• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : آصف بن برخيا في مصادر المسلمين الجزء الثاني. بين آصف بن برخيا وعلي بن أبي طالب عليهما السلام . .
                          • الكاتب : مصطفى الهادي .

آصف بن برخيا في مصادر المسلمين الجزء الثاني. بين آصف بن برخيا وعلي بن أبي طالب عليهما السلام .

قدمّنا في البحث السابق ما يتعلق بشخصية آصف بن برخ...يا في الكتب القديمة خصوصا التوراة التي كانت بعض نصوصها معاصرة لتلك الفترة فقدمت لنا رؤية مشوشة ولكنها كافية لخلق صورة عن هذه الشخصية تزيل الغموض الذي صاحبها. 

اليوم نُقدم وجهة نظر الإسلام في هذه الشخصية بعيدا عن بعض الأراء الغريبة التي عندما عجزت عن تفسير قدرات (آصف) نسبت إليه السحر فالمسلمون اصدروا له كتابا سحريا لم يذكروا من أين جاؤوا به، والغربيون أيضا نسبوا السحر له مستفيدين من كتب اليهود (1)، وبما أن شخصية آصف بن برخيا لم يتم طرحها من خلال بحث شامل كامل بل وجدنا ان كل ما تم ذكره عن هذه الشخصية الفريدة أحاديث وروايات متناثر هنا وهناك اغلبها اسرائيلية ، او من خيال المؤرخين. ولكن مع ذلك فإن البحث في آيات القرآن وبعض التفاسسير الموضوعية منحنا فرصة لنُسلط الضوء على هذه الشخصية الفريدة التي اقترن ذكرها دائما بذكر الامام علي بن أبي طالب وآل البيت عليهم السلام. 

في قصة نبي الله سُليمان يمر القرآن على ذكر شخصية لا يذكر اسمها كما في سورة النمل آية 44 حيث يقول (قال الذي عنده علم من الكتاب). وترك القرآن المجال للنبي والمفسرين من بعده الكشف عن جزئيات هذه الحدث الذي أرّخهُ القرآن. 

ففي تفاسير أهل السنة فقد جاء في تفسير الجلالين قوله : (آصف بن برخيا كان صدّيقا يعلم اسم الله الاعظم الذي اذا دعا به أُجيب). في هذا النص يتفق الشيعة مع السنة في أن آصف امتلك فعلا قدرات مميزة قالوا في تفسيرها بأنه امتلك (الإسم الأعظم) وعند الرجوع إلى التوراة وتفحص المزمور الذي كتبهُ آساف بن برخيا نجد آساف يُشير إلى ذلك حيث يقول آساف في المزمور (الزبور) 83: 18. حيث يقول في هذا النص: ((ويعلموا ان اسمك يهوه وحدك العليّ على كل الارض)). فآساف هنا يذكر بأن إسم الله الأعظم النافذة قدرته على كل الأرض هو (يهوه) :

على ما يبدو فأن النطق بهذا الإسم يكون مصاحبا لبعض الأدعية لكي يعمل، كما يلوح ذلك من خلال الاستمرار في قراءة النص في المزمور المذكور. وهذا ما نراه أيضا في تفاسير المسلمين وخصوصا أهل السنة حيث ذكر القرطبي في الجامع لأحكام القرآن، الإصدار 2.02 - الجزء 13 في تفسير سورة النمل الآيات: 36 - 40 حيث يقول : ((قال الذي عنده علم من الكتاب أنا آتيك به قبل أن يرتد إليك طرفك. قال: أكثر المفسرين على أن الذي عنده علم من الكتاب آصف بن برخيا وهو من بني إسرائيل، وكان صديقا يحفظ اسم الله الأعظم الذي إذا سئل به أعطى، وإذا دعي به أجاب وهو بلسانهم، أهيا شراهيا)) .

وقال الزهري: أن الكلمات التي دعى بها الذي عنده اسم الله الأعظم (يا إلهنا وإله كل شيء إلها واحدا لا إله إلا أنت ايتني بعرشها فمثل بين يديه). 

وقال مجاهد: (دعا فقال: يا إلهنا وإله كل شيء يا ذا الجلال والإكرام)

وقال السهيلي: الذي عنده علم من الكتاب هو آصف بن برخيا وهو ابن خالة سليمان، وكان عنده اسم الله الأعظم من أسماء الله تعالى).

وذكر في فتح الباري، شرح صحيح البخاري، لابن حجر العسقلاني المجلد السادس كتاب أحاديث الانبياء باب قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى (ووهبنا لدواد سُليمان نعم العبد) قال البخاري : الذي عنده علم من الكتاب، وهو آصف بن برخيا. 

وقد ذكرنا في البحث السابق (ج1) بعض أحدايث الشيعة الواردة عن طريق أهل البيت عليهم السلام حول شخصية آصف بن برخيا وامتلاكه للإسم الأعظم . فلا حاجة لتكرارها. 

وذكر الطبري في تفسيره جامع البيان عن تأويل آي القرآن. الجزء 19 من تفسير سورة النمل القول في تأويل قوله تعالى: (قال يا أيها الملأ أيكم يأتيني بعرشها قبل أن يأتوني مسلمين) قال الطبري : حدثنا ابن حميد، عن ابن إسحاق: قال عفريت لسليمان أنا آتيك به قبل أن تقوم من مقامك، وإني عليه لقوي أمين. فزعموا أن سليمان بن داود قال: أبتغي أعجل من هذا، فقال آصف بن برخيا، وكان صدّيقا يعلم الاسم الأعظم الذي إذا دعي الله به أجاب، وإذا سئل به أعطى: (أنا) يا نبي الله (آتيك به قبل أن يرتد إليك طرفك).

من هذه المحاورة يتبين لنا أن نبي الله سُليمان كان قادرا على الاتيان بعرش بلقيس ، ولكن أمام هذا الجمع من الجن والانس والطير وبقية المخلوقات أراد سُليمان أن يُشير إلى من يخلفه من بعده فعمد إلى اجراء هذا التنافس الذي فاز فيه وزيره آصف بن برخيا. 

كل ما ذكرناه آنفا يؤكد وبصورة قاطعة صدق القرآن من أن (آصف أوأساف بن برخيا) كان معاصر لنبي الله سليمان عليه السلام.وهذا ما ذكرته التوراة حيث جاء في سفر أخبار الأيام 6 : 39 : (بنى سُليمان بيت الرب فقاموا على خدمتهم حسب ترتيبهم هؤلاء هم القائمون .....آساف الواقف عن يمينه. آسافُ بن برخيا بن شمعي). وقوله هنا في هذا النص (الواقف عن يمينه) تعني أن له الزعامة الكبرى والادارة العظمى في خدمة بيت الله وهذا في عرف بني إسرائيل يعني خلافة نبي الله سليمان وولايته من بعده على الناس. 

بحثت في المصادر الإيرانية عن شخصية آصف بن برخيا فوجدت أن بعض من بحث في هذا الباب يقول بأن شخصية آصف بن برخيا هي شخصية (الخضر) (2) العبد الصالح الذي امتلك الإسم الأعظم وعاش طويلا والمقال منشور بتاريخ السبت (شنبه 21/12/1389 ) بالتاريخ الفارسي. 

الشيء الذي وجدته من خلال بحثي في مختلف المصادر أن هناك تشابها بين شخصية آصف بن برخيا وشخص الإمام علي عليه السلام من حيث الظلم الواقع عليهما من قبل صحابة سليمان ومحمد عليهما السلام ، الإثنان تم اقصائهما عن الاماكن التي عينها لهم الله ورسوله. فآصف بن برخيا كان وصيا لسُليمان شجاعا حازما صارما حكيما والاختبار الذي اجراه سُليمان لوصيه امام الناس كان لهذا الغرض لكي يعرف الناس فضل آصف وقدرته ومزاياه ولكن مع ذلك فإن هذا الشعب العنيد انقلب على اعقابه وقام بتعيين (يربعام) خادم سُليمان ، وهكذا نرى شخصية آصف بن برخيا في شخص علي بن ابي طالب (ع) الذي ايضا كان شجاعا حازما صارما حكيما وكذلك فإن عملية تنصيبه في غدير خم كانت اختبارا للامة وارساله لتبليغ سورة براءة واقصاء الاخر ايضا كان اشارة إلى علي بن ابي طالب على انه الاكفأ والأليق والافضل لهذا المقام.

التوراة حكت لنا قصة الانقلاب بكل أمانة حيث ذكرت بأن هناك من اقصى آصفا ونزا على خلافته بعد رحيل سُليمان والقائم بذلك هو (يربعام) خادم سُليمان بالتعاون مع اليهود. والتوراة واضحة في ذلك حيث ورد في سفر الملوك الأول 11: 43 ((ويربعام (عبد) سليمان. واسم أمه صروعة،رفع يده على الملك . وطلب سليمان قتل يربعام، فقام يربعام وهرب إلى مصر إلى شيشق ملك مصر)). النص هنا يقول وبكل وضوح بان يربعام كان عبدٌ لسُليمان حاول ان يغتصب السلطة (رفع يدهُ على المُلك) ولكن سُليمان شعر بذلك فحاول قتل يربعام درأً للفتنة ولكن يربعام هرب إلى عدو سليمان شيشق ملك مصر. 

فمع هذا الوضوح في النص من أن يربعام كان خدام سُليمان، إلا أن اليهود جعلوا منهُ ملكا عليهم خلفا لسُليمان: ((ولما سمع يربعام وهو بعد في مصر، لأنه هرب من وجه سليمان ، وأرسلوا فدعوه ولما سمع جميع إسرائيل بأن يربعام قد رجع، أرسلوا فدعوه إلى الجماعة وملكوه على جميع إسرائيل)). سفر الملوك الأول 12: 20.

عند موت سُليمان ومن اجل قطع الطريق على (آصف بن برخيا) وحتى وصول (يربعام) الخادم قام اليهود بتعيين ابن سُليمان (رحبعام) مع علم اليهود بأن رحبعام هذا إنسان (سفيه وسخيف) لا رأي له ولكنهم اصروا على ان ينتخبوه ملكا عليهم بدلا من آصف بن برخيا الحكيم الشجاع. والسبب انهم وضعوا شروطهم على (رحبعام) إذا وافق عليها جعلوه خليفة عليهم . كما فعل بعض اصحاب محمد (ص) في الشورى عندما وضعوا شروطا على علي بن أبي طالب لكي يجعلوه خليفة عليهم حيث طلبوا منه ان يعمل بسيرة الشيخين وأن لا يُغير من سيرتهما شيئا فرفض ذلك. 

ومن الطبيعي ان يقبل رحبعام ابن سُليمان بهذه الشروط وهو يرى امامه ملكا عريضا اسسهُ أبوه سُليمان ، فقام بالتعاون مع اليهود على اقصاء آصف بن برخيا والجلوس على كرسي الخلافة،وهو غافل عما يُحيكهُ له اليهود من مؤامرة، وإليك رأي التوراة بشخص رحبعام كما نقرأُهُ في سفر يشوع بن سيراخ 47: 27 ((واستراح سليمان مع آبائه، وخلف بعده ذا سفه عند الشعب من نسله، رحبعام السخيف الرأي، الذي بعث بمشورته الشعب على التمرد)).ونجحت المؤامرة وتم اقصاء (رحبعام ابن سُليمان) بعد مجيء يربعام وتعيينه خليفة عليهم لأنه أطوع لهم من آصف بن برخيا الذي كان خشناً في ذات الله.

والسؤال الذي يدور على الشفاه دائما ، يا ترى هل فعلا التاريخ يُعيد نفسه ، أم أن الإنسان يُعيدهُ مستفيدا من تجارب الأمم التي سبقته فاختار مع الأسف اسوأ تجارب الأمم وبذلك حرم هذا الانسان نفسه وحرم الناس من خيرٍ كثيرٍ لو أنهم قبلوا بمن اختاره الله ورسوله، وانا أرى ان عملية الاقصاء هي ضمن المخطط الشيطاني الذي يُحاول جاهدا أن يحكم الأرض ويكون خليفة بدلا من آدم وأبناءه الذين نصبهم الله مع علمه بأن من يُقصيهم هم أولى منه لما يتمتعون به من مزايا وهبها الله لهم. وهذا ما نراه في قول عمر بن الخطاب عندما قام بتنصيب ستة اشخاص للشورى كان بينهم علي بن أبي طالب حيث نظر عمر إليه وقال : ( لو ولوها الأجلح ــ يعني عليا ــ لسار بهم على المحجة ولأكلوا من فوق رؤوسهم ومن تحت أرجلهم).

وهكذا حصل الذي أرادهُ المنحرفون مع أن سليمان (ع) قام بتنصيب مجموعة منتخبة من صحابته لخدمة الهيكل وحراسة تابوت العهد حيث جعل آصف بن برخيا على رأس هذه المجموعة قائدا لهم في اشارة إلى استحقاقه لمرتبة الرئاسة. ولكن اصحابه أيضا نكثوا العهد وانقلبوا على اعقابهم وانتخبوا رئيسا من بينهم كما يقول النص في سفر نحميا 9: 17 ((وأبوا الاستماع، وصلبوا رقابهم. وعند تمردهم أقاموا رئيسا ليرجعوا إلى عبوديتهم)).

المصادر: 

1- عيلي، ر. وتايلر، ت. (2007). موسوعة الاشباح والارواح. نيويورك،: دار نشر تشيكمارك.

2- مقال نشرهُ موقع (تبيان) باللغة الفارسية للكاتبة (زهرا رضائيان ) تحت عنوان (جانشین حضرت سلیمان(ع) که بود؟) ومعناها : من هو خليفة سليمان عليه السلام ؟ والمقال على هذا الرابط http://www.tebyan.net/newindex.aspx?pid=159596




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=66099
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2015 / 08 / 21
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 28