• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : ثقافات .
              • القسم الفرعي : ثقافات .
                    • الموضوع : تجوال نقدي في روضة شعرية .
                          • الكاتب : كاظم نعمه اللامي .

تجوال نقدي في روضة شعرية

 (لا تكتب  الشعر إلا عندما تشعر انك ستموت اذا لم تفعل) .. ريلكه
بشعاع فلسفي غارق في الدلالات, اطلت علينا الشاعرة العراقية الكردية (كه زال ابراهيم خدر) من خلال مجموعة قصائد تحت عنوان (لا أحيا إلا بعطر أنفاسك) ترجمة (د.بندر على اكبر ) رافعة مشعل الحب لكسر رتابة الحياة الغارقة بالدم بعملية تحايل على الواقع برسم خطوط براقة تقود الى عوالم لا تشي بالقبح غايتها نشر السلام والجمال, ولو امعنا النظر بعنوان القصيدة (لا أحيا إلا بعطر أنفاسك) نجده جليا كنقطة انطلاق رائدها الشكل في حضرة المعنى عند اول ستب في عتبة النص للولوج إلى فضاءه المتناهي بتجوال حالم دون توقف،وهو توظيف جاء موفّقاً جدّا بسميائية دلالية لتأكيد ما اسلفنا بقولنا ان الشاعرة اتت بهذه القصيدة بروح انزياحية تأصيلية لجدوى الحب وأثره في ترتيب اوراق لها القدرة على طرد القبح بتيار ندى العشق القابض على اللحظة وجمالها.
 
ذابت صلابتي
أمام ناظريك بلا انتظار
وبسرعة ادركت ان ينبوع غرامي
عشقاً جنونياً
من غير قرار.
 
عند هذه الجزئية المفصلية الانفجارية وهي تلي العنوان مباشرة تجلى المعنى صوفيا في اتحاد العاشق بالمعشوق بلغة جمالية شفافة تشكلت منها الخطوط العريضة للقصيدة بتكثيف قصدي من قبل الشاعرة وهي تصهر نثيث المنظورات والمحركات الشعرية والإلتقاطات الصورية بتمازج ابداعي لعديد انفجارات رومانسية نتيجة حراك مشاعر تمثل الطيف الداخلي يقابلها تصديق خارجي تراه في عيون المكان والزمان  وكأن كلاهما مخاض للآخر..
 
أنا :عندما تعرفت عليك
التهب جسدي من غير نار
 
 لذلك عندما ترفع ورقة التوت عن خيال الشاعرة بعملية استجلاء واستكشاف نقديين تبدو الاشياء منفعلة بألوان جذابة ترمز للجمال والحياة, تنساب رقراقة كمياه غدير مصدرها السماء بتقنية فنية مميزة تتوغل الى اقصى الاعماق الانسانية في تجليات تعطي للعشق هويته بمديات واسعة باعثة جملة من فونيمات ايقاعية صوفية ذائبة في الآخر تدعم بنية القصيدة في الاشعاع العام.
 
أنا"قبل أن أعرفك
رأيتك في أحلامي الواعية
أنا قبل أن أعرفك
اشتقت لرقصات اصابعك  الحانية
وعشقت عينيك
المليئتين بالحب
وقسمات وجهك الزاهية مذ التقيت بك
لأول مرة
مدين للأرض والغيوم
الغيمة قادتني
الى موعد غرامك
والأرض عرفتني
رائحة تراب اقدامك
 
كتبت الشاعرة نزيف مشاعرها الرومانسية الحالمة بضمير المتكلم وهو ما يدعم ما تذهب اليه في زرع حميمية مستطيلة المعنى عند القارئ كما انها نحت منحى خطير في تعرية النفس المصاحبة بلغة الاعتراف في حضرة العاشق بتعبير  جنوني يشتعل له الهوى بطريقة اصابع الديناميت ليحرق جوانح ضلوعها, فهي لا تجيد النظر إلا لمعشوقها الذي اسرته بكل صدق بتراتيل هوسها وولها وانصهارها معه بلغة امباثية في تزاوج وجداني بالمعنى الشعري التشكيلي بتقاسيمه الجميلة وكأنّه لوحة تشكيليّة أتقنتها ريشة فنان عاشق غارق في الشعرية .
معبّرة عن وجع ما ,يسكنها, وجع يسكن الشاعرة, ويسكن القصيدة نفسها، وجع لا يلمس باليدين، انما حروف تتقافز على مقلاة فوق نار, نشعر بها تتفاقم بصراخ الماجما عند درجة حرارة الانصهار , انصهار  القلب والقالب الروح والجسد الغاية والوسيلة الشاعر والقارئ.
 
كنت "في لقائنا الاول
ضيفا في محرابك
في غير أوان
والجا قبلك بلا استئذان
وكنت ضريح رجل طاهر
خال من العيب  والأدران
جئت لكي أضع حجرتين
بين عينيك المقدستين
ولأعرف مستقبل ايامي
في حضرة مقامك السامي
 
ربما هي احلام تراودها بعاشق ليس له وجود, متفرسة في وجوه المارة ومن يحيط بها بعملية استراق النظر الى وجه بعينه مستخدمة كل ادواتها لجره عنوة الى منطقتها الى عشها حيث تمارس هواياتها بكنفه بحرية أكبر  مرد ذلك نتيجة لجدب المكان والزمان القابعة بين جدرانه المتعددة في قدرته على صناعة من تهواه لذلك تلجأ الى صناعة فردية ذاتية على مزاجها معولة على قدرة الكلمة المتشظية لزرع الامل لديها اولا كونها المرسل وثانيا لدى المتلقي بجنسيه بصنع ظل لعاشق في مدينة بيضاء مساحتها القلب لذلك راحت تعزف بعناية فائقة وذكية تقاسيم شنفت القلوب قبل الاسماع مما يعني ان الشاعرة العراقية على مختلف بيئاتها شاعرة ذات خيال جانح للخلق والإبداع .
 رغم هذا الخيال الخصب في الخلق والتصنيع هناك قلق نستشفه في قصائد الشاعرة قلق من نوع خاص يدعو للتشبث بالحبيب وكأنه على موعد مع الرحيل رغم عدم تأكيد وجود هذا الحبيب كشخصية واضحة المعالم والوجود وكأنها ترى ان الحياة لا تكتمل إلا بالرحيل او ان عنوانها الاوحد هو الرحيل وهذا له ما يبرره فالكورد عانوا كثيرا من التكلم بلغة الوجع بفقد الحبيب والأخ والأب وكافة افراد الاسرة بعمليات تصفيات جسدية ,أي رحيل قسري اجباري نتيجة لتعاقب حكومات لا تجيد الا خنق الشعوب وتكبيلها ورسم خارطة الحزن على قلوبها ,لذلك تراها قلقة حد الصراخ وكأنها تنادي حبيبها وزوجها واخيها وابيها وجارها (تريث ريثما اكون لصقك وفي احضانك) .
 
فى الحلم أصبحت صديقة
لبحر من الدموع
ومجنونة لظل السماء
وقصرا لوردة ذابلة
أصبحت زميلة لشتلة يانعة
وجدرانا لبستان الحظ
واستقبالا ملونا حائرا
زوبعة روحه
 
رغم مساحة الامل الواسعة التي نستخرجها من بين الكلمات إلا ان الشاعرة تستظل بخيمة حزن نووي تتفاعل وجدانيا مع الاخر اي المتلقي في تماه مصدره الانسانية التي اعتبرها القاسم المشترك لكل ما تكتب حيث نلحظ ذلك كنقر نقار الخشب على الشجرة نراه جليا بنقرات في القلب النازف وجدا حيث يتأكد ذلك حينما تضع اصبعا عاى الجرح لتتفجر الجملة بتموجات صوتية موسيقية صياغية تحس ولا تقاس مرسلة سيميائيات توافقية وكأنها تختار قراءها قبل ان تكتب لهم لتتوافق روحيا ونفسيا م ع القارئ المفترض ,مرد ذلك خيط الحزن الماكث في اعماق جاكتةالروح الممزقة الما ,وهنا يتبين كم الخيال الهائل في القدرة على صناعة الجمال.
هناك اخلاص يجب ان يحترم اخلاص نجده نديا رائقا في قصيدة الشاعرة كه زال اخلاص للطبيعة التي شكلت شخصية الانسان الكوردي في جعله انسان محب للحياة للجمال للخضرة للعلاقات الاجتماعية المتوازنة والتي يغلب عليها الوفاء والحب , نرى ذلك جليا من خلال الاهتمام بالطبيعة .. البحر , الغيمة , الجبل , السماء . الشتلة , الوردة, البستان , المطر . وحتى اسفلت الطريق واصوات الحيوانات ,هذا الاخلاص هو نتيجة لتموجات الخيال ورجفات الضمير وما يتكشف عنه من سيميائيات  وقيم من جهة، وعبر اشعاعه الفكري في المتن النصّي من جهة أخرى كمدخل سيكولوجي موجه الى الاخر لتجبرنا على الانصياع لخريطة طريق ترسم لنا الوصول لذروة الشبق الجنوني في احضان القصيدة بإحداثها الضجة الايقاعية الصاخبة رغم خفة الكلمات ,وبالنتيجة فقصائد غزال ما هي الا قطعة موسيقية هادئة بأنغام كوردية نسمعها ويسمعها الطير والسمك عند السياب على شط العرب وهذا ما خرجنا به ان الشاعرة تكتب للجميع, للهور, للبادية, للجبال, بلغة عراقية لا يجيدها إلا من تشربت روحه بحب وطن لا يحتضن إلا اهل الخصب والجمال والنماء.
حقيقة يجب ان نقولها ,من خلال قراءتي لنصوص الشاعرة كه زال وجدت ان هناك مساحات خضراء كبيرة تتمخض عن قلم الشاعرة لم يوفق المترجم باستجلائها وكشفها وتسليط الضوء عليها رغم احترامنا لجهده الإبداعي, مما اضفى العتمة على بعض زوايا القصيدة, وهذا ما نؤكد عليه في ان الكثير من الجوانب الابداعية يصيبها العطب ظلما نتيجة عدم التوفيق بالترجمة وخاصة الترجمة لمن لم يكتب الجنس الادبي نفسه حيث يفتقد للقدرة في صياغة الحرف وتأويله اي لا يملك الخيال الواسع في الترجمة, ومن بديهيات الترجمة ان تكون هناك مساحة للإبداع في ما يترجم حتى ننصف الاخرين فكم من منتج لغوي حلت عليه اللعنة نتيجة لبساطة ادوات المترجم وكما يعرف الجميع ان الشعر  إنتاج لغوي مفتوح له مقومات عديدة وإمكانيات كثيرة مستطيلة لذا يجب الالمام بشعرية الجملة وشاعريتها من خلال الانفعالات المتوقع حدوثها لديه أي المترجم اولا ولدى المتلقي ثانيا بعملية تذوق جمالي مجالها الروح يعيشها بلحظات تصوف وذوبان في خبايا القصيدة , وكل ذلك مرده ان لصاحب النص تلميحات وإشارات وإحالات تمثل مجموع الرسائل التي تبلور فكرته الغائية وفلسفته التي يجب ان يهضمها المترجم بشكل يجعله بمقام صاحب النص إبداعا لكن لا يعني هذا ان المترجم لم يكن اهلا للإبداع وإلا لما امكنا ان نتذوق القصيدة ولما اطرينا مساراتها الرائعة لذا اقتضى التنويه.
 
في فصل تتساقط الاوراق
اود ان تستحيل الاوراق
لحنا ونغمة بلبل
ومرآة ارى فيها محياي
في فجر طري عقب
خطيئة تقبيل
 
اخيرا ,نخلص للقول الى ان الحب لدى الشاعرة مظهر من مظاهر فناء الإنسان في الاخر بتعبير فذ اتى عن تجربة حياتية تهتم بصورة حية ,بوظيفة انفعالية باستعمال رمزي, لتعلن للجميع بقفزة فلسفية ان الحب مصدره الحزن, الموت, الحياة, الألم, الضياع ,الغربة ,الطبيعة, الأحلام, الرغبة, أي ان كل فعل نفسي واجتماعي اساسه الحب والذي بدوره يقود لقناعات وعقائد تمثل بمجموعها دستور حياتنا, لذلك احببنا نزيف مشاعرها النبيل الذي هو نزيفنا الخالد معلنين عن شاعرة الحب والطبيعة والجمال والضمير ,كه زال ابراهيم خدر.



  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=77734
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2016 / 04 / 27
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 28