• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : تمخض الجبل عن ربوة ( نصف تكنوقراط ) .
                          • الكاتب : ا . د . حسن منديل حسن العكيلي .

تمخض الجبل عن ربوة ( نصف تكنوقراط )

    يعتقد بعض من ولي أمرنا أن التكنوقراط هم حملة الشهادات العليا، مهما كان مصدرها والجهة التي منحتها وطريقة منحها... وسواء مارسوا اختصاصتهم عمليا وتدرجوا في نيل الألقاب العلمية أو لا. وصنفوا الأكاديميين الى موالين وغير موالين بمعيار العمل الحزبي، علما أن جلّ العمل الحزبي هو المحاصصة والسعي الى المناصب. ويصنفون التكنوقراط الى نصف تكنوقراط وربع ... وآخر ما سمعناه (شيخ عشيرة تكنوقراط) له الأفضلية بغض النظر عن اللقب العلمي والخبرة والاستحقاق الفعلي... فاختلط الحابل بالنابل وتداخلت التقاليد الجامعية بالتقاليد العشائرية الأصيلة. 

     إن حكومة التكنوقراط تعني حكومة علمية أكاديمية مهنية مستقلة تستند الى البحث العلمي الرصين في الادارة والتفكير السليم ومعايير الجودة. تنأى عن التحزب والمحاصصات، متجردين عن المؤثرات غير العلمية والاملاءات الحزبية، ولا تسعى الى المناصب والامتيازات الا بقدر التكليف وبحسب معايير ونقاط يجمعها من خلال مسيرة علمية طويلة بحيث لا يتقدم من هو أدنى مرتبة علمية على الأعلى منه. تدرجوا في نيل الألقاب العلمية، والعمل الأكاديمي الرصين، مارسوا اختصاصاتهم العلمية دراسة وتدريسا وتطويرا وقدموا نتاجات علمية في حقل تخصاصتهم المختلفة، وتركوا بصماتهم بأحد الحقول العلمية  بحيث لم يعدّ التخصص العلمي كما كان قبل الجهود العلمية التي بذلوها، وأسهموا في تخريج أجيال من المختصين حتى بلغوا درجة الاجتهاد في تخصصاتهم العلمية، يستندون الى تقاليد أفرزتها المسيرة العلمية وتأريخ من التقدم العلمي. تنأى عن السياسة والتواءاتها.  

   ومهما يكن من أمر فان ترشيح كابينة لحكومة تنكراقط خطوة في الاتجاه الصحيح على الرغم من كونها خطوة تحتاج الى مزيد من الشفافية، خطوة اعلامية أكثر من كونها حقيقة متاحة للجميع كما أعلن عنها، يلفها الغموض وضبابية المعاييرالتي وصفت بالدولية من غير ان تستند الى خصوصية الواقع العراقي المعقد، ذلك أنه لا يمكن تطبيق معايير دولية وافدة كما هي من غير مراعاة الخصوصية العراقية. فهي خطوة على الرغم من أهميتها لردع المحتكرين للسلطة لكنها ليست عفوية كأنها حيكت خلف الكواليس. ذلك ان الاكادميين الأعلام والعلماء المستقلين الذين نعرفهم لن يدعون اليها. 

       ومع ذلك ان فكرة التكنوقراط شكلت ضربة قاصمة للرافضين الذين حسبوا التكنوقراط انقلابا على المحاصصة السياسية بل رأى بعضهم فيها خطرا لا يقل عن خطر داعش خوفا على امتيازاته، لذلك جدوا في إحباطها لكنهم أخيرا  رضخوا بسبب الضغوطات الشعبية والمواقف الوطنية من المؤيدين لها، لذلك اتجهوا مظطرين الى السيناريوهات خلف الكواليس والتوافقات وأن يكون الترشيح عن طريق الكتل أو ما يسمى (نصف تكنوقراط)  بعد أحباط تشكيل حكومة أكاديمية مهنية مستقلة تمام الاستقلال. كما كان مخطط لها، وربما بدأت قبل سنة إذ وردتنا في الجامعات استمارات لكن لا نعرف مصيرها. 

     كانت السنة الاولى بعد سقوط النظام البائد عصرا ذهبيا قياسا بالسنوات العجاف التي أعقبتها. كانت أكثر أمنا على الرغم من انعدام الحكومة وحل المؤسسات الامنية والعسكرية، تعايش الناس فيها بفطرة العيش الانساني الكريم، ثم تسرب الخوف واليأس اليهم  والطائفية والتهجير، وسلب الأمن شيئا فشيأ مع بناء المؤسسات الامنية، ونأت صروحنا العلمية عن أهدافها شيئا فشيئا نحو السياسة والتحزب وكعكة المحاصصة.

    كانت السنة الأولى التي أعقبت الحرب العصر الذهبي الديمقراطي للجامعة، كنا نديرأقسامها العلمية بعيدا عن السياسة والتحزب والمحاصصة، بعد  الانتخابات العلمية الحرة العفوية التي شهدتها الجامعات والكليات أعقاب الحرب التي توسمنا فيها خيرا،  وكانت الديمقراطية وجه العراق الجديد. ثم تسرب تسييس الجامعات والصروح العلمية بمساعدة  انصاف التكنوقراط لطموحات فردية أو للمحافظة على بعض المناصب.

       اصنعوا الفرصة لكم -  أيها العلماء المهنيون - لدخول المعترك فأنتم الأولى فما يزال المخاض يغربل ولم تتم الولادة بعد، ولم يبزغ الفجرالجديد بعد فالمخفي أعظم. لا تتركوا ساحتكم لغير أهلها ادخلوا الواقع لتطبيق المعايير العلمية التي باتت مفرغة من مضمونها، لتفصلوا الزبد عما ينفع الناس ليمكث. اصنعوا الظروف والأجواء للنهضة العلمية الشاملة كل بحسب موقعه وتخصصه وما آتاه الله من فضل وقوة العلم. في ضوء بارقات الأمل التي بدت تلوح في الأفق مع تقهقر الفكر الظلامي وانتصارات قواتنا الباسلة والحشد الشعبي. ترسخت ان تباشير الأصلاح بعدما كانت يأسا يواجه حيتانا. لكنه اليوم يمضى في مسيرة مطردة، يحدث تغييرا بطيئا في واقع معقد لا يمكن تغييره بسهولة لفقدان الثقة، وفي الأقل وقف التبذير ونجحت إدارة التقشف وأعيد النظر في الطائفية والمحاصصة فهي في انحسار بطيئ  شيئا فشيئا  بعدما كانت خطا أحمر؟ وفي رضوخ أصحاب الامتيازات وتنازلهم عن خطوطهم الحمراء شيئا فشيئا. كل هذا وانتصارات التحرير متتابعة والاتجاه نحو الوحدة يشتد. 




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=76486
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2016 / 03 / 31
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 04 / 19