• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : الرؤية والتبعية!! .
                          • الكاتب : د . صادق السامرائي .

الرؤية والتبعية!!

المفكرون والعارفون بالدين والمثقفون يتناولون الأشخاص ويهاجمونهم ويوعزون سبب التداعيات إليهم , لأنهم إجتهدوا في موضوعات دينية وفكرية تسببت بتحشدات عنيفة أضرت بالمجتمع والدين , ويغيب عنهم جوهر المعضلة التي تواجهها الأمة , والتي تتلخص بضعف اللغة وسيادة الأمية والميل الكبير للتبعية.
 
فضعف اللغة العربية تسبب في تحقيق الأمية القرآنية , التي أدت بدورها إلى تعزيز نوازع التبعية والتفاعل مع الذي يفكر ويجتهد , ويتصور وفقا لتجربته وما عنده من قدرات معرفية , حتى يتم تقديس الشخص وتبعيته بعميائية وإنتمائية حمقاء مجردة من أبسط مفردات ثقافته ووعيه للحالة.
 
ففي مجتمعات الدنيا كافة يظهر مفكرون ومجتهدون وناقدون , ومَن يرون أنهم قد إكتشفوا شيئا ما في هذا النص أو ذاك من النصوص الدينية , بل أن محطات التلفزة تعج بالدعاة والمفكريين  لجميع الأديان , لكن هؤلاء لا يُتبعون إلا بتبصر وتفاعل معرفي وثقافي يوصلهم إلى قناعة ما , وخصوصا في هذا الزمن المعلوماتي المعرفاني الفياض بالمستجدات والتبدلات والإبتكارات , التي نقلت البشرية إلى مراحل أخرى من مستويات الحياة.
 
وفي مجتمعاتنا تتحقق التبعية العمياء والحمقاء , ذلك أن الأمية الطاغية وجهل لغة الضاد وإهمالها , قد أسهما في إضعاف النفوس وتنضيب العقول , وتجفيف الروح وحرمانها من عناصر الصيرورة الحضارية المعاصرة , مما أسقط البشر في حفر ظلماء , وسجنهم في مستنقعات تزداد عفونة وأمراضا أصبحت مزمنة وبعضها سرطانية الطباع والسلوك.
 
ولهذا فأن المفكرين والمثقفين والعارفين بالدين عليهم أن يتوجهوا نحو المجتمع لا نحو الشخص الذي إجتهد وفكر , عليهم أن ينقلوا المجتمع من قيعان الأمية إلى آفاق المعرفة والحرية , ويتفاعلوا معه بلغة عربية فصيحة , ويجتهدوا في تنمية المعجمية العربية عند الإنسان لكي يدرك ما يسمع ويقرأ , ويؤمن بنفسه وقدرته على النظر والرأي , وبهذا تقل نوازع التبعية وتضمحل الظواهر المدمرة للحياة والدين.
 
إن التركيز على الأشخاص يزيد من أهميتهم ويُحشّد المزيد من الأميين حولهم , وهذا ما يقوم به رموز الأمة الثقافية , إذ  ترقب حلقات متواصلة في التلفاز تتحدث عن شخص وتنال منه وتغفل جوهر العلة , التي هي ليست في الشخص وإنما في المجتمع الذي يمتلك الألية العالية للتبعية.
 
فالأمية وضعف اللغة يجعلان البشر مثل الإسفنج يمتص كل شيئ , أو مثل القشة تتناهبها الرياح أنى تشاء , بينما المعرفة وقوة اللغة تصنعان بشرا صلدا لا تتسرب إليه الأشياء وإنما تصطدم به وترتد , ولا يأخذ منها إلا ما يتفق وما فيه من معارف وآليات إجتهاد وتصور ورأي.
 
فالبشر صاحب الرأي لا يتبع , والذي بلا رأي تستعبده التبعية وتصادر إرادته ومصيره.
فهل سنساهم في صناعة مجتمعٍ ذي رأي أم يتبع ويقبع؟!!



  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=72994
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2016 / 01 / 14
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 04 / 18