• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : لقد بعتك ديني! .
                          • الكاتب : محمد تقي الذاكري .

لقد بعتك ديني!

 نقل المرجع الديني الكبير السيد صادق الشيرازي حفظه الله قصة شريك النخعي الذي اصبح من علماء البلاط في العصر العباسي في محاضرة له وقال: شريك بن عبد الله بن سنان النخعي, كان يتصور نفسه عالما في قبال الإمام الصادق عليه السلام وكان يتظاهر بالعبادة والزهد والابتعاد عن الحكام،
 وكان العباسيون يصرون عليه أن يقترب منهم ولكنه كان يرفض وفي إحدى الأيام طلب المهدي العباسي قائلا: علىّ بشريك النخعي.
 
 ولما جاؤوا به قالوا له: أعرض عليك ثلاثة أمور فأما أن تقبل بأحدها وإلا فمصيرك السجن! (وكانت هذه الأمور الثلاثة تصب كلها في مصلحة النظام الحاكم) إن لم ترتبط بنا فسيقول الناس: لاشك أن الحاكم غير جيد، فعليك ان تقبل إحدى ثلاث: إما أن تقبل القضاء، أي إن تكون قاضيا لنا، أو تكون محدثا ومعلم أولادنا، أو تأكل عندنا وتكون ضيفا علينا!
فكر شريك قليلا ثم قال: إذا كان ولابد فأختار الثالث, وإنما اختار الثالث, لأنه رأى انه أسهل من الأمرين الآخرين ولا يلزم منه أن يبقى كل حياته قاضيا للظالم، أو محدثا له ومعلم لأولاده، فإن الأمر ينتهي بأكلة واحدة لا تترك انطباعا كبيرا لدى الجمهور عن علاقة النخعي بالنظام.
 
ولكن المهدي العباسي كان أذكى من النخعي فأمر طباخه بأن يعد أطيب الأطعمة وألذّها، ولما قدم النخعي عليه ألهاه في الحديث لعدة ساعات لكي يشتد جوعه ثم دعاه إلى المائدة، فأكل منها حتى التخمة.
 
وتكمن المشكلة في أن النخعي لم يكن عابداً او زاهدا حقيقيا، بل كان متظاهرا بهما، وإلا لأكل قليلا من الطعام، ثم اعتذر بالشبع ولكنه وجدها فرصة لا تعوض، فلم يقتصر على الضروري في تناول الأكل المحرم الذي لا يعلم مصدره ولم يدري ما الذي فيه! 
يقول المسعودي، إن الطباخ قال للربيع (صاحب الخليفة) بعدما خرج النخعي لقد عملت له أكلة لا أراه ينجو منها بعد ذلك! 
وهكذا كانت بالفعل، والله وحده يعلم ماذا كان قد وضع الطباخ في تلك الوجبة مما حرم الله من الخبائث فضلا عن كونها مغصوبة من يد الظالم!
 
 وبعد بضعة أيام بعث المهدي العباسي يطلب النخعي مرة أخرى، ولكن الأخير لبى مسرعا في هذه المرة، ثم بعث خلفه ثانيا وثالثة ورابعا - ومن يهن يسهل الهوان عليه - حتى بلغ به الحال أن أصبح قاضيا للمهدي ومحدثا، أي من علماء البلاط ومؤدباً لأولاده. بل بلغ الحال بهذا الرجل الذي كان يبتعد عن المهدي العباسي وحكومته أن يتقاضى منه مرتبا شهريا.
 
وفي إحدى المرات التي كان يحمل فيها صك المرتب للصراف، أعتذر منه قائلا: لقد أتيتك بنفسي وأنا من تعلم، أفتردني وتوكلني إلى وقت آخر؟ 
وتشاجرا وارتفعت أصواتهما وقال له الصراف: هل بعتني برا لتستعجلني بالثمن؟ فقال شريك النخعي في جوابه: بل بعتك بما هو أغلى! تعجب الصراف وقال: وما بعتني؟ قال: بعتك ديني!



  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=76942
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2016 / 04 / 09
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 28