• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : الدكتور عرفان وروعة البيان!! .
                          • الكاتب : د . صادق السامرائي .

الدكتور عرفان وروعة البيان!!

 إنتقل إلى جوار ربه يوم الأربعاء 9\11\2016 المشعل الأدبي الثقافي الوهاج الدكتور عرفان شهيد عن عمر ناهز التسعين , وقد أمضى حياته في خدمة الأدب العربي , مدرسا في جامعة جورجتاون بالعاصمة الأمريكية , وبكتبه وأبحاثه ومحاضراته وأمسياته الشعرية الرائعة , التي تنقلك إلى بطون وجواهر الأدب العربي.
تعرفت على الصوت العروبي الفلسطيني الذي يتهدج بأشعار أمة العرب وحِكمها ودررها المعرفية , في أحد أمسيات المركز الثقافي العراقي في واشنطن قبل أعوام , وتواصلت معه وهو يترنم بأشعار العرب , فالذي يطغى على أحاديثه أفياض من أروع الأشعار العربية التي يحفظها عن ظهر قلب , وبقدرة إلقائية متميزة تبعث السحر والجمال والحنين إلى منابع الثقافة والأدب السامي النبيل.
وذات مرة كنت أتحدث عن سامراء في إحدى الأمسيات الثقافية , وعرجت إلى الشعراء أبو تمام والبحتري وإبن المعتز , وإذا به يغمرني بأجمل وأبلغ ما قالوه , وما يراه في مناهجهم ومدارسهم الشعرية , وكان يلقى الشعر بعذوبة وفصاحة تستحضر أمامك جهابذة الشعر العربي , فعندما يُسمِعكَ من شعر أبو تمام تستشعر بأن أبو تمام هو الذي ينشد , وإذا أنشد للمتنبي أوحى إليك بأن المتنبي هو الذي ينطق , وهذه الميزة العجيبة رأيتها فيه بوضوح , حتى تمنيت لو أستطيع سماع الشعر العربي بأجمعه بصوته.
فيبدو من خلال دراسته المتعمقة لحياة الشعراء والبيئة العربية المرافقة للشعر , إستطاع أن يوحي بإلقائه حقيقة البيت الشعري , وما يحمله من مشاعر وأحاسيس ومعارف سائدة في وقتها , أي أنه يحيط بالظروف النفسية والعاطفية للقصيدة الشعرية , فينقلها بصورتها الحية الصادقة.
وكنت أستشعر في أحاديثه حنينا متأججا للجذر العربي والوطن الفلسطيني , وكلما إستغرق بقول الشعر تتضح لك صورة الإنتماء المطلق , قيستحضر الذكريات ويبعث الحنين , الذي عليه أن يتخلق في صور شعرية ملتهبة.
وبرغم التقدم بالعمر فأن الذاكرة المعرفية متوقدة والقدرة الشعرية متوثبة , وما تقول شيئا إلا إنطلقت أبيات شعر من جعبته وبحنجرته الرائعة التعبير عن الصوت العربي , والنطق السليم الرخيم الذي يثير المتعة المعرفية ويجدد الذائقة الشعرية , ويصنع البهجة النفسية الشعرية التي يقل حصولها , فمن النادر أن تلتقي بإنسان ذائب بعروبته وأصله , ومتماهي مع آداب أمته وأشعارها ونبضات خطواتها الحضارية وأنوارها الثقافية التي يتنعم بأضوائها , ويأبى الظلام الذي يُراد له أن يكون صوتها وعلامتها الفارقة , في عصور يبتعد العرب فيها عن جوهر كينونتهم ومعدن ذاتهم الإنسانية.
تحية عرفان وتقدير وتبجيل , للمرحوم الدكتور عرفان شهيد , الذي أحيا فينا نبض العروبة وروح الشعر وعطّر أيامنا بنفحات الأدب العربي الجزيل.
وفي الحياة تلتقي بأناس لا يتركون في دنياك أثرا , وتلتقي بآخرين يعيدون ترتيب أرشيف ذاتك وموضوعك , ومنهم المرحوم الدكتور عرفان شهيد , الذي كان علما عربيا خفاقا في ديار المهجر والإغتراب , وقد حافظ على أصالته العربية , وصدح بلسان ذاته وموضوعه العربي في المنابر الجامعية والثقافية , وقدم الأدب العربي بأروع ما يمكن أن يقدمه للبشرية عربي فلسطيني أصيل متجذر بتربة مولده وموطن آبائه وأجداده!!
وإن الأمة لتلد أصواتها الأصيلة وتجدد مسيرتها الحضارية النبيلة السامية المِعطاء!!
 



  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=86144
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2016 / 11 / 16
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 28