• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : ثقافات .
              • القسم الفرعي : ثقافات .
                    • الموضوع : رواية ( العار ) كشفت عن سرطان الطائفية الخبيث .
                          • الكاتب : جمعة عبد الله .

رواية ( العار ) كشفت عن سرطان الطائفية الخبيث

اثارت هذه الرواية العار ( لاجا ) ضجة كبيرة مدلهمة بالغيوم الشؤوم  بالطائفية الغاضبة والساخطة , بتهديد حياة مؤلفة الرواية المسلمة البنغالية ( تسليمة نسرين ) في اباحة دمها , وخصصت مكافئة مالية لمن يقتلها او يقطع رأسها , كما منعت الحكومة البنغلادشية تداول الرواية , وصادرت جميع نسخ الرواية , . ان موجات الغضب العاصفة  ضد الرواية وكاتبتها , جاءت من الجماعات الاصولية الاسلامية المتطرفة والمتشددة في تعصبها وعنصريتها الطائفية . ووجدت الكاتبة نفسها  امام التهديد الحقيقي للقتل  , وانها لم  تنجوا من  التهديدات باستباحة حياتها , حتى حينما هربت الى الهند وطلبت حماية حياتها , ولكن وجدت الاقامة في الهند لا يمنع من  القصاص منها ,  في اي يوم من حياتها , فهربت الى اوربا واستقرت في السويد . . والكاتبة البنغالية , اهتمت بالادب منذ الصغر , لذلك تركت مهنة الطب لتتفرغ للاعمال الادبية والروائية , وكتبت عدة روايات حازت على اهتمام القراء والنقاد , , انها كاتبة علمانية يسارية , برزت في المنظمات النسائية المدافعة عن حقوق المرأة , كناشطة مدنية , وصبت جهدها الادبي في فضح الاعمال الارهابية للجماعات الدينية المتطرفة , التي تعمل بشكل مثابر على تمزيق الوئام الطائفي , بين الاكثرية المسلمة والاقليات الدينية ومنها الاقلية الهندوسية المتواجدة في بنغلادش , وتصف روايتها في صدر المقدمة ( انا اكره الاصوليين , وكان هذا سبب كتابتي رواية العار ) وتضيف بتوضيح اكثر ( عن الذين نحب بنجلادش , لابد ان ينتابنا الخجل من حدوث , مثل هذا الشيء البغيض في بلدنا الجميل ) وهي تدق ناقوس الخطر من العواقب الوخيمة  القادمة , التي تنحر بنغلادش من الوريد الى الوريد  من العنف الطائفي , بأنهم ( سوف يقتلون اي شيء متقدم في بنجلادش , اذا سمحنا لهم بالانتصار , واجبي هو ان احاول حماية بلدي الجميل منهم , وان ادعو كل الذين يشاركونني قيمي , الى مساعدتي في الدفاع عن حقوقي ,  مرض الاصولية الدينية لا يقتصر على بنجلادش وحدها , لكن لابد من محاربته في كل مكان ) ص6 . وكانت تدعو الى تعزيز وتشديد  الضغط من اجل وقف اعمال سفك الدماء والفتن  الطائفية المدمرة  , وتوجه نداءها نحو توحيد صفوف العلمانيين والانسانيين , ليقفوا جدار صلب بوجه  حمامات الدم الطائفية , واطفاء الحرائق العنف الطائفي , الذي يمزق الوئام الطائفي وتخريب الوطن الجميل  , ولا يمكن السكوت والسماح بالاعمال الوحشية ان تسيطر على الحياة العامة وتجردها من انسانيتها نحو الوحشية  . ورواية ( العار ) تعتمد على حادثة واقعية حدثت في الهند , عام 1992 حيث قامت مجموعة هندوسية متطرفة , بهدم مسجد ( باربري ) في مدينة ( ايودها ) الهندية , واشعلت نار الفتنة الطائفة في اعمال الدموية عمت  عموم البنغلادش , هذا العمل الارهابي الارعن والاهوج , اعطى الفرصة لرد فعل دموي بين الاكثرية المسلمة والاقلية الهندوسية , بالجحيم الطائفي وتمددت هذه النيران المدمرة الى الاقليات الدينية الاخرى , بأنها دفعت الثمن الباهظ , ووجدت الجماعات الدينية الاسلامية المتطرفة , الفرصة الذهبية  في تطهير وتنظيف  بنغلادش من الاقليات الدينية الاخرى , لتكون دولة اسلامية بالتطهير العرقي والعنصري , من الاعمال البطش والتنكيل . فقد سيطرت الجماعات الدينية المتطرفة والارهابية على الشارع والحياة العامة , وراحت تبطش بالاسلوب الدموي الوحشي للاقلية الهندوسية من اقتراف اعمال اجرامية بشعة , فقد تم تدمير وهدم اكثر من 3600 معبد هندوسي , وحرق البيوت والمحلات , والقيام بالتهجير القسري , في سبيل مصادرة البيوت والممتلكات والاموال . وقطع شريان الحياة على الاقلية الهندوسي بالقتل على الهوية والاسم والزي  , وعمليات الخطف واغتصاب الفتيات ثم قتلهن ببشاعة  . وكانت هذه الجماعات الارهابية تصرخ بالشوارع بالتهديد والوعيد  ( ايها الهندوس , اذا اردتم ان تحيوا , ارحلوا عن هذا البلد ) ص103 . بالضبط كما حدث في العراق اعقاب الجريمة النكرى المروعة  , في تفجير مرقد الاماميين العسكريين ( عليهم السلام ) في سامراء , والذي اشعل الحريق الطائفي . في الاحتراب الطائفي المدمر , الذي خيم على العراق , واصبح القتل على الهوية , وتجرع العراق الدمار والخرب بالحرب الاهلية الطائفية , التي احرقت الاخضر واليابس . هذه المسلسل الطائفي المدمر , اصاب بنغلادش في عام 1992 و 1993 , بعد هدم مسجد ( باربري ) . في استباحة القتل والخراب على الاسم والزي . رغم ان كل الطوائف الدينية , شاركت في معارك التحرير , وسقط حوالي ثلاثة ملايين شخص من كل الطوائف , وكانت جبهات المعارك تضم كل الاطياف , حتى تم  تحرير بنغلادش من اخر جندي باكستاني , واعلان يوم التحرير والاستقلال عام 1971 . 
احداث الرواية : 
تدور احداث الرواية ( العار - لاجا ) حول عائلة هندوسية متكونة من الاب ( سودهاموي ) والام ( كيرويموني ) والابن ( سورنجان ) والابنة ( تنلانجانا ) ويطلق عليها تسمية ( مايا ) . الاب دكتور ورئيس مستشفى , عرف بطيبته وانسانيته , وذو سمعة ومكانة محترمة بين الاوساط الشعبية , فكان يقدم خدماته الطبية والعلاجية مجاناً للفقراء في عيادته الخاصة , فنال محبة الجميع , وتربى على الافكار اليسارية والعلمانية , واشترك في معارك التحرير حتى نيل الاستقلال لبنغلادش , واشترك في الاعمال الخيرية كوريث لعائلة ثرية متمكنة , يساعد المحتاجين الفقراء , ويمسح دموع الحزن  عنهم , . لكن بعد اعمال العنف الدموية الطائفية .  وآفة الحريق الطائفي الذي وصل اليه , وصرعته الاحداث القتل اليومي المسعور , طرحته طريح الفراش بعاهة نصف مشلول , بعدما كان يحاول يتفادي الحريق والبطش والارهاب , حتى اضطر الى بيع بيته الكبير بسعر زهيد , بعد رسائل التهديد والوعيد بالرحيل او القتل  , ومن اجل الحفاظ على عائلته من البطش الطائفي , كان ينتقل من منطقة الى اخرى , ويخرج الى الشارع , باسماء اسلامية  وزي اسلامي , لكنه مع ذلك دفعه القدر الطائفي اللعين ان يسكن في بيت صغير للايجار يلوكه الفقر المدقع , حتى لم يعد  يستطيع شراء العلاج ولا يؤمن رغيف الخبز الى عائلته  بعد ان  اضطر الى ترك مهنته وعيادته . وابنه ( سورنجان ) انهى شهادة الكلية وبرز نشطاً في الاعمال الجماهيرية والحزبية , كنشيط وصحفي  يساري . وكذلك اخذ من ابيه الادب والاخلاق ومساعدة الناس المحتاجين , وكما برز في العمل الصحفي في صحف يسارية في دعم الوفاق والتعايش الوطني  , لانه اعتنق عن نضج  الفكر العلماني واليساري , وكان مثابر في النشاطات الجماهيرية  من اجل دعم الوئام الطائفي , ولا يسمح للجماعات الدينية في  تخريب النسيج الوطني , وكان يتحرق بحب الوطن والدفاع عنه , ولكن الحياة العامة انقلبت الى الاسوأ بعد هدم مسجد ( باربري ) الى الاسوأ في اعمال قتل مروعة بشكل عنصري بشع , وجد نفسه مهدداً بالقتل والتصفية . فكان يشعر بالاحباط الشديد والجزع من الحياة التي اصابها الشؤوم  , وحصر نفسة في جدران غرفته في بيتهم الصغير  , منطرحاً على السرير , خوفاً من البطش في الشارع , وكان لا يخرج من البيت إلا في الحالات الضرورية القصوى , وكان يتذمر من الحياة التي انزلقت الى هاوية الجحيم , فكان يقول امام اصدقاءه ليعبر عن حياته التي دلفت الى الشقاء والمعاناة التي لا تطاق  (  نعم قلت اني انسان وآمنت بالانسانية , ولكن هؤلاء المسلمين لم يتركوني انساناً . لقد جعلوني هندوسياً ) ص152 . فكانوا اصدقاءه الهندوس , يحثونه على القيام بالرد بالمثل على اعمال القتل والعنف الدموي , وارتكاب جرائم طائفية بالمثل  , فكان يرفض الانزاق الى حمامات الدم والقتل والاختطاف والاغتصاب الفتيات المسلمات , مثل مايحدث عن عمليات اغتصات مروعة للفتيات الهندوسيات , فكان يرد عليهم بالرفض الشديد ( ما الذي سنجنيه لتدمير المساجد ؟ هل يعيد لنا معابدنا ؟ ) ص 154 . لكن الوضع العام يسير نحو التدهور و السقوط والانهيار الى الحضيض  , بأن يحعل الحياة بين القتل والخطف والاغتصاب , مستباحة للعصابات المجرمة الطائفية , بأن يزرعون الموت والخراب في كل مكان , لذا يشعر بالعجز والاحباط , بأنه ليستطيع وقف هذه العواصف المدمرة , وفي حالة اليأس الشديدة  , اخرج كل كتبه وكومها على الارض , وكانت تمثل ثقافات مختلفة في نسقها الانساني ( رأس المال . افكار لينين . انجلز . ماركس . مورجان . جوركي . ديستوفسكي . تولستوي . سارتر . بافلوف . طاغور . ماتيك باندبونا . نهرو . آزاد . كتب في علوم الاجتماع والاقتصاد والسياسة والتاريخ . كتب في حجم الصخور . كتب اصغر من ذلك بكثير , عندما انتهى من جمعها , وضعها على الارض , اشعل عود الثقاب فوق الكتب , فأخذت تحترق ) ص197 . وفي احدى الايام هاجمت مجموعة من الشباب المتهورين  , بالقضبان الحديدية  والسواطير ليقتحموا بيت ( سودهاموي ) , وحطموا كل محتويات البيت , ووجدوا عجوزين احدهما طريح الفراش مشلول , فجروا ( مايا ) الى خارج البيت الى الشارع , حاولت الام الدفاع عن ابنتها بالعويل والصراخ , وهي تتوسل الى الجيران وتتضرع اليهم ان ينقذوا ابنتها من الاختطاف والقتل , لكن دون جدوى . فكانوا الجيران يتطلعون متفرجين على عملية الخطف , وحين رجع ( سورنجان ) الى البيت وجد المصيبة في خراب محتويات البيت , كأنه مجمع الانقاض والازبال , وعلم باختطاف شقيقته ( مايا ) , ولكن لمن يذهب ويستغيث , من هو الذي  قادر على تقديم المساعدة , ويرجع شقيقته من اسر الاختطاف . ذهب الى احد اصدقاءه  ( حيدر ) المسلم , وهو يبكي بدموع حارقة , ويتوسل اليه , حتى انحنى ان يقبل قدميه , ان يساعده ويرجع ( مايا ) الى البيت , لانه لم يعد يطيق ويتحمل نظرات ابيه وهو يعاني من ازمته الصحية , وخوفاً من ان تزيد حالته اكثر سوءاً , ونحيب امه الذي يفطر نياط القلب , والعذاب النفسي الذي بدأ يهلكه ويدمره , ويجعله فاقد القدرة , مشلول في انقاذ عائلته . 
يجيبه صديقه ( حيدر ) : 
(لا اعتقد من الصواب . ان تظهر معي الان . 
- لماذا ؟ لماذا ليس من الصواب ان ........ 
- لماذا لا تفهم ؟ 
بالطبع فهم ( سورنجان ) انه ليس من المقبول ان يقوم هندوسي بملاحقة مسلمين , او اعتقالهم , حتى لو كانوا لصوصاً وقتلة ) ص148 . لذلك لا يمكن فك اختطاف شقيقته , حتى لو عرف خاطفيها او مغتصبيها . لان شريعة الجماعات الدينية الاصولية والمتشددة , هي  التي سيطرت على الشارع وفرضت وجودها بالقوة  , لا تسمح بذلك , ومن يطالب بذلك يكون مصيره  الموت والقتل حتماً  , اما دور الجيش والشرطة في الشوارع , هو لتفرج فقط  دون ان تتدخل , حتى لو كانت اعمال القتل قريبة منهم ويرونها بوضوح بعيونهم  . تيقنت عائلة ( سودهاموي ) بأن ( مايا ) قتلت ولم تعود اليهم مطلقاً , وتحت الضغط الهائل على الاب ان يقتنع بالمغادرة والرحيل الى الهند , حتى ينجوا من الموت الطائفي , فكان يرفض المغادرة مهما كانت المصيبة الفادحة ( لماذا ينبغي ان اغادر وطني , الى مكان اخر ؟ اذا عشت , فسوف اعيش على هذا التراب , واذا مت فسوف ابقى في نفس المكان ) ص15 , فكانت زوجته تلح عليه وتتوسل اليه ان يقتنع بالرحيل ( دعنا نعيش . دعنا نرحل ) واخيراً اقتنع بسد كل ابواب الحياة , واقترب اليهم الموت اكثر  , وقطع اوكسجين حياتهم , فلم تعد لهم وسيلة , سوى انتظار يد  الموت في كل لحظة , وتقطعت بهم السبل , ولا فائدة في النجاة , واخيراً  يقرر المغادرة والرحيل . 
رواية ( العار - لاجا ) كانت قديرة في حبكتها الفنية في تقديم مسار الاحداث العنيفة  , وباسلوب المتابعة الرشيقة   , وقد اعتمدت على وسيلة ( فلاش باك ) لتتبع مسار الاحداث لترسمه بالصورة الكاملة , وتوزعت الرواية  على ثلاثة عشر فصلاً ,  موزعة حسب الايام , من اليوم الاول الى اليوم الثالث عشر . 
× رواية ( العار - لاجا في 212 صفحة ) للكاتبة المسلمة البنغالية ( تسليمة نسرين ) 
× الترجمة عاصم زكريا 
× صدرت عن دار النشر , دار آرام . دمشق . عام 2000 



  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=78145
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2016 / 05 / 07
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 29