• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : بحوث ودراسات .
                    • الموضوع : تنبيهات البراءة عند الوحيد البهبهاني .
                          • الكاتب : د . رزاق مخور الغراوي .

تنبيهات البراءة عند الوحيد البهبهاني

 خطة البحث :

1- المقدمة

2- التنبيهات في علم الأصول

3- تنبيهات البراءة عند الأصوليين

4-رأي الشيخ الوحيد في بحث البراءة وتنبيهاتها

5- خلاصة البحث  

 المقدمة:

          إن المعرفة الإنسانية ليست مقصورة في زمانها ومكانها أو مقيدة بهما ؛ ولذلك نجد التطور في العلوم لا يقف عند حد ثابت بل هو في حالة استمرار في التبدل والتغير وهذا واضح جدا في جميع العلوم الإنسانية .

   ومن تلك المعارف علم أصول الفقه الذي حظي باهتمام كبير من قبل علماء الفقه وحاز على اكبر حجم من التبدل في النظريات وفي الأخذ والرد حاله لحال كثير من العلوم التي شهدت تطورا ملحوظا بسبب ما وقع فيها من نقض وإبرام .

          ومن المعلوم من خلال تاريخ علم أصول الفقه أن الحاجة إلى هذا العلم كانت تزداد زيادة مطردة كلما ابتعد الإنسان عن زمن النص ؛ولذا من الطبيعي أن يسبق مذهب العامة في هذا المجال لاستمرار ارتباط مذهب أهل البيت عليهم السلام بالأئمة المعصومين فترة تجاوزت القرنين من الزمان وهذا هو الذي يفسر لنا تأخر الحاجة إلى علم أصول الفقه في الوقت الذي سبق المخالفون في هذا المجال.  

     وقد مر علم الأصول بمراحل متعددة وصراعات بين التوجهات المختلفة أفرزت العديد من التفاصيل والنظريات التي ذهب إليها عدد من الأصوليين ووصلت إلى اختلافات علمية في بعض الأوقات إلى إنكار أهم المباني التي يمكن أن يعتمد عليها الأصول وهو الدليل العقلي وكان هذا الإنكار في زمان الوحيد البهبهاني حيث كان الصراع بين مدرسة المحدثين والمجتهدين قد وصل إلى أعلى مراتبه.

      وكان من الممكن أن تكون مدرسة أهل البيت قد طبعت بطابع المحدثين لولا وجود عدد من أساطين المذهب والذين حافظوا عليه من هذا المصير.

وكان الوحيد البهبهاني قد حمل راية الدفاع عن هذه المدرسة ضد الأفكار الإخبارية التي تطرفت في قبول الحديث وإنكار حجية الدليل العقلي ولعل ظهور التطرف العلمي على يد الأمين الاسترابادي كان سببا من أسباب ضعف المدرسة إخبارية لان منهج الاسترابادي اتخذ سبيلا منهجا جديدا في التعامل مع علماء المذهب كان يفتقر إلى كثير من اللياقة والأدب مما دفع الشيخ يوسف البحراني لتخلي عن تأجيج الخلاف أكثر  بين المدرستين.

      وساهم انسحاب الشيخ يوسف البحراني في إتاحة المجال أمام الوحيد البهبهاني لإرساء قواعد الأصول بعد أن كان الصراع بين الطرفين على أشده وكان التعامل العقلاني من الشيخ البحراني سببا في بروز مدرسة الوحيد بعد أن رأى بنظرته الثاقبة أن الصراع اخذ طابعا لا تحمل عقباه.

        واستحق البهبهاني لقب أستاذ الكل أو الأستاذ الأكبر بسبب كثرة من برز من تلاميذه في القرنين الثاني عشر والثالث عشر حتى نسب الجميع في ذلك الوقت إلى مدرسته لما قام به من نشاط كبير في ذلك الوقت.

     وكان من ثمرات مدرسة الوحيد هو نظرية التفريق بين الأمارات والأصول حيث تعود جذور هذه النظرية إليه لأنها لم تكن موجودة من قبل فأن الفقهاء لم يكونوا يفرقون بينهما.

    واعتبرت هذه النظرية من أهم النظريات في تاريخ علم الأصول بإضافة إلى كثير من جوانب الإبداع التي ساهم فيها الوحيد من خلال درسه ومؤلفاته فقد ألف عددا من البحوث في علم الأصول لبيان رأيه في مسائل علم الأصول.

       كما كان له دور أساسي في صياغة بعض القواعد المعروفة في علم الأصول ومنها قاعدة (قبح العقاب بلا بيان) وهي من الأصول المرتبطة بشكل كبير ببحث البراءة ولعل هذه الصياغة العقلية كانت من نتائج الصراع الذي خاضه البهبهاني ضد مدرسة الإخباريين وان كان قد حصل تعديل على هذه النظرية من قبل بعض الأصوليين وان كان البعض قد اعتبرها بديهية ومستغنية عن إقامة البرهان عليها.

    وتعارف بين مصنفين علم الأصول أن يتعرضوا بعد الانتهاء من بحث البراءة لعدد من التنبيهات الخاصة بهذا المبحث الأصول .

    ومن المهم الإشارة أم المحل الذي يمكن أن يستكشف من خلاله ما تعرض له الوحيد في هذا البحث وتنبيهاته هو مؤلفاته الأصولية من قبيل الرسائل الأصولية والفوائد الحائرية ونحوها من الحواشي التي كتبها على بعض الكتب الأصولية كالقوانين المحكمة ومعالم الدين.

     وفي هذا البحث سنتعرض للمقصود من التنبيهات في علم الأصول وما يتعرض له الأصوليون في التنبيهات الخاصة في البراءة وما ذكره الوحيد في هذه المباحث.

     ويمكن القول أن مؤلفات الوحيد البهبهاني ليست مبذولة من زمن بعيد بل أن زمان نشرها ليس بعيداً ولذا فأن الباحث سيجد صعوبة في الحصول على رأي الوحيد في هذه القضايا[1].

2-التنبيهات في علم الأصول:

          تعارف بين مصنفي علم الأصول أن التعرض في البحث يكون بعد ان يتم تنقيح محل البحث بصورة علمية دقيقة وهو المعبر عنه بتحرير محل النزاع , وصار هذا ديدن المؤلفين في هذا العلم ؛ إلا انهم لم يكونوا قادرين على استيفاء كل ما يتعلق بمحل النزاع ؛ ولذلك كانت هناك تكملة للبحث يعبر عنها بالتنبيهات وهي في العادة أمور مرتبطة بالبحث الأصلي ولذلك تذكر التنبيهات الخاصة بكل بحث بعده مباشرة .

        ومن المعلوم ان البحوث التي تاتي بعد الانتهاء من البحث الاصلي او تذكر ملحقة مع المبحث الاصلي تعتبر بحوثا استطرادية لا يتم التعامل معها كما يتعامل مع البحث الاصلي الا ان الامر ليس كذلك مع هذا النوع من الامور الخارجة عن محل النزاع .

     ويمكن القول ان هذه التنبيهات هي تطبيقات فقهية في المبحث السابق ويكون الموقف فيها مرتبطا بالبحث من جهة عملية .

        ومن تلك المباحث التي تذكر لها تنبيهات هو مبحث البراءة وفي الوقت الذي يقصد التنبيهات المعنى الذي اشرنا اليه فيما تقدم فان المقصود من التنبيه في اللغة هو الايقاظ ويقصد به في الاصطلاح ان ماذكر سابقا فيه اجمال ويحتاج الى تفصيل فيعقد التنبيه من اجل التفصيل المجمل وان ما تقدم سابقا فيه نكته تحتاج الى بيان وبيانها يذكر تحت عنوان التنبيه وعندما يتعدد الموجب لعقد التنبيهات يتحول العنوان من الافراد الى الجمع فيقال تنبيهات الاستصحاب او تنبيهات البراءة[2] ونحو ذلك.

     ومن المتعارف في بحث البراءة التعرض لعدد من التنبيهات الخاصة بأصل البراءة وهي كما يلي:

التنبيه الاول: اشتراط جريان البراءة بعدم وجود اصل موضوعي في موردها وهو المعبر عنه بجريان اصالة التذكية .

        فان اصل البراءة يجري في المشتبه لو لم يوجد اصل موضوعي والا فالاصل الموضوعي سببي واصل البراءة مسببي ومع وجود السببي لا يجري المسببي لتقدمه عليه بالحكومة او بالورود كما لو كان لدينا حيوان نشك في انه قد ذكي او لا ففي مثل هذه الحالة لا يمكن اجراء اصل البراءة لاثبات جواز اكله والسبب وجود اصل موضوعي وهو استصحاب عدم كون الحيوان مذكى وعندما يجري هذا الاصل فلا يوجد طريق لاجراء اصل البراءة في هذه الحالة .

       ومن هنا فان جريان اصل البراءة العقلي والنقلي مشروط بعدم وجود اصل موضوع حتى لو كان ذلك الاصل موافقا وعلى هذا لا تجري اصالة الاباحة في الحيوان الذي يشك في حليته كما لو وقع الشك في كونه قابلا للتذكية فيجري اصل عدم تحقق التذكية وهو محكوم في هذه الحالة بالحرمة.

         اما لو علمنا لكونه قابلا للتذكية وشككنا في حليته فأن اصالة الاباحة تجري في مثل هذه الحالة لعدم وجود اصل يمكن ان يمنع من جريانها وهذا اذا لم يكن هناك اصل مثبت لقبوله التذكية كما اذا شك في ان الجلل يوجب ارتفاع القابلية للتذكية او لا يوجب ذلك فيجري استصحاب حالته السابقة على الجلل وهي المعبر عنها بالشبهة الحكمية.

     واما لو كانت الشبهة موضوعية فالاصل الجاري فيها ايضا قد يكون موافقا وقد يكون مخالفا وعلى كلا الحالتين فلا يجري اصل البراءة.

       فلو شككنا في حيوان انه قد ذكي او لا وليس لدينا امارة يمكن اثبات تذكيته من خلالها فالأصل الجاري هو عدم كونه مذكى , فلا يصح التمسك باصالة البراءة في مثل هذه الحالة لوجود اصل موضوعي وهو استصحاب عدم التذكية هذا اذا كان الاصل مخالفا.

   ولو كنا نعلم ان الجلل يزيل قابلية الحيوان للتذكية ولكن حصل الشك ان هذا الحيوان من قبيل الشاة مثلا هل اكل مقدارا من العذرة الى ان صار جلالا او انه لم ياكل ذلك المقدار فيجري في مثل هذه الحالة استصحاب التذكية ويحكم بحليته من دون الحاجة  الى اجراء اصل البراءة .

وخلاصة الصور في المقام اربع :

 1- ان يكون المشتبه مشكوك الحكم بنحو الشبهة الحكمية ويكون الاصل مخالفا.

2-ان يكون المشتبه مشكوك الحكم بنحو الشبهة الحكمية ويكون الاصل موافقا.

3-ان يكون المشتبه مشكوك الحكم بنحو الشبهة الموضوعية ويكون الاصل مخالفا.

4-ان يكون المشتبه مشكوك الحكم بنحو الشبهة الموضوعية ويكون الاصل موافقا.

والحكم فيها جميعا عدم جريان اصالة البراءة لوجود اصل موضوعي.

التنبيه الثاني: حسن الاحتياط شرعا وعقلا في الشبهة الوجوبية او التحريمية في العبادات وغيرها:

           وذلك من جهة كون الاحتياط بنطاقه الواسع من الامور المستحسنة في العقلي والشرع سواء كان ذلك في الامور التوصلية او التعبدية وفي الشبهة الوجوبية او التحريمية مالم يكن هناك عسر او حرج.

       حيث ذكر الاصوليون ان الاحتياط حسن عقلا وكل ماحكم العقل بحسنه حكم الشرع بحسنه فالاحتياط حسن شرعا كما ان الاحتياط حسن شرعا وكلما حكم الشرع بحسنه تعلق الامر به شرعا فالاحتياط تعلق به الامر شرعا.

        وقد ناقش بعض الأصوليين بعدم كفاية حسن الاحتياط في الأمور العبادية التي يدور أمرها بين الوجوب وغير الاستحباب من جهة انه لابد في العبادة من نية القربة وهي متوقفة على الجزم بالأمر لا الترديد بين الأمرين .

       وقد أجيب عن ذلك بعدد من الإجابات لرفع الإشكال في مثل هذه الحالة منها ان منشأ اعتبار قصد القربة ليس تعلق الأمر به العبادة بل حكم العقل من جهة ان الغرض من العبادة لا يحصل من دونه ويكون الإتيان بالعمل العبادي من جهة الداعي المحتمل للأمر .  

أو يتمسك بأخبار من بلغ أي بقاعدة التسامح في أدلة السنن وهي القاعدة المؤسسة بناء على ما ورد في صحيحة هشام بن سالم عن الإمام الصادق عليه السلام وهي قوله : من بلغه عن النبي (صلى الله عليه واله ) شيء من الثواب فعمله كان اجر ذلك العمل له وان كان رسول الله (صلى الله عليه واله) لم يقله[3] .    ويوجد مجال واسع لرد هذا الجواب أيضا لان هناك مناهج مختلفة في قبول مستند قاعدة التسامح ويوجد رفض لأصل المستند باعتباره مرسلا ولا قيمة لمثله في تأسيس مثل هذه القواعد خصوصا وان المستحب والمكروه على وزان الأمور المشرعة الإلزامية .

التنبيه الثالث :التفصيل في جريان البراءة في الشبهة الموضوعية التحريمية :

    أو كما عبر البعض في بيان موارد إجراء البراءة باختلاف أحكامها لان البراءة لا تجري في الشبهة التحريمية الموضوعية لان الشك فيها ليس شكا في التكليف كي تجري فيها قاعدة قبح العقاب بلا بيان او يرجع الى حديث الرفع ضرورة ان وظيفة الشارع   بما هو شارع جعل الحكم بنحو الكلي بان يقول (الخمر حرام) ومن المعلوم انه جعل الحكم وبينه ووصل الى المكلف وإنما وقع الشك في التطبيق وان المانع الحاصل هل هو مما ينطبق عليه متعلق الحكم ام لا؟.

   ووظيفة إزالة هذا الشك ليست مطلوبة من الشارع بل هي على عهدة المكلف وعلى هذا فاشتغال ذمته بالاجتناب عن متعلق الحكم المحرم أمرا يقينيا وهو يقتضي الحصول على براءة يقينية وهو لا تحصل الا من خلال الاحتياط.

       ولذلك اعتبر البعض ان ترك المشكوك ليس أمرا ثابتا في ذمة المكلف ويمكن التنازل عنه لانه من الواضح ان النهي الحاصل ينحل الى كل افراد المتعلق اما المشكوك فيه فلابد من احراز كونه فردا من أفراد المتعلق قبل المطالبة بوجوب التجنب ولما كان هذا المورد من موارد  الشك في أصل التكليف فيمكن إجراء البراءة عنه بلا أدنى شك دون الاشتغال.

     اما في حالة كون النهي الوارد غير انحلالي كما في النهي الوارد عن تناول المفطرات بأعتبار أن النهي الوارد لا يتعدد بتعددها بل هو واحد ومتعلق بها جميعا ولذا لو فرضنا ان المكلف تركها جميعا وارتكب واحدة منها فيعد حينئذ عاصيا لا انه عاص بلحاظ بعض المفطرات وممتثل بلحاظ البعض الاخر وهذا كاشف على عدم الانحلال والمناسب في هذه الحالة عدم اجراء أصالة البراءة وتطبيق قاعدة الانشغال اليقيني وذلك لان ذمة المكلف قد اشتغلت بتحريم واحدا متعلق بترك جميع المفطرات ولابد ان نفرغ الذمة من هذا التكليف اليقيني بصورة يقينية ولا يمكن حصول ذلك الا من خلال ترك الفرد المشكوك.

       نعم قد يستثنى من ذلك حالة ما اذا كان بالامكان اجراء الاصل بالمقام من اجل احراز ترك جميع المفطرات ففي حالة افتراض جريان الاصل لا يبقى هناك مانع من ارتكاب الفرد المشكوك.

  التنبيه الرابع : حسن الاحتياط فيما لم يخل بالنظام :

     والمقصود به ان الاحتياط حسن بشكل مطلق فيكون شاملا لحالة قيام الحجة على عدم الوجوب او عدم الحرمة او حالة العدم بلا فرق بين الشبه الحكمية والشبهة الموضوعية ولا بين الأمور المهمة والتي ورد التأكيد على مراعاتها كالدماء والفروج وغيرها من الأمور وكذا دون تفريق بين قوة الاحتمال وضعفه .

    وعليه فان الاحتياط الذي لا يؤدي الى الاخلال بالنظام محكوما بحسنه من دون فرق بين الموارد السابقة .

     هذا احد التقسيمات التي ذكرت للتنبيهات فيما يرى البعض الاخر ان التقسيم خماسي بإخراج الجواب الذي يذكر في رد الإشكال الوارد على الاحتياط فيجعله تنبيها خامسا تحت عنوان التسامح في ادلة السنن .

      4-رأي الشيخ الوحيد في بحث البراءة وتنبيهاته

            لقد امتاز زمان الوحيد البهبهاني بكثرة الحوارات بين الأصولية والإخبارية وكان البهبهاني حريصا على ان يكون شكل المواجهة مع المدرسة الاخبارية بصورة كاملة وعلى مستوى الشكل والمضمون ولذلك كانت الصياغات التي صدرت منه واضحة المتانة لانه كان يشعر بان هناك جهة تتربص بالمذهب وتريد ان تاخذه باتجاه واحد لا يبقي لعلم الاصول قيمة ولا اثرا .

          وقد بين البهبهاني ان حكم الشك ليس حالة واحدة بل يمكن ان يكون متعلقا بالتكليف كما يمكن ان يكون متعلقا بالمكلف به والحكم مختلف بالنسبة الى الحالتين .

        وكان الوحيد هو أول من استنبط قاعدة (قبح العقاب بلا بيان), واستند اليها في كل موارد الشك في التكليف كما انه استنبط من جهة ثانية قاعدة (الاشتغال اليقيني يقتضي الفراغ اليقيني).

   وقد اصبحت هاتين القاعدتين وغيرها من ابتكارات الوحيد الاصولية منهجا متبعا لمن جاء خلفه من العلماء في علم الاصول[4] .

   وكانت القاعدة الخاصة باجراء البراءة (قبح العقاب بلا بيان) نتيجة من نتائج الصراع الفكري الذي احتدم بين مدرسة الوحيد ومدرسة الشيخ يوسف البحراني وقد اشار الى دليل القاعدة بقوله: (دليل المجتهدين حكم العقل بقبح التكليف والمؤاخذة ما لم يكن بيان) .

    وتم تعديل هذه الصياغة من قبل صاحب المفاتيح واعتبرها الشيخ الانصاري من القضايا البديهية ولذلك لم يتعرض للاستدلال عليها بناء على كونها واضحة وبديهية .

   ولعل التبيه الخامس من التنبيهات الخاصة بالبراءة وهو الجواب عن اشكال الاحتياط عن طريق قاعدة التسامح في ادلة السنن هو أكثر الموارد حضورا فيما كتبه الوحيد البهبهاني ليس في كتبه الاصولية بل في كتبه الفقهية من قبيل شرحه لمفاتيح الشرايع للفيض الكاشاني او في حاشيته على المدارك[5] .

   وبناء على هذا فان موقف الوحيد البهبهاني وان كان واضحا من البراءة وتطبيقها في موارد الشك في التكليف الا ان موقفه من تنبيهات البراءة ليس واضحا من خلال مراجعة كتبه الاصولية والفقهية المطبوعة[6] ما عدا الموقف من قاعدة التسامح في أدلة السنن التي ورد ذكرها في اكثر كتبه الفقهية .

4- خلاصة البحث:

     تبين من خلال مطاوي البحث عدة أمور :

1-إن هناك مباحث تدخل في صميم محل النزاع في الأصول وهناك مباحث تدخل ضمن البحوث الاستطرادية وتطرح بعد الانتهاء من البحث الأصلي تحت عنوان تنبيهات المباحث المختلفة وهو امر يحصل في عدد من المباحث الأصولية كالاستصحاب والبراءة وغيرهما.

2-إن زمان المجدد البهبهاني كان زمانا زاخرا بالعطاء الأصولي من خلال نتائج المدرسة التي تشكلت من بعد انحسار سلطة المدرسة الإخبارية .

3-إن الوحيد البهبهاني كانت له اليد الطولى في بناء بعض النظريات الجديدة في اصول الفقه من قبيل التفريق بين الامارات والأصول ومن قبيل التقسيم بين حالات الشك المختلفة من خلال ارتباطها بالتكليف او بالمكلف به .

4- ان معرفة راي الوحيد في تنبيهات البراءة يختلف كثيرا عن معرفة رايه في قضية البراءة فان موقفه واضح جدا من الامر الثاني اما موقفه من الامر الاول فليس له محل واضح في مؤلفاته الا ما تم طرحه من قبله في بعض المباحث الفقهية سواء كان ذلك في الحواشي التي كتبها على بعض الكتب الفقهية كالمدارك ومجمع الفائدة والبرهان او في شروح الكتب الفقهية كشرحه على كتاب مفاتيح الشرايع للفيض الكاشاني .

مصادر البحث :

1- القران الكريم .

2- وسائل الشيعة – الحر العاملي

3- الفوائد الحائرية- الوحيد البهبهاني

4- الرسائل الأصولية – الوحيد البهبهاني

5- مقدمة كتاب الفوائد الحائرية بقلم الشيخ الاصفي

6- كفاية الاصول – الاخوند الخراساني .

7-مصابيح الظلام في شرح مفاتيح الشرايع- الوحيد البهبهاني.

8- الحاشية على مدارك الاحكام – الوحيد البهبهاني

9- التمهيد في اصول الفقه – الدكتور صدر الدين فضل الله  .

 بقية كتب الوحيد المطبوعة من اجل المراجعة   


[1] - بسبب الصعوبة في معرفة راي الوحيد البهباني في تنبيهات البراءة عمدت الى مراجعة كتبه الفقهية بالاضافة الى كتبه الاصولية الموجودة اما الكتب الفقهية فقد  راجعت شرحه على مفاتيح الشرائع الفيض الكاشاني في 12 مجلدا وحاشيته على مدارك الاحكام للسيد محمد العاملي في ثلاث مجادات ورسائله الفقهية في مجلد واحد وحاشيته على كتاب مجمع الفائدة والبرهان للمقدس الاردبيلي واما الكتب الاصولية فقدت راجعت رسائله الاصولية المسماة بالفوائد الاصولية وكذلك فوائده الحائرية القديمة والجديدة اما حواشيه على القوانين والمعالم فلم اجد لهما نسخا مطبوعة ,وقد وجدت في سرد مؤلفاته رسالة في اصالة البراءة ويبدو انها هي المنشورة في  كتاب فوائده الحائرية واكتفيت بالكتب التي حصلت عليها وقد كان بحثي الاتي من خلال مراجعتها .

[2] - المقصود بالبراءة هي الحكم ببراءة الذمة من التكليف المشكوك ثبوته على المكلف اذا لم يعلم له حالة سابقة فهي تجسيد لمبدا عقلي يحكم بان الاصل في التكليف براءة الذمة منه ما لم يثبت.ولها دليلان عقلي ونقلي اما العقلي فيتمثل بقاعدة قبح العقاب بلا بيان ويقصد بها ان التكليف اذا لم يقم عليه دليل يجعله منجزا وساريا على المكلف فانه يقبح العقاب عليه من قبل المولى عقلا واما النقلي فعدة نصوص قرانية وروائية من قبيل قوله تعالى (وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا) , ومن السنة من قبيل حديث الرفع , التمهيد في اصول الفقه ص55-56 .

[3] -وسائل الشيعة الباب 18 من أبواب مقدمة العبادة .

[4] -لايخفى ان هذا الامر ليس بنحو الايجاب الكلي لان بعض المصنفين من الاصوليين قد وقفوا موقفا رافضا لقاعدة قبح العقاب بلا بيان وابدلها بمسلك حق الطاعة الذي يمثل منهجا متطابقا مع القائلين باصالة الاشتغال في الموارد الخاصة بالشك مطلقا وهو خلاف مدرسة الوحيد البهبهاني في الاصول .

[5] -ان اكثر كتاب اعتمد فيه الوحيد على هذه القاعدة هو شرحه لكتاب مفاتيح الشرايع بسبب كبر حجم الكتاب ثم كتاب الحاشية على مدارك الاحكام اما بقية الكتب فحجم الاستخدام فيها اما معدوم واما نادر .

[6] - ان كتب الوحيد المطبوعة التي تمت مراجعتها من اجل بيان موقفه من تنبيهات البراءة هي رسائله الاصولية ورسائله الحائرية القديمة ورسائله الرجالية ورسائله الفقهية وحاشيته على مجمع الفائدة والبرهان وحاشيته على المدارك والاحصائية الخاصة بمراجعة هذه المصادر كما تمت الاشارة اليها سابقا اما حواشيه على كتب القوانين والمعالم فلم اتمكن من العثور عليهما .




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=57267
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2015 / 02 / 02
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 04 / 19