• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : التكريس السلبي!! .
                          • الكاتب : د . صادق السامرائي .

التكريس السلبي!!

مجتمعاتنا تمتلك ديناميكيات وآليات خفية فاعلة فيها تعزز السلبيات وتوهن الإيجابيات , وكأن هناك طاقات في أعماق اللاوعي الجمعي , تساهم في تحقيق النتائج الضارة بالمجتمع , فتصيب أفراده بأضرار متنوعة الدرجات والآثار.

وسلوكيات التكريس السلبي تكاد تكون شاملة وسائدة ومتفوقة على السلوكيات الأخرى , حتى أصبحت وكأنها النشاط الطبيعي للناس في أي موقع ومكان.

وبسبب ذلك تأكدت في تفاعلاتنا الإجتماعية الخصائص والمميزات السلبية , أو ربما نسميها خصائص الشخصية السلبية , الساعية لتحقيق أكبر قدر من الإضرار بالذات والموضوع.

ومن أهم دوافعها الضاغطة الكامنة , هو السلوك الإنتحاري الخفي الخامل , والعدوانية الإذعانية المدمرة , والنزوع إلى تأكيد عذابات الضمير المؤدية إلى جلد الذات وما حولها بقسوة وعنف غريب وشاذ , وما ينجم عنها من إنبعاجات سلوكية مدوية.

وفي جوهر سلوكنا العام , أننا نرى الخطأ ونتحامل عليه ونغضب , لكننا لا نسعى للتضامن لمنعه أو تغييره , وإنما نواجهه بأساليب تبدو وكأنها راضية عنه , ومعززة له وموفرة للأسباب والدواعي والمبررات الداعية لتكراره والتباهي به , لكننا في ذات الوقت نختزن طاقات مناهضة له , نسمح لها بالتراكم والإنضغاط حتى تنفجر ذات لحظة مروعة.

وقد أصاب هذا السلوك مواطن حياتنا كافة , وعبّر عن سيئاته وفظائعه في التصارع السياسي الذي يختلف عن سلوك المجتمعات  في الدول من حولنا.

فما أن يتمكن حزب أو فئة أو فرد من إمتلاك السلطة والحكم , حتى تتحرك قدرات وطاقات هذا السلوك وتتفاعل بعنفوان مضطرد فتخرّب وتدمر , وتصنع التفاعلات القاسية الدامية الفتاكة ما بين أبناء الوطن , لا لسبب معقول , وإنما لإرضاء حاجات خفية ولتحقيق إرادات آليات فاعلة في الجهاز النفسي اللاواعي عندنا.

وجسدت الأنظمة الشمولية قدراتها الفائقة في تكريس السلوك السلبي وتمجيده , وتحويله إلى عُرف وتقليد فاعل في المجتمع , الذي أصبح معسكرا يرفع رايات الثورات والجمهوريات .

ومن أهم أركان حكمها شطر المجتمع لحالتين , هما حالة ظالمة تشمل أي فرد وفئة أو حزب أو جماعة تمكنت من الحكم والسلطة , وحالة مظلومة تضم أبناء المجتمع الآخرين.

اي أنها قسّمت المجتمع إلى سادة وعبيد , وحاكم ومحكوم , وسالِب ومُسْتَلَب حقوق , وأمعنت في تأكيدها لهذا التفريق , وأرست دعائمه ووفرت له عناصر وأسباب التكرار والتجدد.

فالذي في الحكم والسلطة يظلم ويقهر , ويمنع ويسجن ويُعذّب ويقتل ويُراقب , ويُصادر ويمتهن حقوق الآخرين ويُرهبهم ويُخيفهم , ويمنع عنهم أبسط الحاجات والخدمات.

وعندما ينادي المظلوم بحقوقه ويفعل شيئا ردا على المَظالم التي وقعت عليه , يجد الظالم في ذلك ذريعة لتعزيز ظلمه , وزيادة قوته وتأثيره وبطشه وعدوانه.

وكما هو معروف فأن حبل الظلم قصير وإن طال , وما أن يصل إلى نهايته , ينقلب عليه المظلوم , ويثأر لمظالمه  بقوة إطلاق مشاعره السلبية الإنتقامية.

ويدخل المجتمع في دائرة مفرغة ومغلقة  من تبادل الأدوار , ما بين الظالم والمظلوم , والقاهر والمقهور , وفي مجتمعاتنا تكررت هذه المأساة مرارا منذ بدايات النصف الثاني من القرن العشرين , ولا تزال تتكرر دون عِبرة وقدرة على عدم التكرار.
 
ولكل حالة مَن يكرسها من المستفيدين والمنتفعين من الكتاب والشعراء والمثقفين.

وتلك معضلة إجتماعية بحاجة إلى وقفة شجاعة , وقرارات حاسمة تقطع دابر الدوران في حلقات الضياع والإتلاف الحضاري المُفرغة , التي ندور فيها ولا نتعب.

ولا بد من تحرير العقل والنفس والسلوك من فكرة الظالم المظلوم , وأن يتحقق نظام وطني خالص لآليات الحكم وتدوال السلطة السلمي , تكون فيه الهوية الوطنية قوية وأساسية في معايير السلوك.

وأن نسعى إلى العدل وإبتكار نظام إقتصادي معاصر لتوزيع الثروات , وعدم إستغلالها والإستئثار بها من قبل الأحزاب والفئات والأشخاص وغيرهم.

إن النظر في أسباب الظلم والعمل على إزالتها من أهم التحديات التي تواجه المجتمعات , ويقع على عاتق المثقفين دور مهم في وعي هذه الحقائق , والنأي بعيدا عن أساليب تكريس أفكار وسلوكيات الظالم والمظلوم , لأن في ذلك مشاركة حقيقية في صناعة الخراب والدمار.

د-صادق السامرائي
 




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=70166
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2015 / 11 / 15
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 04 / 19