• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : المعارف بين الحفظ والتوظيف والتحريف؟!! .
                          • الكاتب : د . صادق السامرائي .

المعارف بين الحفظ والتوظيف والتحريف؟!!

الحضارة العربية الإسلامية ذات خزين هائل من المعارف والعلوم الإنسانية , التي تراكمت عبر قرون متوهجة بالإبداعات والعطاءات الأصيلة.
وما يواجه هذا الإرث المعلوماتي المنير , أنه أما يكون محفوظا في الرفوف أو الرؤوس , أو يجري تحريفه , وقليلا جدا ما يتحقق توظيفه.
فالواقع المعاصر يشهد قدرات ونشاطات تحريفية غير مسبوقة لتوفر الوسائل الجديثة والسريعة الكفيلة بالتحريف , ووجود العديد من أبناء الأمة المُبرمَجين نفسيا وفكريا وعقليا للقيام بهذه المهمة التدميرية لوجودها وحاضرها ومستقبلها , ولهذا تجد الكتابات السائدة في الصحف والمواقع تمضي بهذا الإتجاه المعادي للأمة والساعي لتدميرها ومحو ملامحها الحضارية.
كما أن الكثير من أبناء الأمة يحفظون معارفها وينطقون بها , لكنهم لا يتجاوزون الحفظ , فلا يتدبرون ما يحفظون ولا يفقهون ما يقولون ويقرؤن , شأنهم شأن الذي يحفظ القرآن لكنه لا يتدبر ما يحفظه ولا يفقه ما يردده , كالتي تعلمت حفظ القرآن في الكتاتيب وهي تردده قولا , وعندما تسألها عن معنى ما تقول تتسمر بوجهك وتحسبه إعتداءً عليها , ذلك أن دماغها قد تبرمج وفقا لآلية الحفظ.
وهذا يذكرني بطالب كان معي , يحفظ الرياضيات ونظرياتها عن ظهر قلب , لكنه يرسب في الإمتحان , وياتيني غاضبا ومتسائلا , كيف لي وأنا لا أحفظ مثله وأحقق أعلى درجة في الصف , وكنت أقف أمامه متحيّرا , وأجده لا يستطيع الخروج من آلية الحفظ المتسيّدة على دماغه.
وكان لي قريب في المدرسة , يحفظ الكتاب من الغلاف إلى الغلاف , لكنه يرسب في الإمتحانات , وكنت أدرس معه , ولا أحتاج للقراءة لأنه يقرأ لي عن ظهر قلب ما في الكتاب , وأنا أصيخ السمع إليه , وما إستطاع أن يتجاوز المرحلة المتوسطة , رغم حفظه لجميع الكتب المقررة!!
فالفرق كبير بين الحفظ والفهم , لأن الفهم يساهم في التطبيق وإستخدام المعرفة في مواجهة التحديات , وهذا يأخذنا إلى التوظيف , فما نمتلكه من معلومات غزيرة نعجز عن توظيفه في واقعنا المعاصر , وهذا ما يثير دهشة المجتمعات الأخرى التي تنظر إلينا بعجب وإستغرب , وتتوقع منا قدرات توظيفية معاصرة , وآليات إنجازية صائبة , لأننا نمتلك تراكما هائلا من التجارب والدروس والعبر والنواميس والبراهين والدلائل , والبوصلات الحضارية الكفيلة بوضعنا في مقام الأسبقية والأكثر تقدما في الدنيا.
وهكذا تجدنا نتأرجح ما بين هذه المحاور ونعجز عن التوافق مع عصر أوجدنا أسسه و وأطلقناه من فضاءات إبداعاتنا وإنجازاتنا العلمية , التي أخرجت المجتمعات البشرية من دهاليز الظلمات إلى أروقة الأنوار العفلية والفكرية والإبداعية الفائقة.
فهل سنتعلم كيف نوظّف معارفنا التي فينا , أم سنبقى نلهث وراء السراب , ونستنسخ من الآخرين ما نعجز عن تدبّره وتوظيفه؟!!
إنها محنتنا الحضارية التي علينا أن ننتصر عليها , بما عندنا من قدرات وطاقات إنجازية!!
فهل سنستنهض بواعث جوهرنا؟!!



  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=84484
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2016 / 10 / 06
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 29