• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : قضية رأي عام .
              • القسم الفرعي : قضية راي عام .
                    • الموضوع : طوبى للغرباء. .
                          • الكاتب : مصطفى الهادي .

طوبى للغرباء.

 والآن بعد أن انقضت زيارة الأربعين وخُتمت أيام الاحزان ورجع كل زائر إلى بيته لابد أن نعرف أولا من الذي زار الحسين (ع) وما مقدار الثواب الذي حصل عليه كل زائر ممن قُبلت زيارته؟
أولا الغربة!
الغربة على أنواع منها غُربة ظاهرة، وغُربة باطنة، وغربة اجبارية ، وأخرى اختيارية وغيرها.
الغربة الظَّاهرة: هي غربة المؤمنين بين الفساق، وغربة الصادقين بين أهل الكذب والنفاق، وغربة الزاهدين بين أهل الرياء وغربة ترك الاوطان بسبب الظلم والطغيان .
وأمَّا الغربة الباطنة: وهي غربة العالم بين الجهّال وغربة أهل المعرفة وسط الحمقى وغربة أهل الاختصاص والكفاءات وسط المتملقين.

أما الغربة الإجبارية فهي التي يكون الدافع إليها (عامل خارجي) قهّار: كالحكم على شخص بالنفي من بلده، أو وقوعه أسيرًا في غير وطنه، أو خروجه منه خوفًا من حاكم ظالم، وخوفا على نفسه من القتل والتلف، فهو يخرج مضطرًا؛ لأنه يرى أن سلامته لن تتحقق إلا في غير الوطن الذي يعيش فيه، وينتسب إليه.

وكانت هجرة النبي (ص) ـ من مكة المكرمة إلى المدينة المنورة (غربة إجبارية) بكل معنى الكلمة. وهكذا كانت غربة الامام علي عليه السلام في هجرته للكوفة وغربة الحسن وغربة الحسين واهل بيته جميعا فقد كانت غربتهم غربة اجبارية بكل المقاييس ودليل غربتهم هو توزع قبورهم في أقطار الأرض.

في موسوعة عشاق الحسين نقلا عن البحار (1) روي أنه دخل النبي (ص) يوماً إلى فاطمة (ع) ، فهيأت له طعاماً من تمر وقرص وسمن ، فاجتمعوا على الأكل هو وعلي وفاطمة والحسن والحسين (ع) ، فلما أكلوا سجد رسول الله (ص) وأطال سجوده ، ثمَّ بكى ثمَّ ضحك ثمَّ جلس وكان أجرأهم في الكلام علي (ع) ، فقال : يا رسول الله !.. رأينا منك اليوم ما لم نره من قبل ذلك ، فقال (ص) : إني لما أكلت معكم فرحت وسررت بسلامتكم واجتماعكم ، فسجدت لله تعالى شكراً.. فهبط جبرئيل (ع) يقول : سجدت َشكراً لفرحك بأهلك ؟.. فقلت : نعم ، فقال : ألا أخبرك بما يجري عليهم بعدك ؟.. فقلت : بلى يا أخي يا جبرئيل ، فقال : (... وأما الحسين فإنه يُظلم ويُمنع حقه ، وتُقتل عترته ، وتطؤه الخيول ، ويُنهب رحله ، وتُسبى نساؤه وذراريه ، ويُدفن مرمّلاً بدمه ، ويدفنه الغرباء.
فبكيتُ وقلت : وهل يزوره أحد ؟.. قال : يزوره الغرباء ، قلت : فما لمن زاره من الثواب ؟.. قال : يكتب له ثواب ألف حجة وألف عمرة ، كلها معك ).

إذن في هذه الرواية تتجسد لنا حقائق . منها أن لزوار الحسين من الثواب ما ورد ذكره في الرواية ، وكذلك أن زوار الحسين عليهم السلام اطلق عليهم جبرئيل (الغرباء). لقوله : (يزوره الغرباء).

فمن هم الغرباء ؟
بدأ الاسلام غريبا وسط مجتمع متوحش جاهلي يرى أن البنت عار لا مثيل له لا يتخلص منه إلا أن يدسهُ بالتراب، بدأ الإسلام بمحمد والصالحين من أهل بيته واتباعه ، ثم انقلب بقية الناس على أعقابهم فنكثوا وقسطوا ومرقوا،فأصبح آل بيت رسول الله والخلّص من اصحابه غرباء وسط بحرٍ من الأحقاد والضغائن ، فمات ابن مسعود غريبا بعد ان كُسرت أضلاعه ، ومات ابو ذر الغفاري في الصحراء غريبا ومات سلمان غريبا ، واستشهد علي بن أبي طالب في الكوفة غريبا وهكذا الحسين وبقية قبور آل البيت المتزوعة في اقطار الأرض تدل على غربتهم ووحشتهم وبعدهم عن مدينة جدهم.
وهكذا جاء الإسلام غريبا وسيعود غريبا اي بالقلة القليلة المضطهدة التي تسير على نهج النبي محمد وآل بيته عليهم السلام وهذا ما ورد في حديث النبي (ص) حيث قال : (( بدأ الإسلامُ غريبا ، ثم يعودُ غريبا كما بدأ ، فطوبى للغرباء)).(2) وهكذا ارسى النبي قاعدة (الغرباء) ، وهم الذين تبعوه وتبعوا عليا من بعده ومن هنا نرى أن أحد اشهر القاب سيد الشهداء أنه (الغريب مظلوم كربلاء).

ثانيا : أن شعار الحسين عليه السلام عندما خرج كان (إنما خرجت لطلب الاصلاح في امة جدي) . اي اصلاح الناس الذي فسدوا ، وهكذا سيكون اتباع الحسين عليه السلام كما يقول الحديث ان الغرباء هم ( قوم صالحون قليل في ناس سوء كثير). فهم صالحون مصلحون كسيدهم الحسين عليه السلام . إذن فإن اتباع الحسين هم الصالحون الغرباء المقتولين المذبوحين من القفا على يد الفئة الباغية والناكثة والقاسطة فصبرا جميلا وطوبى للغرباء.

ولكن الغريب في بعض الأحاديث التي وردت عن النبي (ص) أنه القى البشارة إلى هؤلاء الغرباء بأنهم سوف يكونوا اتباع الامام المهدي عليه السلام حيث نفهم من حديثه (ص) الذي قال فيه عندما سألوه عن (الغرباء) قيل: ومن الغرباء يارسول الله ؟ قال: ((الفرَّارون بدينهم، يبعثهم الله تعالى مع عيسى ابن مريم)).

وكما هو معلوم فإن السيد المسيح عليه السلام سوف يخرج جنديا مقاتلا بين يدي الإمام المهدي عليهم السلام وقول الرسول(ص) يبعثهم الله مع عيسى ابن مريم. أي انهم سوف يُقاتلون جنودا في جيوش المهدي والتي اهمها وافضلها الجيش الذي يقوده عيسى بن مريم للقضاء على الدجال.

واما قوله (طوبى لهم) فقد أورد الثعلبي و إمام اهل السنة القرطبي في تفسيره حديثا بيّن فيه معنى طوبى فقال في تفسيره : (طوبى شجرة في الجنة غرسها الله بيده ونفخ فيها من روحه تنبت الحلي والحلل وإن أغصانها لترى من وراء سور الجنة. وقال ابن عباس : طوبى شجرة في الجنة أصلها في دار علي ، وفي دار كل مؤمن ــ بعلي ــ منها غصن . وقال الامام الصادق (ع) ( سُئل النبي (ص)عن قوله تعالى : طوبى لهم وحسن مآب قال : شجرة أصلها في داري وفروعها في الجنة ثم سُئل عنها مرة أخرى فقال : شجرة أصلها في دار (علي) وفروعها في الجنة . فقيل له : يا رسول الله ! سئلت عنها فقلت : أصلها في داري وفروعها في الجنة ثم سئلت عنها فقلت : أصلها في دار علي وفروعها في الجنة فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : إن داري ودار علي غدا في الجنة واحدة في مكان واحد).

فهنيئا للغرباء الذي تبعوا النبي وآل بيته ولا يزالون يُذبحون من أجل ذلك. فطويى لهم وحسن مآب.

المصادر:
1- بحار الأنوار ج98 ص44, عنه مستدرك الوسائل ج10 ص275.
2- جاء في معجم المعاني في تفسير (طوبى) : غبطة وسعادة ، وخيرٌ دائم وهي من الطِّيب
وطُوبَى في التنزيل العزيز : في سورة الرعد آية (29) : (طُوبَى لَهُمْ ) : كل مستطاب في الجنة من بقاء بلا فناءٍ ، وعِزٍّ بلا زوال ، وغنىً بلا فقر.




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=71152
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2015 / 12 / 07
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 28