• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : ثقافات .
              • القسم الفرعي : ثقافات .
                    • الموضوع : رواية ( اقتفي أثري ) مشكلة البحث عن الوطن المفقود .
                          • الكاتب : جمعة عبد الله .

رواية ( اقتفي أثري ) مشكلة البحث عن الوطن المفقود

هذه الرواية  من روايات الروائي ( حميد العقابي ) , تتحدث بصراحة عن سقوط النظام السابق , وصعود الاحزاب الاسلامية الى السلطة والحكم , وعن اضطرار العراقيين الهرب الى الخارج , هرباً من الوسائل الارهابية القمعية بالاضطهاد في عهد البعث   , والتسقيط السياسي , وكذلك عن عودة المهجرين والمنفين , والقضية المركزية التي تناولتها الرواية بشفرات رمزية بليغة الايحاء والمعنى  , مسألة الاحتلال والوجود الامريكي . وكذلك في اعطاء بعد رمزي الى اقنعة  الدجل والنفاق السياسي . هذه المحاور الاساسية , التي قادت المسار السردي واحداثه ,  ومفاجآته المختلفة , في البعد السياسي والاجتماعي . لكشف مواطن الزيف في الواقع العراقي الجديد بعد الاحتلال الامريكي . وقد استخدم جملة من المؤثرات التعبيرية , وخاصة من الموروثات الشعبية ,  ومن التراث الغناء الشعبي , الذي يكشف روحية وهوية ونفسية ومزاجية الانسان العراقي بملامحها وصفاته المعروفة  , وتعددت اساليب توظيف  الادوات التقنية الروائية , بأنماطها المتعددة والمتنوعة  , من الصيغ الروائية الحديثة , بما فيها الارتشاف من ينابيع  السيرة الذاتية للمولف نفسه والوقع الفعلي   ,  برز كبطل للرواية بأسم ( حميد مهدي بزون ) , وهو يقود مسار الحدث الروائي وتطوراته المتلاحقة والمتنوعة , بصيغة الضمير المتكلم ( الراوي )   .  تبدأ الرواية من لحظة سقوط تمثال رأس النظام السابق , واتفاق مجموعة من المهاجرين والمنفيين العراقيين , على قرار  الانتظام في قافلة الرجوع الى احضان الوطن , بعد الغربة الطويلة , وما صاحبها من معاناة وألم مؤلم  , لذا فأن حلم الرجوع  اصبح حقيقة  فعلية وملموسة  , بعدما كانت  تأتي على شكل كوابيس مرعبة ومخيفة , يفز منها المهاجر والمنفي من منامه مرعوباً , يتحسس رقبته ,  بأنها سالمة من حبل المشنقة . او يتحسس اعضاء جسمه , بأنها خالية من اثر من الدماء , من اطلاقات الرصاص عليه من الاجهزة الامنية وجلاوزة النظام السابق . لذا فأن شغل واهتمام الحدث  الروائي , بتتناول قضية عودة الطيور المهاجرة , الى اعشاشها الاصلية , وقافلة الرجوع تضم كل شرائح واطياف الشعب من ( عرب . اكراد . تركمان . اشوريون . كلدان . شيعة . سنة . صابئة . ملاحدة . شيوعيون . منفيون جدد , ومنفيون قدامى . رجال سلطة متقاعدون . مخبرون نادمون . نسوة محجبات , واخريات نصف حجاب . وأنا وماريانا وعلي كارثة ) ص98 . في العودة الى احضان الوطن الامل والحلم  , لكن الطريق الى ايثاكا , معبد بالمخاطر والمجازفات الخطيرة , التي يتجرعها العائد بمضض بعلقم الخيبة واليأس  , وفقدان التوازن النفسي بالمعاناة والارتباك المضطرب  , اي اننا امام ( ايثاكا ) جديدة , وايثاكا القديمة هي ( ايثاكا  بلد الملك اوديسيون , بعد انتهاء من حرب الطروادة , شد الرحيل للرجوع الى بلده ايثاكا , ولكن كلما يصل على مشارف ميناء مدينته , وتكون على مسافة  قريبة  ( شمرة عصا ) تهب فجأة العواصف البحرية الهائجة , وتشمره في اماكن مهجورة غير مألوفة , وظل على هذا المنوال عشرة سنوات يصارع عواصف البحر ( بيسودونس ) ) , واتفقت قافلة العودة بأن تكون محطة الرجوع , هي حانة ( مفترق الطرق ) وهي نفس الحانة للرحيل الى الغربة  ,وحانة العودة ( كانت حانة ( مفترق الطرق ) اول قلاع الغربة , واخرها للعائد , ولنا فيها ذكريات لاتنسى ) ( ربما التقينا بنادلة الحانة مرة اخرى , واغترفنا من حكمتها قبساً ينير طريق عودتنا ) ص10 . واصبحت القافلة على مشارف قريبة من  حدود الوطن . وانوار المخفر الحدودي وبنايته يشاهدونها  , قريبة جداً منهم على قرب ( شمرة عصا ) . ولكنهم قرروا المبيت ليلتهم الاخيرة , وعند الفجر يكونون في احضان الوطن , بعدما تعذبوا في الغربة والمنفى دهراً من الزمن  , وحطوا رحالهم للاستراحة من الطريق المتعب والمرهق  , لكن فجأة برزت لهم المفاجأة غير المتوقعة , كأنها تحمل الشر والمصيبة الفادحة لهم , فقد برزت عيون براقة في الظلام , وتقترب منهم وتطوقهم بطوق محكم , وتحاصرهم في دائرة ضيقة , أثارت فيهم  الرعب والفزع , لان عيون الذئاب تقدح شراً بالانتقام والعدوانية الوحشية   , وهي تلوح لهم بأنهم على مشارف الموت , او ان ساعة الموت اقتربت منهم  , وما عليهم سوى ان يتلوا الشهادة ,  تصاحبها  الصراخات المرعبة انطلقت من افراد  القافلة . . وهنا ( الراوي )   يقطع مسلسل الحدث الدرامي المرعب والمفجع , وينقلنا الراوي ( حميد مهدي ) الى البدايات , في نقلة نوعية ( فلاش باك ) لتتكامل منطقية مسار الحدث الروائي , الى سيرته الذاتية بتفاصيلها , حتى لحظة مهاجمة الذئاب على  قافلة العودة , ويأخذنا الرواي الى استذكار الماضي المرعب , زمن الاضطهاد والبطش والارهاب , من الاجهزة الامنية  من نظام البعث السابق , وحملات الاعتقال والسجن والتعذيب واساليبها الوحشية , والتسقيط السياسي , من اجل ان يكون حزب البعث ,  الحزب الوحيد القائد , اعتقل ( الرواي ) ومارس بحقه جملة من وسائل التعذيب الرهيبة لمدة اسبوع في دائرة الامن العامة  , ولم ينزع منه اعتراف وبراءة من حزبه فظل صامداً  . 
( - سيدي هذا شيوعي منيوك , خليه انجيه ) 
( - لا. لا , مو هسه . راح يعترف , هو خوش ولد , شريف , ابن عائله شريفه , أنا اعرفها ) 
( - ها . تعترف ؟  , ها ؟ ) فيضطرب المعتقل برعب ,  ويجيب بيأس : 
( - سأوقع على ما تريدون ) ص139 
ويطلق سراحه بعد الاعتراف وويعطي ذمة البراءة بالتسقيط السياسي , بتعهد بعدم مزاولة العمل السياسي , ماعدا حزب البعث , في  ورقة التعهد  بالاعدام اذا خالف ذلك , ولكنه في قرارة نفسه , تيقن بعدم مزاولة الحياة ايضاً  , في ظل هذا  الجحيم المرعب . قرر الهروب من جحيم وارهاب  البعث والتخلص منه بسلام  , الى  صوب شمال العراق نحو ايران . واتفق مع دليل كردي مع شخص اخر ايصالهم الى الحدود الايرانية , وكانت رحلة شاقة وخطيرة ومضنية , ومجازفة غير محسومة العواقب , فكان في  طريقهم , تنتشر فيه نقاط التفتيش , والربايا العسكرية للجيش العراقي , والخوف من وقوع في احدى مفارز ( الكتي ) ( الاتحاد الوطني الكردستاني - جماعة جلال الطالباني ) عندهم اتفاقية مع سلطات البعثية , بتسليم الفارين من الجنود , او السياسيين , مقابل مقايضة مالية تدفع لهم على كل ضحية يقع في ايديهم ,  ويتنفسوا  الصعداء  , حين  وصلوا الى الحدود , ووقعوا في ايدي الجنود الايرانيين , ويعاملوهم معاملة قاسية وفظة  , وب سلسلة من التحقيقات  المتعبة والمرهقة بشكل متواصل , حتى اطلاق سراحهم , وايصالهم الى منطقة تجمع اللاجئين العراقيين في طهران  , حاول محاولة فاشلة في الهروب من ايران الى افغانستان  , ثم يصل الى باكستان وتسليم نفسه الى منظمة الصليب الاحمر الدولية , لكي يتم توزيعهم الى دول اللجوء الاروربية . , وتسنح له الفرصة بالخروج من ايران الى سورية دمشق , ثم الرحيل الى دولة الدنيمارك محطته الاخيرة للاستقرار . وهاهو آلآن ضمن قافلة العودة الى ( ايثاكا ) , ولكن لم يجدها , ولم يعد الوصول اليها , إلا وهم وسراب وخيبة أمل  , تضاف الى سجل الخيبات الطويل , لذا يتساءل اين الوطن ؟ ( اين هو الوطن ؟ واي وطن هذا ؟ . لكن المسألة بالنسبة لي , لا تتعلق بالوقت او الوصول , انما انني متيقن , بأن ايثاكا لم تعد ايثاكا , وان الوصول اليها , خيبة أمل , تضاف الى سجل خيباتنا الطويل ) ص70 . وتنحشر القافلة في دائرة صغيرة مرسومة , لايمكن ان يتجاوزها احد , ومن يخرق ذلك  يكون طعماً لذئاب الشرهة  , ولذلك ابتعد وتلاشى الوطن ,  واصبح بحكم المفقود والضائع , هذه الافكار تنهش افراد القافلة , بالهواجس والهموم بأننهم وقعوا في فخ  الخيبة واليأس , بتجرع الفشل والخذلان , من وطن مفقود , واي وطن هذا في ظل الذئاب ؟ ( ليله ذئاب ونهاره جحيم ) ص28 . تتحول احلامهم بالعودة الى سراب ووهم , ومرارة يتذوق طعمها العلقم بالهوان والذل والمهانة  , ويقع في ايدي الجنود الامريكان ويعامل بوحشية متناهية , والتعذيب النفسي المرير , لكي تستلب انسانيته ,  حتى يكفر بالوطن المفقود  , ويعامل باذلال واستخفاف وسخرية  , ولهم الحق في  اطلاق النار عليه , اذا تعكر مزاجهم , او سمعوا منه  كلمات لاتعجبهم , لانهم سادة الوطن المفقود ,  وهم مانحي الحياة والموت  , في وطن تلاشى  وجوده في ظل احتلال الذئاب , وامام هذا الجحيم , بأن الوطن يصاب باللعنة والعقاب , يعود الى حضن  امه طفلاً صغيراً , حتى يتلاشى شيئا فشيئا , ويعود الى رحم امه , رافضاً الخروج من الرحم ,  الى الجحيم ,  والوطن المفقود ( اي وطن هذا ؟ ) ( ليله ذئاب ونهاره جحيم ) ص28 . 
            ×   رمزية الذئاب 
شكل هذا الرمز المحور الاساسي في صفحات الرواية , واعتبر القضية المركزية لمضامين افكار  الرواية , وحبكتها الفنية , وهو نعت الى الامريكان واحتلالهم , لذا اختار صفة ( الذئاب ) عن حق وحقيقة , وهو يعطي الايحاء البيلغ , لهذه الصفة الحيوانية , التي تعرف بالافتراس الضحية بشهية وحشية جائعة , لذلك ان الروائي , لم يكتف بهذه الصيغة الوحشية , وانما كشف الواقع السياسي من مسألة الاحتلال والوجود الامريكي  , ورؤية الاطراف السياسية بالاخص الاحزاب الاسلامية , التي وقفت بقوة الى جانب المحتل , بالمقايضة اعطاءها السلطة والحكم , ان هذا الموقف , عمق الشرخ السياسي , والرؤية في بناء الوطن ,  وحفظ كرامته وسيادته الوطنية  , وخاصة اعتبرت الاحتلال , بأنه ,  سلام وتحرير , والراوية تناولت بعمق هذا الشرخ والرؤية بعمق ودراية وفهم  . من خلال شرائح قافلة العودة , التي تمثل فيها ,  كل اطياف الشعب ومكوناته , وكشف موقف الاحزاب الاسلامية من خلال رمزية  شخصية ( عبدالصمد ) اللولب الفعال في القافلة , والمحيطين به , المناصرين للاحتلال والوجود الامريكي , ويعتقد المرحلة التالية بعد التحرير , تطهير العراق من الشيوعيين والملحدين والكفرة الفاسقين , وان الوقت مناسب , لشن حرب ضروس ضدهم  , وكان يهدد القافلة بالسلاح والقتل , ويدخل في نزاع وشجار وعراك لا ينتهي مع افراد القافلة الذين لا يؤيدون ولا يناصرون افكاره المتعصبة , فليس غريب ان ينظر الى ( الذئاب ) بنظرة المنقذ والمحرر , وكما يوصمه بعض افراد القافلة بالسخرية والتهكم بأنه ( يجيد لغة الذئاب ) ويتوعد ويهدد كل من يتطاول على ( الذئاب ) بقوله ( اشبيها الذئاب , سلام الله عليها ) ص 156 . وجماعته المناصرة تردد كالببغاء ( ربما جاءت لحمايتنا ) ص17 . او ( ألم اقل لكم انها جاءت لتحرسنا ) ص20 . لذا فأن تواجد الذئاب له علاقة بما يجري داخل الوطن , من صراعات سياسية وخلافات ناشبة وعنيفة  , ولكن توجد اصوات رافضة لوجود الذئاب , وتستنكر هذه الحمية بالدفاع عن وجود الذئاب ( الامريكان ) , ولا يمكن الاطمئنان على وجودها , ان هذا التنازع السياسي , بمثابة الحالة السيئة والكارثية التي اصابت الوطن المفقود ( اي وطن غريب أنت , وطن منفي في نفسه ) ص 176 , لكن يمكن اختزال وجه وقناع الاحزاب الاسلامية في خلافاتها على السلطة والنفوذ , بهذا الاختصار الدال ( كلهم من صنف واحد , كلهم اقنعة لوجه واحد ) ص 160 . 
رواية ( اقتفي أثري ) شخصت ابعاد  الواقع السياسي الكارثي بعد الاحتلال وضياع الوطن  . 
×× رواية ( اقتفي أثري ) الروائي حميد العقابي 
×× صدرت عام 2009 
×× 190 صفحة 
×× دار النشر: طوى للثقافة والنشر والاعلام  - لندن 
جمعة عبدالله 
 



  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=88118
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2017 / 01 / 08
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 04 / 19