• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : قضية رأي عام .
              • القسم الفرعي : قضية راي عام .
                    • الموضوع : المرجعية الدينية العليا .. خِطابُ اللامَرْحلة ..!؟. .
                          • الكاتب : نجاح بيعي .

المرجعية الدينية العليا .. خِطابُ اللامَرْحلة ..!؟.

 من الطبيعي أن يضع المواطن العراقي على وجه الخصوص , والمتتبع العربي والدولي , على وجه العموم , خطاب المرجعية الدينية العليا في النجف لأشرف , موضع اهتمام وتقدير عاليين . وراح يستمع له , ويتفاعل معه ,عبر القنوات المختلفة , وأهمها منبر الجمعة الأسبوعي . حيث رأى به المعين الذي يروي نهمه , لما للخطاب من ميزات مهمة انطوى عليها , افتقرت له بقية الخطابات , وعلى كافة الأصعدة .
ففي التاريخ الحديث والمعاصر , اعتادت الأسماع , على خطابات إعلامية ممنهجة , حوتها أدبيات الأحزاب السياسية أو غيرها , في دول العالم الثالث , تبين الموقف السياسي الواضح والصريح لتلك الأحزاب , سلبا أم إيجابا , تجاه قضايا وتحديات تواجهها , خلال ممارسة نشاطها السياسي في مجتمعات تلك الدول . وخصوصا إذا كان الأمر يتعلق بقضايا وطنية مصيرية , من قبيل السيادة , الحرب السلم , التدخلات الأجنبية , الدستور , المواطنة , وهلم جرّا .
فـتَعْـمَد هذه الأحزاب إلى آلتها الإعلامية , وتحركها نحو بيان موقفها , من خلال توجيه خطابها للرأي العام , إن لم يكن موجها لقواعدها الشعبية . منطلقة من أهدافها ومبادئها , وشعاراتها الحزبية التي ترفعها , وتسير على ضوئها , ضمن حلبة التنافس الذي يحكم اللعبة السياسية .
ولكن .. الصورة تتغير , والقراءة تختلف , حينما تتطلب قضية ما , أو تحد معين , من أن يتخلى الحزب عن مبدأ من مبادئه التي يتبناها , أو يتنصّل عن شعار من شعاراته التي يرفعها . وهذه الإشكالية التي بين الشعار المرفوع , والموقف الذي جاء بالضّد منه , سببه قصر نظر تلك الأحزاب , بتقديم مصالحها الحزبية والفئوية والمذهبية وغيرها , على مصالح البلد العليا وأولوياته على كافة المستويات .
فنراه ينّجر مضطرا , إلى تبريرات طوباويّة لموقفه التراجعي , وتفسيرات ملتوية يدفع بها عن نفسه , الحرج المقيت , ولإفلاس الفكري , أمام الرأي العام , وأمام كوادره وأنصاره , فيلجأ إلى خطاب ما , ملؤه ( اللّف والدوران ) ولعجزه يسمّيه ( خطاب المرحلة ) .
فخطاب المرحلة , بقدر ما يوصف بأنه مرض عضال فتّاك , يصيب جميع الأحزاب العاملة في بلدان العالم العربي والإسلامي بلا استثناء , سواء الدينية منها أو الإسلامية والعلمانية , ويكون الانشقاق والانفصال داخل تلك الأحزاب من أعراض ذلك المرض . ألا أنه يعتبر الوصفة الناجعة , لتبرير نكوصها وإفلاسها الفكري والعقائدي والسياسي أمام الجميع , ويضمن لها استئناف العمل السياسي وديمومته , من جديد .
والكل يتذكر إرهاصات الثقة والموقف , التي أصابت الأحزاب على اختلاف توجهاتها , جرّاء إعلان دولة إسرائيل عام 1948 . والكل يتذكر أيضا , خيبة أمل الأحزاب اليسارية ومنه ( الشيوعية ) وتراجعها , أمام المدّ القومي أبان حقبة الستينيات من القرن الماضي . وكذلك خيبة أمل الأنظمة السياسية واحزابها القومية , أمام المدّ الإسلامي ' وخصوصا بعد نجاح الثورة الإسلامية في إيران . هذا فضلا عن الهزات العنيفة , التي اجتاحت الساحة السياسية العربية والإسلامية , مثل نكسة حزيران عام 1967, وغزو الكويت عام 1990 و انهيار الإتحاد السوفيتي عام 1991 , حرب الخليج عام 1990 , وسقوط بغداد والاحتلال الأميركي لها عام 2003 , والربيع العربي ليس ببعيد .
وبما أن المرجعية ككيان ديني فريد من نوعه , يرفض أن ينطبق عليه أيّ ٍ من العناوين التي تطلق على غيرها من الكيانات السياسية والاجتماعية والفكرية . فهي ليست وزارة في حكومة , ولا حكومة في ضمن دولة , كما لم تكن حزبا في نظام , أو زعامة في كتلة أو تيار . ولا حتى رئاسة قبيلة ما , في نظام عشائري محدد, والى آخر التوصيفات .
بل المرجعية ترى أنها معنيّة بأن توجه خطابها الإرشادي , لجميع من ذكروا آنفا , وبلا استثناء . فهي الكلّ أمام الأجزاء . كما أن الأجزاء بحاجة إليها على نحو الضرورة , بينما المرجعية لا تحتاج إلى أحد , لإنطوائها على سرّ الجذبة الإلهية في وجودها . باعتبارها تمثل ذلك الإمتداد المقدس , لخط الإمامة المتمثّل بالإمام الغائب ( عج ) .
لذا نراها تقدم التشخيص الصائب , والقراءة الصحيحة , والمعالجات الناجعة , ببساطة منقطعة النظير لمجمل المشاكل العسيرة , والقضايا والتحديات الكبيرة . لذا فخطابها لا يمكن أن يوصف ( بخطاب المرحلة ) لأنها وببساطة فوق كلّ الميول والاتجاهات . ونلمس ملامح ذلك , من خلال خطابها ( الخاص ) الموجه لكل القوى والعناوين , السياسية والحكومية والعشائرية والحزبية وغيرها , والتي تدّعي حرصها على العراق , و (( يهمّها مستقبل هذا البلد وتخليصه من أزماته الراهنة وتسعى إلى توفير العيش الكريم لجميع مواطنيه في أمنٍ وسلام مع الحفاظ على وحدة أراضيه .. )) .
فهي معنيّة على وجه التحديد و (( مدعوّةٌ ... للتوافق على خطّة وطنية متكاملة , تُفضي إلى تحرير الأجزاء المتبقّية , التي لا تزال ترزح تحت سلطة عصابات داعش الإرهابية .. )) .
جاء ذلك في الأمر الثاني , من الخطبة الثانية من صلاة الجمعة الموافق لـ(18كانون الأوّل 2015م) وعلى لسان الشيخ الكربلائيّ . حيث نرى المرجعية تحذّر بكلام بليغ وواضح , من إن التوافق على خطة التحرير المشار إليها , منوطة بشكل لا لبس فيه , بابتعادهم ((عن بعض المخطّطات المحلّية أو الإقليمية أو الدولية, التي تستهدف في النهاية تقسيم البلد , وتحويله إلى دويلاتٍ متناحرة , لا ينتهي الصراع بينها إلى أمدٍ بعيد .. )) .
وهو تشخيص دقيق , يفضح ما انطوت عليه سرائر جميع القوى العراقية بلا استثناء , بأنّ الأمر لا يعدو عمالة بعضكم للخارج , إن لم يكن جميعكم , وصيرتم العراق مرتعا للمخططات المحلية والإقليمية والدولية . فالمرجعية هنا رعت الخطّ العام للإصلاح , وقدمت الأمر بأدبٍ جمّ وببلاغية راقية جدا , فالتلميح هنا أبلغ من التصريح على أن توجه الاتهام المباشر لهم .
وقطعا إنّ تحذير المرجعية للقوى السياسية الفاعلة , لا تستمرّ للأبد , لذا نراها تلفت الأنظار إلى خطاب آخر عام , في إشارة إلى البديل الذي يكون على يده , انتشال العراق من محنته , ليقف على قدميه ثانية , أسّوة بباقي بلدان العالم (( إنّ خلاص العراق , وتجاوزه لأوضاعه الصعبة الراهنة , لا يكون إلّا على أيدي العراقيّين أنفسهم )) .
هذا وان خفي علينا ـ مَنْ هم ـ المعنيّون بهذا الخطاب , ألا أننا على يقين من أن المرجعية وعلى نحو الجزم ـ تعرفهم ـ قطعا . وهذا الخلاص منوط أيضا بشرط ضروري هو ((إذا ما اهتمّوا بالمصالح العُليا لبلدهم , وقدّموها على كلّ المصالح الشخصية والفئوية و المناطقية .. )) .
وإلا لم يُصَب الهدف , ولم يخرج العراق من محنته , والرجوع إلى المربع الأول أسهل ما يكون . وقد بيّنت المرجعية من خلال طرحها هذا , من أن العامل الإقليمي والدولي , الذي يلقى للأسف آذان صاغية من اغلب القوى السياسية في الداخل , إنما تسعى في الأساس وراء مصالحها ومنافعها هي , وتتقاطع مع المصلحة العراقية . كما حذّرت جميع القوى , وجميع العراقيين من ذلك . مبيّـنة من إنّ الأطراف الإقليمية و الدولية إنّما (( تلاحظ في الأساس منافعها ومصالحها , وهي لا تتطابق بالضرورة مع المصلحة العراقية )) .
وختمت المرجعية كلامها الرشيد (( فليكن هذا في حسبان الجميع )) !!.




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=71964
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2015 / 12 / 24
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 29