الطاغية قال , يتحكم بمصير أجيال متواكبة في مجتمعات متصاخبة , وما تساءل واحد منهم عن لماذا وكيف قال , وهل أن الذي قال سيقول ما قاله في غير ذاك الحال والأوان.

 

الطاغية قال , وحش يفترس الأجيال , ويقاتل العقل ويطيح بالتطلعات والآمال , وفي حضرته يقاضيك السؤال , ويبيدك أي قول يخالف ما قال!!

 

الطاغية قال , يلتهم أوراق وجودنا الخضراء , فيحيلها إلى خيوط حرير سوداء , لينسج بها عباءة عتمتنا , أفاك دجال متمنطق بالأقوال!!

 

الطاغية قال , يحكمنا بسلطات متوّجة بأوهام قال , ولكل خطيئة وآثمةٍ ورزية لافتة قال , ترفعها لتبيح الجرائم وسيئات النوايا والأفعال !!

 

الطاغية قال , وما أدراك ما ذكروا عنه وقوّلوه بما لا يُقال , وحنطوه في أقبية المُحال , وجندوه للويلات وفواجع الأحوال , وما قال إلا ما يجب أن يُقال , لتسموَ به الأعمال!!

 

الطاغية قال , يسائلونه ويتهمونه بأنه يقبض على جوهر الأسرار , ويأتينا بالمآسي والأخطار , ويرمينا في ميادين الأشرار , ويؤهلنا للسعير الأوّار!!

 

الطاغية قال , يؤازر الهوى الذي فينا , ويؤجج أمّارة الويلات التي تأوينا , ويرمينا في أتون الخيبات وبالسراب يلهينا , ليأكل قلوبنا ويمتص رحيق وجودنا وينهينا!!

 

الطاغية قال , طاقة فعالة , وآلة قتّالة , تُفرغ الحيّ من آماله , وتلقيه في أوهامه , وتزريه بما يرضيه , وتدثره بحطام الغابرات , وتسقيه شراب العَبرات , وتحيطه بالعثرات , فيكره وجوده وينتقم من الحياة!!

 

الطاغية قال , يأخذنا بأقواله إلى جحيمات المآل , ويرسم لنا خارطة السجال , ويصيبنا بأوبئةٍ ذاتِ سعال , ويلغي رؤوسنا المحجبة بعقال , ويجعلنا نحسب الدنيا وبالا , عِبر القرون ولا نزال!!

 

الطاغية قال , نتحصن بأقواله لنخادع البشر الحيران , فنصطاده كالصيصان , ونحجره في متاريس الضلال والبهتان , لنعده لمسيرات التداعي والخسران , ولنزكي به نفوسنا ونسوغ لها العمل بآوامر السوء والشيطان!!

 

الطاغية قال , مأسور بأصفاد النسيان , نقوّله ما فينا ونسقط عليه أمانينا , ونلبسه قناعا ليحمينا , وما أدركنا حرفا وكلمة من صدق قوله , وألّفنا الأكاذيب حوله , وأسندنا سيئات سلوكنا إليه , فنحسبه مرجعنا , وما عرفناه بوعينا وإدراكنا , ومضينا نتهمه ونلقي عليه ما فينا لكي نتبرأ من مآسينا , وكأننا سكارى نحتسي خمور قال بكؤوسٍ تعادينا!!

 

الطاغية قال , ما صدقنا قوله , وقوّلناه ما نريد , وإتهمناه ووأدناه وما وعيناه , ولا تعلمنا جوهر ما قال , فصار الحال أسوأ من أي حال , في عصرٍ تجاوز المحال!!

 

فمن الذي قال؟!!