• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : بحوث ودراسات .
                    • الموضوع : المحاسبة الحكومية في التاريخ الإسلامي .
                          • الكاتب : د . رزاق مخور الغراوي .

المحاسبة الحكومية في التاريخ الإسلامي

تمهيد:

  إن وضع (الصحيفة) الذي قام به النبي(ص) في المدينة هو أول تنظيم إداري له صفة الشمولية ، والتي عبرت عن نشوء المجتمع السياسي الإسلامي في المدينة بقيادة النبي (ص) ، فقضت الضرورة بتنظيم العلاقات بين سكان المدينة ،وتحديد الواجبات والحقوق للجماعات المتعايشة في المدينة ،وتحديد مرجع أعلى للحكم فيما يقع من اختلافات وحاكم في الوقت نفسه وهو النبي (ص)ووضعت التقسيمات الإدارية بحيث لا تؤدي إلى الإخلال بالتلاحم الاجتماعي ولا يجوز أن تتم بصورة كيفية ، ويلاحظ في الصحيفة إنها لا تجيز التنوع في القضايا ذات الطابع الشمولي الذي يستوعب الأمة كلها (الحرب والسلم والجيش والقضاء والأمن العام والاقتصاد والمرافق الكبرى كالسوق والنقد ) أما القضايا الخاصة داخل التكوينات الاجتماعية فان الصحيفة تشير إلى السماح بالتنوع فيها (التنظيم البلدي الخاص، تنظيم الموارد المحلية غير الإستراتيجية وما شابه ذلك)(شمس الدين،1423هـ  :351-352).

ويمكن تتبع نشاط المحاسبة الحكومية في التاريخ الإسلامي(في الدولة الإسلامية ) من خلال استعراض المقومات التالية باعتبارها الدعائم الأساسية المكونة لنشاط المحاسبة الحكومية في الدولة الإسلامية وهي :

1)    بيت المال.

2)    ديوان بيت المال.

3)    نظام الحسبة.

1) بيت المال

     عد بيت المال من أهم المؤسسات الحكومية في الدولة(المدينة)الإسلامية ،وبيت المال هو المكان الذي توضع فيه واردات الدولة(أو المدينة)من حصتها من الغنائم والجزية والخراج والصدقات وغيرها،وتعتبر هذه الواردات ملكا مشتركا للمسلمين تسجل بسجلات خاصة،و يشرف على بيت المال موظف مسئول سمي صاحب بيت المال يشرف على ما يرد بيت المال من الأموال أو يخرج منه ويوقع الموظف على جميع الصكوك التي تدخل أو تخرج من بيت المال لتكون نافذة المفعول(الزبيدي، 1970: 245).

    يمكن القول إن المحاسبة الإسلامية قد أسست منذ زمن النبي (ص) ، حيث نزلت نصوص قرآنية تبين أحكام مفصلة بشأنها أحيانا، وأحيانا أخرى تكون على شكل قواعد نظامية مجملة ، ،فكان النبي (ص) أول من فصل وبين هذه القواعد المحاسبية ، فعدد إيرادات الدولة ووضع مقادير الزكاة والجزية وكيفية تحصيلها ،كما بين طرق الإنفاق العام و أحكامه وكان يبعث إلى الأقاليم بأمرائه وعماله على الصدقات ويوضح لهم طرق هذه القواعد والأحكام ،كما كان (ص) يحاسبهم على المستخرج(الإيرادات) والمنصرف منها وكيفية ذلك(الجوهر،1999: 10) وكان (ص) كلما أسلمت قبيلة بعث العامل لجمع زكاة مالها ، وهو (ص) أول من انشأ لها ديوان خاص في مركز الدولة ،وكان كاتبه على الصدقات الزبير بن العوام وجهم بن الصلت أما كاتبه على خرص النخل  فهو حذيفة ابن اليمان،وكان له كاتبان آخران على المداينات والمعاملات، وهذا يبين إن الدواوين قد وضعت في زمن النبي(ص)( الخياط، 1990: 932).

     وحيث إن المسجد كان يمثل مركز الدولة الفتية ،والمكان الذي كان النبي (ص) يقوم فيه بالحكم وإدارة شؤون الدولة ،فإن بيت المال في عهد النبي (ص) كان يقع في المسجد أيضا، فكان النبي (ص) يتولى عملية تنظيم واستلام وتوزيع الأموال بنفسه فكانت الأموال التي تجمع من الغنائم أو نحوها تقسم على أصحابها ومستحقيها أولاً بأول ، وبحسب حاجة كل فرد فإذا زادت الأعطيات وبقي منها شيء أعيد توزيعها ثانية بين المسلمين ، لذلك لم تكن هنالك حاجة لوجود هيئة محددة تتولى الشؤون المالية والمحاسبية في  حينه. وبدأت حركة التحرر الإسلامية منذ عهد النبي الأكرم(ص) حيث وجه الجيوش الإسلامية في بادئ الأمر إلى الشام، و قبيل وفاته كانت الجيوش قد وصلت إلى مؤتة حيث دارت المعركة الشهيرة هناك، وبعد وفاته(ص) استمرت عملية فتح الأراضي سواء أكان ذلك عنوة أم صلحا ،فحررت الأراضي الواقعة غرب الفرات وفتحت الشام عام 13هـ،وحررت فلسطين عام 15هـ/666م، وحرر العراق في السنة ذاتها ،واستمرت حروب التحرر فحررت مصر ثم أفريقيا ،ثم حررت الجزيرة والجبل وأرمينية والري وأذربيجان واصبهان، وكان من النتائج الأساسية، لحروب التحرر تلك تدفق الأموال على المسلمين بشكل وفير ومستمر وازدياد عدد الجند ونفقاتهم فأصبح من الصعب ضبط تلك الأموال دون تدوين، مما استدعى ذلك وجوب وجود نظام يتحكم في تلك الأموال وينظم توزيعها ويحفظ ما زاد منها (اليوزبكي،1988: 132)،لذلك بدأت التنظيمات الإسلامية بالتشكل والظهور نتيجة الحاجة إليها،فاتخذت نظما تنسجم مع واقع الشريعة الإسلامية فاستحدث ديوان بيت المال(الدجيلي،1976 :26)،      ولدراسة بيت المال لابد من تحليل أبعاده الثلاثة(سند، 2003: 115) وهي:

‌أ-       ما المقصود ببيت مال المسلمين وما هو موضوعه؟

‌ب-  ما هي مصادر تمويل هذا البيت؟

‌ج-    ما هو النظام المتبع في جباية الأموال واستلامها ، ثم صرفها وتوزيعها؟

أ)ماهية بيت مال المسلمين:

   إن بيت المال هو اصطلاح أطلق على المؤسسة التي قامت بالإشراف على ما يرد من الأموال وما يخرج منها في أوجه النفقات المختلفة ، ويسمى أيضا بيت مال المسلمين حيث تبين هذه العبارة الاتجاه الديني للأموال  ، أما تسمية (بيت مال العامة ) فقد جاءت في العصور المتأخرة حيث استحدث بيت المال الخاص ، وقد استخدم هذا التعبير للتفريق بين بيت المال  وبيت المال الخاص(الدجيلي،1976 :14). وكان كل مال لا وارث له أو لا مالك له يضم إلى بيت مال المسلمين فيصبح من المال العام ، ثم تعددت  بيوت المال في العواصم والمدن باتساع الدولة الإسلامية وتعدد أقاليمها .

  وفي عهد الدولة الأموية كانت تخصص للخليفة مخصصات من بيت مال المسلمين, حيث تنفق هذه المخصصات على بيت الخليفة وسرادقه وستوره وغير ذلك ،فلما تولى عمر بن عبدالعزيز الخلافة أقاموا له في اليوم الأول لخلافته هذه السرادق والستور وقدموا إليه الثياب والفرش حسب العادة ،اعرض عن هذا  كله،وأبطل العمل به وقال لتابعه مزاحم:يا مزاحم ضم هذا إلى بيت مال المسلمين وقدموا إليه قوارير العطور والطيب التي كانت تخصص للخليفة ، فرفضها أيضا و أبطلها وقال لتابعه:ضمها إلى بيت مال المسلمين(الشرباصي،1977 :193)،وكان بيت المال يمثل أحد الدواوين ذات الأهمية العظيمة في الدولة الإسلامية حتى انه كان يسمى ب(الديوان السامي)لأنه أصل الدواوين ومرجعها إليه(اليوزبكي،1988 :132 ).

     ويمثل بيت المال بمصطلح عصرنا الحاضر الخزينة العامة أو وزارة المالية ،وهو عنوان اعتبره الشارع مالكا ولا ينحصر عنوان بيت المال في نطاق ملكية الدولة العامة بل يعمم ملكيتها الخاصة(سند، 2003 :115) ومن ثم فان جميع الأنشطة الاقتصادية والمالية والتجارية ...الخ التي تقوم بها  الدولة والتي تدر أموالا وأرباحا ، فإنما تتملكها الدولة باعتبار إنها لبيت مال المسلمين ،وكذلك جميع مصادر الدخل للدولة فانه يدخل ضمن بيت مال المسلمين، وتصرف الدولة بهذه الأموال يكون نيابة عن المسلمين كافة وليس لفرد دون آخر ، والشارع المقدس اقر ذلك القصد و أمضاه(سند، 2003 :111 )، ويترتب على ذلك وجوب احترام الخزانة المالية للدولة الوضعية وان مال الدولة هو مال غير مباح ولا يجوز أخذه - بدون وجه حق- كما لا يجوز التلاعب به لوجوب حفظ النظام .لذلك يكون بيت المال عبارة عن الجهة التي يسند إليها العناية بأمر المال  الذي  يستحقه المسلمون – دون تعيين مالك منهم – سواء أكان داخلا إلى حرزه(خزانته) أم لم يدخل ، لان بيت المال عبارة عن الجهة لاعن المكان وكل حق وجب  صرفه في مصالح المسلمين فهو حق على بيت المال(عفيفي، 1980 :138)، ويعتقد أن المحاسبة نظاما قد ابتدأت مع إنشاء الدواوين ، لغرض تسجيل إيرادات ونفقات بيت المال [1](ZAID,2003).

ب)مصادر تمويل بيت المال:

    تتكون مصادر بيت المال من كل مال استحقه المسلمون ولم يتعين مالكه منهم حقا من حقوق بيت المال، وفي هذا السياق يعرف الماوردي إيرادات بيت المال بأنها "كل مال استحقه المسلمون ولم يتعين مالكه منهم فهو من حقوق بيت المال فإذا قبض صار بالقبض مضافا إلى حقوق بيت المال سواء أكان داخلا  الحرز(الخزانة) أم لم يدخل لأن بيت المال عبارة عن الجهة لا عن المكان"[2]، وتتكون مصادر تمويل بيت المال عادة من(السند،2003، 115-116 ) :

1.     الزكاة

2.     الأراضي المفتوحة عنوة.

3.     ما هو عنوان ملك الإمام(ع)(أو الحكومة الشرعية) وهو الأنفال:  التي تتضمن بدورها :ـ

·        تركة من لا وارث له.

·        أراضي البوار العامة والتي استولي عليها بغير قتال والتي لا رب لها.

·        غنائم دار الكفر المفتوحة من دون إذن.

·        المعادن إجمالا.

·   صفو غنائم دار الكفر المفتوحة بالقوة العسكرية و قطايع الملوك و مختصاتهم وغير ذلك مما أدرج في هذا العنوان.

4.     المعادن التي تستخرج من اجل الشعب المسلم ،وكل الثروات الطبيعية التي تستثمرها الدولة.

5.     أموال المعاهدات ،كالجزية والهدنة والصلح.

6.     أرباح التجارة الخارجية.

7.  عائدات الخدمات العامة داخلية وخارجية،ويدخل في نطاقها مشتريات الدولة من المواطنين ،والى غير ذلك من المنابع .

     ويتعلق عمل المحاسبة الحكومية  بهذه المصادر في تنظيم جبايتها واستلامها وتسجيلها وتقديرها ،  أما نفقات بيت المال فيعرفها الماوردي بأنها " كل حق وجب صرفه في مصالح المسلمين فان تم صرفه في جهته صار مضافا إلى النفقات من بيت المال سواء أكان خرج من الحرز(الخزانة) أم لم يخرج لأن ما صار إلى عمال المسلمين أو خرج من أيديهم فحكم بيت المال جار عليه في دخله وخرجه"[3].

ج)الحركة المالية لأموال بيت مال المسلمين:

   ترتبط الحركة المالية لأموال بيت المال والنظام المتبع في ذلك بكيفية تصرف الدولة على بيت المال وما يرتبط بهذا الأمر من مسك للدواوين والسجلات اللازمة لتدوين واردات ونفقات بيت المال وأسلوب أو طريقة تقدير واردات بيت المال وجبايتها وتنظيمها وتصنيفها ثم تحديد طريقة إنفاقها وصرفها  وتوزيعها على المواضع المخصصة لها شرعا.

  وفي بداية الدولة الإسلامية كانت الحركة المالية للأموال محدودة وكان النبي (ص)يتولى الإشراف عليها بنفسه ،وكان (ص) ينفق على المسلمين كل ما يتجمع في بيت المال ولا يبقي منها شيئا ، ولكن وبعد وفاته(ص) وبسبب الفتوحات الإسلامية ، ازدادت كمية الأموال الواردة إلى بيت المال وتعددت مصادرها وأنواعها ،فاستلزم الأمر وجود نظام مالي ومحاسبي يضمن تدوين هذه الأموال وصرفها في مواضعها ، فكانت أولى الخطوات هي إنشاء الديوان لضبط المال وتوزيعه بطريقة عادلة فوضع ديوانا للخراج لضبط أمره وتحديد مقاديره ،وكان ذلك بداية لضبط الأموال و أساس توزيع الأعمال المالية وتفرعها إلى عدة دواوين فيما بعد(النواوي،1973: 17)، ثم تبعتها خطوات متلاحقة تتمثل في تقنين النظم وتحديد الاعطيات، وهذا بدوره تطلب اتخاذ عددا من الإجراءات المهمة منها إجراء الإحصاء السكاني ، فقام كل من عقيل بن أبي طالب ومخرمة بن نوفل و جبير ابن مطعم بإجراء إحصاء للناس لكي يحسن توزيع ما يأخذون ، كما تم إجراء تصنيف عام للمسلمين لتحديد مستحقاتهم و مقدراتهم من بيت المال وتبع ذلك القيام بأعمال المتابعة والمراقبة للقائمين على بيت المال للتأكد من قيامهم بواجباتهم (عفيفي، 1980: 138)، فقد كتب أمير المؤمنين علي بن أبي طالب(ع) إلى مالك الاشتر عندما ولاه على مصر و أعمالها يقوله : (...وتفقد أمر الخراج بما يصلح أهله، فان في إصلاحه وصلاحهم صلاحا لمن سواهم ولا صلاح لمن سواهم إلا به لان الناس كلهم عيال على الخراج و أهله، وليكن نظرك في عمارة الأرض ابلغ من نظرك في استجلاب  الخراج لان ذلك لا يدرك إلا بالعمارة ومن طلب الخراج من غير عمارة أخرب البلاد واهلك العباد ولم يستقم أمره إلا قليلا... و إنما يؤتى خراب الأرض من اعواز أهلها و إنما يعوز أهلها لأشراف الولاة على الجمع وسوء ظنهم بالبقاء وقلة انتفاعهم بالعبرة)(نهج البلاغة،ج3: 96- 97)ويتضح من كلام أمير المؤمنين(ع) إن الدولة تعتمد في تلافي الأموال اللازمة لنفقاتها المبرمة على الضرائب التي تجبيها من الشعب ،وان الرقي الاقتصادي للأمة يتناسب مع إنتاجها أي كلما زاد الإنتاج الزراعي والصناعي والفكري ...الخ كلما زادت الثروة الشعبية وتجلت المنافع الوطنية لذلك فليس من الحزم إن تكون الضرائب حائلا دون الرقي الشعبي وذلك عندما تكون ثقيلة الوطء على كاهل المكلف ،لان التكاليف الثقيلة تستدعي إرهاق الناس و إحداث أضرار اقتصادية واجتماعية وأخلاقية هي أعظم من المنافع التي ترجوها الحكومة من فرض تلك الضرائب(الفكيكي،2003 :204-205)، إن كتاب أمير المؤمنين إلى عامله ينطوي على أسس ومبادئ سامية في أساس فرض الضرائب وتنظيمها ،ويدعم النظام المالي والمحاسبي للدولة بقواعد متينة تزيد من عمرانها وحفظ أموالها ويحول دون خرابها وإفلاسها.(النواوي،1973: 23)، وهكذا بدا العمل  في وضع أولى القواعد العلمية والعملية للنظام المالي والمحاسبي الإسلامي وطبقا للشريعة الإسلامية ،ويمكن القول إن ذلك يظهر وبوضوح مدى أهمية المحاسبة الحكومية في تدوين نشاطات الدولة الإسلامية وملازمتها لمراحل نشأتها وتطورها على مر العصور.

2)ديوان بيت المال

 أ) الديوان

     كانت العادة المتبعة في توزيع الأموال بين المسلمين في عهد النبي (ص) ،هي أن يقوم النبي (ص) بتقسيمها بنفسه بين المسلمين ، وإذا ما غزوا بلدا من البلدان يقوم النبي (ص) بتوزيع نصيب كل واحد بحسب ما قررته الشريعة، و كان لديه عدد من الكتاب كل واحد منهم يمسك سجلا خاصا بنوع معين من الأموال التي كان يستلمها ،ولكن لما توالت الفتوحات الإسلامية وكثرت الأموال ،تطلب الأمر وضع نظام  معين لتنظيم وتسجيل أنواع الأموال المجباة ،وتحديد طرق توزيعها وصرفها في مواضعها المحددة فتم إدخال نظام الدواوين الذي سار عليه الفرس لضبط دخل الدولة وخراجها  ، فتمت استعارة هذا النظام بشكله الإداري منهم في عهد الخليفة عمر بن الخطاب،أي فيما بين 15هـ  و أوائل سنة 20هـ(اليوزبكي،1988 :115 ) وكان أول ديوان استحدث في ذلك الزمن هو ديوان الجند ولم ينشا بعد ديوان الخراج وغيره من الدواوين(الحسب،1984 :57).

      فالديوان لفظ فارسي معناها سجل أو دفتر ،و أطلق اسم الديوان من باب المجاز على المكان الذي يحفظ فيه الديوان(حسن، 1939: 215)، ويصف الماوردي الديوان بقوله"الديوان موضع لحفظ ما يتعلق بحقوق السلطنة من الأعمال والأموال ومن يقوم بها من الجيوش والعمال"[4]، فهو يشمل بمصطلحاتنا المعاصرة أعمال وزارة المالية في الإشراف على الموازنة العامة ،الإيرادات والمصروفات و أعمالها وممثليها في استيفاء أنواع الضرائب والمكوس إضافة لأعمال دوائر" الميرة" أي التموين والحسابات بوزارة الدفاع،ونرى إن من أهداف نظام الدواوين مراقبة إيرادات الدولة الإسلامية ونفقاتها وضبطها والتصرف بها وفقا للسياسة المالية في الإسلام(خرا بشة، 1990: 1314) وبذلك فان الديوان يقسم على أربعة أقسام هي (الحسب،1984: 56-57 ):

1.     ما يختص بالجيش من إثبات(إحصاء وتسجيل) وعطاء.

2.     ما يختص بالأعمال من رسوم وحقوق.

3.     ما يختص بالعمال من تعيين وعزل .

4.     ما يختص ببيت المال (الموازنة ) من إيرادات ونفقات.

  وكانت أهم الدواوين في عصر الدولة العباسية هي: ديوان الخراج ،وديوان الدية،وديوان الزمام(قلم مراقبة الحسابات)،وديوان الجند،وديوان الموالي والغلمان ،وديوان البحرية ،وديوان زمام النفقات ،وديوان الرسائل وديوان النظر في المظالم ،وديوان الأحداث والشرطة وديوان العطاء ،فضلا عن دواوين أخرى تتصل بالإدارة والسياسة والقضاء ،وتنظم هذه الدواوين بطريقة توضح مدى المراقبة الداخلية لأنشطة الدولة،فضلا عن الرقابة المالية التي يقوم بها ديوان الزمام على جميع دواوين الدولة،والذي يشبه ديوان المحاسبة في وقتنا الحاضر(خرابشة،1990 : 1314) .   

   وبذلك فان ديوان بيت المال كان يمثل الجهة التي تنظم فيها العلاقات المالية بين الدولة ورعاياها (عبد الوهاب، 1984 :255) ، فهو يهدف إلى ضبط إيرادات بيت المال ونفقاته ومحاسبة القائمين على أمور هذه الأموال ،وباستخدام وسائل عدة للرقابة المالية فيه متمثلة بآلاتي(خرابشة،1990 :1315):-

يجب أن تمر به جميع أوامر الصرف الصادرة من ولي الأمر لتقيد إرسالها إلى الديوان المختص بالصرف وكذلك أوامر تحصيل الإيرادات لتقيد فيه قبل نفاذها.

وضع علامة صاحب الديوان على هذه المستندات بعد قيدها في السجلات.

تحرير مستندات معتمدة من ذوي الشأن عند القيام بالصرف وتحفظ هذه المستندات في الديوان دليلا على صحة الصرف.

مراقبة الإيرادات وضبطها.

مراقبة المصروفات وضبطها.

مراقبة مخازن الغلال وضبطها.

رفع ما يلزم به الكاتب من الحسابات يوميا وسنويا ،كالموازنة التقديرية.

يتوجب على الكاتب أن يرفع كل ثلاث سنين كشوفا تفصيلية يذكر فيها أسماء النواحي العامرة والفدن الكادية الضعيفة ،والعاطلة ،والبذار والرجع ،ونحو ذلك من الأمور الإجمالية والتفصيلية،وهذه الكشوف تمكن متولي بيت المال من المراجعة والتحليل وهذا ما تتطلبه النظم المالية المحاسبية في وقتنا الحاضر.

  وكان يقسم ديوان بيت المال على عدة دواوين منها(يحيى،2004: 130):-

بيت المال الخاص بالصدقات و عشور الأراضي  وما يأخذه الوالي من تجار المسلمين.

بيت المال الخاص بالجزية والخراج(خراج الرأس).

بيت المال الخاص بالغنائم والركاز(الكنوز).

بيت المال الخاص بالضوائع (الأموال التي لا يعرف مالكها).

ب)كاتب الديوان واختصاصاته:

  يستعمل لفظ "الكاتب" ليتضمن أي شخص يتحمل مسؤولية كتابة وتسجيل المعلومات سواء أكانت معلومات ذات طبيعة مالية أم غير مالية، وهذا المصطلح يعادل كلمة(accountant) في اللغة الإنجليزية، وكان الخوارزمي أول من استخدم كلمة محاسبة التي تقابل الكلمة الإنجليزية (Accountancy) ،للتعبير عن وظيفة المحاسبة ،وكلمة "محاسب" للتعبير عن الشخص المسئول عن هذه الوظيفة[5] (ZAID,2003)، ويستلزم فيمن يشغل وظيفة كاتب الديوان توافر شرطان هما العدالة والكفاية ، فأما العدالة فلأنه مؤتمن على حق بيت المال والرعية، وأما  الكفاية فلأنه يجب أن يكون مؤهلا للقيام بعمل يتطلب الدراية الفنية والأهلية في ممارسة الإجراءات الإدارية وبخاصة في تلك التي لا يمكنه فيها الرجوع إلى سلطة إدارية أعلى لبعد المسافة مثلا(الحسب،1984: 63) .

أما اختصاصات كاتب الديوان فهي (الموسوي،1998: 159-162) , (الحسب،1984: 63-64) ،(حسن وحسن،1939: 215-223):

1.  حفظ القوانين والتعليمات ،وبخاصة المتعلقة بنسب ومقادير الرسوم المطلوب استيفاؤها، وهي إما إن تكون قد قدرت وقررت لبلاد تم افتتاحها توا ، أو لموات ابتدئ في إحيائها حالا، فتثبت في ديوان الناحية المعنية والديوان العام بنفس الوقت، وأما إن تكون تلك الرسوم مقررة من السابق فعلى كاتب الديوان أن يرجع إليها في ما أثبته كتاب الديوان قبله على شرط أن تكون سجلاتها مختومة ومصدقة بأختامهم.

2.  استيفاء حقوق بيت المال من العاملين ، أي من سعاة الخراج ومن العمال القابضين لها ، وينظم الديوان مستندات الجباية والقبض وكذلك الإجراءات الإدارية لمعالجة سوء التصرف والغش والتدليس عند عدم مطابقة المستندات مع واقع الحال أو حدوث تزوير فيها .

3.  إثبات المعاملات المقدمة (إثبات الرفوع) وهي أما معاملات ذات ارتباط بمساحات وعمل، فيصار في تثبيتها إلى مطابقتها مع الأصل في الديوان وان لم يكن لها أصل سابق فتثبت على أساس إقرار رافعها ، أو إنها معاملات قبض واستيفاء فيجري تثبيتها على أساس قول رافعها لأنه يقر بها على نفسه. أما إذا كانت معاملات صرف ونفقات فلا بد من التحقق من صحتها و إلزام رافعها في تقديم الحجج قبل تثبيتها.

4.  محاسبة العمال مع ملاحظة اختلاف ذلك في حالة عمال الخراج عن عمال العشر، ففي حالة الخراج يلتزم العمال برفع الحساب ويمكن لكاتب الديوان إن يحاسبهم لان الخراج محدد في المبالغ والمساحات، أما في حالة عمال العشر فلا يملك كاتب الديوان محاسبة عماله لان العشر تابع لكمية الإنتاج الذي يعتمد تحديده على صاحبه.

5.  تثبيت الكشوفات بأموال الديوان ، ويعتبر ذلك إقرارا من صاحب الديوان على ما ثبت فيه من قوانين وحقوق.

6.  النظر في المظالم المرفوعة إليه ، فان كان المتظلم من الرعية ضد أحد عمال الديوان صار كاتب الديوان حاكما بينه وبين العامل وان كانت القضية تخص عاملا من عمال الديوان لتقصير أو مخالفة في عمله صار كاتب الديوان خصما له وصار رئيسه التالي حاكما بينه وبين العامل.

    وكان يحتل  صاحب ديوان بيت المال موقعا مهما في الدولة الإسلامية ،حيث كان هناك ارتباطا مباشرا بين صاحب ديوان بيت المال و الخليفة أو الوزير ،ويبين لنا الشكل رقم (4)أدناه التنظيم الإداري لبيت المال وموقعه من الإدارة الحكومية في زمن الدولة العباسية[6]،مما يبين أهمية بيت المال ومكانته ودوره المهم في الدولة الإسلامية،فهناك اهتمام واضح بمكوناته ومقوماته الأساسية.

                   الشكل رقم (4)

           التنظيم الإداري لبيت المال في زمن الدولة العباسية

                    الخليفة أو الوزير

 

                                                                                صاحب الديوان


                                   مجلس        مجلس           ديوان                  ديوان            ديوان خزانة           ديوان

                                    الإنشاء       النسخ          الإهراء                الخزانة                السلاح           الجهبذة                                                           

                                    والتحرير

ج)مسميات الوظائف المحاسبية والمالية للأفراد العاملين في بيت المال:

     إن مسميات مثل العامل ، والمباشر، والكاتب، وكاتب المال هي عناوين متعارف عليها في الدولة الإسلامية ،وهي تعبر عن المحاسب أو كاتب الحسابات - بمصطلحاتنا الحاضرة- وكانت هذه المسميات تستخدم بصورة متبادلة في أجزاء مختلفة من الدولة الإسلامية [7](ZAID,2003)، أما أهم المسميات التي كانت تطلق على الأفراد العاملين في بيت المال فهي(يحيى،2004: 130-131)،(الزهراني،1986: 459-464)،(الدجيلي،1976: 64-67):

·   صاحب بيت المال: وهو يمثل أعلى سلطة مالية ، وبما إن ديوان بيت المال يمثل في وقتنا الحاضر وزارة المالية ، فان صاحب بيت المال  في الدولة الإسلامية يقابل وزير المالية في وقتنا الحاضر ويمكن أن يمارس هذه الوظيفة أشخاص مخولون عن صاحب بيت المال فقد يكون هناك صاحب بيت المال للنقدية ، وصاحب بيت المال للأنعام ، وصاحب بيت المال للثمار...الخ.

·   مباشر بيت المال:مهمته ضبط أمور الدخل والخرج،وذلك بتنظيم سجل خاص لكل عمل من الأعمال يوضح فيه اسم العمل والجهة ووجوه الأموال.

·        الناظر: وهو الشخص المؤتمن على الأموال واليه ترفع الحسابات الخاصة بها وهو يقابل المدير المالي أو مدير الحسابات في الوقت الحاضر.

·   المشارف: عمله شبيه بعمل الناظر،لكنه يزيد عليه بأن يكون الحاصل من المستخرج في مدفوعه وتحت حوطته ، بعد أن يكون مختوما عليه.

·        الشاهد: وهو الشخص الذي يقوم بتدقيق ومراجعة أعمال الديوان وهو يقابل المدقق حاليا.

·   المستوفي : وهو الشخص الذي يقوم بإرسال الكشوفات المالية للمقبوضات الخاصة بالأقاليم الأخرى وما يصدر من تعليمات ويلفت النظر إلى الكشوفات التي ترد إليه والتي تكون مخالفة للقوانين، وكان يقوم بفحص الحسابات وتحقيقها، وهو يقابل مراقب الحسابات (أو ديوان الرقابة المالية) حاليا.

·        المعين: مساعد للمستوفي، يساعده في أعماله.

·        العامل : وهو الشخص الذي يقوم بكتابة الحسابات وتنظيمها ،وهو يقابل المحاسب أو كاتب الحسابات حاليا، وهناك عامل على الزكاة وعامل على الصدقات...الخ،وأول ما  أطلقت هذه التسمية على الأمير المتولي للعمل ثم نقلت التسمية إليه وخصت به دون غيره.

·        الكاتب: عمله شبيه بعمل العامل تماما.

·   الصيرفي: وهو الشخص الذي يقوم باستلام الأموال أو صرفها وفق التعليمات الصادرة إليه، وهو يقابل أمين الصندوق  في وقتنا الحاضر.

·        الخارص: وهو الشخص الذي يقوم بتقدير المال بين طرفين ، وهو يقابل المخمن في الوقت الحاضر.

·        الناسخ: عمله نسخ التوقيعات والكتب الصادرة والواردة.

·        متولي الديوان:وهو الذي يشرف على أصول المعاملات ويضبطها بخطه.

3) نظام الحسبة

أ) مفهوم الحسبة

    تمثل الحسبة أحد معالم الحضارة الإسلامية المتميزة بروح الإنسانية والحس بالمسؤولية الحكومية التي تهدف إلى تحقيق الطمأنينة في التعايش وتبادل المنافع المشتركة بين طبقات الرعية بالعدل وطيبة النفس،وليس معروفا إن العرب قبل الإسلام ولا أية أمة أخرى كان لها ما يماثل نظام الحسبة في الإسلام(السامرائي،1988: 17).

  وللحسبة معنيان،أولهما: أن يقصد بالأمور الحسبية شؤون الرقابة الاجتماعية والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر،وهذا هو المقصود من الولاية الحسبية في التاريخ الإسلامي،وثانيهما :يقصد به كل ما يطلبه الشارع المقدس على نحو الكفاية مما تقوم به حياة المجتمع،ويختل من دونه المجتمع ،ويدخل في قوله تعالى:" وتعاونوا على البر والتقوى"(المائدة،2)(داود،1425هـ: 59)،والمعنى الأخير ورد في تعريف السيد الخوئي (1411هـ،ج4: 290)للحسبة بأنها:" إتيان الأمر من باب كونه أمرا قربياً ، بحيث إن الشارع يرضى بذلك ولا يرض بحيفه ، فيؤتي ذلك حسبة أو قربة إلى الله ، ومن باب كونه مطلوبا للشارع ، ويكون حفظه محبوبا ".  

     ويرى السيد الجزائري( مخطوطة بدون تاريخ  : 198) أنها- أي الحسبة-:" اسم ما يحتسب من القربات التي تعم مصالحها ،ويقوم بها نظام المسلمين،وأظهرها ثمانية أبواب هي :باب الجهاد،وباب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وباب إقامة الحدود،وباب الفتيا،وباب القضاء،وباب الشهادة،وباب أخذ اللقيط،وباب الحجر".

أما معنى الحسبة اصطلاحا فقد وردت فيها عدة تعار يف منها تعريف الماوردي، حيث يصفها بأنها أمر بالمعروف إذا ظهر تركه، ونهي عن المنكر إذا ظهر فعله(الماوردي،الأحكام، 240)،وتبعه على هذا التعريف أبو يعلي الفراء ، أما الكتاب المحدثين فعلى سبيل المثال عرفها محمد المبارك بأنها(رقابة إدارية تقوم بها الدولة عن طريق موظفين خاصين ،على نشاط الأفراد في مجال الأخلاق والدين والاقتصاد ، أي في المجال الاجتماعي بوجه عام تحقيقا للعدل والفضيلة وفقا للمبادئ المقررة في الشرع الإسلامي )(مرشد،1992: 14)، أما ابن خلدون فانه يعرف الحسبة إجمالا بأنها (وظيفة دينية من باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، أي أنها عبارة عن رقابة إدارية تقوم بها الدولة عن طريق وال مختص على أفعال الأفراد وتصرفاتهم لصبغها بالصبغة الإسلامية أمرا بالمعروف ونهيا عن المنكر وفقا لأحكام الشرع وقواعده(مرشد،1992 :16 ).

     ويمكن تعريف الحسبة إجمالا بأنها:وظيفة الحاكم المسلم حين فقد الحاكم الشرعي المخول أو من ينوب مقامه لحفظ نظام المجتمع بما فيه من جلب المصالح ودفع المفاسد من دون تعارض مع الشارع المقدس ، وبتتبع موارد الاستعمال للحسبة في فتاوى الفقهاء نجد نظام الحسبة يشمل المراقبة والشهادة الطوعية بلا ادعاء (شهادة الحسبة) والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والإشراف والتصرف والجباية والتسليم والولاية على أموال المحجور عليهم والقاصرين والمال الذي لا مالك له ، وحضانة الأطفال وحضانة اللقيط ، والتصرف باللقطات والودائع وحفظها من التلف، فهي نظام يتضمن مجموعة ضوابط وإجراءات تنظيمية وإصلاحية تقوم بها الحكومة الإسلامية في مختلف نواحي الحياة المالية والمحاسبية والاقتصادية والدينية والثقافية...الخ ، وذلك لغرض صبغها بالصبغة الإسلامية وصيانة الأمن والاستقرار التام وتحقيق الدولة الإسلامية . وهذا يعني إن بيت المال وديوان بيت المال يخضعان لإشراف ومراقبة جهاز الحسبة أيضا ،ويكون الاحتساب اصطلاحا القيام بتنفيذ تلك الضوابط والإجراءات بتكليف من الدولة أمراً بالمعروف ونهياً عن المنكر وفقا لأحكام الشرع وقواعده.

ب)نشأة الحسبة :

  تشير الكتب والدراسات التاريخية إلى إن الحسبة نشأت منذ عهد الرسول(ص) (اليوزبكي،1984 :187)،فقد مارسها (ص) بنفسه، وفوضها أحيانا لغيره ،وهناك عدة روايات تبين تولي الرسول(ص) للحسبة بنفسه ،فعن أبي هريرة" إن رسول الله(ص) مر على صبرة طعام فادخل يده فيها فنالت أصابعه بللا فقال :"ما هذا يا صاحب الطعام؟ قال:أصابته السماء يا رسول الله، قال :أفلا جعلته فوق كي يراه الناس؟من غش فليس مني"،كما كان يبعث أصحابه ويأمرهم بالقيام بها وتبعه من بعده الخلفاء ،فلقد كانوا يتولونها بأنفسهم ويطوفون في الأسواق والطرقات ،يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ،فإذا اشتغلوا عنها بتصريف أمور المسلمين وتجهيز الجيوش الغازية في الفتوحات الإسلامية ،أسندوها إلى من يثقون به من المسلمين(مرشد،1992: 17) ، ويمكن أن نرى ذلك بوضوح في عهد الإمام علي(ع) إلى عامله على مصر مالك الاشتر عندما كتب إليه(ع)يقول:"...ثم انظر في أمور عمالك فاستعملهم اختبارا ،ولا تولهم محاباة و أثرة، فإنهما جماع من شعب الجور والخيانة وتوخ منهم أهل التجربة والحياء من أهل البيوتات الصالحة والقدم في الإسلام المتقدمة ،فإنهم أكرم أخلاقا ،واصح إعراضا ،واقل في المطامع إشرافا وابلغ في عواقب الأمور نظرا،...،ثم تفقد أعمالهم ، وابعث العيون من أهل الصدق والوفاء عليهم فان تعاهدك في السر لأمورهم حدوة لهم على استعمال الأمانة والرفق بالرعية .وتحفظ من الأعوان ،فان أحد منهم بسط يده إلى خيانة اجتمعت بها عليه عندك أخبار عيونك اكتفيت بذلك شاهدا ،فبسطت عليه العقوبة في بدنه و أخذته بما أصاب من عمله ، ثم نصبته بمقام المذلة ووسمته بالخيانة ،وقلدته عار التهمة"(نهج البلاغة،ج3: 96)،فمن هذا الكلام يبين الإمام (ع) انه لابد أن تتوافر مجموعة من الخصائص في موظفي الدولة والعاملين عليها منها الإيمان والتقوى ، ومن الأمور المهمة هو ضرورة وجود المراقبة والمتابعة المستمرة لهم سواء أكانت بصورة مباشرة أم غير مباشرة للتأكد من قيامهم بأعمالهم كما يجب وضرورة محاسبة ومعاقبة المخطئ منهم،وهذه من القواعد الأساسية في علم الرقابة الإدارية المعاصرة.

ج)المحتسب:

  وهو موظف مختص معين من قبل الدولة ، ،ووظيفته مزيجا من سلطات رجال الدين والشرطة والقانون والتموين ورجال الصحة والشؤون البلدية والمقاييس والمكاييل ،و المحتسب لابد أن تتوافر فيه مجموعة من الشروط والمؤهلات منها أن يكون مسلما بالغا عاقلا،ويتسم بالعدالة والتقوى والعفة عن أموال الناس وان يكون ذو أخلاق حميدة و أدب عال،فضلا عن كونه على علم واطلاع واسع بأحكام الشريعة و بالمنكرات وطرق التدليس والغش قادرا على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بيده ولسانه(خرابشة 1990: 1312)(مرشد،1992: 61 ).

  وكان المحتسب يراقب المرافق العامة للدولة ويعمل على صيانتها وتوفير الموارد المالية لها ،كما يراقب تحصيل أموال الدولة ويجبر من يتهرب من دفع زكاة أمواله على الدفع ،كما انه يمنع إنفاق الأموال العامة إلا في الوجوه المخصصة لها ،وفضلا عن الرقابة المالية فانه كان يتدخل في الشؤون الاقتصادية إذا أدت الحرية الاقتصادية إلى الإخلال بمصالح المجتمع كمنع الاحتكار والتسعير(خرابشة، 1990: 1312 ).

د)كيفية الاحتساب

  لقد وضع العلماء قواعد وضوابط وصفات للاحتساب على سائر الناس وباختلاف طرق كسبهم للمعيشة سواء أكان ذلك في موظفي الدولة أم أصحاب المهن الحرة ،وضمنوا هذه القواعد أساليب الغش والخداع التي يلجا إليها بعض ضعاف النفوس في معاملاتهم مع الآخرين، وبسبب اختلاف وتعدد المهن والحرف والوظائف التي يمارسها مختلف الناس فان هنالك قواعد وضوابط تخص كل فئة منهم وكل مهنة أو عمل أو فعل ومكانها  مثل:-

·        أرباب الحرف والصنائع والتجار والزراع.

·        عمال الدولة وموظفيها.

·        أعيان الناس وأوساطهم وأراذلهم.

·        منكرات الأسواق والطرقات والمرافق العامة.

·        أهل الذمة.

يتضح  مما سبق إن نظام الحسبة هو تشريع يهدف إلى مراقبة سلوك وتصرفات الأفراد في المجتمع الإسلامي على جميع فئاته وطبقاته في القول والفعل لصبغها بالصبغة الإسلامية وكذلك تعديل ومنع ما قد يقع من تصرفاتهم المضرة بالفرد والمجتمع، والحسبة تتسم بكونها نظام رقابي انضباطي أكثر من كونها نظام قضائي ، والرقابة على الأموال العامة تعتبر حاليا أحد الوظائف الرئيسة للمحاسبة الحكومية.

  نستخلص أن للمحاسبة الحكومية جذورا تمتد إلى بداية نشأة الدولة الإسلامية حيث كانت تستند في مبادئها و تطبيقاتها إلى نصوص القران الكريم والسنة النبوية المطهرة،فقد كانت تقوم على أساس من القيم الإنسانية التي كانت تسود المجتمع الإسلامي في صدر الإسلام  وعلى الممارسات الفعلية للعملية المالية والمحاسبية من تسجيل وقبض وصرف للأموال، فقد كان هناك تحديد وتنظيم وتوصيف للعمل المحاسبي من خلال تقسيمه على مجموعة من العاملين في بيت المال  ،و كان النبي الأكرم(ص) يمارس جزءا من العمل المالي والمحاسبي بنفسه وذلك لمحدودية الموارد المالية وقلة عدد المسلمين آنذاك، ومع تطور الدولة الإسلامية واتساع الأراضي المفتوحة من قبل المسلمين وكثرة وتنوع الأموال الواردة إليهم تطورت النظم المالية والمحاسبية المعنية بشؤون المال وكيفية تنظيمها والمحاسبة عليها ،فشملت نظاما متكاملا لبيت المال وسجلاته الحسابية وقواعد المراقبة والمتابعة على ما يرد إليه وما يخرج منه من أموال،فنرى إنشاء بيت المال ووضع الدواوين المختلفة ذات العلاقة بتسجيل وتدوين وتنظيم الأموال والمحاسبة عليها والتخطيط لها لفترات زمنية مستقبلية كما في قوائم الخراج ووضع نظام الحسبة لتكمل عملية المحاسبة على الأموال بخطوة مراقبة ومتابعة عملية الجباية والصرف للتأكد من سيرها في المسار المرسوم والمحدد لها شرعا،، مما يعكس مدى اهتمام الإسلام بقضية المال والاقتصاد وأهميتهما في تنظيم واستقرار الحياة الاقتصادية والاجتماعية للمجتمع الإسلامي،فضلا عن ذلك فانه يثبت أسبقية الاقتصاد الإسلامي- عن بقية النظم الوضعية الآخر - في وضع أصول وقواعد ومعايير المحاسبة الحكومية.

 وختاما نقول ،إن الشريعة الإسلامية المقدسة لم تترك صغيرة ولا كبيرة إلا أحصتها وذكرتها وبينتها،يقول الله تعالى في محكم كتابه المجيد:" ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيء .."(النحل، 89)، وعن الإمام الصادق(ع) انه قال:" إن الله تبارك وتعالى انزل في القران تبيان كل شيء حتى-والله- ما ترك شيئا يحتاج إليه العباد ،حتى لا يستطيع عبد أن يقول :لو كان هذا انزل في القران؟ إلا وقد أنزله الله فيه"(الكافي،ج1: 59).،ومما لاشك فيه إن المحاسبة والمال والاقتصاد هي من ضمن تلك الأشياء.

  وعليه يمكن القول إن النظام المحاسبي الحكومي الإسلامي هو نظام متكامل من حيث وجود المقومات الأساسية لعمل هذا النظام والوسائل والأجهزة المنفذة له،ذلك انه نظام متفرع من مبادئ وأسس ومعايير المذهب الاقتصادي الإسلامي حيث يشتق الأخير من النظام الإسلامي العام ،لذلك نعتقد انه النظام الأصلح ليتم تطبيقه في المجتمع الإسلامي بما يحقق أهداف هذا المجتمع ،وما كان  استخدام المحاسبة الأنجلو –أمريكية في الدول الإسلامية لأفضليتها أو مثاليتها ،و إنما كان ذلك لأسباب سياسية واقتصادية بحتة [8](Tahri,2004) ،فإذا ما أردنا تحقيق الأهداف والمصالح العليا للمجتمع الإسلامي وللدولة الإسلامية الحقة ووضع نظام محاسبي حكومي فعال يحقق تلك الأهداف، فان ذلك لا يكون إلا من خلال تطبيق الشريعة الإسلامية ،وفي جميع مجالات الحياة البشرية وفي مجال البحث الحالي يكون ذلك من خلال الالتزام بالنظام المحاسبي الحكومي الإسلامي ،والذي استعرضنا قبل قليل أهم المقومات والعناصر والأهداف التي يحتويها ،ويمكن القول إن معظم هذه الأهداف والمقومات والعناصر تنادي بها وتسعى إليها الأنظمة الحديثة والعصرية ،في حين إن الإسلام الحنيف جاء بها وطبقها قبل تلك الأنظمة بأكثر من ألف وأربعمائة سنة ، وهذا ما سنثبته بالتفصيل وبالأدلة والنصوص الشرعية في الفصل القادم إن شاء الله تعالى ،وبالأخص فيما يرتبط بموضوع بحثنا الحالي المتعلق  بإثبات أصالة النظام المحاسبي الإسلامي ،و إثبات الجذور الإسلامية لمعظم المعايير والقواعد المحاسبية الحكومية المطبقة في وقتنا الحاضر.

[1] مسحوبة من الانترنت.

[2] نقلا عن(الحسب،1984: 63).

[3] نقلا عن( الحسب،1984 :63).

[4]  نقلا عن (الحسب، 1984: 55).

[5] مسحوبة من الانترنت.

[6] نقلا عن ( الزهراني،1986: 133).

[7] مسحوبة من الانترنت.

 

[8] مسحوبة من الانترنت.
 




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=57907
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2015 / 02 / 16
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 04 / 20