• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : ثقافات .
              • القسم الفرعي : قراءة في كتاب .
                    • الموضوع : رواية ( غرباء ابداً ) للكاتب سردار محمد سعيد . رواية الغربة والاغتراب .
                          • الكاتب : جمعة عبد الله .

رواية ( غرباء ابداً ) للكاتب سردار محمد سعيد . رواية الغربة والاغتراب


السير الذاتية , هي احد انواع العمل الروائي , وتشكل معين وينبوع فياض , اذا استخدم بتقنيات تعبرية وفنية راقية  , وبمهارة وامكانية عالية في الفن الروائي الحديث , وكثير من الروايات من هذا الجنس , احتلت  مكانة رائعة في الوسط الثقافي والادبي , وعززت مكانة كاتبها بشكل مرموق . وكثير من الروايات من هذا المقام , في تحويل السيرة الذاتية الى عمل روائي ناجح في كل المواصفات المطلوبة  , تثير  الاهتمام الكبير بالمتابعة والقراءة , وتحظى  بقبول واسع , لانها استخدمت ناصية التوحد والترابط بين حياة الكاتب وموضوع وشخوص الاحداث التي سكبت  بخطى متناسقة , من مقتنيات الفن الروائي , وهذا لا يلغي ابداع الخيال ومقتضياته , وانما يربطه بوشيجة متناسقة بين الذات والواقع العام  , في تشخيص الاحداث والشخوص , في عمل تنسيقي  يمتلك تقنيات الرواية وخصائصها ومقوماتها  , المتمثلة بالحوار والسرد والميلودرما , وحالة الاستذكا ر ( فلاش باك ) وتعدد وتنوع الادوات التعبيرية الاخرى  ,  التي تكسبها ناصية التشويق والاثارة . هذه الضرورات متجسدة في  الفن الرواية , ورواية ( غرباء ابداً ) للكاتب سردار محمد سعيد , جسدت هذه الفرضية والمنطق وانطلقت نحو الرحاب العالية من الفن الروائي  , والتي تميزت في ربط الماضي والحاضر في شريط ( فلاش باك ) بتفنيات فنية  رائعة , بحيث تجعل القارئ لايشعر , بان هناك حالات قطع اوبتر الاحداث  , او انتقالات غير منسقة وغير مرتبة , او ان هناك عملية حشو اوحشر لامعنى لها وزائدة عن الحاجة , هذه المهارة في الترتيب والتنظيم  الاحداث بهذا التناسق المتدرج والمتنوع في أدواته  الفنية , التي تجعل القارئ في حالة تأهب من التشويق والاثارة والمتابعة , في الحمية المشدودة في تتبع  فصول الرواية , لقد اكتسبت ناصية  النضج في  الصياغة ,  البناء والتكوين والهندسة , التي تجعل العمل الروائي يحوز الاعجاب , ويشعر القارئ  بانه امام كاتب يمتلك الصنعة بمهارة عالية . لاشك ان رواية ( غرباء ابداً ) تكللت بصفة البانورما الضوئية  ,  ليس بانها تتقصى احداث وحياة بطلها ( كاظم ) الشاعر والفنان التشكيلي والفيزيائي القدير . وانما ترسم بدقة رائعة , ثلاثة عهود مرت على العراق ( العهد المالكي والحياة الفقيرة وناشفة بالحرمان . والعهود الارهاب البعثي  وحروبه المجنونة ,  ووسائل القمع والبطش والتنكيل , في ارساء دولة الامن والمخابرات , التي تخنق انفاس المواطن . وكذلك عهد التغيير بعد عام 2003 , الذي عبر عن بصيغة رائعة ,  ( بان الجنرال مود دخل بغداد على حصان حقيقي , بالدعوى نفسها مود هو بريمر , وبريمر هو مود . . جاء الامريكان بكلمات غير مسموعة عام 2003  تكنوقراط وسكيورتي , ولم يذق الناس لا تكنوقراط , وسكيورتي ذابت ) . وتدور احداث الرواية في البلدان ( العراق . فرنسا , الجزائر , وتنتهي في المغرب ) في شريط سينمائي  متكاملفي  ايصال الهدف والغاية ,وفي استخدام المضامين التعبرية بالشكل الناجح والقدير ,   في مسلسل متابعة الاحداث التي عصفت بشخصية ( كاظم ) الذي شب على الظلم والحرمان والفقر الضاني , فأبيه عامل طين , هو موردهم الوحيد  في الحياة الشقية والعاصية , فهو مصاب بمرض السل الرئوي , وحين شب عود ( كاظم ) بدأ يتلمس طريق الوعي الذي يقوده الى مصاهرة الكتب الماركيسية والشيوعية والادبية , والبراعة في  تجويد القرآن , وهو في المدرسة الثانوية , انخرط  في  ساحات النضال السياسي , من اجل مستقبل الفقراء في وطن حر  , وبذلك اصبح  صيد مطارد ومقهور ومقموع ومضطهد  , في تتبع خطواته , من اجهزة الامن والمخابرات , ويرحل الى الجزائر , وهناك يحط على طير الحب والعشق , او بمعنى ادق يجد روحه الثانية متجسدة في شخصية ( رشيدة ) ويستنشق الهواء الرومانسي , الذي يحتل كل كيانه ومشاعره واحاسيسه العشقية , التي توحدت في قلبين وروحين وانصهرت في روح وقلب متوحد واحد ,  يترنم بالهواء العشق النقي , لكن يصادف وفاة صديقه ( فرحان ) الفوضوي اليساري , ويعود بجثمانه الى العراق , واثناء وجوده المرهق في العراق , يساق الى جبهات القتال , في الحرب المجنونة التي اشعلها النظام ضد ايران , ولكون اختصاصه العلمي في علم الفيزياء , وبعد تدمير اسرائيل المفاعل النووية العراقية  , واصرار النظام الى اعادتها من جديد بمساعدة فرنسا , يرسل ( كاظم ) مع الوفد العلمي الى فرنسا , لكي يتدرب على انشاء المفاعل النووية , وتبدأ الحياة المغامرة بالعشق الهوس الطائش  ,  ويعيش مغامرات عشقية فاشلة , لان قلبه ينوح بالشوق الحار , وبكل لوعة وصرخة رومانسية , تهتف باسم ( رشيدة ) التي لايزاحمها اي قلب نسوي اخر , لذلك كانت  هناك تجارب عشقية وغرامية امتهنها  في حياة الغربة اثناء تواجده في فرنسا والجزائر وحتى في المغرب   ,  لكنها فشلت  في شخوص نساءه ( ماريا . حسيبة , نوارة ) ورغم الاغراءات والمغريات والاغواء , في محطة كل امرأة تلمست فيه مستقبلها القادم . ولكن حب ( رشيدة ) المسيطر على القلب والذهن لا يباع ولا يشترى مهما بلغ الثمن الغالي , فانها الجرح بوجودها تلتئم وتتعافى , لذلك يترك فرنسا هارباً من الوفد , ومسجل غياب لاتسامح فيه لدى النظام ,  ويعود الى الجزائر من اجل ( رشيدة ) لكنه يصدم بالانهيار النفسي والروحي , بصدمة وفاة ( رشيدة ) نتيجة عسر الولادة , وانها اضطرت بالزواج بعد ما اصابها  اليأس من رجوعه من العراق , وصارت حالة الانتظار لا معنى لها , هكذا يصاب بالصدمة الحياتية القاتلة  , التي حولت حياته الى العبث والجنون الحياتي  ,  لان ( رشيدة ) هي الوحيدة من النساء , رغم ان ( كاظم )  صياد ماهر محسود بانجذاب  المرأة اليه ,  وليس العكس . لذا تكسرت صورة الحياة وتهشمت  ولم يعد لها طعماً لانه خسر روحه وقلبه الثاني , فقد  توغلت الى اعماق روحه وسيطرت عليه سيطرة تامة , فقد ترك كل الاغراءات والمغريات من اجل حبه العاصف , فقد رسمت ( رشيدة ) حياته واستحوذت على جوانح عقله ,  في عشق جارف وحارق , لاتنطفئ نيران عواطفه (  رشيدة ... امل انكِ مازلت تحبينني ثانياً وتحبين الجزائر اولاً , فأنا مازلت احبكِ ثانياً واحب العراق اولاً ) هذا التناغم والتجاوب الروحي الطافح بنهر الحب والعشق , تحطم وتفتت , فقد كانت ( رشيدة ) العكازة العشقية التي يقف عليها منتصب القامة , فكانت  مدرسة اكاديمية وتفوقها , فقد رتبت حياته في نسق منظم ومرتب , وونزعت عنه  ايقاع حياته العبثية  وعالم النساء ,  وقف الادمان الخمرة وثمالتها , واعادة الامور الى نصابها , في ضبط ايقاعات حياته ( لكي لايسرف , حددت له يومياً , ربع قنينة فقط , قراري يشبه قرار تحديد الحصة التموينية باشرف الامم المتحدة , قبل ان يسرقها وزير التجارة ) هذه الثمالة الرومانسية , فقدت بريقها وعطرها وتحولت الى عبثية حياتية مدمرة  بموتها  , وصار لها نسق عبثي عجيب . لذلك رفض الاقتران رغم المغريات ( ماريا . حسيبة . نوارة ) لانه فقد القرار الروحي والوجداني , ولا يمكن لاية امرأة ان تحل في مقام ( رشيدة ) لذلك كل مشاريع الزواج باءت بالفشل ولم يوفق ويتصالح مع حياته ( صدقيني انا لا اصلح لزوج قط , وكل الذي يصدر مني ويغري الغواني , هو مجرد نثر , لاتطبيق له ) . اما من ناحية شخوص الرواية التي ارتبط بها ( كاظم ) بعدة اصحاب لكل منهم خاصية معينة  . مثل صديقه  ( فرحان ) الفوضوي اليساري مات في الغربة  , صديقه   ( هاشم ) الذي ارتبط كزميل وكرفيق في درب  النضال ,  قتل في الحرب المجنونة . و ( ابو حسنة ) اليساري الذي تصور بانه مات في التعذيب , فشل في عقد الزواج في المحكمة في الجزائر لانه ( صابئي ) ورفض القاضي الزواج , ولايمكن الزواج غير المسلم  من مسلمة , رغم رغبة الطرفين بالموافقة , في عقد قران الزواج   .اما الحالة الفريدة التي حط عليها طير السعد , بشكل لايصدق حتى في احلامه الوردية  , هو ( مفيد ) الحارس الامني للوفد العلمي , الذي يتابع تحركاتهم , فقد اقترن بالزواج من ( كارمن ) الثرية في اموالها وشركاتها , وسجل ( مفيد ) غياب لدى النظام , فقد هرب مع زوجته الى ( اسبانيا ) . ان رواية ( غربا ابداً ) جسدت معنى الغربة والاغتراب لدى العراقي , العاشق الوطن , وكذلك هناك تلميحات وايحاءات ايروسية , لكن بغير ابتذال , وكذلك حافلة بالاحداث السياسية المختلفة , وبالصور الانتهازية المتنوعة , انها رواية تستحق القراءة والمتابعة والاهتمام




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=61130
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2015 / 04 / 26
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 04 / 19