• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : قضية رأي عام .
              • القسم الفرعي : قضية راي عام .
                    • الموضوع : الـمُـوَظَـفُ .. بَـيـنَ الـنّـزاهَـةِ والـفـسَـاد .. !؟ .
                          • الكاتب : نجاح بيعي .

الـمُـوَظَـفُ .. بَـيـنَ الـنّـزاهَـةِ والـفـسَـاد .. !؟

الموظف هو مَنْ يُسند إليه عمل ليؤدّيه , بعقد يتم بينه وبين صاحب الوظيفة , الذي يمنح بموجبه الأخير المال بصفة شهرية منتظمة للموظف الذي قبل القيام بخدمة أو عمل ( فكري أو عضلي ) معين . إذن الوظيفة هي مجموعة من الواجبات والمسؤوليات , يقوم بها الموظف ويكون أمينا على أدائها بالكامل وفق شروط معينة , تضمن إنجازها مقابل أجر محدد .

أما ( الموظف العام ) الذي يُعرف بالموظف الحكومي , لا يخرج عن الإطار الذي ذكرناه. ولكنه يختلف عن غيره , لأنه نال اهتمام ورعاية الدولة , منذ بدايات نشوئها وبزوغها في التاريخ , من خلال تطور الأنظمة واللوائح والقوانين , حتى صار على ما هو عليه اليوم . ذلك لأن بعهدته وظيفة ( عامة ) كلف بها من قبل الدولة . 

فالدولة إذا ما كان من مهامها الأساسيّة , هو رسم السياسات العامة للبلد , ووضع الخطط وحل النزاعات , وتبنّي استراتيجيات تحفظ بها كيانها وديمومتها , فهي بحاجة إلى الموظفين. إذن هي تمارس نشاطها من خلال موظفيها , لتحقيق أهدافها المرسومة. لذا رَعى تطور الدولة ونشوئها التاريخي الموظف , باعتباره اليد المنفذة لسياساتها وقراراتها . وإن كان الأمر لا يختلف كثيرا , مع اختلاف أيديولوجية الدولة الاقتصادية والاجتماعية . فالموظف اليوم يمتلك الصفة القانونية , بل له قانونه الخاص , الذي يبين ما له وما عليه من حقوق وواجبات في بنية الدولة المعاصرة . 

فالمادة رقم ( 1 ) الفقرة ثالثا ً , من قانون انضباط موظفي الدولة العراقي والقطاع العام , رقم ( 14 ) لسنة 1991 المعدل , عرّفت وبيّنت من أن ( الـمُـوَظـَفْ ) هو : (( كل شخصٍ عهدت إليه وظيفة , داخل ملاك الوزارة , أو الجهة غير المرتبطة بوزارة . )) . كما حدّدت المادة رقم ( 3 ) من نفس القانون , الإطار العام للواجبات المناطة به : (( الوظيفة العامة : تكليف وطني وخدمة اجتماعية , يستهدف القائم بها المصلحة العامة , وخدمة المواطنين , في ضوء القواعد القانونية النافذة . )) .

فإذا ما كان وعي الموظف , بالدرجة الأساس لذاته , وإدراكه للبعد القانوني , لكيانه كموظف بمرفق عام , ومعرفة حقوقه وواجباته , مع تغليب المصلحة الوطنية على كل مصلحة ذاتية , كفيل بسدّ باب الفساد بكل أنواعه وأشكاله , وبأي مكان وجد من مرافق الخدمة العامة للدولة . 

هذا إذا ما نظرنا إلى قضية معالجة الفساد من وجهة نظر راديكالية معمّقة , وإلا ّ يوجد هناك أساليب كابحة أخرى لأي فساد محتمل , مثل العقوبات الانضباطية المشتمل عليها , قانون انضباط موظفي الدولة , ومجمل اللوائح والضوابط والتعليمات التي تضع الموظف أمام مسؤولياته , وتحدّ من تفشي الفساد . مع الضمانة القانونية التي تكفل للموظف , في ما لو تعرّض الى عقوبة مجحفة من قبل سلطة الإدارة , بفسح المجال له بالتظلم القانوني أمام : 1 ــ الإدارة نفسها , 2 ــ أو مجلس الانضباط العام , 3 ــ ومن ثم ّ مجلس شورى الدولة , بما يحفظ له حقه .

ولكن ماذا لو فرضنا حالة غياب ذلك الوعي لدى الموظف , ولمسنا منه إطلاق النزوات الذاتية والشخصية لديه , ورأينا انكفاء القانون الضابط وانزوائه بعيدا , ماذا يكون عليه الأمر؟. حينها يمكن تصوّر الأسوأ بما في الكلمة من معنى . وتكون الطامّة الكبرى , ويكون الأمر مدعاة إلى سيادة ( الفساد ) فيصبح المالك الحقيقي المتفرّد للسلطة , وليس الأمين عليها . فيخلق في جسد الجهاز الإداري العام , منظومة سرطانية خطرة ذات أسس وقيم منحرفة , مجسّدة في قواعد قانونية مشوّهه وغامضة , وإجراءات إدارية تعسفيّة معقدة , تغذيها رؤى سياسية واجتماعية وفكرية مهيمنة وقاهرة , تبيح لنفسها كل شيء لأجل كل شيء , فنراها تقدّس المال إلى حدّ العبادة , ومن ثمّ تفرض سيطرتها وهيمنتها , على كل موارد ومقدرات البلد , انطلاقا ً من داخل جميع مؤسسات الدولة . 

هذا ما يعانيه اليوم الجهاز الإداري العام في العراق . والمستشري به ذلك المرض السرطاني المسمى ( الفساد ) , حتى بات ليس بالإمكان تصوّر زاوية من زوايا الدولة , من أعلى قمة الهرم الإداري إلى أسفل قاعدته , من أنها غير فاسدة !. 

والمتتبع يمكن أن يلحظ , أنّ للفساد المالي والإداري في العراق , قفزات ـ ثلاث ـ في تاريخه المعاصر , جاءت على شكل إجراءات فوقيّة , مؤطرة بأطر قانونية , حكمت الجهاز الإداري العام , وأجبرته أن يفتح جميع الأبواب لاستشرائه وتوطينه , حتى صار الفساد والجهاز الاداري وجهيّ لعملة واحدة , مبتلعا ً الدولة ككل . 

والقفزات الثلاث هي : 

1 ــ قرار مجلس الأمن الدولي المرقم ( 661 ) في 6 / 8 / 1990, المتمثل بفرض الحصار الاقتصادي الكامل والشامل على العراق . وما تلاه من قرارات أبان غزوه للكويت عام 1990. في حين ترتكز فلسفة الحصار الشامل , على اعتبار أن العراق بكل مكونات شعبه , قد تحوّل الى ما أشبه بالفرقة العسكرية , جراء حكم النظام الشمولي لحزب ( البعث ) المقبور وإجراءاته التعسفيّة , بزعامة الدكتاتور المنحرف ( صدام ) ــ إذا قال صدام قال العراق ــ بلا منافس . وبفرض هكذا حصار شامل على العراق , سيعمد النظام الحاكم الى اتخاذ حزمة إجراءات تقشفيّة لحفظ ديمومة سير الدولة , بينما دفعت ( الموظف العام ) باتجاه دغدغة المصلحة الشخصيّة لديه , وتغليبها على المصلحة الوطنيّة عنده . وولائه لنفسه وقوميته ومذهبه ومنطقته , لا لحزبه ( البعث ) الشمولي الأوحد . وبهذا يكون همّ الموظف هو الحفاظ على كيانه كفرد لا كموظف , والأولوية لنفسه واحتياجاتها لا لوطنه , وبذلك يتمّ تفتيت عسكرة المجتمع , وهي أولى خطوات هدم النظام من الداخل , وتعتبر أيضا ً أولى الخطوات لخلق ( المجال الحيوي ) للفساد , ليرسي دعائمه ليقوم بمهمة الاستشراء والانتشار على أكمل وجه . 

2 ــ مجمل حزم القرارات والإجراءات الاقتصادية والقانونية ( بما فيها العقابيّة ) التي خطتها الدولة أبان فترة حكم ( البعث ) المقبور . والتي جاءت كردّ فعل احترازي لقرارات المجتمع الدولي , ومنها على وجه الخصوص إجراءات ( التمويل الذاتي ) المعروفة بـ ــ الاكتفاء الذاتي ــ لجميع مؤسسات الدولة . وهي بمثابة ( التطبيق العملي ) للفساد , بعد أن أرسى المجتمع الدولي دعائمه من خلال فرضه للحصار الشامل. 

3 ــ المحاصصة السياسية . أعطى النظام السياسي ــ الديمقراطي ــ الجديد في العراق , بعد التغيير عام 2003 , ( الديمومة والعزم ) للفساد والتمكين من أن يبتلع الدولة ككل . وذلك بإصرار جميع القوى السياسية , على اتباع منهج المحاصصة والتوافقية ( بكل شيء ) في إدارة الدولة العراقية . فبدلا ً من أن يخطو النظام الجديد , خطوات جديّة وعملية نحو مكافحة الفساد من خلال تشريعات القوانين وتطبيقها , أو إصدار إجراءات وتعليمات في ذلك , نراه قد كرّس الفساد , من خلال اتكائه على الفساد والفاسدين , لتمشيّة الأمور في كل مرافق الدولة . والفضل يعود لجميع القوى السياسية التي تقاسمت المناصب الحكومية كحصص , كما يتقاسم اللصوص المحترفون الغنيمة والأسلاب , في ظل غياب الرؤية السياسية الناضجة , والمنهاج الاقتصادي الناجع , والمشروع الوطني لقيادة البلد . ممّا دفع الأمر الى تكريس الفساد واستفحاله , الى حد أن يمتد نفوذه ليكون هو والممسك بالسلطة , على حدّ ٍ سواء مع القيادة السياسية للبلد . 

ولذا نرى الفساد في العراق اليوم , له القدرة الفاعلة على صدّ وتجاوز أي محاولة إصلاحية لمحاربته أو لكبح جماحه , لتمدد أذرعه كأخطبوط عملاق بكل مفاصل الدولة السياسية والأمنية والعسكرية والاقتصادية والاجتماعية .

وإذا ما أردنا أن نخطو خطوات جادة نحو الإصلاح الفعلي والجاد , علينا أن لا نغفل ما أشارت إليه المرجعيّة الدينية العليا , كما وردت في خطبة صلاة الجمعة الموافق 4/9/2015م ,حيث أشارت الى أن أهمّ الخطوات الأساسية للإصلاح ( هو البدء بملاحقة ومحاسبة الرؤوس الكبيرة , من هؤلاء الفاسدين , وان تسترجع منهم الأموال المنهوبة ) ليس فقط لحمل الفاسد صفة الموظف في الجهاز الإداري العام , وإنما لحمله صفة الحزبية باعتباره منتمي لأحد الأحزاب لسياسية التي تقود البلد . 

ولنا أن نتصوّر أنّ جيشا ً تعداده أكثر من ( 4,500,000 ) أربعة ملايين وخمسمائة ألف عنصر , وهو عدد موظفي الجهاز الإداري في العراق , أن يصحو يوما ً وهو يصرخ عاليا ً بـصوت ولحد بــ ( لا ) بوجه الفساد !. ماذا يكون حال العراق حينذاك !.




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=75917
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2016 / 03 / 17
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 04 / 19