون بالرسل والانبياء , ومن جملتهم النبي محمد (ص) , ولم يحرفوه , او يبدلوه , اويغيروا سننه واحكامه , وربما كانوا الاقلية من اليهود , او الاقل نفوذا في مجتمعهم  , والثاني , هم الذين كفروا به , فحرفوه , وغيروا وبدلوا فيه , وربما كان هؤلاء الاكثرية , او الاكثر نفوذا .

يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُواْ نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ{122}  

خطاب موجه لبني اسرائيل كافة , يذكرهم الباري عز وجل بنعمه عليهم ,وانه عز وجل قد فضلهم على كافة الناس في زمانهم , وذلك بكثرة الانبياء منهم , والايات الباهرات , وغير ذلك الكثير . 

فأي نعمه عندما يفضل الباري عز وجل قوما على قوم , ويجعل منهم الانبياء والرسل , وتنزل عليهم الكتب السماوية , بلغتهم , دون غيرهم من الاقوام المجاورة ! . 

وَاتَّقُواْ يَوْماً لاَّ تَجْزِي نَفْسٌ عَن نَّفْسٍ شَيْئاً وَلاَ يُقْبَلُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلاَ تَنفَعُهَا شَفَاعَةٌ وَلاَ هُمْ يُنصَرُونَ{123}

ذكر الحق تعالى بني اسرائيل , بعد ان بين لهم تفضيلهم على غيرهم من الشعوب , واحذروا يوم القيامة , وما فيه من اهوال عظام , وامور جسام , حيث لا ينفع في درئها لا الاموال ولا البنون , ولا يسلم من شرها ذوي الجاه العظيم , الا من اتى الله بقلب سليم . 

المتأمل يقف عند كلام الحق عز وجل مع خلقه , فقد كلم عز وجل عبده موسى (ع) , حتى دعي كليم الله , وكلم حبيبه محمد (ص) في معراجه , عندما كان قاب قوسين او ادنى , ويقف عند البشير محمد (ص) , حيث سيجد المتأمل عطائا ثرا في شخصيته الكريمة الطاهرة , وينظر المتأمل في ملل ونحل الشعوب , فيقلب عاداتهم وطقوسهم , فيختار ازكاها , واطهرها , ويمعن المتأمل النظر في امر بني اسرائيل , فيجد في قصصهم وحكاياهم وما جرى عليهم لعبرة لاولى الالباب , حيث ينتهي به المطاف عند يوم القيامة , وما فيه من اهوال , فيبحث عن انصار , يعينوه عليها , فالمرء وحده لا يستطيع درئها عن نفسه , فيبدء البحث عنهم من هذه اللحظة , وفي الحياة قبل الممات , في الحياة يكمن سر الاستطاعة على البحث , اما في الممات فلا يمكنه البحث , حيث تنتهي كل اعماله .

الموضوع السابق العمر يبعث من جديد

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat