• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : انا متقاعد ! .
                          • الكاتب : محمد تقي الذاكري .

انا متقاعد !

في زياراتي المتعددة الى بعض دول الخليج ألتقي برجال في الخمسينات من العمر، وعند سؤالي عن عملهم، اسمع كلمة بُنيت الخلقة على رفضه جملة وتفصيلا، وهي: انا متقاعد!
ومن خلال الكلام احثهم على مزاولة عملٍ ما، ولم اتوفق، ولعله لخلل في القانون الحاكم في كثير من الدول، فإنهم يؤطرون الى تجديد الطاقم الاداري بتوظيف الشباب، فيعمدون الى حذف الجيل السابق بشكل او بآخر تحت عنوان التقاعد و النتيجة تغيير راتبهم ومنعهم، عملا، من مزاولة اي عمل آخر بشكل من الاشكال.
والغريب في الأمر ان الناس في الشرق الاوسط يبحثون عن وظيفة في مقتبل العمر ويسعون الى التقاعد المبكر، وبعظهم يشتريه بطرق ملتوية، والأغرب ان الدول الغربية التقاعد فيها بعد الخامسة والستون، بينما في الشرق الاوسط قبل الستين.
وفي الغرب الناس مثقفين ويبحثون عن تأسيس مراكز دراسات او مؤسسات تجارية تعمل في التجارة الحرة ولا يسعون الى التوظيف، ربما لأنهم يعرفون ان الدول بحاجة الى مراكز الدراسات ومن دونها لاتقدم في الامور بشكل عام، فلا تطور في الاقتصاد ولاتوسعة في العلاقات الخارجية و... وكل الامور تحتاج الى دراسة، والدراسات لاتأتي من خلال الموظف، انما هي تأتي من خلال جمع العقول في بوتقة أسموها (مركز دراسات) وهذه المراكز هي مؤسسات خاصة.
بينما في الشرق الاوسط الحاكم واقربائه هم العقول النيرة الوحيدة وباقي الناس لادور لهم على الاطلاق، اي كلهم في نظر الهيئة الحاكمة همج رعاء.
نرجع الى بحثنا في التقاعد
نقل لي بعضهم ان الامام الراحل الشيرازي رحمه الله كان يستنكر عليهم ذلك ايضا ويحثهم على ايجاد فرصة جديدة في أعمال حرة مثلا، في سبيل ان يمنعهم من الانعزال او التحجيم، ولكنه رحمه الله (حسب علمي) لم يتمكن من تطبيق هدفه الغالي وحفظ الامة والطائفة من الاندثار والانعزال، وذلك لأن القوانين الوضعية حاكمة والناس ليسوا بصدد فهم الجذور المؤدية الى الموت الادريجي.
وذلك لأن المجتمع  الشرق اوسطي (اليوم) يبذل جهده ليتوظف في الدوائر الحكومية بائعا رزقه للدولة، بينما التاجر ومن يعمل في القطاع الخاص، لايفهم التقاعد ويبقى ناشطا في عمله حتى آخر لحظة ....
 
هؤلاء من حيث لايشعرون، يقعون في محاذير عدة:
الاول: بيع الرزق، و هو مردود في النصوص الدينية وغير مبارك، ويسبب التضييق في الارزاق.
الثاني: تثقيل كاهل الدولة و صرف الاموال العامة من دون مبرر.
الثالث: عدم تطوير اقتصاد البلد، فان التاجر يبذل جهده لحركة اقتصادية ينتفع منها الجميع، بالاضافة الى ايجاد فرص عمل للآخرين، بينما الموظف لم يستفيد من وقته الا الربع، ولم يكن لديه وازع، ولم يرى لنفسه ربحا كي يبذل الجهد.... فيعتمد على الثروات العامة التي هي ملك للجميع.
 
فالتقاعد في دولِنا لا ينفع البلد، ولا تطوير في الاقتصاد، ولا ربح حتى لرب الاسرة، وقد يسبب في كثرة المشاجرات والخلافات داخل نظام الاسرة.
فالمرأة تُفضل الزوج الذي يذهب الى عمله ويرجع بخيرات ناتج عن بركة عمله، بينما المتقاعد يجلس في المنزل ويتدخل في شؤون البيت و... ومن هنا تبدأ الخلافات.
ولذلك نراهم ينتظرون الراتب الشهري ويقضون وقتهم في امور تافهة، نعم قليل منهم يؤسسون لبعض الاعمال، ويتنعمون بالحرية الاقتصادية وبركاتها.
والمجتمع اصبح عميلا للدولة ينتطر بركاتها ويسمع كلامها، وتصبح الدولة هي الحاكمة على الرقاب ومنها يتولد الديكتاتور.
فهل يمكن لنا تفهم الموضوع والتغيير ليكون مجتمعنا مجتمعا منتجا ومتطورا ونبني المستقبل بشكل أفضل.
واشنطن العاصمة
20/11/2015



  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=70440
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2015 / 11 / 20
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 29