• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : ما هو دين الأنبياء؟ الجزء الثاني .
                          • الكاتب : مهتدي رضا عباس الابيض .

ما هو دين الأنبياء؟ الجزء الثاني

   هذا المقال هو تتمّة للمقال السّابق وسوف نجيب على عنوان السّؤال؟ إنّ الإنسان له فطرة تكوينيّة على اعتناق الدّين، فالإنسان يشغله المجهول وعلّة الأسباب دائما، لذلك يتّجه إلى العبادة حتى يرضي الآلهة ويجلب استمالتها، وبعد ما توسّع الدّين وأصبح ظاهرة اجتماعيّة أخذ بالاختلاف فاختلفت المجتمعات حول ماهيّة الدّين، وهذا الاختلاف تزامن مع ظهور بوادر الوعي والتّفكير لدى المجتمعات فأرسل الله الأنبياء مبشّرين ومنذرين فيما اختلفوا.
    فالإنسان عندما يعتنق دينا ويعبد إله يعتقد أنّ هذه الطّريقة رسمها له الإله، فهدفه هو رضا الرّب، ومن هذا المنظور نؤكّد لا بدّ أنّ الإله هو الذي يحدّد الدّين والطّريقة لخلقه فهو أعرف بأنفسهم منهم، وبما أنّنا طرقنا باب اليهوديّة والمسيحيّة ووجدانهما رسالتان أو شريعتان سماويّتان فحسب وليسا ديناً من الله، إذن فما هو الدّين عند الله؟ ونحن نقول هنا الله لأنّه إله التوحيد عند أهل الشّرائع السّماويّة. لذلك طرقنا باب الإسلام والقرآن بحثاً عن الإجابة فوجدنا آية قرآنيّة تقول (إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ(آل عمران 19. وهذه الآية واضحة فإنّ الدّين هنا يمثّل شقّين تكوينيّ وتشريعيّ، فالله وجد الإسلام ديناً قبل أن توجد البشريّة في الأرض فهو دين تكويني وبما أنّه تكويني فهو الفطرة يفتطر عليها العقل البشريّ، لذلك وجدنا أنّ العقل البشريّ بطبيعته يريد أن يعبد لكنه يختلف في معنى العبادة وهذه الفطرة هي فطرة الإسلام التكوينيّة، فنجد القرآن يقول (فأقم وجهك للدّين حنيفا فطرة الله التي فطر الناس عليها)الروم 30. إذن فالدّين الإسلاميّ هو فطريّ تكوينيّ قبل أن يكون تشريعيّا، لكن بعد أن اختلف البشر في الدّين نزّل الله الشرائع السّماويّة حافظة للدّين. ولو كان هناك دين آخر مع الإسلام لوضعه الله في كتابه فيقول مثلا الدّين عند الله اليهوديّة والمسيحيّة والإسلام ولكنّنا لم نجد هذا الشّيء. لذلك فإنّ اليهوديّة والمسيحيّة دينان حادثان أرضيّا واجتماعيّا وليس تكوينياً من الله. ونعود للتساؤل ما هو دين أنبياءهم إذن؟
    إنّ الأنبياء كلّهم على دين الإسلام لأنّ الله لا يرضى غير الإسلام ديناً حسب ما جاء في القرآن، وإنّ الأنبياء أولى أن يكونوا مسلمين لأنّ لديهم درجات من العلم واليقين والقدرة ونجد ذلك في مناظراتهم العلميّة والإعجازيّة، فضلاً عن أنّ الإسلام له درجات فالدرجة العليا هي التسليم المطلق لله كالعبد أمام سيّده، والأنبياء كانوا كذلك أمام عبادة الله فهم وصلوا إلى درجة الإسلام، فيقول صاحب الميزان للطباطبائي في شرح الآية 19 من آل عمران (إنّ الدّين عند الله واحد لا اختلاف فيه لم يأمر عباده إلاّ به، ولم يبيّن لهم فيما أنزله من الكتاب على أنبيائه إلاّ إيّاه، ولم ينصب الآيات الدّالة إلاّ له وهو الإسلام الذي هو التّسليم للحقّ الذي هو حقّ الاعتقاد وحقّ العمل، وبعبارة أخرى هو التّسليم للبيان الصّادر عن مقام الربوبيّة في المعارف والأحكام) إذن فإنّ الأنبياء نالوا هذه الدّرجات لأنّهم أعرف بالمعارف والأحكام الإلهية وهدفهم هو التقرّب إلى الله وابتغاء الوسيلة والإسلام هو الطّريقة الوحيدة للوصول إلى الله.
    كما أنّه لو بحثنا في معنى اسم الإسلام لوجدناه يحمل معنى التسليم والأسلمة بمعنى التعبّد والعبوديّة للرّب وهذا معنى دينيّ مقدّس، لكن لو انتقلنا إلى ديانة اليهود لوجدنا معنى اليهوديّة عشائريّة ومعنى المسيحيّة من طقس المسح ومعنى النصارى من بلدة النّاصرة أو من ناصروا المسيح كما وضّحنا في المقال السّابق. وهذا يدلّ على أنّ كلّ هذه التّسميات هي اجتماعيّة بينما الإسلام معناه دينيّ خالص نازل من الله. لذلك فإنّ الأنبياء هم مُسلمِي الاعتقاد وهذا ما وجد في القرآن الكريم فالقرآن يوضّح بإسلام الأنبياء كلّهم بدءا من نوح وصولا إلى عيسى.
1-    النبيّ نوح(ع)) وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ نُوحٍ إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ إِن كَانَ كَبُرَ عَلَيْكُم مَّقَامِي وَتَذْكِيرِي بِآيَاتِ اللَّهِ فَعَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْتُ فَأَجْمِعُواْ أَمْرَكُمْ وَشُرَكَاءَكُمْ ثُمَّ لاَ يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً ثُمَّ اقْضُواْ إِلَيَّ وَلاَ تُنظِرُونِ فَإِن تَوَلَّيْتُمْ فَمَا سَأَلْتُكُم مِّنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى اللَّهِ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ) يونس 71-72.
2-    النبيّ إبراهيم(ع) وذريّته (مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلاَ نَصْرَانِيًّا وَلَكِن كَانَ حَنِيفًا مُّسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ)آل عمران:67. وكذلك (إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلاَ تَمُوتُنَّ إَلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ )البقرة:131-132.
3-    النبيّ موسى(ع) (وَقَالَ مُوسَى يَا قَوْمِ إِن كُنتُمْ آمَنتُم بِاللّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُواْ إِن كُنتُم مُّسْلِمِينَ)يونس:84.
4-    النبيّ عيسى(ع) (فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَى مِنْهُمُ الْكُفْرَ قَالَ مَنْ أَنصَارِي إِلَى اللّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنصَارُ اللّهِ آمَنَّا بِاللّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ) آل عمران:52.
    وهذه الآيات واضحة جداً على أنّ كلّ الأنبياء هم مسلمون ولكن ظهر الاختلاف في شريعتهم بعد مماتهم وهذا ديدن كل حركة دينيّة فبعد موت المؤسّس تظهر الانشقاقات والاختلافات، فإنّ كلّ حركة دينيّة أو اجتماعيّة تحمل معها بذرة الفشل كما قال علي الوردي.
    لكن هناك سؤال يطرح نفسه، من المعروف أنّ الإسلام له شريعة ومن ضمن شريعته النطق بالشهادتين فما هي شريعة الأنبياء سابقاً؟ نجيب هنا أنّ الشّرائع التي نزل بها الأنبياء لا تختلف عن الإسلام اختلافاً كثيراً، فقط تكون كل شريعة أبسط من لاحقتها لأنّ الشّرائع السّماوية دخلت في قانون التطوّر وسنوضّح ذلك في مقال آخر، فأبسط الشّرائع هي شريعة نوح ومن ثم أخذت الشّرائع بالتطوّر شيئا فشيئا إلى أن وصلت إلى الشّريعة الإسلاميّة، فكلّ الأنبياء أمروا قومهم بأن يقولوا ( لا إله إلا الله) حسب ما ورد في القرآن. لكن بعد موت الأنبياء تظهر البدع والفتن على شرائعهم ومن ثمّ تكون هناك أحكام ما أنزل الله بها من سلطان، فمثلا بولص المسيحي حوّل الصّلاة من الله إلى يسوع ومن ثم أصبح المسيحيّون يعبدون المسيح دون الله إلى يومنا هذا، وناقشت الباحثة اللاّهوتيّة إيزابيلا بنيامين بعض ذلك في كتابها (الصّلاة كما صلاّها يسوع). والذي أثار جدلا واسعا وزوبعة من التّساؤلات حيث أثبتت أنّ المسيح عيسى كان يصلّي مثلما يصلّي نبيّ الإسلام محمّد والمسلمين، وأنّه أمر تلامذته أن يصلّوا مثله، ففي سؤال وجّههُ أحد التلاميذ إلى يسوع قائلا فيه: (علّمنا أن نصلي؟ فأجابهُ: متى صليتم فقولوا أيها الأب)انجيل لوقا 11: 1، 2. وفي موعظته الشّهيرة على الجبل أمر يسوع كل السّامعين قائلا: (صلّوا إلى أبيكم إن الله أباكم يعلم ما تحتاجون إليه قبل أن تسألوه)إنجيل متى 6: 6، 8 . ثم وضحّ لهم المقصود من كلمة (أبيكم) فقال لهم: (صلّوا إلى أبي وأبيكم يهوه الله)أنجيل يوحنا 20: 17.  ثم صلى أمامهم ورفع يديه في التضرّع (القنوت) قائلا: (أسبّحك علانيّة أيّها الأب، ربّ السّماء والأرض. أيّها الأب، أشكرك أنّك سمعت لي)إنجيل لوقا 10: 21. يوحنا 11: 41. هذا والتّلاميذ خلفه يُصلّون ويسمعون، فضلاً عن أنّ الآية واضحة في سورة آل عمران 52 من القرآن الكريم الآنفة الذّكر حيث أمرهم عيسى أن يكونوا مسلمين فامتثلوا إلى أمره، ولكن بمجرّد أن ارتفع عنهم يسوع ولم تمض أسابيع قليلة ابتدع صحابته (التّلاميذ) صلاتهم الجديدة التي أضافوا فيها اسم يسوع على غرار ما فعل المشركون من قريش عندما عبدوا الأصنام وقالوا بأنّها: (تقرّبهم إلى الله زلفى). ففي سفر أعمال الرّسل 4: 24، 30 . صلى التلاميذ إلى الله ولكن (بإسم خادمه القدوس يسوع)، فكان هذا أوّل الغيث الذي انهمرت بعده البدع حتى جرفت المسيحيّة التي جاء بها يسوع المسيح وحلّت محلّها بدع الصّحابة وعلى رأسهم بدع بولص. 

 

   

  
 




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=64866
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2015 / 07 / 26
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 29